أرسلتُ هذه الرسالة للسيدة ذات القلب الرحيم والصورة الجميلة والعواطف الحساسة، القاصة البارعة راحيل ملكا بودا، الصحفيَّة البارزة في يديعوت أحرونوت: تحية طيبة أقدمها لكِ على رهافة مشاعرك وإحساسك الرقيق تجاه معاناتنا ومآسينا! سيدتي، لا أكتمك فقد أحسستُ بالانفعال وأنا أقرأ مقالك في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 5/5/2012 وجاء المقال في شكل قصة مشوقة، تثيرُ العواطف، وتحرك المشاعر. أحسستُ بأن ضخامة مآسينا تمكَّنتْ في النهاية من الوصول إلى القلوب الشفيفة في إسرائيل، غير أنني أحسستُ بأنك كنتِ تهربين إلى مشاعرك وعواطفك، ولم تذكري شيئا عن المتسبب في كل هذه المآسي والآلام والفواجع التي أثارتك، وجعلتك – سيدتي- تحسين بأن الفلسطينيين هم بشر مثل الآخرين يملكون عواطفَ وأحاسيسَ، وهم أيضا نُبلاء عاملون أوفياء، وليسوا كما كنتِ تعتقدين قبل أن تنتقلي للعيش بجوارهم، فقد انتقلتِ من شقتك الضيقة في القدس إلى فضاء المستوطنات الرحيب بجوار الفلسطينيين، ولم تذكري شيئا عن ملكيتك للبيت الجديد، وصرت ترين السكان الفلسطينيين كل يومٍ عن قرب، وصرت تسمعينهم يتمنون لك عيدا سعيدا! غمرني شعورٌ إنسانيٌ نبيلٌ وأنا أقرأ قصتك مع الفلسطينيين، وإحسانك إلى أطفالهم المشردين، الذين يقتاتون من عرقهم ليعيلوا أسرهم، كما أنني أشكرك على منحك الطفل الفلسطيني الذي اعترض سيارتك ليمسح زجاجها خمسين شيكلا !! إن قصتك هي بالضبط قصة أحد جنود الجيش الإسرائيلي من رافضي الخدمة العسكرية، الذي روى قصته عام 2001 عندما برزت ظاهرة الجنود الذين يرفضون الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة، وبيَّن الجندي السبب في رفضه العمل في المناطق المحتلة التي تسكنين فيها اليوم، وقال للشرطة العسكرية التي أمرت بسجنه : (اعتدتُ أن أقف جنديا على أحد الحواجز العسكرية، أمارس طقوس عرقلة مرور الأبرياء الفلسطينيين إلى بيوتهم وأماكن عملهم، وأؤدي طقوس الإذلال بحقهم طوال اليوم، وعندما أخلعُ بزتي العسكرية، وألبس الثياب المدنية، أتقمص شخصية أخرى زائفة، أُكَفِّر بها عن أفعالي، فأقود سيارتي، وأدخل الأسواق العربية لأشتريَ منها حاجاتي بثمنٍ بخس، مبتسما للبائعين، مازحا معهم، مُتذلِّلا لهم ...نعم أنا مريض ولا أرغب العمل في المناطق المحتلة!) أما عن قصة السيدة الرهيفة راشيل بودا التي نشرتها يديعوت أحرونوت 5/5/20012 فإليكموها: " حيث أنني امرأة متدينة، كان مفروضا عليَّ أن أكره العرب، أو على الأقل أن أعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وما أزال أذكر عندما كنتُ طالبةً في المدرسة العليا بالقدس أنني ذهبتُ لشراء طبلة من الحي العربي، وهمس لي أحد المدرسين في أذني وأنا أساوم البائع العربي وقال: لا يجب عليكِ أن تشتري منهم، فأنتِ تدعمينهم! ومنذ ستة شهور،انتقلتُ من شقتي في القدس لأسكن وراء الخط الأخضر، فنحن صهيونيون نحب الأرض!! وكنت في البداية أرى العرب ولا أعيرهم انتباهي، إلى أن تغيرتْ مفاهيمي فمنذ أسبوع كنت ذاهبة لإيصال أطفالي إلى الحضانة، حين استوقفتني جارةٌ وشرعنا في الحديث، فأفلتَ ابني من يدي ليرى تراكتورا يجتاز الطريق، وشاهده عاملٌ عربي، وانطلق وراءه وجذبه من أمام المركبة الضخمة وأنقذه من الموت، وقال لي العامل : انتبهي لابنك! قلتُ له شكرا لقد أنقذتَ ابني! وبعد يوم واحد رأيتُ مُنقِذَ ابني يقف في الطريق في انتظار سيارة، حينئذٍ سألتُ نفسي: هل أقف له؟ ولكنني لم أقف خوفا من أن يكون إرهابيا!! وساءلتُ نفسي: لماذا يكون العرب طيبين عندما يدخلون بيوتنا يُصلحون لنا الأشياء، ويبنون بيوتنا، ولكنهم يتحولون إلى إرهابيين عندما يتعلق الأمر بإركابهم في سياراتنا؟!! لماذا كلما أردتُ رد الجميل يعاودني الإحساس بأنه ربما يكون إرهابيا؟!! ولماذا حينما يتعلق الأمر بالمصير فإنني لا أثق إلا في اليهودي، وكأن اليهود ليس فيهم سارقون وإرهابيون، وكأن الجنس اليهودي كله جنسٌ صالح؟!! كما أن العامل العربي الذي يعمل في السوبرماركت، قال لي وأنا أشتري الهدايا قبل عيد الاستقلال: كل عام وأنتِ بخير!! فبماذا أردُّ عليه، هل أقول له: كلُ نكبةٍ وأنت بخير؟!! وفي هذا اليوم وقفت بسيارتي في مفترق التلة الفرنسية بالقدس، حين اقترب من سيارتي طفلٌ فلسطيني وجهه مليء بالندوب، وشرع في مسح زجاج سيارتي بخرقة بالية، وقلتُ له: لم أطلب منك ذلك فقال هامسا بخجل: شيكل واحد فقط!! وبسرعة تصورتُ أنه ابني.. جذبت محفظة نقودي وأعطيته خمسين شيكلا وقلت له أنفقها كما تحب، وانطلقتُ بسيارتي أبكي بصوت عالٍ طوال الطريق!" انتهت القصة.