ما أثار انتباهي وعلِق بذهني وأنا أتابع محاضرةالدكتور عزمي بشارة حول "السياقات التاريخية لنشوء العلمانية وسياقاتها"،قول الرجل إن رجال الثورة الفرنسية قد قتلوا ثلاثة آلاف من رجال الدين الفرنسيين يومئذ ؟؟؟،كما قال في موضع آخر،إن رجال دين كثير شاركوا في الثورة،وشارك البعض منهم في صياغة البيان "الأيقونة [الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1789] ...؟ ... انتهى الشاهد كم يستدعي هذا الأمر من تعليق؟ وعلى كم من صعيد ؟ أولا: لقد تعلّمنا في معاهدنا وجامعاتنا طوال مراحل دراساتنا أن الثورة الفرنسية هي واحدة من أفضل ثورات التاريخ والعالم،وأنه بفضلها دخلت فرنسا وأوروبا والعالم عصر الحداثة والتقدم والعقلانية والأنوار...لم يحدّثنا أحد عن هذا الكمّ من القتل والقتلى ؟. وإن حصل،فبشكلٍ تمجيدي؟ . أذكر أن أستاذ مادة التاريخ في السنة الخامسة ثانوي كان "يسكر" من النشوة بإنجازات الثورة الفرنسية وهو يلقّننا فضائلها،ويبخّس إلينا،من حيث يشعر أو لا يشعر [؟] تاريخنا وحضارتنا .وكذلك كان الشأن في الجامعة،سواء في الحقوق،ونحن نقرأ عن التقنينات الفرنسية النابليونية الحديثة،التي أخرجت العالم من "ظلم" التشريعات القديمة الإطلاقية،إلى "عدالة" التشريعات الحديثة "النسبية"؟،أو في الآداب ونحن ندرس المدارس النقدية الأدبية التي أتت بعد الثورة...وبفضل الثورة. ثانيا: لقد رسخ في أذهاننا أن الثورة هي نقيض الدين،وأنهما خطّان متوازيان لا يلتقيان أبدا،وورثت نخبتنا [نكبتنا] هذا "المعتقد"،فيما أثبت المحاضر،بالدليل وبالوقائع نسبيّةَ،إن لم أقل زيف هذا الادّعاء. أما الأشد غرابة،فهو أن الغرب شرع منذ مدة غير قصيرة في مراجعة "عقيدته" التاريخية،فيما لا تزال "نخبتنا" على وعي القرن ما قبل الماضي؟ ثالثا: إن الذين لم تثرهم الحقائق التاريخية،ولم يرفّ لهم جفن عن آلاف القتلى باعتبارهم "أعداء الثورة"...وعلى الثورة أن "تصفّي أعداءها" على رأي "نبيّ الثورة" عدنان الحاجي،قاموا اليوم صفّا واحدا،كالبنيان المرصوص،يرفضون مجرد استبعاد أعداء الشعب والثورة من الانتخابات،ورأيناهم يتحدثون عن "الدكتاتورية" وعن "العقاب الجماعي" وعن "الاستبداد" الجديد...؟؟؟. بماذا عساك تصف من يدعو إلى القتل...ويسكت عن القتل...وعن الدعوة له...ولكنه يصف مجرد استبعاد أعداء الشعب والثورة من الانتخاب ب"الدكتاتورية البغيضة" ؟؟؟ ... لعل الجواب الوجيز الذي يمكن أن نقدّمه،هو ما ورد في مداخلة الدكتور المنصف المرزوقي،تعليقا على محاضرة "ضيفه"،حيث يعتبر أن الرهان اليوم هو بين من يريد إعادة هيكلة الاستبداد،وبين من يبحث عن طريق للقطع نهائيا مع الاستبداد.. أما الرأي عندي،فهو أنه قد تتعثر مسيرة الثورة أياما أو شهورا....أو سنينا،ولكن الاستبداد لن يعود،ولو حرِص الحريصون. 23 05 2012