عاش العالم عقب الحرب الكبرى الثانية فترةً اصطُلِح عليها اسم "الحرب الباردة"،حيث لئن انتهت "الحرب"،ماديا وعسكريا،فقد استمرّت نارها مستعرة "باردة"؟... وانقسمت الدول إلى معسكرين أساسيين،معسكر بقيادة أمريكا،وآخر بقيادة الاتحاد السوفياتي ... في تلك الأثناء،كانت الجزائر بقيادة المرحوم هواري بومدين أمْيل إلى المعسكر الاشتراكي السوفياتي،وكان يُرْوى عن رئيسها قولُهُ،إمعانا في التناقض [السّيستيماتيك]مع المعسكر الغربي الأمريكي الفرنسي،حين يتحدّث في سياسة بلاده الخارجية:"إنني إذا هممتُ بأمرٍ،أعلنُ عنه،فإن باركَتْهُ فرنسا وأمريكا،أتراجع وأُلغيه،وإن رفَضَتاه،أمضي فيه،وأتمسّك به..." ... إنّ الذي يراقب الساحة السياسية التونسية اليوم لا يجد أيّ عناء في ملاحظة نفس هذا "التّمشّي"،حيث تكاد المواقف تتحدد لا على أساس وجاهتها أو عائدها على واقع الناس،وإنما،للأسف،على قاعدة العلاقة بالآخر،الذي تصدر عنه تلك المواقف.... وللمفارقة،قد يكون من مصلحة طرفٍ مّا الذّهاب في هذا الاتجاه أو ذاك،ولكن ما إن يبادر "غريمه" إلى اتخاذ هذا القرار،حتى يرفضه ......"غريزيا"؟؟؟ ولذلك ترى اليوم أن الحكومة إذا مارست سياسة ضبط النفس والتّدرّج وتغليب المسامحة على المحاسبة تُتّهَمُ بالتقصير والتنسيق مع الفاسدين"،وإذا ذهبت خطوةً في اتّجاه محاسبة أولئك "الفاسدين" تُتّهَمُ بتصفية الخصوم والانتقام والتّشفّي واستبعاد "المعارضين"؟؟؟؟؟" أليس غريبا أن كل التونسيين تقريبا كانوا ضحايا قضاءٍ غير عادل وغير نزيه،ولما قررت الحكومة إقالة البعض من القضاة الفاسدين المفسدين،انقلب "مُحامو الشيطان" يُشيطِنون الحكومة بسبب ذلك... وقبل ذلك،أليس غريبا أيضا أنه قد طُلِب من بعض الفرقاء السياسيين المشاركة في تشكيل الحكومة،فرفضوا،فلما تشكلت الحكومة وبدأت تشتغل،طُلِب منها أن "تتوقف"،وتعيد تركيبها من جديد بحيث يلتحق بها الرافضون...النادمون؟؟؟ ... حقا،لا أكاد أفهم "منطق" البعض من سياسيينا إلاّ على أساس أنهم بقايا و"ضحايا" الحرب الباردة........