هل تسعى الحكومة إلى تحييد اتحاد الشغل.. وحصر دوره في الجانب الاجتماعي؟ هل كان حديث السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة أول أمس في مستوى الحدث؟وهل أقنع وقدم الإجابات بشأن الملفات الحارقة المطروحة في الفترة الأخيرة على الساحة الوطنية؟والأهم هل طمأن الرأى العام والطبقة السياسية بشأن مآل البلاد في ظل تصاعد وتيرة الأحداث الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بشكل جعل أكثر المتفائلين يراجعون حسابتهم ويتساءلون ترى إلى أين نحن سائرون؟... وحتى يكون التقييم بعيدا عن القراءات المشفوعة بحسابات سياسية ارتأت الصباح وضع خطاب الجبالي في محرار محللين ومختصين في مجال الاتصال وعلم الاجتماع السياسي بحثا عن تقييمات موضوعية ترصد الإيجابي في الخطاب دون مغالاة وتنقد السلبي دون تحامل لأن ما تشهده البلاد اليوم من خلط بين أوراق الحسابات السياسية الضيقة والمصلحة الوطنية وتواصل منطق الاستقطاب الثنائي يستدعي البحث عن من يقول للمحسن أحسنت دون تزلف ولمن يخطئ أخطأت بكل تجرد. من هذا المنطلق يمكن الإشارة إلى أن رئيس الحكومة المؤقتة أصاب في مواضع وأخطأ في أخرى وعلى قدر طمأنته للبعض بشأن مسائل جوهرية على غرار الموقف من العنف باسم الدين ظلت عديد المسائل معلقة في نظر البعض لا سيما في مستوى مستقبل العلاقة مع اتحاد الشغل. العنف السّلفي تتعلق أول التقييمات الإيجابية لمضمون خطاب الجبالي بما ورد حول تصاعد وتيرة العنف السلفي حيث اعتبر كثيرون تصريحات رئيس الحكومة حملت تطورا في الموقف ومصارحة لأول مرة عندما أشارت بوضوح إلى ما يمارس في الآونة الأخيرة باسم الدين وإلى رفض كل محاولات فرض نمط عيش أو أفكار معينة بالقوة على المجتمع التونسي. ويشير هنا خالد قزمير أستاذ العلوم السياسية بمعهد الصحافة أنه يكبر إلتزام الجبالي عندما أشار إلى أنه لا يمكن لأحد أن يفرض نمطا إجتماعيا بالقوة على المجتمع. وكأنه تفطن إلى أن التوظيف السياسي للدين كان خطئا فادحا وسببا من أسباب عديد المشاكل التي تواجهها الحكومة والبلاد في الآونة الأخيرة. واعتبر خالد قزمير الرسائل المتعلقة بالجانب الأمنى مطمئنة أيضا في خطاب الجبالي عندما تحدث عن التوجه نحو تطبيق القانون لأن التراكمات في التعدى على هيبة الدولة وعلى سيادة القانون وصلت إلى مرحلة لم يعد بالإمكان السكوت عنها. من جهته يعتبر سالم لبيض المختص في علم الاجتماع السياسي تصريحات الجبالي حول السلفيين بداية اقتناع من الحكومة بأن مسؤولية تسيير الدولة ربما تقتضى منها التضحية بعلاقات مع مقربين سياسيا وإيديولوجيا لا سيما عندما يصل الأمر حد محاولة هذه الأطراف مشاركة الحكومة في وظيفة التسيير.والكل يعلم أن الأطراف المنتمية للتيار السلفي أو المحسوبة عليه كما يقول البعض باتت تشكل نوعا من السلطة داخل السلطة. وفي قراءة للجديد في الموقف من السلفية يقول طارق بلحاج محمد مختص علم الاجتماع أنه لأول مرة يقر مسؤول بهذا المستوى ومن حركة النهضة تحديدا بأن التجاوزات السلفية وصلت إلى حد لا يطاق وأنه لا وجود لتحالف بين السلفيين وحركة النهضة. وبأنهم مخطئون في منهجهم هذا بالإضافة إلى تقديم قراءة للشريعة هي الأولى من نوعها عندما أشار الجبالي إلى أن الشريعة لا تتنافى مع المبادئ الكونية لحقوق الانسان ومنها الحرية والديمقراطية والعدل الإجتماعي والتنمية. ورغم الإشادة بإيجابية التصريحات حول الملف السلفي يتفق الجميع تقريبا في أنه يتعين ترجمة هذه البادرة إلى أفعال ملموسة وفي أقرب وقت ممكن لدحض فرضية المراوغة التي قد يواجه بها البعض تصريحات الجبالي. ويقول بهذا الصدد سالم لبيض أن السؤال المطروح اليوم هل نفذ فعلا صبر الحكومة من مظاهر العنف والتطرف وأعلنت بداية حرب حقيقية أم هي مجرد تكتيكات سياسية أقرب إلى الموقف الصارم الحقيقي. العلاقة باتحاد الشغل.. وعلى قدر استحسان تصريحات الجبالي بشأن السلفيين واجهت تصريحاته بشأن اتحاد الشغل عديد الانتقادات حيث اعتبر طارق بلحاج علي أنه خلافا لما قاله الجبالي عن وجود علاقة توافق وحوار كانت لهجته شديدة وارتقت أحيانا إلى حد التهديد كما أن تعاطى رئيس الحكومة مع مسألة الاضرابات لم يسميها بالمؤامرة لكنه حللها بمنطق المؤامرة... ويضيف بهذا الصدد سالم لبيض أن الجبالي ورغم محاولته الإجابة عن كل المسائل التي تؤرق اليوم الشارع إلا أن العلاقة مع إتحاد الشغل ظلت محل خلاف لأن المسألة لا تتعلق بتحسين أجور بقدر ما تتعلق بشريك تاريخي في الدولة.والإتحاد يقدم نفسه بهذه الصفة ويطرح المبادرات والمشاريع لكن الحكومة -وبما في ذلك خطاب الجبالي- لم تتعامل بعد مع المنظمة الإجتماعية على هذا الأساس. من جهته يقول خالد قزمير أنه في العمل السياسي عندما تشتد الأزمات لا بد من المقايضة. ويعتبر أن الحكومة تريد تحييد النقابة والإتحاد وحصر دوره في الجانب الإجتماعي في المقابل الإتحاد ومنذ فرحات حشاد التحم بالدفاع عن الحرية والكرامة..وهنا لا بد للحكومة أن تراجع منطق الضغط والشعب المهنية وعلى الإتحاد التريث و أن لا يحمل البلاد والحكومة ما لا تحتمل.. رسائل سلبية.. وفي قراءة لبقية المسائل التي تناولها خطاب الجبالي هناك من اعتبر الخطاب ورغم ما تضمنه من إعتراف بجملة من الأخطاء على مستوى الآداء الحكومي استحسنها البعض إلا أن توخي نفس الأدوات فى التحليل والإشارة إلى المبررات ذاتها جعلت تصريحات رئيس الحكومة موضع تساؤل. وهنا ينتقد طارق بلحاج محمد استناد الجبالي إلى مؤشرات المعهد الوطني للإحصاء المتصلة بالنمو معتبرا أنها ليست الطريقة المثلى للإقناع لا سيما وأنه وقع مؤخرا تغيير مدير المعهد مما أثار الكثير من الانتقادات والشكوك بشأن المغزى من وراء هذا الإجراء. واعتبر البعض الموقف من الإعلام على حاله رغم التخفيض من حدة التهجم. كما أشار خالد قزمير إلى أن المواقف بشأن التسميات في الكثير من مفاصل الإدارة راوحت مكانها بما لا يبعث الإطمئنان لدى البعض خاصة وأن المرحلة الانتقالية لا تخول لحكومة مؤقتة مثل هذه الإجراءات التي قد يكون الهدف منها السيطرة على الإدارة لغايات حزبية ضيقة. وبشأن اشكالية البنك المركزي يقول طارق بلحاج أنه على قلة الكلمات التي وردت في تعليق الجبالي عن موضوع إقالة محافظ البنك المركزي إلا أنها حملت رسائل سلبية أكدت إلى حد كبير ما دار سابقا من جدال داخل المجلس التأسيسي بشأن المخاوف حول استقلالية البنك المركزي.. الصباح