أثار إغلاق سلفيين متشددين عددا من الحانات ونقاط بيع للخمور والمثلجات الغذائية في مدينة سيدي بوزيد نهاية الاسبوع الفارط شكوك منظمات المجتمع المدني حول مدى قدرة السلطة على السيطرة على المجموعات السلفية المتشددة وحماية المساجد وفرض احترام القانون وطمأنة المواطنين على مستقبل الدولة المدنية. وقد حاولت الحكومة أكثر من مرة بعث رسائل طمأنة بأنها قادرة على احتواء السلفيين والحوار معهم لكن الداعية فريد الباجي وهو مدير المدرسة الزيتونية بجامع بلال في مدينة سوسة الذي أكد في تصريح إذاعي إن «السلفيين ... سينتقلون من مرحلة التنظير والتكفير إلى مرحلة التفجير» أعاد الملف الى المربع الأول. ويرى مراقبون أن بعض الوقائع مثل إنزال العلم التونسي وحرق العلم الأمريكي أمام السفارة وفرض النقاب بالجامعة والمطالبة بفصل الإناث عن الذكور ودعوات ختان البنات وغزوات المناطق السياحية والمطار وغزوة «المنقالة» وأحداث الروحية وبئر علي بن خليفة بصفاقس أكدت أن السلفيين ليسوا فزاعات بل حقيقة ثابتة يجب التوقي منها. وفي أول رد حكومي، أكد وزير العدل نور الدين البحيري أن «الفسحة انتهت»، في إشارة إلى المجموعات السلفية. غير أن المخاوف مازالت قوية بشأن مدى قدرة السلطة فعليا على وضع حد للعنف السلفي. فهل أصبح المد السلفي فعلا خطرا على تونس ؟ «التونسية» حاولت رصد آراء بعض السياسيين والنقابيين حول الموضوع. اعتبر زياد الأخضر عضو في حركة «الديمقراطيين الوطنيين» أن تصريح الداعية فريد الباجي يعود لصاحبه متمنيا ألا يصل الوضع الى مرحلة التفجير مشيرا الى أن هناك بوادر ومؤشرات تنبئ بالوصول الى هذه المرحلة. ووصف الأخضر الممارسات التي يقوم بها السلفيون ب«غير العادية» مشيرا الى وجود إمكانيات لممارسة العنف من طرف هذا الفصيل. ودعا الأخضر الحكومة لتحمّل المسؤولية ومعالجة الوضع بكامل الجدية معتبرا أنّ ما حدث بسوسة لا ينبئ بالخير وأن السلفيين يديرون معركة تستهدف المساجد التي هي في نهاية الأمر ملك للشعب ووقع بناؤها من طرف الدولة قائلا: «من غير المعقول أنّ تسكت الدولة» مشدّدا على ضرورة عدم السماح لهذا الفصيل بالهيمنة على المساجد. تصريحات جديرة بالاهتمام اعتبر المسؤول النقابي سامي الطاهري أن تصريحات فريد الباجي تحذير صادر من شيخ عالم بطبيعة هذه المجموعات وتحركاتها مؤكدا على أن تصريحاته جديرة بالاهتمام و«فيها ما ينبئ بالشرّ». ودعا الطاهري أجهزة الدولة والمجتمع المدني للاستنفار والاستعداد للدفاع عن البلاد ومنع ظواهر العنف مذكرا أنّ الحكومة صامتة على جميع التجاوزات التي تصل إلى حدّ التهديد بالقتل وفي نفس الوقت تشرّع لأشياء أخرى عن طريق استعراض العضلات، ومشيرا إلى أن العنف مورس ولكن في أشكاله القصوى في سيدي بوزيد بدعوى منع الخمارات وفي جندوبة بدعوى معاقبة اللصوص. ولاحظ الطاهري أنّ ما أشار إليه الباجي متوقع من السلفيين محملا المسؤولية الكبرى للحكومة مشيرا الى أنّ ما سيحدث خطير جدّا ويهدّد أمن البلاد وسيدخلها في «دوّامة» مثل ما حدث بالجزائر ويحدث باليمن بسبب هذا النوع من الخطاب. فضيحة سياسية في المقابل، اعتبر رضا بلحاج الناطق الرسمي لحزب التحرير أن تصريحات فريد الباجي غير مسؤولة مشيرا إلى أنّ الشخص الذي يريد البروز في الساحة السياسية عليه ألا يقدم نفسه على أنقاض غيره. وأشار بلحاج إلى أنّ كل القرائن تدل على عكس ذلك خاصة ندوة القيروان التي سعى من خلالها السلفيون الى طمأنة الناس من خلال رسائل واضحة معتبرا أن الغرض من تصريحات فريد الباجي التهييج والإثارة وهو ما يمثل في نظره هدية للغرب والأطراف التي تتربص بتونس. وأكّد بلحاج أنّ الداعية الباجي يتحمّل مسؤولية كلامه أمام الرأي العام وأن الوقائع تؤكد غير ذلك داعيا اياه الى تقديم أدلته وبراهينه في ذلك. وصرح الناطق الرسمي لحزب التحرير أنّ السياسة ليست «ترضيات» ولا «مؤامرات» بل هي تبن لمصالح الناس وتحمّل للمسؤولية في الكلام والأفعال مشيرا إلى أنّ الوسط السياسي في تونس «تاعب» ولا يتعاطى السياسة على وجه صحيح. وقال بلحاج إنّ تصريحات البحيري حول الخطر السلفي ،من حيث منهجية الكلام وسياقه، تعتبر فضيحة سياسية مشيرا إلى ضرورة حل مشاكل البلاد دون تدخل خارجي. "سنكون لهم بالمرصاد" من جهته، أشار زهير المغزاوي عضو مؤسس لحركة الشعب الى عدم وجود معطيات ودلائل تشير لوصول السلفيين الى مرحلة تفجير البلاد مشددا على ضرورة قيام وزارة الداخلية بدورها «خاصة وأننا نشهد غيابا للأمن وتقصيرا من طرفه» على حد قوله . ولاحظ المغزاوي أنه في كل مرة تشهد فيها البلاد احتقانا اجتماعيا تطفو ظاهرة السلفيين ويتمّ ربط الأحداث بهم متمنيا أن تكون هذه الممارسات غطاء للتستر على المشاكل التي تعيشها تونس. وأكد عضو «حركة الشعب» أن الثورة لم يطلقها السلفيون مشيرا إلى أنّ الثورة التونسية هي من أطلقت شباب السلف من السجون قائلا: «السلفيون ليسوا أوصياء على الشعب التونسي والتونسيون مسلمون بطبيعتهم». وتمنى المغزاوي ألا تكون فرق السلفيين وأموالهم مستوردة من الخارج مؤكدا على أنه في صورة ثبوت هذا الأمر «سنكون لهم بالمرصاد». ونبه المغزاوي من مغبة تجاوز الخطوط الحمر والمرور إلى مرحلة العنف مؤكدا على وجوب تعايش الجميع باختلافهم حتى «لا نصل الى مرحلة من الصعب الخروج منها». مصلحة البلاد من جانبه، أشار محمد خوجة رئيس أول حزب سلفي بالبلاد إلى أنّ فريد الباجي يتحمّل مسؤولية كلامه متسائلا عن مصدر معلوماته ومشيرا إلى «أنّنا في مرحلة بناء وإصلاح وأن من يريد مصلحة البلاد يجب أن يخدمها من هذه الناحية». وأكد خوجة أن حزبه يتبنّى الخطاب السلس ويعمل على توحيد الصفوف وتجميع الناس من أجل مصلحة البلاد وليس ترهيبهم وتخويفهم. هاجس الشعب أما لطفي المرايحي عن الاتحاد الشعبي الجمهوري فقد أكد أن مرور السلفيين من مرحلة التنظير والتكفير إلى مرحلة التفجير أصبح هاجس الشعب التونسي ومصدر خوفه في الآونة الأخيرة خاصة أمام توفر العديد من المعلومات التي تشير الى وجود مجموعات على الحدود التونسية الليبية بصدد التمرن ولديها صلة وثيقة ب «القاعدة» الى جانب توفر مؤشرات لدخول السلاح الى البلاد. وأكد المرايحي أن الوضع في البلاد مرشح لاحتمالات خطيرة متسائلا حول قدرة الجهاز الامني على توفير الامان للشعب في ظل سلطة غير متماسكة. وأضاف المرايحي أن كل العناصر والمعطيات تؤكد وجود خلايا نائمة (مثل حادثة الروحية وسليمان) تسعى الى تجنيد الشباب واستقطابه وأن كل هذه المؤشرات مكتملة تؤكد ان الوضع قد يتحول من طور التفكير الى طور التنفيذ، داعيا جهاز الأمن للتماسك واليقظة والحيطة. جيهان وخلود فتاوى واعتداءات السلفيين... إلى متى ؟ بعد «اختفاء» لم يدم طويلا عن الساحة التونسية عاد السلفيون إلى الواجهة ليتصدروا هذه الأيام المواقع الاجتماعية «الفايسبوك» وواجهة الأحداث. ولئن تتالت التصريحات وتواترت «الفتاوى» التي يقودها شق محسوب على السلفيين فإن هؤلاء لا يتوانون في قذف الناس بالتهم ونعتهم ب«الكفار» وتهديدهم بالقتل وإقامة الحد عليهم بلهجة لا تخلو من التعصب والعصبية، ملوحين بإشهار السيوف والعصي وبإعادة تطبيق الشريعة. ولئن كانت السلفية تضم عدة فئات منهم فقهاء الدين وعقلاء القوم الرافضين للهمجية ولكل مظاهر التطّرف والتعصب، فإن لا أحد ينكر اليوم خطر فئة أخرى ممن لا يعبؤون بالنظام والعباد، والأخطر من ذلك أنهم يعتبرون أنفسهم فوق القانون ولا يحتكمون إلى الضوابط القانونية والأخلاقية والتي تنص على احترام الغير وقبول الرأي المخالف . هذه التصرفات والسلوكات الغريبة عن المجتمع التونسي، غذّت مخاوف الكثيرين خاصة بعد تواتر الأحداث التي تقودها فئة من السلفيين أطلق عليها اسم «المتطرفين». وقد بينت الأحداث أن شعار هؤلاء هو العنف واللجوء إلى «القوة» سواء تعلق الأمر بتبليغ الآراء أو الترويج لبعض الأفكار والتي تقوم على رفض الآخر أو إقصائه، وقد قاموا في أكثر من مناسبة ب«افتكاك» منابر الأيمة وإنزالهم غصبا هذا إلى جانب مهاجمة المفكرين وتهديدهم وهو ما حصل مؤخرا من تهجم واعتداء على المفكر يوسف الصديق. والخطير في المسألة أن هؤلاء لا يقبلون التحاور مع الآخر ولا النقاش ولا الديمقراطية ولا حرية التعبير ووصفتهم عديد الأوساط بأنهم «مدمغجون» حتى أن البعض أصبح اليوم يشكك في فهمهم لتعاليم الدين الإسلامي. فبعضهم يتحدّث باسم الدين والشريعة بل يرددون بعض الشعارات دون فهم أو وعي بجوهرها بل يمارسون العنف ويعتمدون على العنف اللفظي ويرددون شعارات حادة متناسين أن الدين يقوم على التسامح وعدم الاعتداء على الآخر وينص على عدم تخريب ممتلكات الغير والاعتداء على المفكرين والمبدعين والمثقفين واليساريين والعلمانيين. هذا إلى جانب قيامهم بغلق «الحانات» بالقوة ونتذكر جميعا ما حدث منذ بضعة ايام في سيدي بوزيد والمخاوف من تكرره في أحياء أخرى بالعاصمة مثلما كان الشأن يوم السبت الماضي بحي التضامن بالعاصمة بعد أن عمد سلفيون متشددون إلى غلق محلات بيع الخمور وأكدوا عدم السماح بفتحها مجددا.وبقطع النظر عن تباين المواقف مما حدث فإن هذه الخطوة قد تعقبها خطوات أخرى قد تطال المدن السياحية ويتساءل البعض عن الرسائل التحذيرية التي يروم هؤلاء ترويجها والخشية من تكرر مثل هذه التصرفات في الشواطئ والمطاعم بحجة منع الاختلاط أو العراء. فمهما كان واعزنا الديني فإنه لا يكفل لنا الاحتكام إلى قانون الغاب ومن يخالفنا في السلوك. ولئن كان من حق السلفيين التنظم وحشد انصارهم والتعبير عن مواقفهم بكل حرية خاصة بعد سنوات القمع والنفي والظلم والاضطهاد، فإنّ لغة التهديد والوعيد مرفوضة مهما كانت المناسبة ومهما كانت الغايات منها. وقد لاحظنا مؤخرا أنه بعد منع المغربيين الحدوشي والكتاني من دخول تونس تجمع بعض الأنصار من السلفيين بمطار تونسقرطاج للاحتجاج رافعين الرايات السوداء ومكبرين واتضح أن «الجماعة» مستعدة للتصعيد واختراق فضاءات حساسة وربما أشدها «حراسة»، وهي حوادث ولئن كانت متفرقة في الزمان والمكان فإنها قد تبعث رسائل غير مطمئنة للشارع التونسي والذي عبر عن قلقه من تنامي مثل هذه السلوكات وخوفه من انتشار مظاهر التطرف من اقصى الشمال إلى أقصى جنوب البلاد بسبب الاختلاف في الرأي أو فهمنا للدين والتدين بنهج منطق «القوة» والتفرد بالرأي. كما أن تصريح الشيخ أبو عياض زعيم السلفية الجهادية، كان مليئا بالرسائل وعرفت لهجته الكثير من التهديد والوعيد. فبعد أن وجه رسالة مفادها أن تونس بعد 14 جانفي ليست تونس قبل 14 جانفي وقال: «نحن نعلم أنهم يترقبون الفرصة لينقضوا علينا ولكن لن نعطيهم الفرصة هذه المرة ... افهموها كما تفهموها وزنوها جيدا...» وأضاف: «إخواني أنظروا دائما إلى المستقبل وكونوا دائما متأكدين أنكم أنتم البديل الوحيد لهذه البلاد في صورة ما إذا سقطت الحكومة أنتم البديل فاحفظوا مجهوداتكم لما سيأتي في المستقبل». وكان أبو عياض قد دعا خلال الملتقى السنوي الثاني لأنصار الشريعة بتونس والذي احتضنته مدينة القيروان إلى ضرورة تنظيم سياحة دينية لمن دخل في الإسلام، والاستثمار في الصحة وبناء مصحات للنساء حتى يجدن راحتهن ودعا إلى ضرورة مقاطعة الاتحادات العلمانية وتأسيس نقابة إسلامية. وبقطع النظرعن القصود من مثل هذه التصريحات ومن يقبلها ومن يرفضها، فإن بعض «الفتاوى» التي كان قد أطلقها بعض السلفيين قد تكون مثيرة للجدل في مثل هذا التوقيت ومن ذلك ما صرّح به بشير بن حسين شيخ السلفية الوهابية والناشط بمساكن حيث قال ان المرأة تمنع من السفر وحدها لأن المسافة بطبيعتها تتطلب محرما ولكي تتنقل المرأة بين سوسة والعاصمة يجب أن يصطحبها محرم وذلك بالاستناد إلى الأحاديث النبوية. ولئن كان لا أحد يشكك في الأحاديث النبوية فإنّ لسائل أن يسأل عن المغزى من إطلاقها في هذا الوقت بالذات؟ بل أكثر من ذلك اعتبر أحد شيوخ السلفية أن قيادة السيارة ليست محرمة عند كافة العلماء لكن شريطة أن تستعمل المرأة السيارة داخل نفس القرية أو المدينة وليس في المسافات البعيدة التي تطلب محرما خوفا عليها من كل مكروه؟ بسمة الواعر بركات