ماهي دلالات النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية التعددية الاولى من نوعها في مصر ؟وماذا يعني فوز رئيس حزب الحرية والعدالة الذي انشاته جماعة الاخوان المسلمين برئاسة أكبر دولة عربية من مميزاتها أنها مرتبطة بس س 1020 مواطنيها من المسيحيين ؟ وهل ستقبل المؤسسة العسكرية المتغولة في مصر النتائج السياسية لهذه الانتخابات بعد أن قبلت بنتيجة الاقتراع أم ستجعل من منصب رئيس الجمهورية خطة تشريفاتية بعد المراسيم العسكرية والقرارات القضائية و الادارية التي استبقت بها رئاسة المجلس العسكري النتائج ومن بينها حل البرلمان المنتخب ؟ وكيف سيتعامل ال12 مليون الذين صوتوا للجنرال أحمد شفيق ولوبيات المال والاعمال والاعلام مع الرئيس محمد مرسي ؟ هل سيقبلون التعامل معه أم يقحمون البلد في مواجهات تؤدي الى اسقاطه والى اعادة "فلول" النظام السّابق إلى مراكز صنع القرار؟ وهل سينجح محمد مرسي وأنصاره في تطمين النخب والاعلاميين ولوبيات المجتمع المدني ونشطاء التيارات الليبيرالية والعلمانية التي عرفت بعدائها لجماعة الاخوان المسلمين وكل جماعات الاسلام السّياسي؟ هذه التّساؤلات و غيرها كانت محور هذا اللقاء مع الأستاذ عبد الباري عطوان المفكّر رئيس تحرير جريدة القدس بلندن و فيما يلي نصّ الحديث. حوار كمال بن يونس أوّلا ما هو ردّ الفعل الذي أصدره عبد الباري عطوان على اعلان فوز مرشح الاخوان المسلمين في الانتخابات ؟ - أنا استبشرت بفوز مرشح تيار يرمز الى قوى التغيير والثورة على مرشح المؤسسة العسكرية والقوى المعادية للثورة وحلفائها ..لكني متخوف جدا على مستقبل مصر بعد هذه الانتخابات التي نجح تيار عريض من الشعب المصري من فرض الاقرار بها بعد مرحلة تردد وأخذ ورد.. لماذا هذا التخوف؟ - لأني لا أثق في حسن نوايا زعامات المؤسسة العسكرية التي تحكم مصر قبل ثورة العام الماضي وبعد سقوط حسني مبارك .. ان اقرار قيادة المجلس العسكري بفوز مرشح المعارضة وزعيم حزب الحرية والعدالة لا يعني البتة أن نوايا العسكر في مصر سليمة.. بل إني ممن يرجحون السيناريو المعاكس .. لقد انحنوا أمام ضغط الشارع المصري وتجمعات الملايين في ميدان التحرير والساحة العامة ..وحاولوا تجنب الصدام مع العاصفة الشعبية ومع غضب الجماهير التي كانت تلوح برد الفعل على تزييف إرادتها ومحاولات سرقة ثورتها.. لكن سلوك قيادة الجيش ليس أكثر من هدنة مؤقتة..ولا أستبعد أن تحاول قيادات في المؤسسة العسكرية وضع العصى في دواليب عجلة الرئاسة المصرية الجديدة سعيا منها لتمييع دور مؤسسة الرئاسة في عهد محمد مرسي واجهاض الإصلاحات السياسية التي قد يفكر مع حزبه وحلفائه إدخالها .. رئيس دون صلاحيات؟ لكن ألا تكون التخوفات من العسكريين في غير محلها خاصة أن المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري كان من أوائل المهنئين للرئيس محمد مرسي فور تأكيد انتخابه ؟ - أعتقد أن القرارات التي استبق بها المجلس العسكري اعلان النتائج ستجعل من رئيس جمهورية مصر الجديد رئيسا بلا صلاحيات.. فقد منح العسكريون حق إلقاء القبض على المدنيين، ومحاكمتهم في محاكم عسكرية الى ان تتم الموافقة على دستور دائم جديد.» كما أصدرت المؤسسة العسكرية قرارا بحل البرلمان عقب قرار المحكمة الدستورية الذي نص على كون القانون الذي جرت على أساسه انتخابات البرلمان غير دستوري». ومنح المجلس العسكري نفسه سلطات التشريع، ودعم دوره في إبداء الرأي في صياغة الدستور الجديد. كما اصدر المشير طنطاوي قرارا بإعادة تشكيل مجلس الدفاع الوطني، واضعا العسكريين على رأس الهيئة التي ترعى الأمن القومي في البلاد..» كما نزع الاعلان العسكري من رئيس الجمهورية المنتخب صلاحية إصدار قرارات إعلان الحرب والسلم والقرارات الاستثنائية.. الشارع مقسم؟ لكن ألا ترى أن الكلمة الأخيرة ستكون لضغط الشارع وميدان التحرير والتجمعات الجماهيرية التي ساهمت في إسقاط مبارك وفي فرض كثير من المطالب الشعبية بعد الثورة ومن بينها احترام نتائج الانتخابات الرئاسية؟ ألا يمكن للضغط الشعبي أن يجبر المؤسسة العسكرية على التراجع عن قرارات حل البرلمان وتوسيع صلاحيات قيادة الجيش؟ - هذا السيناريو وارد..لكن التحدي الكبير هو أن الشارع في مصر مقسم ..تيار في ميدان التحرير مع الرئيس محمد مرسي وتيار كبير في ساحة الجندي المجهول في مصر الجديدة وهو معارض لمصر ويحاول أن يلعب أوراقا عديدة من بينها أوراق الاقليات والليبراليين والعداء للسلفيين .. والمطلوب من محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين تقديم تطمينات للعلمانيين والنخب الاعلامية والثقافية وللأقباط ورجال الأعمال والليبراليين المعارضين لهم ..بما فسر أن الفارق بين المرشحين كان طفيفا.. والتجربة بينت أن المجلس العسكري يتراخى عندما يصعد الشارع ..ولا يواجه موجة الغضب العاتية ..ويهادن المحتجين بهدف امتصاص غضبهم والزخم الشعبي ..ثم يعود الى فرض أجندته وأولويات القوى المعادية للثورة وللتغيير.. ولا ينبغي أن يغيب عنا أن حوالي نصف الشارع المصري كان خلال الانتخابات الرئاسية مع العسكر ومع مرشحه ..خاصة في ظل تراكم المشاكل الامنية والاقتصادية والاجتماعية بعد الثورة والتي أوحى رموز المؤسسات العسكرية والامنية والاقتصادية أن حلها يستوجب دعم رموز النظام السابق .. ولا استبعد شخصيا أن ينجح المجلس العسكري والاعلام الموالي له في تحريك الشارع الاخر المناهض لجمهور ميدان التحرير».. كما لا ينبغي أن ننسى أن اجتماع مدينة نصر الموالي لأحمد شفيق قبل اعلان النتائج كان ضخما بدوره .. تحديات تواجه الرئيس المنتخب عمليا ما هي في نظرك أهم التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب ؟ - أمامه 3 تحديات اساسية: الاولى أمنية واخرى اقتصادية اجتماعية والثالثة اقليمية دولية في علاقة بملف فلسطين والصراع العربي الاسرائيلي .. وتطورات ملف الامن رهين عدة اشكاليات ونقاط استفهام من بينها : هل ستكون علاقة الرئيس الجديد مع العسكر تصادمية أم علاقات تكامل وتوافق ؟ وكيف سيتعامل مع الابعاد الامنية والسياسية لملف الاقباط ؟ والتحدي الاقتصادي الاجتماعي مفتاحه بين أيدي دول الخليح العربية وخاصة المملكة العربية السعودية ..وهي دول لم تبادر بالترحيب بالنتائج ولا بالاتصال بالرئيس المنتخب بخلاف ما فعل جل زعماء العالم الغربي مثلا .. فاذا بادرت السعودية بتقديم دعم مالي فوري للرئيس الجديد ومساعدات اقتصادية كبيرة لمصر سينجح في فتح كثير من الملفات الاجتماعية الضاغطة وعلى رأسها الفقر والبطالة والشباب المهمش والثغرات في المنوال التنموي .. اما اذا حصل العكس فان مصر ستبقى مخنوقة اقتصاديا مثلما كان عليه الامر منذ الثورة ..ولا ننسى أن وزير داخليتها وولي عهدها السابق الامير نايف رحمه الله أدلى بتصريح انتقد فيه بشدة الاخوان المسلمين واتهمهم بكونهم مصيبة وشرا كبيرا... أما التحدي الثالث الخطير فهو اتفاق كامب ديفد والصراع العربي الاسرائيلي والملف الفلسطيني..وملف اسرائيل استراتيجي بالنسبة لأمريكا وأوروبا وحلفائهما.. تهنئة اوباما لكن الرئيس الامريكي بادر بتهنئة الرئيس محمد مرسي واتصل به مباشرة بعد اعلان النتائج بما يوحي بوجود تنسيق وتفاهم واتفاق كواليس سياسي مسبق ؟ كما طمأن مرسي ساسة اسرائيل وامريكا والغرب بانه سيحترم اتفاقيات مصر الدولية بما يعني اعترافه بمعاهدة كامب ديفد ؟ - اوباما يعلم ان التزام الرئيس محمد مرسي وزعامات الاخوان المسلمين بالاتفاقيات الدولية مجرد تطمين للغرب ولأصدقاء إسرائيل ..فما قيمة الإخوان المسلمين وحزبهم اذا تمسكوا بكامب ديفد الذي عارضوه منذ عقود ؟ امريكا استثمرت36مليارا في العسكر المصري ولا تقبل ان تهتز علاقتها الاستراتيجية مع المجلس العسكري ..واعتقد ان ملف العلاقات مع اسرائيل سيبقى من مشمولات المجلس العسكري ومؤسساته الامنية ولن يتدخل فيه الرئيس مرسي ..وكذا الشأن بالنسبة للسياسة الخارجية لمصر..أما مكالمة أوباما فكانت أساسا للمجاملة.. والتهنئة الحقيقية التي ستسعد مرسي والاخوان المسلمين وقيادات مصر الجدد لا بد أن تصدر من السعودية ودول الخليج العربية ..وهو أمر قد يتأخر خاصة أن مرسي تعهد قبل انتخابه بتحسين علاقات مصر الجديدة مع ايران .. انعكاسات اقليمية وكيف ينتظر أن تؤثر نتائج الانتخابات على دور مصر الاقليمي وخاصة في بلدان الربيع العربي ؟ - مصر ستؤثر في محيطها العربي دوما لأن مصر قلب الوطن العربي ولها تأثير مميز في نخبه وساسته وشعوبه.. نجاح الإخوان المسلمين في مصر دعم للثورة السورية.. وقد يساهم في تحسين العلاقات المصرية والعربية مع ايران.. وفي تغييرات في العلاقات مع السعودية اذا تمسكت بتصريح المرحوم الامير نايف :الاخوان اصل البلاء».. لكن في صورة دعم السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي اقتصاديا وماليا للرئيس الجديد وحكومته فقد تتطور علاقات مصر بالسعودية وببقية الدول الخليجية ..كما قد يتضاعف تأثيرها في الدول العربية ودول الربيع العربي .. وكل هذا رهين التطمينات التي سيقدمها مرسي وحكومته في ملفات حساسة مثل ملف الوحدة الوطنية والاقباط والعلاقة بالإعلام والإعلاميين والمثقفين المعارضين للتيار الاسلامي .. من هو محمد مرسي؟ هل عرفت عن قرب محمد مرسي وزعامات الاخوان المسلمين والمقربين منهم الذين يتوقع أن يشكلوا حكومة جديدة ؟ - اعرف العديد من زعامات الاخوان المسلمين والاصدقاء المقربين من الرئيس محمد مرسي .. لكني لم أتعرف عليه شخصيا .. وما عرفته عنه أنه كان دوما منفتحا ومع الاجماع والتوافق .. وأنه هادئ وليس عصبيا ..وأنه قضى 10 أعوام في الولاياتالمتحدة.. لكن نجاحه مرتبط بالخطوات العملية التي سيقطعها مع المقربين منه في تكريس الوحدة الوطنية والوفاق مع الاقباط والليبيراليين وطبقة رجال الاعمال والاعلاميين بمن فيهم من دعموا احمد شفيق خوفا من التيار الاسلامي.. واذا لم تدعم السعودية ودول الخليج الحكومة الجديدة فسيصعب تكريس ذلك ..لذلك انا خائف على مصر..