باجة: تسجيل 7 حرائق منذ بداية الشهر    إختيار نجم ريال مدريد أفضل لاعب في الليغا هذا الموسم    مدرب جيرونا يحصد جائزة أفضل مدرب في الليغا    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    مدينة العلوم بتونس تُعلن عن موعد عيد الإضحى حسابيّا    اللقاحات والصحة الرقمية محور جلسة عمل بين وزير الصحة بممثلي منظمة الصحة العالمية    الصناعة الذكية رهان جديد لتنمية الصّادرات    يوميّا: 20 مهندسا تونسيّا يُغادر الوطن    الملحق التأهيلي لأولمبياد باريس 2024: إسلام الفرشيشي تنهزم امام الاوكرانية "كوفالشوك"    40 بالمئة نسبة حجوزات الجزائريين في تونس خلال صائفة 2024    تفاصيل غرق طفلين بقنال بحيرة تونس    مؤلف المسلسل الرمضاني ''الحشاشين'' يحصد جائزة الدولة للتفوق    تونس وسويسرا في تعاون في مجال حماية المناخ.. التفاصيل    جيش الإحتلال يعلن مقتل 3 عسكريين خلال معارك في قطاع غزة    تونس وسويسرا تطلقان التعاون في مجال حماية المناخ وآفاق واعدة للشراكة الجديدة في المجال    الحماية المدنية: تسجيل 6 وفيات و411 إصابة في حوادث مختلفة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 29 ماي    البطولة الاسبانية: إشبيلية يعلن رحيل لاعبه إيريك لاميلا بنهاية الموسم الجاري    سفيرة فرنسا آن غيغان تشيد بجودة الموارد البشرية التونسية    لأول مرة في العالم: شفاء مريض سكري باستخدام العلاج بالخلايا    الفيفا تصدر بيانا فيما يخص قضية يوسف البلايلي ..التفاصيل    تونس: كراء سيارة يصل الى 150 دينارا لليوم الواحد    اتصالات تونس تختار المشغل الايطالي "سباركل" من اجل طريق جديدة للعبور الدولي لبروتوكول الانترنات IP نحو اوروبا    عاجل : صدمة بعالم كرة القدم    الحماية المدنية: 6 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    وزير الفلاحة في جلسة عمل مع الوفد الايطالي    بداية من 1 جوان: تنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع بتونس    مفزع/ حجز 188 كغ من الزطلة منذ بداية السنة إلى غاية الأسبوع الحالي..    يهم التونسيين : الأسعار الحالية للأضحية تتراوح من 700 إلى 1500 دينار    تفكيك شبكة مختصة في التنقيب على الأثار مالقصة ؟    يوم مفتوح بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين    المكلف بتسيير ولاية المهدية يُودّع الحجيج    تقرير: زيادة ب 26 يومًا إضافيا من الحر خلال عام    عاجل/ إخلاء مستشفى القدس الميداني في رفح بسبب تهديدات الاحتلال..    وزارة التربية تكشف حقيقة عقد اتفاقية شراكة مع مؤسسة "سمارتيرا"..#خبر_عاجل    الجزائر تتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي "لوقف العدوان في رفح"..    بطولة رولان غاروس : برنامج النقل التلفزي لمواجهة أنس جابر و الكولومبية كاميليا أوزوريو    طقس الاربعاء: الحرارة تصل الى 39 درجة بهذه المناطق    اليوم: مجلس النواب يعقد جلسة عامة    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    وزارة الصحة تنظم يوما مفتوحا بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    عاجل/ اعتراف إيرلندا بدولة فلسطين يدخل حيّز التنفيذ    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روسو... العبقري الإنساني عبد العزيز كحيل
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 07 - 2012

العباقرة الذين أسهموا بشكل فاعل في حركة البشرية وإنجازاتها العلمية والابداعية وليسوا أبناء اوطانهم أو عرقهم إنّما هم أبناء الانسانية كلّها، لهم عليها واجب العرفان بالجميل والتخليد في صحائفها، ولا شكّ أنّ جان جاك روسو واحد من هؤلاء العباقرة الأفذاذ الذين لا يمنع الدين أو التميّز القومي من الاحتفاء بهم، فهو ليس ملكا لفرنسا التي أنجبته ولا جينيف التي وُلد فيها ولا حتى أوروبا التي تفتخر به بل هو مفخرة البشرية كلّها بفضل نضالاته الفكرية من أجل الانسان والحرية والمساواة والكرامة، لذلك تمرّ في جوان 2012 الذكرى المأوية الثالثة لميلاده وفكره غضّ طريّ يلامس واقع الشعوب ويساير تطوّرها سياسيا واجتماعيا وثقافيا لأنّ الرجل لم يكن فقط منظّرا للسياسية وأبًا روحيا لديمقراطية ما بعد القرون الوسطى إنما كان أيضا صاحب نظريات تربوية بيداغوجية ثاقبة آراء فلسفية جريئة لا تزال تشغل الجامعات في القرّات الخمس ، وهو من غير شكّ ابرز رجل أدخلت أفكارُه العالم في الحداثة، بعد ظلمات عصور الجهل والتخلّف والظلم التي عاشها " الغرب " المتمثّل آنذاك في القارة العجوز، وكم تدين له المجتمعات الغربية في بلورة وإعلاء شأن الحرية والمساواة والعدل بعد أن غيّبتها الكنيسة والإقطاع عدّة قرون، وقد عانى هو شخصيًا من التفرقة الطبقية السائدة في أوروبا – وفي فرنسا الملكية بالذات - ولم تشفع له عبقريُته لأنه لم يكن من طبقة النبلاء، لذلك جاءت أفكاره مشحونة بالرفض والحرقة، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ،وقد كان من أبرز ما دعا إليه في تأصليه للنظام السياسي الجديد الذي يبشّر بإقامته مسألة " الفضيلة " التي يلخّص فيها الأخلاق التي يجب أن تسود العمل السياسي والعلاقات الاجتماعية، وقد كان سبّاقا إلى ذلك وفذّا بين أقرانه من الفلاسفة والمفكّرين، والغريب أن أوروبا – ومعها الغرب - طبقت نظرياته السياسية والفلسفية لكنّها ما زالت تستبعد الفضيلة والأخلاق ، فَقَد صرعه داروين وفرويد مع الأسف...ويجب أن نلاحظ أن روسو- الانسان لم يلتزم تمامًا بالأخلاق التي يدعو إليها روسو- الفيلسوف، وهذه ازدواجية حاضرة في المسيحيين إلى الان بفعل ازدواجية الإيمان والتطبيق،
ويلاحظ قاري كتب روسو أنه كان سبّاقا إلى طرح قضايا سياسية ومجتمعية ما زالت مطروحة إلى اليوم في الدول المعاصرة، من عجز ميزانية الدولة إلى كيفية تربية النشء مرورًا بقضايا الطبيعة والبيئة وحماية المحيط، لهذا ما زال تأثيره على الأجيال واضحًا، فكيف بمَن عاشوا في فرنسا بعد موته بقليل وأكبّوا على قراءة كتبه لينتقلوا بعد ذلك – كلّ على طريقته – إلى تجسيدها ، من أمثال روبسبيير وسان جوست – من مفجري الثورة الفرنسية – إلى وبونبارت الذي ورثَها منهم ؟
إنّ جان جاك روسو واحدا من أبرز مفكري القرن الثامن عشر بفرنسا لإسهاماته الكبرى في "التنوير" والتمهيد للثورة الفرنسية التي أثّرت بدورها في أوروبا أوّلاً ثم في االعالم كله.
وقد كان عالماً موسوعيا له عطاء كبير في أكثر من ميدان، فقد كان مفكرا سياسياً وعالم أخلاق وعارفاً بالفنون والآداب ومتضلّعاً في علم النبات، وتركزت شهرته في الفكر السياسي والتربية.
. روسو المفكر السياسي: جمع أفكاره الجديدة في كتابه المشهور "العقد الاجتماعي" الذي مازال إلى اليوم من أهم المراجع في مجاله، وقد حوى نقداً علميا للإقطاع الذي كان سائداً في أوروبا ولهيمنة الكنيسة ، ودعا إلى إقرار سلطة الشعب وإشاعة الحريات وتحقيق المساواة بين المواطنين، وهي أفكار جديدة بل غريبة آنذاك توبع من أجلها من طرف رجال الدين والإقطاعيين، وهرب من بلده وعاش في المنفى أكثر من مرة ، وقد استقى أفكاره مما يسميه "القانون الطبيعي" بعد أن درس الأديان السماوية والأرضية ونفض يديه منها.
. روسو والاسلام: في استعراضه للديانات القائمة ونقده لها لم يوجّه روسو أي نقد للإسلام بل انتقد تخلّي المسلمين عن هديه، فقد نقد اليهودية باعتبارها ديناً منغلقاً، وطال نقدُه الإغريق والرومان بسبب انحرافهم وفسادهم الأخلاقي، وعرّى المسيحية وأبدى رفضه لهذه الطلاسم التي تصدم العقل - ويقصد التثليث وازدواجية عيسى عليه السلام "الإنسان الإله"-، أما بالنسبة للإسلام فقد كتب ما يلي "كان لمحمد آراء سليمة جدّاً وربط نظامه السياسي جيداً، وقد بقيت هذه الحكومة موحّدة وجيّدة طالما تمسّك بها خلفاؤه، لكن العرب أصبحوا بعد ذلك مزدهرين متعلّمين مترهّلين وجبناء فاجتاحهم البرابرة فدبّت الفرقة بينهم وإن كانت أقلّ ظهوراً عند المحمديين منه عند النصارى وخاصة عند شيعة علي، وهناك دول مثل فارس مازالت فيها هذه الفرقة ملموسة".
فقد أنصف الإسلام وكأنه يلمّح إلى أن النظام السياسي الإسلامي نظام صالح في ذاته لكن بعض الناس أفسدوه، وهو لم يذكر للأديان الأخرى مثل هذه الإيجابية.
. روسو الفيلسوف: لا شكّ أن روسو تأثّر في تفكيره "التحريري التنويري" بعدد من الفلاسفة أمثال هوبز ولوك ومكيافيللي وديكارت، ففكره ينطلق من عدد من المبادئ المبنيّة على العقل.
وقد أثّر بدوره في عدد لا يحصى من الفلاسفة والمفكرين أمثال كانت وهيجل، وارتبط اسمه بالثورة الفرنسية التي استقت من آرائه الشيء الكثير، وقد تُوفّي قبل قيامها بسنة واحدة، ولم يعمّر سوى 66 عاماً.
ولا بد من الاشارة إلى أنّ جان جاك روسو لم يدعُ إلى الثورة وإلغاء المَلَكية وإقامة الجمهورية ولكنّه ركّز على منح الحقوق للجميع بالتساوي في إطار عقد يتوافق عليه المواطنون وتُستمّد منه الحقوق والواجبات بالنسبة للحاكم والمحكومين، ولكن الخروج على نظرية الحكم الإلهي الذي يتمتّع به الملوك في ذلك الوقت والمناداة بحقّ الأمة وسلطة الشعب يُعتبر في حدّ ذاته ثورة فكرية لم يسبقه إليها مفكّر.
. روسو المربّي: إذا كان كتاب "العقد الاجتماعي" أهمّ ما كتب روسو في الفكر السياسي فإنّ له كتاباً آخر ترك هو أيضاً بصماته على الحياة الفرنسية وأثار كسلفه موجة من ردود الفعل عند صدوره، إذ حكمت محكمة بإحراقه واعتقال مؤلفه، ذلك هو كتاب "إيميل أو التربية" ، و"إيميل" اسم لفتىً يفترض أن روسو يقوم بتربيته منذ ولادته وحتى يصبح رجلا بناءً على قواعد تربوية جديدة وغير معهودة في بيئة ذلك الزمان ، وقد اعتُبر هو الآخر ثورة، ليدخل معظم ما فيه من نظريات وآراء بعد ذلك في المنظومة التربوية العالمية، ويعتبر هو الآخر فتحًا لباب الحداثة في فرنسا وأوروبا ثمّ العالم كلّه.
. كتب أخرى : لِجان جاك روسو كتب أخرى أهمها "الاعترافات" ، وهو كتاب في السيرة الذاتية يسرد فيه تفاصيل دقيقة وسرية عن حياته في جميع الميادين ، وهو ما لم يكن مألوفًا في زمانه، وقد ركّز فيه على الانسان وتعقيداته الكثيرة وأوهامه ومحاسنه ونقاط ضعفه.
وله كتاب "تأملات المتجوّل المنفرد" الذي تبدو فيه شاعريتُه وميلُه للأدب والتأمّل .
رواية " إيلويز" التي يصف فيها حياة افتراضية، يشيد فيها بالفضيلة ويحارب الرذيلة.
. من يكون روسو؟ مثل كل العظماء فقد تباينت آراء الناس في روسو إلى حد التناقض الصارخ، ففي حين اعتبره منجلون قديساً حكم كلّ من المفكر الكبير ديدرو والإمبراطور نابليون بونبارت بأنه مجنون، وجزم شينيي بأنّه نبيّ، بينما قال سانت بوف إنّه مرشد خطير.
فهل اجتمع فيه كل هذا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.