قضية "فاجعة جرجيس": صدور أحكام بالسجن مع النفاذ العاجل ضد 5 متهمين    أيام العيد : 11 بيطريا على ذمة أهالي القصرين    144 مليار دولار مبادلات سنوية.. الدول العربية تعزّز تعاونها مع اليابان    ميلوني:'' افريقيا قارة أسيء فهمها... ''    لم شمل طفلة فلسطينية بعائلتها في تونس    الرابطة الأولى: تشكيلة نجم المتلوي في مواجهة مستقبل سليمان    وزيرة التربية تكشف عن اجراءات جديدة لمرتكبي الغشّ في الباكالوريا    أفلام تونسية تُشارك في الدورة الخامسة لمهرجان عمان السينمائي الدولي    الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية    خلال يوم واحد: 6 حالات وفاة و345 مصاب في حوادث مختلفة    سيدي بوزيد: وزيرة التجهيز والإسكان تشرف على موكب توزيع 178 مسكنا اجتماعياً    الرابطة الأولى: الملعب التونسي يستضيف اليوم النادي الإفريقي    مجلس الأعمال التونسي الإفريقي : البنوك التونسية لا تولي الإهتمام لإفريقيا    اعتمادات ب 6 مليار دينار لتأهيل جديد لقطاع النسيج    بلاغ مروري بمناسبة عطلة عيد الإضحى المُبارك    عيد الاضحى : هؤلاء ممنوعون من أكل اللحوم    عاجل/ وفاة 6 اشخاص جراء أمطار غزيرة وانهيارات أرضية بهذه المنطقة..    البريد التونسي: فتح 76 مكتب بريد استثنائيا غدا السبت    استثمارات ب 1.6 مليار دينار.. الطريق تفتح أمام مشروع طاقي تاريخي    دورة نوتنغهام للتنس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 139 عالميا    الكشف عن الموعد الجديد لمباراة أنس جابر و ليندا فروهفريتوفا و برنامج النقل التلفزي    منتدى الاستثمار : الوكالة الفرنسية للتنمية تخصص 80 مليون أورو لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة    عاجل : وزيرة التربية تكشف الاجراءات التي سيتم اتخاذها لفائدة تلميذات الروحية    وزير الشؤون الاجتماعية يشدّد من جنيف على ضرورة تكيّف النظام متعدد الأطراف مع المتغيرات    مسؤول بشركة النقل بين المدن يدعو إلى الحجز المسبق على خطوط محطة باب سعدون تفاديا للاكتظاظ    الكويت: اعتقالات إثر مقتل 50 عاملاً أجنبياً في حريق    يوم التروية.. حجاج بيت الله يتوافدون على مشعر منى    الحشّاني يتّجه الى ايطاليا للمشاركة في قمّة مجموعة السّبع    السعودية: لا حج بدون تصريح و'درون' تلاحق المخالفين في رحاب المملكة    الجزائر: مُسنّة تسعينية تجتاز البكالوريا    السعودية تتخذ إجراءات إضافية لحماية الحجاج من الحر الشديد    طقس اليوم الجمعة    عاجل/ رئيس الدولة يكلّف رئيس الحكومة بتمثيل تونس في قمة مجموعة السبع    التوقعات الجوية اليوم الجمعة    قضية ختان الإناث تدفع بلينكن للاتصال برئيس غامبيا    لا يدخل الجنة قاطع رحم    تصل إلى 72 درجة.. الصحة السعودية تحذر الحجاج من خطر ارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    كرة اليد.. لؤي مخلوف يطلق النار على مسؤولي النجم ويوجه لهم اتهامات خطيرة    بعد أكثر من 20 ساعة: السيطرة على حريق مصفاة نفط في شمال العراق    تكليف ربيعة بالفقيرة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع حرارة الأسطح بالمشاعر المقدسة    معبر رأس جدير.. عطب في المنظومة الاعلامية من الجانب الليبي يعطل حركة الدخول الى تونس    فظيع في منوبة.. الاحتفاظ بصاحب " كُتّاب " عشوائي لشبهة الاعتداء الجنسي على طفلة    الكاف: تقدّم هام في مشروع تعبيد الطريق المؤدية الى مائدة يوغرطة الأثرية وتوقعات بإتمامه خلال شهر جويلية القادم    165 حرفيا ومهندسا داوموا على مدى 10 أشهر لحياكة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة    رهانات الصناعات الثقافية والإبداعية في الفضاء الفرنكفوني وتحدياتها المستقبلية محور مائدة مستديرة    تونس تسجل ارتفاعا في عجز ميزان الطاقة الى 6ر1 مليون طن مكافئ نفط مع موفي افريل 2024..    الرابطة 1 - الترجي الرياضي على بعد نقطة من حصد اللقب والاتحاد المنستيري من اجل تاجيل الحسم للجولة الختامية    وزارة التربية تتثبّت من معطيات الأساتذة النواب خلال الفترة من 2008 الى 2023    مرضى القصور الكلوي يستغيثون اثر توقف عمل مركز تصفية الدم بمستشفى نابل    رابطة المحترفين تقاضي الفيفا بسبب قرار استحداث كاس العالم للاندية 2025    مفتي الجمهورية: "هكذا تنقسم الاضحية في العيد"    الرابطة المحترفة الاولى: الجولة الختامية لمرحلة تفادي النزول    البرازيل تتعادل مع أمريكا قبل كوبا أمريكا    بعد استخدامها لإبر التنحيف.. إصابة أوبرا وينفري بمشكلة خطيرة    «غفلة ألوان» إصدار قصصي لمنجية حيزي    صابر الرباعي يُعلّق على حادثة صفع عمرو دياب لمعجب    شيرين تصدم متابعيها بقصة حبّ جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات مقيم بمعهد القصاب بمنوبة منجي المازني
نشر في الفجر نيوز يوم 27 - 07 - 2012

منوبة - تونس منجي المازني"الفجرنيوز"أصبت بأوجاع بالغة في رجلي اليسرى فاتصلت بعيادة الطبيب الذي أجرى لي عملية جراحية في مصحة خاصة قبل نحو أكثر من عشر سنوات. فأبلغت بأنه في إجازة سنوية فتوجهت إلى معهد القصاب بمنوبة. بعد إجراء كل الفحوصات والتحاليل اللازمة رأى الطبيب الجراح أن حالتي تستدعي وجوب الإقامة بالمستشفى لإجراء عملية جراحية. أقمت بالمستشفى سبعة أيام أجريت لي خلالها عملية
جراحية.
خلال ترددي على مختلف مصالح المستشفى وأثناء ترقب دوري لإجراء الفحوصات اللازمة لاحظت وعاينت اكتظاظا ملحوظا وتوترا شديدا باديا على وجوه المرضى والممرضين على حد سواء. فالنقص الحاصل في عدد الإطار الطبي وشبه الطبي يضاعف من معاناة المرضى ويرهق الأطباء ومساعديهم على حد السواء ويؤثر خاصة على علاقة الممرضين والممرضات بالمرضى ويؤسس لبعض السلوكيات المرضية مثل المحاباة والتعامل بمكيالين.
يوجد تقصير واضح في توجيه المرضى والوافدين على المستشفى ولا يوجد تنسيق جيد بين مختلف المصالح. فأثناء إتمام الإجراءات في مختلف المصالح لاحظت أن عديد الموظفين ليس لهم رؤية واضحة حول مختلف المراحل التي يمر بها المريض لإتمام إجراءات العلاج والتداوي. فيمكن أن تسأل ممرضين عن مسألة معينة فيشير عليك الأول بالتوجه شمالا ويشير عليك الثاني بالتوجه جنوبا. وكنتيجة لهذه النقائص يقضي المريض ساعة أو ساعتين إضافيتين يتنقل بين مختلف المكاتب والأقسام للبحث عن خدمة معينة. فما ضر لو رفعت الإدارة لافتات توضيحية تفسر مختلف المراحل التي يمر بها المريض بمختلف المصالح لإتمام الإجراءات إذا لجنبت المرضى مشقة إضافية إضافة إلى معاناتهم كمرضى.
في أيام محددة من الأسبوع يأتي فريق طبي متكون من رئيس قسم وعدد من الأطباء لزيارة المرضى المقيمين والوقوف على حالاتهم. فعوضا أن يلقوا السلام على المرضى ويسألونهم عن أحوالهم : يبادرون المريض بالسؤال: ما اسمك ؟ من أجرى لك العملية ؟ كم أمضيت من يوم في المستشفى ؟ ثم يطلب رئيس القسم من أحد الأطباء فتح الجرح وتبين حالته. فيسرع الأخير فيفتح الجرح بدون التلطف مع المريض ومساعدته على تحمل الأوجاع فيصيح المريض: إني أتألم أرجوك أرفق بي قليلا ويحاول بحركة لا إرادية ولا شعورية منع الطبيب من مواصلة تنظيف الجرح فتتغير ملامح أغلبهم وينهرونه: أسكت ولا تصرخ واسمح لنا بمعالجة الجرح، وإذا تسامحوا معه بعض الشيء يقولون له : هذا في مصلحتك. يوجد بمعهد القصاب إطارات طبية وشبه طبية على درجة عالية من الكفاءة والأخلاق العالية ولكن بعض الإطارات أو العديد منهم يميلون إلى الشدة والغلظة. ولسائل أن يسأل : أليس هذا هو الاستبداد بعينه : يستبد الحاكم الظالم بالسلطة ويجثم على صدور الناس ويسلبهم حريتهم وكرامتهم ويضيق عليهم في أرزاقهم ثم يقول لهم إياكم أن تتألموا أو أن تصرخوا. ومن خلال معاينتي لعديد التفاصيل أحسست أن بعض الإطارات الطبية وشبه طبية لا تعير أهمية لمرضى المستشفيات العمومية أو بصفة أدق لعموم الشعب. فبعض الأطباء أو العديد منهم يتلطفون ويبتسمون لمرضى المصحات الخاصة وللمرضى الذين يتلقون في شأنهم توصيات من بعض أصدقائهم. فيخيل إلي أن أخلاق أطباءنا لم تعد ذاتية بل أضحت نتيجة عوامل خارجية. فهل أصبح مرضى المستشفيات من درجة ثانية وبالتالي مازالوا لم يبلغوا بعد المرتبة المرجوة التي يمكن أن تجلب لهم عناية واحترام ومساعدة كل الإطارات المشرفة على علاجهم.
ومن خلال مناقشات المرضى مع مختلف القائمين على علاجهم في مختلف المصالح لا أجد في أغلب الأحيان تفهما لملاحظات المرضى وتساؤلاتهم، بل يرجع كل إشكال إلى سوء فهم المرضى وإلى عدم إدراكهم لطبيعة العمل. فالمواطن التونسي أينما حل بأي إدارة أو مؤسسة عمومية إلا وأفهموه بالحسنى أو بالقوة أن الخطأ أو الإشكال الحاصل يرجع إليه هو بدرجة أولى. فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المسؤول دائما على صواب والمواطن دائما على خطأ. فالتمسك بالرأي الواحد والتحجر هو علامة من علامات الجمود. فالمواطن التونسي بصفة عامة يحمل في لا شعوره عقلية إقصائية استبدادية تزين له الأشياء وتوهمه أنه دائما على حق في أي منصب كان. فالعقلية الاستبدادية لا تستأصل إلا بإرساء ثقافة الحوار والتحاور وإرساء ثقافة رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب : دخل رجلان متخاصمان على حكيم هندي فسمع من الأول فقال له أنت على صواب وسمع من الثاني فقال له أنت أيضا على صواب، فتدخل معاونه وقال له يا حكيم هل يمكن أن يكون كل منهما على صواب ؟ فالتفت إليه وقال له : وأنت أيضا على صواب. فهذا الحكيم أراد أن يشير إلى أن الحقيقة ليست دائما مطلقة بل لها جوانب متعددة ولا بد من التعامل معها بكل مرونة.
لا ينقطع الشغب والهرج والمرج حتى عن المستشفى، ففي المستشفى يوجد مرضى مشاغبون ومهرجون ومتغطرسون و"باندية" ويجري عليهم المثل الشعبي "الفقر والفرعنة". أربعة مرضى في غرفة مساحتها ثلاثون مترا مربعا يضاف إليهم ثلاثة إلى خمسة مرضى يجيئون من غرف مجاورة لغاية السمر. أربعة إلى ستة أشخاص يدخنون في نفس الوقت مع وجود لافتة بالخط العريض تمنع التدخين. جل الشباب المجتمعون يحملون قطع حديدية ومسامير ثبتت في أرجلهم أو في أيديهم بعمليات جراحية، هؤلاء الفتية، ومع الحالات الصعبة التي يعيشونها، لا يستطيعون التحاور فيما بينهم بدون كلام بذيء تقشعر له الأبدان في بعض الأحيان. طلبت منهم التوقف وعدم الاسترسال في قول الكلام الفاحش، فلم يمتثلوا لنصيحتي ولمحاولاتي المتكررة، بل فيهم من أراد التهجم علي لأني قد تجاوزت حدودي في نظره. أيقظت الممرض المسؤول عن القسم من نومه في الساعة الواحدة ليلا وطلبت منه أن يبحث لي عن غرفة أخرى. وافق بعد إصراري على طلبي وطلب من أحد المرضى إعانتي على حمل أمتعتي ولم يكلف نفسه عناء مساعدتي على حمل بعض الأمتعة، ثم رجع إلى غرفته وواصل نومه، وإني لأتساءل: أين حزم الإدارة تجاه المرضى وتجاه الموظفين الذي يذهبون لعملهم ليناموا ثم يتسلمون مرتبات في آخر الشهر مضافة إليها منحة الإنتاج !
يوجد في كل غرفة بقسم المرضى المقيمين جهاز تلفزيون. في بعض الأحيان يكون الجهاز معطبا. الأجهزة المتوفرة لا تلتقط إلا قناة تونس 1 وتونس 2 وقناة حنبعل. في هذه الحالة وعندما يجد الإنسان نفسه ضمن مجموعة تستهلك رغما عنها برامج من نوع معين يتبين له عند ذلك مدى رداءة معظم برامج هذه القنوات ويتذكر بعض القنوات الهادفة والمسؤولة مثل قناة الجزيرة وقناة الحوار(التي تبث من لندن) ويتذكر قولة أبي فراس الحمداني " سيذكرني قومي إذا جد جدهم *** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر "
الأطعمة التي تقدم للمرضى رديئة ولا طعم لها ولا يجوز أن تقدم للأصحاء فما بالك بالمرضى. وأغلب المرضى لا يتناولون وجباتهم من المستشفى. فلماذا يتعب العاملون في إعداد أطعمة ثم يلقون ببعضها أو جلها في سلة الفضلات. ولماذا تلجأ الإدارة إلى غش المرضى بحيث تستغل التجاءهم إليها فتبيعهم خدمات لا تتوافق مع المعايير العالمية والإنسانية ولا تتوافق مع الأثمان المدفوعة. فرغم أننا على مسافة سنة ونصف من الثورة ولكن لا يبدو إلى حد الآن أن هذه الثورة وصلت إلى عقول عديد المسؤولين. فالشعب هو الذي فجر الثورة وهو الذي أسقط أناسا ورفع أناسا ولكن بعض المسؤولين مازالوا يعتقدون أن هذا الشعب لم يصبح بعد صاحب البيت ومازالوا يعتقدون ويتعاملون معه على أنه سائل معروف يترجى حسناتهم يجوز ويمكن أن يتكرموا عليه ويلقوا إليه ببعض فضلات الطعام وببعض الثياب البالية.
خلال إقامتي بالمستشفى وقفت على معاناة بعض المرضى وأحسست ببالغ آلامهم وأوجاعهم في جوف الليل وتذكرت جرحى الثورة السورية الذين يبقون أياما بدون دواء وبدون علاج وتذكرت ضحايا التعذيب وما سببه لهم من أوجاع بالغة وآلام يصعب نسيانها على مر السنين. فكل التعاطف مع كل المرضى والمقيمين بالمستشفيات وكل التحية والتقدير والإكبار لكل ضحايا التعذيب في كل العالم ولكل شهداء الحرية الذين يؤسسون بآلامهم وبآهاتهم وبدمائهم لغد أفضل ومشرق لخير البشرية والإنسانية قاطبة.
رغم النقائص المتعددة التي تشكو منها المستشفيات إلا أنها تظل مصدرا من مصادر التوازن النفسي والروحي للإنسان : يشكو المواطن العادي من ظروفه المعيشية والمالية والاجتماعية الصعبة للغاية. ولكن عندما يدخل المستشفى ويقف على مصائب الناس يقول : الحمد لله على كل حال. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.