عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل - اليوم آخر أجل لدفع معلوم الجولان لهذه السيارات    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بشبكة الألياف البصرية ذات التدفق العالي بالأنترنات    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/ منخفض جوي شبيه بمنخفض جانفي وفيفري..هكذا سيكون الطقس خلال الأيام القادمة..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    وزارة العدل توضّح    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 25 و29 درجة    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحركات السلفية في مرآة خبراء عرب وأوروبيين
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 08 - 2012

تونس رشيد خشانة:تُشبه الظاهرة السلفية التي انتشرت في البلدان العربية، وخاصة في أعقاب "الربيع العربي"، جبل الثلج الذي لا يمكن سبر أغواره وإدراك امتداداته من خلال الإقتصار على قراءة القسم العائم منه. لإلقاء الضوء على مسارات هذا التيار، عقد باحثون عرب وأوروبيون ندوة علمية، في محاولة منهم استشراف آفاق نموه ليس فقط في العالم العربي وإنما في فرنسا وبلجيكا أيضا.
دخلت الجماعات السلفية بقوة إلى ملعب السياسة العربية والإسلامية اعتبارا من سنة 1996 وعلى رغم انسجامها الفكري مع السعودية، موئل المرجعية السلفية، فإن الحركات الجهادية بدأت تتمرد عليها سياسيا، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" الذي كانت أكثرية قياداته تحمل الجنسية السعودية. ومع أن المالكية هي مرجعية التيارات الإسلامية الرئيسة في المغرب العربي منذ قرون، بل مرجعية المجتمع الذي اتسم بإسلامه الوسطي النابذ للشطط والتزمت، اجتاحت الحركات التي باتت تُعرف بالسلفية الفضاءين السياسي والديني في شمال أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، محاولة نشر رؤية غير مألوفة عن الإسلام. ويُعتبر مُنظر الدولة السعودية محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792) مؤسس المذهب الوهابي المتسم بالصرامة والتشدد، إلا أن العلماء المغاربيين أمثال التونسي محمد الطاهر بن عاشور والجزائري عبد الحميد بن باديس رفضوا هذا المذهب صراحة.
مع ذلك وفدت السلفية الجديدة إلى شمال أفريقيا من آسيا على إثر مشاركة متطوعين مغاربيين في حروب أفغانستان والعراق واحتكاكهم بدعاة سعوديين ومصريين وفلسطينيين وأردنيين.
وربما شكلت الندوة العلمية التي أقامتها أخيرا في الرباط جامعة فارفيك Warwick البريطانية، بالتعاون مع مركز جاك بيرك في المغرب، إحدى المحاولات الأولى لفهم ظاهرة السلفية بامتداداتها المختلفة، بما فيها شبكاتها المنتشرة في أوروبا الغربية.
رموز جديدة
ركزت الباحثة الجزائرية المتخصصة بالحركات الدينية سلمى بلعالة ورقتها على التفاعل بين السلفية والحداثة السياسية في صلب حركة الإصلاح الجزائرية خلال النصف الأول من القرن العشرين. وأوضحت أن الاقتداء بالسلف الصالح والاعتماد على ظاهر النص ومقاصد الشريعة شكلت أساسا لبلورة الحداثة في فكر قادة الإصلاح المغاربيين، على رغم اختلاف المشاريع السياسية – الفكرية التي صاغوها، ونشروها بين النخب. أما تبني السلفية مرجعية لاكتساب الشرعية السياسية فلم يظهر إلا لدى "الحركة الإسلامية" (1979 – 1988) على ما قالت بلعالة.
وتشكلت عقيدة هذه الجماعة التي ارتبط كثير من عناصرها بحركة الإخوان المسلمين، من خلال الجمع بين فكر ابن تيمية المعروف بصرامته من جهة، وكل من حسن البنا وسيد قطب من جهة ثانية. واعتبرت بلعالة أن السياق التاريخي والثقافي المحلي لكل بلد لعب دورا حاسما في تمايز المفاهيم السائدة عن السلفية بعضها بعضها. وشرحت كيف استبدلت العناصر السلفية الرموز المحلية مثل الشيخين ابن باديس والبشير الإبراهيمي بمرجعيات سعودية تُختزل في ثلاثة هم عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين وناصر الألباني.
وعزت تلك القطيعة إلى الدور الذي لعبه أبو بكر الجزائري (المنحدر من بسكرة) الذي هاجر إلى السعودية في الستينات، وهو لم يكن منتميا لجمعية الإصلاح الإسلامية المعتدلة، وكذلك إلى دور عبد الملك رمضاني الذي يرفض السيادة الشعبية ويعد الديموقراطية دينا وضعيا. ويعتبر رمضاني المظاهرات ضد السلطات الجزائرية حراما، وقد سطع نجمه بعدما كفر "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وأوضحت بلعالة أن رمضاني هو رأس حربة مكافحة الإرهاب في صف الدولة، مشيرة إلى أنه مقرب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
في المقابل أوضحت دور الشيخ ابن باديس في ترسيخ فكرة الوطن التي كانت غائبة من الفكر السياسي الجزائري، فهو الذي نحت مصطلحي "الشخصية الجزائرية" و"الجنسية الجزائرية"، حتى أنه اضطر للرد على الزعيم الوطني فرحات عباس عندما قال إنه لم يجد أثرا للشخصية الجزائرية. وميزة العمل الذي قام به ابن باديس أنه حارب الزوايا والطرقية المتورطة مع الإستعمار الفرنسي وحرر الناس من نفوذها، ما أضفى على حركته الإصلاحية طابعا ثقافيا أكثر منه سياسيا.
الدرع المالكي
أما الدولة الجزائرية فاتخذت من المذهب المالكي درعا لمقارعة الحركات السلفية الناشئة في الملعبين الديني والسياسي. وفي السياق نفسه أبان الباحث الفرنسي الشاب أوغستان جوميي عن جذور الحركة الإصلاحية الإباضية في منطقة مزاب الجزائرية، التي تستمد جذورها من حركة الخوارج، مثلما هو حال الإباضية في جزيرة جربة التونسية. ومن الأسماء التي توقف عندها جوميي أبو يقظان الذي درس في تونس ثم عاد إلى الجزائر في 1929، قبل أن يرحل إلى القاهرة ويؤسس هناك صحيفة أصولية. وأظهر الباحث أن علماء الإباضية بلغوا من النفوذ والتأثير درجة جعلتهم يفرضون على السلطة السياسية تسمية مقربين منهم في الحكومة بين سنتي 1962 و1964، أي في عهد الرئيس الجزائري الأول أحمد بن بيلا.
ويمكن القول إن المذهب المالكي مازال طاغيا في أعماق المجتمع المغاربي على رغم الإغواء الذي مارسته الأيديولوجيات الجهادية على بعض فئات من الشباب، مثلما هو حال العناصر التي فجرت أماكن عمومية في المغرب في 2003 بالدار البيضاء، أو تلك العناصر التونسية التي تدربت لدى الجماعات المتشددة في الجزائر وأقامت مركز تدريب في جبال تقع جنوب العاصمة تونس تمهيدا لتنفيذ أعمال عنف، قبل تطويقها والقضاء عليها في مطلع 2007.
من هنا ركز جان فيليب برا Bras أستاذ القانون في جامعة روان الفرنسية على ظهور التناقضات الأولى بين تيار الإخوان المسلمين من جهة والسلفيين من جهة ثانية، خاصة في المغرب وتونس، بالإستناد على المرجعية المالكية التي تشبث بها أهل المغرب العربي، ورفضوا على أساسها الدعوة السلفية. وعزا استقرار المذهب المالكي في شمال أفريقيا إلى عدة أسباب من بينها أن أهلها ليسوا كثيري الترحال، مثلما أشار إلى ذلك ابن خلدون. لكنه أكد إمكان التعايش بين المالكية ومذهب آخر كما هو حال الحنفية في تركيا.
التجربة المغربية
اختار بلال التليدي الباحث في الحركات الإسلامية أن يغوص في البحث عن جذور العلاقة بين الحركة الإسلامية والسلفية، وبشكل خاص حركة الشبيبة الإسلامية في تفاعلها مع ما أسماه بالدعوة الهلالية الأولى والثانية (نسبة إلى تقي الدين الهلالي أحد أعلام السلفية في المغرب) في بداية السبعينات، إذ لخص هذه العلاقة في أربعة مستويات: مستوى فكري وسياسي، وفيه تأثرت الشبيبة الإسلامية بالمرجعية السلفية، وحاولت أن توجد تركيبا مفهوميا يجمع بين التوحيد بدلالته العقدية السلفية والحاكمية بدلالتها الحركية والسياسية (القطبية)، مما سمح لها ببناء رؤية سياسية تعتبر الحكم القائم طاغوتا ينبغي التصدي له من أجل بناء "منهج الله في الأرض".
والمستوى الثاني تنظيمي دعوي، حاولت من خلاله استثمار غياب البعد التنظيمي في دوائر الاستقطاب السلفي (المساجد التي كان يلقي فيها رموز السلفية دروسهم)، وتحويل ذلك إلى رصيد تنظيمي لها، أي اعتبار دوائر الاستقطاب السلفي "تنظيما محيطيا" يتم توظيفه من أجل الاستقطاب للتنظيم المركزي للشبيبة الإسلامية، واستثمار الدروس السلفية لإنتاج القيادات التربوية والدعوية لتنظيم الشبيبة الإسلامية. وبعد تناوله لسياق تشكل السلفية العلمية في المغرب في بداية السبعينات، ومركزية دور القرآن في المشروع السلفي في المغرب، نزّل الباحث التليدي علاقة التنظيمات الإسلامية التي شكل حزب العدالة والتنمية امتدادا لها، في سياق الحركة السلفية ضمن إطارين اثنين: الأول نظري، ركز فيه الباحث على الوثائق والأدبيات التي تحدد علاقة هذا المكون الإسلامي بالحركة السلفية، وبشكل خاص الميثاق الذي يدمج الحركة السلفية ضمن الغير الذي "يلزم التعاون معه من أجل الخير"، ثم حصيلة الدورة التكوينية التي أقامتها حركة الإصلاح والتجديد سنة 1992 التي ناقشت الموقف من السلفية، وانتهت فيه إلى نفس الموقف السابق مع ضرورة ممارسة النصح والترشيد لهذا المكون، ثم وثيقة الرؤية السياسية لحركة التوحيد والإصلاح، التي اعتبرت المكون السلفي ضمن مشمولات الجبهة الدينية التي ينبغي تقويتها والحرص على انسجامها.
أما الإطار الثاني، فقد لخصه الباحث بذكر المواقف السياسية من الحركة السلفية، والتي اختصرها في استنكار حملة الاستهداف التي توجهت للمكون السلفي بعد أحداث 16 مايو 2003، وموقف حركة التوحيد والإصلاح المستنكر لإغلاق دور القرآن، ثم دعوتها إلى انتهاج مقاربة تصالحية لإنهاء هذا الملف.
وتناول الباحث في مداخلته أيضا موقف الحركة السلفية من مكونات الطيف الإسلامي في المغرب، والذي اتسم في غالبه بالحدة والاحتكاك لاسيما مع جماعة العدل والإحسان، كما لم يسلم موقفها من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية من هذه الحدة، لاسيما أنها ظلت تعتبر التحزب والتنظيم، فضلا عن المشاركة السياسية، بدعا محرمة لا علاقة بالدين بها. لكن مع الربيع العربي، لاحظ الباحث تحولا كبيرا في العقل السلفي، لجهة المشاركة في الحراك الشعبي والسياسي، وإسناد الإسلاميين وتبني الآليات المدنية، وبشكل خاص الحقوقية، في الدفاع عن المظلومية السلفية، بل وتبني آليات جديدة في التواصل تعتمد الحضور في المنتديات الأكاديمية والبرامج الإعلامية.
إغلاق دور القرآن
وفي تفسيره لأسباب التحول، رأى التليدي أن تجربة السلفيين مع إغلاق دور القرآن، وقراءتهم السياسية لتحول موقف الدولة منهم منذ سنة 2001 و تحديدا بعد 2003، ساهمت في تشكيل قناعة لدى الحركة السلفية بارتباط عمقها الاستراتيجي (دور القرآن) بأنماط التفاعلات القائمة بين مكونات الحقل السياسي وبشكل خاص بين المكون العلماني والمكون الإسلامي، ومن ثمة تبرير الحاجة إلى إسناد كامل للتجربة الإسلامية للمحافظة على هذا العمق الاستراتيجي للمشروع السلفي، وهو ما دفع السلفية المغراوية إلى تأصيل المشاركة السياسية والإسناد الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، إذ تشكل لها تقدير سياسي يعتبر أن جوهر المشكلة يكمن في التيارات العلمانية التي دفعت الدولة إلى القطيعة مع الحركة السلفية. وهذا ما دفعها بحسب الباحث إلى إعادة النظر في مواقفها العقائدية من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومن العملية الديموقراطية بجميع تفاصيلها، وتحديد خيارها السياسي الاستراتيجي في تأمين المشروع الرسالي للحركة السلفية.
وتجسد ذلك من خلال التصويت على الدستور، ثم التصويت لفائدة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية (فاز حزب العدالة والتنمية بنصف المقاعد في مراكش قلعة السلفية المغراوية بعدما كان لا يستطيع الظفر بأي مقعد هناك) ثم تبني الآليات المدنية في الدفاع عن قضاياها أو قضيتها الأساس (ندوات صحفية، نشاط حقوقي، مشاركات إعلامية، حضور على المستوى الأنشطة الجامعية، كتلة ضغط انتخابية.
وانتهى التليدي في خلاصات بحثه إلى أن عنصرين رئيسيين يحددان العلاقة بين العدالة والتنمية والسلفية المغراوية هما: تأمين العمق الاستراتيجي للحركة السلفية (دور القرآن) بالنسبة إلى السلفيين، وتأمين تماسك الجبهة الدينية بجعل الاعتبار الحقوقي محددا في العلاقة بين العدالة والتنمية والحركة السلفية المغراوية بالنسبة إلى إسلاميي العدالة والتنمية ليخلص في الأخير إلى أن تصريف هذه العلاقة أو تقاطع المصالح بين المكونين تم بآليتين: الآلية الحقوقية والتي اعتمدها إسلاميو حزب العدالة والتنمية لرفع المظلومية عن السلفيين، والآلية السياسية التي اعتمدها السلفيون لإسناد الإسلاميين انتخابيا ، فيما لاحظ الباحث في آخر خلاصاته أن المحدد الأيديولوجي والعقائدي ظل خارج محددات العلاقة.
السلفية الدولية
ويمكن القول إن سنة 1996 شكلت انعطافا مهما في المد السلفي، إذ باتت السلفية الوهابية مثلما صاغها فقهاء الدولة في السعودية المرجعية السائدة بين الحركات المنتسبة للسلفية عبر العالم. واتسم هذا النوع الجديد من السلفية، الذي ساهم ناصر الألباني في تسييسه كما تقول سلمى بلعالة، بنزعته إلى تنقية المذهب ( أو ما دعاه "التصفية") على نحو كرس القطيعة مع الفكر الإخواني، ووضع المذهب على أرضية سياسية جديدة، تجعل العقيدة سابقة على القوانين. إلا أن بعض الباحثين يُحبذون أن يُعطي علم السياسة الأفضلية للبعد الدولي على البعد المحلي لدى تحليل الظاهرة السلفية الجديدة، إذ على رغم الخصوصيات المحلي، صارت السلفية المتمردة على الرجعية السعودية ظاهرة عابرة للدول والقارات.
وفي أعقاب ثورات الربيع العربي برزت على الملعب السياسي أحزاب وقيادات تنهل من المرجعية السلفية، أسوة بحزب النور السلفي في مصر والشيخ الفيزازي في المغرب الأقصى وعبد الملك رمضاني في الجزائر، وكان تأثير هؤلاء واضحا في التجارب الإنتقالية التي تعيشها بلدان شمال أفريقيا بدرجات متفاوتة. من هنا حرص منظمو ندوة الرباط على استكشاف الخيط الرابط بين هذا البعد المُميز للسلفية الجديدة ومجمل التطورات السياسية في المغرب العربي وأوروبا.
السلفية بعيون أوروبية
على الطرف الآخر من المشهد عرض الخبير ريني لوراي Leray رؤية الإتحاد الأوروبي لتنامي التحديات التي تمثلها التيارات السلفية على الضفة الجنوبية للمتوسط. وأوضح أن أوروبا تراقب إعادة تشكيل المشهد السياسي في الجنوب بعد انتصار الثورات وإرهاصات ولادة دولة القانون، لكنها مازالت مشغولة بظاهرة الهجرة من الجنوب نحو الشمال. ومنذ أن أنشأ الإتحاد الأوروبي جهازا ديبلوماسيا خاصا به تطبيقا لمعاهدة برشلونة أصبح يعتمد على وسائله الذاتية في التحليل واستقاء المعلومات، من مراكز البحوث إلى قسم الرقابة البحرية الذي يراقب حركة الهجرة في المتوسط.
واعترف لوراي الذي عمل طيلة ثلاثة عقود مستشارا للإتحاد الأوروبي، بأن الإتحاد دعم أنظمة كان يعتقد أنها أفضل حلفائه، لأنها قوية بما تمتلكه من وسائل عسكرية وأمنية متطورة. كما اعترف بأن المفاجأة الثانية، إلى جانب انهيار الأنظمة الحليفة، تمثلت في الصعود السريع للحركات الإسلامية. غير أن الإتحاد يسعى لوضع خطوط عامة لسياسته المتوسطية في المرحلة المقبلة، والتي تصوغها مديرية العمل الخارجي، بمعية الخلية الخاصة المؤلفة من اثني عشر عنصرا تُسميهم كاثرين أشتون مسؤولة العلاقات الخارجية في الإتحاد، وهو جهاز حل محل الجهاز السابق الذي كان يجمع بين وزارات الداخلية والعدل. وكشف لوراي أن من أهم صعوبات صوغ سياسة أوروبية مشتركة التباين في الأولويات بين الأجندات الوطنية والأجندة الإقليمية، بالإضافة للأزمات الإقتصادية التي تعصف ببلدان جنوب أوروبا، وخاصة اليونان واسبانيا، والتي باتت تشكل ضغطا على الإتحاد نفسه لاعتماد سياسات متشددة إزاء بلدان الضفة الجنوبية.
وأفاد أيضا أن خبراء الإتحاد يعكفون حاليا على وضع الخطط المالية للإتحاد للسنوات الخمس المقبلة وستُقفل تلك الخطط بعد الموافقة عليها على نحو لا يسمح بمعاودة فتحها حتى استكمال تنفيذها. لكنه لم يكشف عن مضامينها وما تعكسه من خيارات جديدة أو قديمة تجاه الضفة الجنوبية للمتوسط.
رشيد خشانة - تونس- swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.