حزب المؤتمر نجح حيث فشل نظرائه مستندا الى صدقية نبيّ الثورة المرزوقي وعزمه على التطهير الشامل وبرهنته على عدم عدوانيته للهوية العربية الاسلامية. وما ان ترك المرزوقي الحزب وانزوى في قصر قرطاج حتى راج صراع الحقائب الوزارية ونسي قادة الحزب ان بيتهم جديد وقد بدؤوا بناءه بالسقف وليس لديهم بيوتا تجمعهم وتأويهم . فلا قواعد حقيقية له عدا من انسجم مع خطابه في تحقيق اهداف الثورة او وجد فيه ملاذا عله يوفر له مكانا في زخم السياسة او فرصة لتفعيل اديولوجيات وحسابات ضمن لعبة الصراع لافتكاك مزيد المواقع ( ويسميه البعض اندساسا ) رغم ان ميزته عدم الاستقرار وتعدد المواقف داخله فان حزب المؤتمر من الجمهورية لا يخشى المغامرة في رفع درجة معارضته للنهضة رغم انه في صلب تحالفها الحاكم ورغم انه يدرك ان جزء كبير من حاصله الانتخابي متأتي من عدم معارضته لها. لعبة الخطاب التي تضع الحزب في ازدواجية ممارسة الحكم وممارسة المعارضة في الوقت نفسه بحثا عن " الزبدة وثمن الزبدة " على حد تعبير المثل الفرنسي.فهل ينجح المؤتمر ان يكون حزبا معارضا وحاكما ويكتشف بدعة جديدة في السياسة ؟ وهذا نوع من المغامرة التي قد تقود الى الربح كما يمكن ان تقود للخسارة. هذه المرة رسالة الرئيس المنصف المرزوقي كانت لاذعة وموذية للنهضة فقد اتهمها بانها تسعى الى السيطرة على مفاصل الدولة بطرق غير مشروعة رغم ان جل البلاغات المتضمنة للتعيينات الجديدة تستند الى توافق الرئاسات الثلاث واحزاب الترويكا ولم يسبق ان سمعنا معارضة صريحة عبر عنها رئيس الجمهورية او حزب المؤتمر رغم حصول تجاذبات عديدة في وضعيات اخرى. هذا الحزب الذي قدم نفسه لا عقائدي ويراهن في خطابه على تحقيق اهداف الثورة برادكلية تبدأ باجتثاث نظام المخلوع من عروقه وتفعيل فوري وشامل للتطهير والمحاسبة ، غير انه في حقيقة الامر يحكم ضمن الائتلاف بواقعية ومرونة وتريث وتكيف لا تقل من الناحية العملية عن البقية بما توفر له من وزراء وما بقي له من نواب . وهو يشارك بالتزام ممارسة حلفائه للتدرج وعدم التهور وعدم خلخلة بنية ونسق الدولة زيادة على استبعاد مظاهر الانتقام والتشفي. وحتى استقالة عبو كانت في جوهرها من اجل التفرغ لانقاذ الحزب وسحب البساط تحت اقدام المنشقين .ولا يحتاج هذا المسار الذي يجسمه حزب المؤتمر بتوافقه مع الترويكا التي تقودها النهضة الى برهان وذلك باعتبار انه يواصل بشكل يومي التزاماته بقرارات وبرنامج الحكومة وهو جزء منها . ولكن طبيعة المؤتمر وهويته المتجددة تجعله اكثر تنطعا فلا يكاد يغفل من حين الى اخر على اصدار مواقف مناهضة للحكومة ومعارضة لها . ويمكن تفسير هذه المفاجآت بملامح زعمائه الخاطفة للاضواء سواء بتغريدهم خارج السرب الداخلي او المثلث الاضلع او نتيجة لتناقضات منتظرة داخل الحزب وكذلك ضمن نوع من المناورة في سبيل المحافظة على الاشعاع الشعبي للحزب بنزعته الثورية التي قد لا تضمنها الحكومة باجراءاتها محدودة الفاعلية . وهو يسعى الى الانسجام مع ما يلوح من اجواء تكرس عدم رضاء الشارع على النهضة في نسق متصاعد للظواهر الصوتية الاعلامية التي تبحث عن الانتقام من حكومة النهضة المتلبسة بالشرعية. وامام تفاقم الانشقاقات داخل حزب المؤتمر والمتعللة بضعف اداء الحكومة فان السباق نحو استقطاب القواعد حديثة العهد بالسياسة ضمن حتمية استعجال بناء هيكلة الحزب الجديد بقواعده بات امرا لا يقبل الانتظار لان القواعد طالها التشرذم والحيرة قبل ان تلتئم وتحدد هويتها وموقعها واسلوبها. ان هذا الوضع جعل باب المزايدة مفتوحا على مصراعيه .كما ان شبح الانتخابات القادمة يطل على حزب رئيسه معزول ( عن الحزب ) في قصر قرطاج وقيادته التاريخية قلوبهم شتى . فما الذي سيجمعهم ؟ ان النهضة كانت جزءا من النجاح الذي بفضله حصد حزب المرزوقي رصيدا انتخابيا فائق الاهمية وبفضله فتح باسلوب ملحمي قصر قرطاج . وهذا النصر يدفع الى الطموح الكبير والى الغرور. ولكن النهضة اليوم تبدو انها جزء من فشل الحزب الذي لم يعد متواضعا شأنه شأن عديد رموزه الذين لم يمتنعوا عن التفكير في زعامة احزاب جديدة تحت راية التصحيح. في خضم هذه الاحداث التي تهدد الحزب في استمراريته ووجوده لم يفوت الاب الروحي للحزب وزعيمه وملهمه الدكتور منصف المرزوقي فرصة المؤتمر ليبعث برسالة تتهم النهضة في العمق .وتفتح الباب للتبرأ منها وعدم الالتزام بتحالف الحكم ،وهذا من شأنه ان يبعث الامل في البقاء وافتكاك مكانة تنسجم مع قيمة ما تحقق في الانتخابات الفارطة خاصة انه يمكن له في ما بعد العمل على تقديم توضيح للنهضة في عدم قصده احراجها .ويمكن ان يطيّب ذلك خاطرها لانها لا تسطيع ان تفرط في الرئيس المنتخب والذي تعرف مفاجآته جيدا ، ولا في ما تبقى من اصوات المؤتمر داخل قبة التأسيسي, كل ذلك في انتظار اعادة ترتيب الاوراق في محطة الاقتراع القادمة .