لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    إيران تنفذ حكم إعدام بجاسوس للموساد    فيينا.. مقتل شخصين وإصابة آخرين بإطلاق للنار في مبنى سكني    أسطول الصمود: سفينتا ''قيصر- صمود'' و موّال-ليبيا تغادران في اتجاه القطاع    بعد 140 عاما.. العثور على "سفينة أشباح" غرقت في بحيرة ميشيغان الأمريكية    الزهروني.. "براكاج" لسائق تاكسي والامن يتدخل في وقت قياسي    النجم الساحلي ينهي علاقته التعاقدية مع المدرب لسعد الدريدي    رغم تراجع الصادرات... دقلة النور تواصل ريادتها في السوق العالمية    مهرجان بغداد السينمائي يكرّم السينماء التونسية    مونديال الكرة الطائرة بالفلبين...هزيمة أمام إيران وصراع الخميس مع مصر    أخبار النادي الإفريقي .. البنزرتي مطالب بالتغيير    في الملفين الفلسطيني والأوكراني.. أمريكا وسيط برتبة عدو    القيروان: يتعاطى السحر والشعوذة ويقصدونه من الداخل والخارج وفاة العرّاف «سحتوت» بعد شرب مبيد حشري    التنوع سمته البارزة.. مجلس هيئة المحامين... في مستوى الآمال    مولود ثقافي جديد .. «صالون الطاهر شريعة للثقافة والفنون» ملتقى المثقفين والمبدعين    جامعة كرة القدم تعلن عن تركيبة اللجان المستقلة    وزير الصحة يزور مستشفى "سامسونغ" الذكي في سيول    وزارة التربية تنشر قائمة المدارس الإبتدائية الخاصة المتحصلة على تراخيص    خزندار: إيقاف منحرف خطير روع النساء والأطفال بالغاز المشل    بين قفصة والمتلوي.. اصابة 11 شخصا في حادث مرور    الزواج مؤجَّل والإنجاب يتراجع... فماذا يحدث في تونس؟    الرابطة المحترفة الاولى(الجولة6-الدفعة1): النتائج والترتيب    توزر: مهنيون يتطلعون إلى تحسين المنتج السياحي وتسويقه والعناية بنظافة المدن وتنظيمها استعدادا للموسم السياحي الشتوي    مستقبل قابس يعزز صفوفه بالظهير الايسر ياسين الميزوني    كأس العالم 2026: الفيفا يكافئ الأندية ب355 مليون دولار    توقيع اتفاقية شراكة بين منظمة اليونسكو و مؤسسة الصادق بالسرور لدعم الثقافة في تونس بميزانية تقدر ب 1.5 مليون دولا أمريكي    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    عملية جديدة للعودة الطوعية لفائدة 150 مهاجرا غينيا من تونس    وفاة العرّاف "سحتوت" بمبيد حشري: النيابة العمومية تتدخّل.. #خبر_عاجل    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    مشاركة تونسية لافتة في الدورة 13 من المهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة    عاجل/ الصيدليات الخاصة توقف العمل بهذه الصيغة    عاجل/ تجدّد الغارات الإسرائيلية على اليمن    قرى "آس أو آس" تجمع تبرعات بقيمة 3 ملايين دينار.. #خبر_عاجل    لأوّل مرة: هند صبري تتحدّث عن والدتها    شنوّا تعمل البنوك بفلوسك؟    يوم وطني الخميس 18 سبتمبر الجاري لتقييم موسم الحبوب 2025/2024    وزارة المرأة تنتدب    التونسيون يستعملون التحويلات البنكية أكثر من أي وقت مضى    لمحبي الرياضة : تعرف على الموعد والقنوات الناقلة لمباراة ريال مدريد ومارسيليا    راغب علامة عن زوجته: لم تحسن اختياري    هشاشة الأظافر: مشكلة جمالية أم مؤشر صحي خطير؟    خطر كبير على ذاكرة صغارنا: الوجبات السريعة تدمّر المخ وتسبّب ضعف الذاكرة!    ال'' Vape'' في الكرهبة: خطر كبير على السواق والركاب...علاش؟    حجز 4،7 أطنان من الفرينة المدعمة لدى إحدى المخابز المصنفة بهذه الجهة..    بنزرت: توجيه واعادة ضخ 35.2 طنا من الخضر والغلال والبقول بسوق الجملة بجرزونة    من 15 إلى 19 أكتوبر: تنظيم النسخة السادسة من الصالون الدولي للسلامة الإلكترونية    محرز الغنوشي يبشر التونسيين:''جاي الخير وبرشة خير''    عاجل : ترامب يرفع دعوى قضائية ضد نيويورك تايمز    علاش تمّ إيقاف العمل بإجراء تمديد عقود الCIVP؟    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    "غراء عظمي".. ابتكار جديد لعلاج الكسور في 3 دقائق..    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    خطبة الجمعة .. مكانة العلم في الإسلام    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ل «النهضة» يد في انشقاقات أحزاب المعارضة؟
نشر في التونسية يوم 09 - 05 - 2012

يبدو المشهد السياسي في تونس منذ تسلم حكومة «الترويكا» مقاليد الحكم سرياليا وغير تقليدي سواء في تعاطي ثلاثي الحكم مع مستجدات الواقع العاجلة أو في «مراهقة» المعارضة وردودها المتشنجة على ما تقترحه الحكومة. ولكن المثير للانتباه، هو اتفاق منشقي جناحي الترويكا ( المؤتمر والتكتل) مع المعارضة على أن سبب الانشقاقات داخلها هو حركة النهضة !! والمسألة مربكة باعتبار أن «النهضة» وهي الحزب الأغلبي انتخابيا تجد نفسها متهمة حتى من منشقي حلفائها. فهل نحن أمام خاصية تونسية صرفة تقطع مع أبجديات العمل السياسي سواء منه الحاكم أو المعارض بما قد يفتح بابا لتأويل ذلك على أنه بداية اصطفاف جماعي، مع اختلاف في التفاصيل، ضد الهيكل الأقوى وهو حركة «النهضة»؟ ثم ألا يرجعنا هذا الاصطفاف إلى فترة ما قبل الثورة وهي وقوف «الأضداد» متحدين من أجل إسقاط الطاغية بن علي؟ وفي كل هذا الغموض، هل استطاعت «النهضة» الخروج من هذا الموقع الدفاعي الذي لا ترغب فيه حتى تتجنب موقف الكل ضد واحد التي خسرها بن علي ولو بعد 23 سنة؟
قد لا تثير الانشقاقات في أحزاب المعارضة لغطا كبيرا ولكن أن تحدث في جناحي الحكم وتوجَّه السهام نحو الطرف الأقوى داخله وهو «النهضة» فذلك حديث آخر . لنبدأ «كرونولوجيا» بتفاصيل أزمات «التكتل» و«المؤتمر»، بدأت المسألة ببعض التلاسن الإذاعي وفي الصحافة المكتوبة بين خميس قسيلة ومحمد بنور مع استقواء كليهما برئيس الحزب مصطفى بن جعفر وهذا يعني أن هذا الأخير لم يتخذ قراره وقتها أو لم يفصح بوضوح عنه، حتى فهم قسيلة أن بن جعفر لم يكن له مساندا، فاختار الاستقالة وحجته في ذلك ابتعاد «التكتل» عن خطه السياسي ووعوده الانتخابية وهذا يعني اتهاما واضحا بخضوع التكتل لأجندا حركة «النهضة»، وفي كل هذا، تناسى أن حزب بن جعفر هو طرف في الحكم معها مع ما يفرضه ذلك من احترام لتعهدات سابقة وخاصة لموازين القوى التي تشير إلى هيمنة واقعية ومشروعة انتخابيا لحركة «النهضة».
ولوعدنا إلى تصريحات قسيلة لأدركنا أنه تخلص من خجله اللغوي بعد الاستقالة ليكون واضحا أكثر في أفكاره ومواقفه فابتعاد «التكتل» عن مبادئه يعني وجوبا تنازلا ل «النهضة»! ثم توالت الاستقالات تباعا داخل «التكتل» ورغم محاولة ناطقه الرسمي محمد بالنور التقليل من قيمتها أو تداعياتها على المطبخ الداخلي للحزب، فان إطلالة صغيرة على الأسماء المغادرة إن أضفنا إليها مؤخرا استقالة عضو مؤسس في قيمة صالح شعيب، قد تؤكد أن سبب الانقسام مع اتهام القيادة بالتفرد بالقرار، هو اختلاف المواقف داخل «التكتل» منذ البداية حول فكرة الدخول في تحالف حكومي مع حركة «النهضة»(وهذا هو لبّ الأزمة). قد تكون تأخرت وخضعت لقراءة موازين القوى التي انتهت إلى ضرورة المغادرة والوقوف ضد قيادة «التكتل» بداية، وضد الحكومة وتوجهات «النهضة» أساسا بعد الاستقالة !
والسؤال المطروح، لماذا النهضة؟ خاصة أنهم قبل استقالتهم التي لم «يُشهروها» قبل تشكيل الحكومة بل بعدها لم يحركوا ساكنا بما قد ينفي عنهم صفة المبدئية السياسية ويؤكد هوس أغلب الفاعلين (دون تعميم)في ما يسمى المعارضة بالانتهازية المتدثرة بالشعارات الديمقراطية الرنانة دون أن يكون لها امتداد إلا في الواقع ...الافتراضي لا الشعبي ! وتلك مهزلة كبرى لكل الأطراف.
بالنسبة لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»، تبدو المسألة متشعبة أكثر، بل يمكن وصفها بالكارثية على اعتبار أن الحديث عن انشقاقات قاعدية أو قيادية أصبح عاديا ولكن الأخطر هو الانشقاق دون خروج عن الحزب وأي حزب؟ هو الذي أسسه رئيس الجمهورية الحالي والذي لم يكن له أي امتداد تنظيمي قبل الثورة أو نضالي في تونس سوى عبد الرؤوف العيادي وفتحي الجربي وأم زياد أساسا ومحمد عبو في مرحلة ثانية، وخارجا المنصف المرزوقي بصفته الحقوقية وقصر قرطاج خلصه منها بعد أن انتصر لمكتبه السياسي (وهو أساسا فريقه الرئاسي داخل القصر، ووزراء الحكومة) المعروف بقربه من حركة «النهضة» وتخلى عن رفيق دربه الأمين العام الحالي العيادي الذي لم يعترف بعزله الضمني وكان واضحا في تصريحاته بل وعقد في القيروان مجلسه الوطني المصغر تحت شعار «من أجل تصحيح المسار». مجالنا القول، هذا الحزب الذي جمع المتناقضات من يسار إلى «نهضة» إلى حقوقيين قبل الثورة، مدعيا انتصاره لقيم الجمهورية وحقوق الإنسان، الآن وقد غادر رئيسه إلى قصر قرطاج مع الدخول في «ترويكا» حاكمة لم ينجح في المحافظة على هذا التجانس لان المرور من مرحلة «النفير» والمعارضة التي جمعت من لا يجتمعون أيديولوجيا ضد بن علي ، لا يمكن أن تتواصل بعد الوصول إلى السلطة. وهذا ما فهمه «جماعة» النهضة داخل حزب «المؤتمر» وما فهمه أيضا خصومها داخله كعبد الرؤوف العيادي وفتحي الجربي وهما مؤسسان للمؤتمر فأن يقول الجربي أن أجندا النهضة قبل رجوعها بفضل الثورة كانت تقتضي بث جماعتها في المهجر والمنفى لدى حركات حقوقية بالأساس ومن ضمنها حزب المؤتمر وأنّ ولاءهم بالأساس ل «النهضة» لا للحزب الذي أصبحوا بفضله وزراء، وأن يصرّح العيادي أن وزراء الحكومة الحالية هم وراء الاعتداء عليه وجماعته في لقاء قابس الأسبوع الماضي، دليل لا على وصول الطرفين إلى نقطة اللاعودة، بل على وضوح الكلام لدى شق العيادي من كون الرئيس الحالي محاطا في القصر بمستشارين «نهضويين» بلباس حزب المؤتمر وبمعرفته الآن بذلك، انتصر لهم لحسابات انتخابية رئاسية مقبلة دون التفكير في مستقبل الحزب.
لذلك، قال العيادي إن «النهضة» لا ترغب في بناء حقيقي لحزب «المؤتمر» حتى لا يصبح حزبا كبيرا ينافسها وأن من الأجدى بقاءه في حدود التابع. ولكن مع موضوعية هذا الطرح، لماذا تأخر هذا الانقسام؟ إذ كان من المتوقع أن يبدأ مع مفاوضات تشكيل الحكومة لا بعدها بفترة غير قصيرة. هذا «التأخير» قد يؤشر على حسابات أيضا لدى شق العيادي .
وكما في جناحي «الترويكا»، حصل انقسام، داخل صفوف «الديمقراطي التقدمي» الذي أصبح «الحزب الجمهوري». وبالعودة إلى تصريحات إذاعية لمية الجريبي تبدو أصابع الاتهام وإن ب «خجل» متوجهة إلى «النهضة». إذ قالت إن المجموعة المنسحبة ربما تكون راغبة في التقرب من «النهضة»، و«ربما» حين تصدر عن سياسي تفقد صفتها الاحتمالية لتأخذ صبغة التأكيد بما قد يحملنا على الاعتقاد أن الجريبي لديها معلومات عن لقاءات بين قياديي «النهضة» والمنسحبين. ولكن سواء للتكتل والمؤتمر أو للجمهوري لماذا تم اختيار الحل السهل وهو اتهام الطرف الأقوى شرعيا وانتخابيا عوض البحث عن الأسباب الحقيقية للانشقاقات؟
فالتكتل والمؤتمر لم يكونا قبل الثورة حزبين مهيكلين وبعد الثورة توسعت قواعدهما بالآلاف. وهذا المعطى الجديد لم يصاحبه تغيير في الهيكلة التي بقيت ضبابية ومتركزة بالأساس في اجتهادات شخصية للقيادات العليا وهذا ما جعل التواصل مع القواعد مفقودا أو محدودا وبلا بوصلة. وحيث أنّ استدامة هذا الوضع غير ممكنة، كان من الطبيعي حصول هذه الانشقاقات بعيدا عن شماعة اتهام «النهضة».
أما بالنسبة للحزب الجمهوري، فالصورة أوضح لشرح أسباب الانشقاق التي تتمحور أساسا حول مواقف الحزب مباشرة بعد 14 جانفي والذي رأى فيها الكثيرون تخليا غير مبرر عن رأس المال النضالي الذي عرف به، مقابل لهث خلف استحقاقات انتخابية عاجلة فكانت النتائج خسارة الاثنين! تضاف إلى ذلك اتهامات القيادة بالتفرد بالقرار وعدم التواصل مع القواعد. وغياب هذا الهيكل التسييري الواضح أدى إلى تداخل في مراكز القرار وتشتتها وخاصة إلى فقدان عنصر الديمقراطية داخلها بما يحملنا على التساؤل: كيف لأحزاب لم تستطع تحديد قواعد اللعبة الديمقراطية المشتركة داخلها أن تطالب الحكومة وأساسا حركة «النهضة» بتحديد هذه القواعد؟
وعليه، قد لا نجد في أسباب هذه الانشقاقات (التكتل والمؤتمر والجمهوري) ما يدل على أياد خفية ل «النهضة» (مع إمكانية وجود بعض أصابعها داخل المؤتمر). بل تكمن الأزمة في عدم القدرة على بناء تنظيم مهيكل من رأسه حتى القواعد. صحيح قد تخدم هذه الانشقاقات حركة «النهضة» ولكن هذا لا يعني تدخلها المباشر في مسائل داخلية لأحزاب أخرى. ولا نعرف حزبا واحدا يرفض «استثمار» أخطاء الخصوم السياسيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.