بطولة مدريد للتنس.. انس جابر تنتصر على آنا كارولينا    طقس الليلة    أثار الجدل.. سحب كُتيّب يروّج للمثلية من معرض تونس للكتاب    "بنات ألفة" يتوج بثلاث جوائز في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    حريق بوحدة تصدير التمور يُخلّف خسائر مادية بدوز الشمالية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    هطول كميات متفاوتة من الامطار خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    عاجل/ انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي ب"خان يونس" خلال خمسة أيام..    صادم في المنستير: مناوشات في مطعم تتطوّر الى اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه!!    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    الداخلية تشرع في استغلال مقر متطور للأرشيف لمزيد إحكام التصرف في الوثائق    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مطول مع الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد :حاوره بلال التليدي
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 01 - 2008

حوار مطول مع الأستاذ المقرئ الإدريسي أبو زيد :حاوره بلال التليدي
قصة الالتحاق بالحركة الإسلامية
بتواضع كبير، يسجل المقرئ الإدريسي أبو زيد شهادته التاريخية، وينسب الفضل لأصحابه، فلم يكن الرجل – كما يصرح نفسه – من الصف الأول من القيادة الذي اضطلع بمهمة التنظير وإبداع الأفكار، ولم يكن من الصف الثاني الذي اهتم بصياغة الأوراق وبناء المناشط التربوية والثقافية والاجتماعية، وغنما كان من الصف الثالث، أو بعبارة أدق كان يمثل رجل الميدان الذي يمسح الوطن، ويلتقي بكل القواعد ويشرح الأفكار وينزلها ويقنع الإخوان بالتحولات الجديدة معتمدا في ذلك على ثقافته الواسعة ورصيد قراءاته العريضة واطلاعه الواسع على تجارب الحركات الإسلامية في العالم.
- أربعة نقاط دفعتنا إلى إعلان المفاصلة عن الشبيبة الإسلامية استنكار واقعة اغتيال المناضل الاتحادي عمر بن جلون، وتوزيع المجلة الرعناء " المجاهد" و الخط الصدامي ضد النظام، والكلام الملتبس حول الصحراء المغربية.
كان استمراري مع الإخوان من باب الدفء النفسي والإيماني لأني أعرفهم منذ سنوات، ووجدت فيهم حماية لي من الانحراف وكنت أتلقى تربويا من الأستاذ عز الدين توفيق وفكريا من الأستاذ عبد الإله بن كيران زادا يملأ علي نفسي، وكان سعد الدين العثماني بديناميكيته، ويتيم بعمقه الثقافي، يشدانني إليهما، فكان لهؤلاء الأربعة دور كبير في صياغة فكري ونفسي.
- الخط الأول كان هو خط إبداع الأفكار، وهذا تقريبا كان بارزا فيه الأستاذ عبد الإله بن كيران، والخط الثاني كان هو التأطير القيادي على المستوى التنظيمي والثقافي والتربوي وكان بارزا فيه أمثال محمد يتيم وعز الدين توفيق والأمين بوخبزة، وأنا كنت ضمن الخط الثالث، الذي هو خط تنزيل هذه الأفكار و المفاهيم إلى الواقع والاحتكاك بالقواعد ومجالستهم.
- بعد صلاة الجمعة، ابتدرنا أبواب المسجد، فإذا بإخوة موزعين بكل إحكام في المسجد التمسوا منا بكل لطف أن نبقى في أماكننا، فإذا بشاب يقف أمام المنبر، يتحدث بفصاحة وصوت جهوري، ويتحدث عن المناكر والمفاسد في الوطن، ويتحدث أيضا عن مظلمة الحركة الإسلامية وكان هذا الأخ هو الأستاذ عبد الإله بن كيران.
- كنت داخل الجلسة التربوية التي أؤطرها أذكر للإخوة البعد الرباني الذي جاء به الأستاذ عبد السلام ياسين، فلم يمر وقت طويل حتى وجدت الجلسة التنظيمية في نهاية السنة تنقسم إلى قسمين وأنا مسئول عن هذا الانقسام بسبب الانفتاح المبالغ فيه ، فنصف التحق بالعدل والإحسان، والنصف الآخر بقي مع الجماعة الإسلامية
*هل يمكن أن تحدثنا عن بداياتك الأولى؟
· ولدت سنة 1960 بمدينة مراكش،انتقلت فور ولادتي إلى مدينة برشيد، حيث كان والدي يدرس، وقضيت هناك أربع سنوات، وفي سنة 1964 انتقلت إلى مدينة الجديدة، والتحقت بالكتاب القرآني مثل كل أطفال ذلك الوقت، ثم بالتعليم الابتدائي سنة 1966، ونلت سنة 1978 شهادة الباكلوريا لآداب عصرية برتبة الأول على الصعيد الوطني ، والتحقت بالرباط حيث تابعت دراستي بكلية الآداب ست سنوات، فحصلت على الإجازة في الأدب العربي، ثم دبلوم الدراسات المعمقة في اللسانيات، وتخرجت إثرها أستاذا بكلية الآداب بنمسيك بالدار البيضاء في شعبة اللغة العربية (تخصص اللسانيات)، وفي سنة 1997 التحقت بمجلس النواب في أول مجموعة نيابية لحزب العدالة والتنمية.
ترعرعت في أسرة متدينة. حفظت من القرآن على يد والدي ووالدتي اللذين يحفظانه كاملا. نشأت في أسرة، جل رجالها ونسائها متدينون يحفظون أجزاء كبيرة من القرآن ولهم حظ من العلم الشرعي، فتحت عيني على خزانة والدي وفيها أمهات الكتب، ونشأت في بيئة، تعتبر الصلاة وكذا الشعائر الدينية، من المسلمات.
· وكيف كانت بدايتك الأولى في الحركة الإسلامية؟
· دخلت التنظيم دون أن أعرفه سنة 1976، حيث التحقت بمجموعة كان يؤطرها شاب قادم من الدار البيضاء وكان يدرس الرياضيات بمدينة الجديدة، وكانت هذه المجموعة تابعة لجماعة "التبين" التي انشقت عن الشبيبة الإسلامية، ولم أكن أعرف شيئا عن هذا كله، وعندما قدمت بعد ذلك بسنتين إلى الرباط أي في سنة 1978، التقيت بالأساتذة الأمين بوخبزة ومحمد عز الدين توفيق وأحمد كرامي، وبالأخوين محمد الحمزاوي ومحمد بوبلي، وكان لهؤلاء جميعا الفضل في إدخالي إلى أول جلسة تربوية ما زلت أذكرها بالتفاصيل، وكان ذلك في مارس 1979، في غرفة بالحي الجامعي كان يقطن بها الأستاذ عز الدين توفيق، وما زلت أعي، كما اليوم بعد ثمانية وعشرين سنة، كيف تناول الأستاذ عز الدين توفيق درسا عن تفسير مقطع من سورة القيامة، وأحسست أن ذلك اليوم كان يوم ولادة جديدة بالنسبة إلي، وبعد التحاقي بالجلسة التربوية لمدة وجيزة، تقلدت مسؤوليات طلابية وتنظيمية داخل العمل الإسلامي، ثم شهدت تحول سنة 1981 إلى الوضوح والعلانية ومفاصلة خط الشبيبة الإسلامية والعمل الناضج، وما زلت أعيش هذه التحولات وأواكبها إلى اليوم.
· نود أن نعرف تفاصيل المرحلة التي انتميت فيها إلى الشبيبة الإسلامية؟
· في سنة 1976، جمعنا شاب متحمس كان أستاذا للرياضيات، وفد على مدينة الجديدة، وبدأ يعطينا دروسا في الفقه من كتاب فقه السنة للسيد سابق، ودروس في التفسير من كتاب في ظلال القرآن لسيد قطب، ودروس في العقيدة، دون أن يفصح لنا عن الانتماء، ولم يكن أحد في المجموعة التي كانت تجلس إليه يعرف شيئا عن التنظيمات الإسلامية العاملة في الساحة وقتها، فقد كنا تلاميذ في الثانوي، وكان هذا الأخ متعاطفا أو منتميا إلى جماعة "التبين" التي انفصلت عن الشبيبة الإسلامية.
· ألا تتذكر اسمه؟
· لا أذكر اسمه بالكامل، فأذكر فقط أن اسمه "أحمد"، وأنه من مدينة "بن أحمد"،، وعندما غادرت الجديدة سنة 1978 إلى الرباط من أجل الدراسة انقطعت علاقتي به، ولكن عند مجيئي إلى الرباط، التقيت بالإخوة الأمين بوخبزة وعز الدين توفيق وأحمد كرامي ومحمد بوبلي والحمزاوي، وبدأت التردد والانتظام في الجلسات التربوية، ولم أكن أعرف في المرحلة الأولى أن الأمر يتعلق بتنظيم، ولم يذكر لي اسم الشبيبة الإسلامية ولا اسم عبد الكريم مطيع، فقد كان نشاطي في هذه المرحلة مقتصرا على الجانب التربوي التأطيري، وكان معي في هذه الجلسة نخبة من الطلبة الملتزمين والمتدينين والمتفوقين دراسيا من كلية الآداب ومن شعبة الأدب العربي على الخصوص. وفي سنة 1981 نفاجأ بعقد لقاءات ماراطونية في بيوت خاصة ومجيء الأساتذة عبد الإله بن كيران والأمين بوخبزة ومحمد يتيم لإقناعنا بمفاصلة عبد الكريم مطيع والانفصال عن الشبيبة أو إخراج مطيع من الشبيبة الإسلامية وتحويلها إلى اسم الجماعة الإسلامية، وتم انتخاب محمد يتيم رئيسا غير معلن (شبه سري) وكذا التبرؤ من أساليب مطيع ومن إشكالياته وسمعت لأول مرة الحديث بنوع من الاستنكار عن واقعة اغتيال المناضل الاتحادي عمر بن جلون، وعن توزيع المجلة الرعناء " المجاهد" وعن الخط الصدامي ضد النظام، وكذا الكلام الملتبس حول الصحراء المغربية. فكانت هذه هي النقاط الأربعة التي لقيت صدى في نفوسنا، ودفعتنا بقوة نحو إعلان المفاصلة.
· وكيف كان موقفك من هذه التحولات؟
· شخصيا لم أومن قط بخط عبد الكريم مطيع، فلم أومن بالسرية ولا بالانقلابية ولا علم لي بحكاية اغتيال عمر بن جلون إلا من جريدة المحرر ، قرأتها وأنا تلميذ في الثانوي، وعندما جاء الأستاذ عبد الإله بنكيران بكل قوته الإقناعية وحماسته الفكرية والإيمانية كنت من أوائل من أعلن مبايعته للخط الجديد وانخراطه فيه، ولم تكن لي أدنى صلة بالقيادة السابقة ولا أدنى معرفة بعبد الكريم مطيع ولا بالستة أو "التبين" ولا بتلك التداعيات الدراماتيكية التي حصلت ما بين 1975 و 1978، فقد عشت مرحلة 1978 إلى 1981 في صفوف الشبيبة الإسلامية وكان العمل يسير بشكل هادئ حيث كان يركز جهوده على الجانب التربوي والثقافي والاجتماعي، وفي سنة 1981 بدأت المفاصلة، فعشت هذا التحول دون أن أعرف الحمى التي كانت تواكبه.
· هل يصح أن نقول بان الانتماء الحقيقي للمقرئ الإدريسي أبو زيد يبتدئ سنة 1981؟
· نعم وهو الانتماء الذي أعلنته، لأني قبل ذلك لم أخاطب باسم تنظيم، ثم إن هذا الانتماء الجديد هو الذي وافق روحيا وفكريا توجهي وعقليتي فانخرطت فيه بحماس.
· ألم تشعر في تلك المحطة أنه لم يكن هناك توجه واضح يقود القطيعة مع الشبيبة الإسلامية اللهم ما كان من الرغبة في مفاصلة الخط الصدامي الذي كاد أن يجهز على كسب الحركة الإسلامية؟
· في الحقيقة كان استمراري مع الإخوان من باب الدفء العاطفي والنفسي والإيماني لأني أعرفهم منذ سنوات، ولأنني أرى فيهم حماية لي ولأمثالي من الانحراف مع فورة الشباب واندفاع السن، وكنت أتلقى تربويا من الأستاذ عز الدين توفيق وفكريا من الأستاذ عبد الإله بن كيران زادا يملأ علي نفسي، وكان سعد الدين العثماني بديناميكيته، ويتيم بعمقه الثقافي، يشدانني إليهما، فكان لهؤلاء الأربعة دور كبير في صياغة فكري ونفسي، فوجدتني مستمرا معهم لهذا الدفء النفسي والعاطفي ولما ذكرت، ثم لمفاصلتهم لخط فيه مخاطرة ومقامرة ورعونة وأنا لا علم لي به أصلا إلا من رواياتهم، ولتبنيهم لخط وإن لم تتضح تفاصيله بعد، إلا أن معالمه الرئيسة كان الأستاذ عبد الإله بن كيران فارسا في شرحها وكان يستخرج لها ويستنبط الأدلة والشواهد من السيرة النبوية ومن سيرة السلف الصلح ومن تاريخ العلماء الأماجد، وكان يزيد إلى ذلك تقدير المصلحة وترجيح الوضع وتبني خط وسطي اعتدالي رغم أن كلمة الوسطية والاعتدال لم تكن واردة وقتها على ألسنتهم، فوجدتني ممتلئا فكريا ونفسيا وروحيا وعاطفيا بهذه التحولات، وساهمت فيها بما أستطيع.
· وكيف كانت مساهمتك في هذا التحول؟
· كان دوري يقتصر على التأطير الجاد للخلايا التربوية التي كنت مسئولا عنها، ولما غادر مجموعة من الإخوة كلية الآداب، تسلمت مسؤولية هذه الكلية، وكنت حريصا على أن أقوم بعملي التربوي والثقافي والاجتماعي والتنظيمي في الحدود القصوى التي أطيقها وأن أكون مبادرا ومستجيبا لكل المبادرات التي تعرض علي.
· هل يمكن لكم أن تفصلوا لنا أهم المفاهيم التي سعيتم لتأصيلها لبناء التوجه الجديد على أساسها؟
· لم أكن من المؤصلين ولا أدعي ذلك، فأنا دائما أقول أني في الخط الثالث من القيادة، فالخط الأول كان هو خط إبداع الأفكار، وهذا تقريبا كان بارزا فيه الأستاذ عبد الإله بن كيران، والخط الثاني التأطير القيادي على المستوى التنظيمي والثقافي والتربوي وكان بارزا فيه أمثال محمد يتيم وعز الدين توفيق والأمين بوخبزة، وأنا كنت ضمن الخط الثالث، الذي هو خط تنزيل هذه الأفكار وهذه المفاهيم إلى الواقع والاحتكاك بالقواعد ومجالستهم وإلقاء المحاضرات والسفر إلى الأركان الأربعة للوطن، ومتابعة التنفيذ والحرص على أن أكون متواصلا مع القواعد وأن أنزل لهم هذه الأفكار، ولا أدعي لنفسي أني كنت في أي مرحلة من المراحل مبتكرا لفكرة أو مبادرا إلى تصور أو واضعا لورقة، ولكني كنت دائما الشارح لهذه الفكرة، أو المفصل لتلك الورقة، أو المنزل لمجموعة من المبادرات التنظيمية والفكرية، وأيضا الباحث عن سند في تجارب الحركات الإسلامية بحكم اطلاعي الواسع وقراءاتي العريضة وقدرتي على الإقناع ونفسي في المحاضرات الواسعة، وكنت ألزم نفسي التزاما صارما بالواجبات التنظيمية والمالية والأخلاقية تجاه التنظيم.
· التقيتم بالأستاذ عبد الإله بن كيران مبكرا، وقلتم عنه بأنه كان هو المنظر للأفكار الجديدة التي قادت عملية التحول، كيف بدأت معرفتك به؟
· كان أول لقاء لي بالأستاذ عبد الإله بن كيران بمسجد الحي الجامعي السويسي الأول، حيث كنا نصلي الجمعة هناك، وعندما انتهى الخطيب من الخطبة وصلينا وسلمنا، ابتدرنا الأبواب، فإذا بإخوة موزعين بكل إحكام في المسجد التمسوا منا بكل لطف أن نبقى في أماكننا، فإذا بشاب يقف أمام المنبر، لا يصعد إليه، ولكنه يقف أمامه، يتحدث بفصاحة وصوت جهوري، ويتحدث عن المناكر والمفاسد في الوطن، ويتحدث أيضا عن مظلمة الحركة الإسلامية وكان هذا الأخ هو الأستاذ عبد الإله بن كيران، وقد شدني منطقه وقوته في الكلام وأعجبت كثيرا بحديثه، فخرجنا بعد ذلك في مسيرة داخل الحي الجامعي وكنت من المساهمين فيها في الصف الأول، وتعرفت عليه بعد ذلك في مثل هذه المحطات وكان يخطب بطريقة عنترية يشد إليه الأبصار والآذان ويؤثر في الجموع، فكنت مشدودا إلى هذا النوع من الحديث بحكم سني وتوجهي، فأساسا أعجبني في شباب الحركة الإسلامية هذه الروح الإيمانية وهذا النفس الإيماني وهذه العقلية البطولية التي تتصدى لنقد الواقع وتتحدث عن التغيير بنوع من الطهرانية، بحيث تعلن رغبتها في إزالة الفساد والمنكر والمعصية وما يغضب الله وأن تأتي بالعدل والشورى وما يرضي الله عز وجل وبالاستقامة وسيادة وكرامة الوطن.
· ألم يكن لك في هذه المرحلة أدنى احتكاك بالعدل والإحسان وبمرشدها عبد السلام ياسين؟
· أول زيارة لي للأستاذ عبد السلام ياسين كانت في صيف سنة 1982، وكانت بداية الاحتكاك بالعدل والإحسان وكانت يومها تحمل اسم أسرة الجماعة والسبب هو شاب كان معي في نفس الجلسة التربوية ثم أعجب بالأستاذ عبد السلام ياسين ثم انصرف إليه، ولأنني كنت أومن ولا أزال بأن العلاقة الأخوية هي فوق العلاقة التنظيمية، فقد احتفظت بصلة طيبة معه ورفضت مجافاته لمجرد أنه لم يعد في الجلسة التربوية. وقد جالست الأستاذ عبد السلام ياسين في أحد المجالس فشدني حديثه الإيماني والرباني، وقدرته على الإقناع، وكانت المرحلة عنده مرحلة تربوية محضة، وشده إلي أيضا جديتي وحسن استماعي إلى حديثه، واهتمامي فقربني إليه، وكنت في الزيارات القليلة التي زرته فيها موضع اهتمام منه وتقريب، وكنت عندما أعود إلى الهيئة التي كنت مؤطرا فيها أحدث الإخوة بكل موضوعية عن الأستاذ عبد السلام ياسين وعن البعد الإيماني والرباني الذي جاء به، وأعطيهم بعض كتبه ومطبوعاته مثل مجلة الجماعة وأخيرهم بين أن يبقوا في الإطار الذي كانوا فيه أو يلتحقوا بالأستاذ عبد السلام ياسين، وكانت المرحلة مرحلة تحول جد صعبة حيث كانت القيادة وقتها في السجون والمخابئ، وكانت هناك حالة من الاضطراب وأحاديث وشوشرة من الذين بقوا في الشبيبة ولم يلتحقوا بالجماعة الإسلامية ، وكلام عن منشورات تأتي من أوربا وعن أحوال غير مرضية، وتشكيك في علاقة الشبيبة الإسلامية باغتيال عمر بن جلون فكنا حقيقة نعيش حالة من الضعف والتردد ما بين 1981 و1984 وهي الفترة التي تألق فيها عبد السلام ياسين ونشط كثيرا في بيته بسلا، وشدني إليه ما شدني إلى إخواني وحضرت لإحدى محاكماته فتأثرت كثيرا، وبهذا وجدت الجلسة التنظيمية في نهاية السنة تنقسم إلى قسمين وأنا مسؤول عن هذا الانقسام بسبب الانفتاح المبالغ فيه الذي ما زال معي وأنا مرتاح به، فنصف التحق بالعدل والإحسان، والنصف الآخر بقي مع الجماعة الإسلامية واذكر أننا كنا وقتها في هذه الجلسة اثني عشر فردا.
· أنت تتهم انفتاحك بأنه السبب في تقسيم الجلسة التي كنت تؤطرها؟
· أنا كنت أتحدث في الجلسة عن اختياراتنا الفكرية والتنظيمية، وكنت في نفس الوقت أتحدث عن البعد الرباني والإيماني عند الأستاذ عبد السلام ياسين ، وكنت أقول لعل الله أرسل إلينا الأستاذ عبد السلام ياسين في تلك المرحلة الحرجة كجرس إنذار يقرع في آذاننا لينبهنا إلى ضرورة الرفع من معنوياتنا ونحن نعيش وقتها حالة من الاضطراب النفسي، فجاء الرجل ليقيم في أنفسنا ذلك البعد التربوي ويلفتنا إلى أهمية قيام الليل وفضل الذكر وإلى الإكثار من العبادات وهو أمر لم نعد ننشط فيه كثيرا كما كنا من قبل، فكانت هذه هي صلتي بالأستاذ عبد السلام ياسين وببعض الوجوه التي ظلت سنين طويلة ترجو التحاقي بالأستاذ عبد السلام ياسين وبجماعته، وتراني أقرب الناس إليه، وتتصور أنني في يوم من الأيام سأعلن انتمائي إلى هذا التنظيم، ولعلي أكون وجها بارزا فيه، وهو ما لم أحسمه قط لا مع ولا ضد، وبقيت إلى اليوم أحتفظ بتعاطف كبير مع بعض وجوه الربانية والإيمانية في جماعة العدل والإحسان وأحتفظ بتعاطف كبير أيضا مع الأستاذ عبد السلام ياسين لكني أحتفظ بولائي كلية للتنظيم الذي أنتمي إليه، ولقياداته ولخطه الفكري والسياسي.
المقرئ يشرح تفاصيل المراجعات التي قادت التحول نحو الجماعة الإسلامية

كيف تم تأصيل المشاركة السياسية داخل حركة الإصلاح والتجديد؟
في هذا الجزء يعرج المقرئ أبو زيد على الدور الذي قامت به بعض محاضراته في التأصيل لقضية المشاركة السياسية وخاصة محاضرته المواقف السياسية للإمام مالك، ويشرح تفاصيل فتح النوافذ على تجارب الحركة الإسلامية في العالم، وكيف استثمرت الحركة هذه التجارب لإقناع الإخوة بالمشاركة السياسية، كما يحكي تفاصيل تشكل خط الدفاع عن قضايا الأمة داخل حركة الإصلاح والتجديد
-تحدثت عن المواقف السياسية للإمام مالك، وكنت أهدف إلى فكرتين، ذلك أن الإمام مالك رضي الله عنه كان يؤمن بالإيجابية والتعاون والتناصح وبالتعامل الإيجابي مع الحاكم، لكنه كان في نفس الوقت يفعل ذلك بنوع من العزة والكرامة بعيدا عن التملق والمصلحية.
-محاضرة المواقف السياسية للإمام مالك قامت بدور التأصيل وإرجاع الوعي الحركي للشباب إلى رموزهم، كما قامت ببيان خط سياسي وسط ما بين المفاصلة الراديكالية والمشاركة المنبطحة، وبتأصيل خط المشاركة المشروطة بالاستقلالية والكرامة وقول كلمة الحق.
-لما قال لي رجاء جارودي "الحضارة تموت عندما يتسرب إلى الذهن الوهم بالاستغناء عن الآخر" قررت أن أفتح نافذة على الحركات الإسلامية في العالم أستفيد من تجاربها وأدخل رياحا جديدة ، وأظن بأن جزءا من انفتاح تجربتنا الحركية يعود إلى هذه الرياح التي دخلت على خطنا الفكري.
-لما استقر الوجه التنظيمي للحركة وبرزت على الساحة وأصبح متاحا لها عبر جمعياتها وواجهاتها الثقافية أن تنشط وتتدافع مع غيرها، برز خط نصرة القضايا الإسلامية وكان ذلك مع نهاية سنة 1983 وبداية سنة 1984.
•بالإضافة إلى كتب الطحان التي استثمرتها كأداة للإقناع كانت هناك محاضرة شهيرة عنونتها ب"المواقف السياسية للإمام مالك"، كيف جاءت فكرة المحاضرة وكيف ساهمت هذه المحاضرة في تقدم وعي الإخوة في الجماعة الإسلامية في اتجاه المشاركة السياسية؟
•دائما أؤكد أني لم أكن من أصحاب المبادرة، ولكني كنت ممن يحسن تفعيلها وتنزيلها. كانت المبادرة من الأستاذ مصطفى أبو السعد المقيم حاليا بالكويت والذي غير اختياره واتجاهه كلية ولكنه ما زال في الخير والدعوة وإصلاح المجتمع، كان يومها نشيطا في العمل الجمعوي بدار الشباب، وكانت عنده جمعية نشيطة جدا اسمهما جمعية الشروق، وبدأنا نقتنع آنذاك بتبيئة مشروعنا الإسلامي في واقعنا المغربي وأن نكف عن الحديث فقط عن علماء الشرق، إذ لم نكن نتحدث قبلها إلا عن حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب وسعيد حوى وأبي الأعلى المودودي وابن تيمية وابن القيم، وبدأنا نفكر في ضرورة الحديث عن رموز المغاربة، وفي ذلك الإطار جاءت فكرة إلقاء محاضرة عن المختار السوسي رحمه الله وعن مجموعة من الشخصيات المغربية التي كان لها دور في التاريخ الديني والسياسي للمغرب المعاصر. وفي إطار تدعيم هذا الوعي، اقترح الأخ مصطفى أبو السعد تنظيم أسبوع كامل عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، فاخترت الشق السياسي عن عمد لأننا كنا ذلك الوقت نعيش تحولا فكريا على مستوى قناعاتنا السياسية وبدأنا نطرح فكرة المشاركة السياسية، فتحدثت عن المواقف السياسية للإمام مالك، وكنت أهدف إلى فكرتين ما زلت أدعو إليهما إلى الآن، وقد رأيت أن سيرة الإمام مالك السياسية تبرز هاتين الفكرتين بشكل واضح: الفكرة الأولى تتلخص في كون الإمام مالك رضي الله عنه كان يؤمن بالإيجابية والتعاون والتناصح وبالتعامل الإيجابي مع الحاكم، ولكنه، وهذه هي الفكرة الثانية، كان يفعل ذلك بنوع من العزة والكرامة بعيدا عن التملق والمصلحية.
•تحدثت عن السياق التي جاءت فيه فكرة المحاضرة، فماذا عن الأثر؟
•كانت هذه المحاضرة من ضمن المحاضرات التي لقيت رواجا كبيرا خصوصا وقد بدأنا في تلك المرحلة بالتسجيل بالفيديو، فكان لهذه التقنية الجديدة – توظيف الفيديو- دور كبير في ذيوع هذه المحاضرة وغيرها، وأنا شخصيا فوجئت لأول مرة وأنا أشاهد أمامي كاميرا فيديو للتسجيل، وكان ذلك لما كنت أحاضر في شرح ميثاق حركة الإصلاح والتجديد، وأتذكر أني أنكرت في البدء تسجيلهم لكلامي، وكنت أقول لهم إن كلام العظماء هو الذي ينبغي أن يسجل. ثم فوجئت بعد ذلك بمدى الرواج الواسع لهذه المحاضرات حتى أصبحت أجدها في كل مكان أزوره حتى خارج المغرب، إذ فوجئت بطلبة مغاربة في موسكو وفي موريال، بل وبعض المغاربة في اليابان يحملون بعض أشرطتي، وفوجئت في الحج سنة 1995 ببعض الإخوة يحملون شريط محاضرة التطبيع الثقافي، وفوجئت بسوريين وفلسطينيين وأوربيين مسلمين يعانقونني ويشيدون بأثر الشريط عليهم. أظن أن محاضرة المواقف السياسية للإمام مالك قامت بدور التأصيل وإرجاع الوعي الحركي للشباب إلى رموزهم، ومن ضمن رموزهم الإمام مالك، وكان لهذه المحاضرة دور بيان خط سياسي وسط ما بين المفاصلة الراديكالية والمشاركة المنبطحة. ويمكن القول بأن المحاضرة أصلت للمشاركة المشروطة بحد أدنى من الاستقلالية والكرامة وقول كلمة الحق.
• في هذه المرحلة بدأت تفتح نافذة على الحركات الإسلامية في العالم بدءا بالحركة الإسلامية بتركيا والاتجاه الإسلامي في تونس ثم الحركة الإسلامية في السودان، إلى أن عرجت على جميع التجارب الحركية في ماليزيا وإندونيسيا وباكستان هذا دون أن ننسى تجربة الإخوان المسلمين في مصر والأردن وسوريا. لماذا توجهت لدراسة هذه التجارب؟ هل كانت شروط الواقع المغربي تقتضي الإفادة من هذه التجارب لتأصيل مسألة المشاركة السياسية؟
•تعلمت من المفكر الفيلسوف روجي جارودي في أول لقاء لي به في جواب عن سؤال وجهته له بصفة شخصية، وكان السؤال هو كيف تسقط حضارة المسلمين وتنهار حضارتهم بعد كل هذه العزة والإشراق، وكان ذلك مني تعليقا على كتابه:" عظمة الإسلام وانحطاطاته تجربة الأندلس نموذجا" قلت له كيف ينحط الإسلام كما ذكرت في الكتاب فقال لي:" أجيبك ليس عن تجربة المسلمين ولكن عن تجربة البشرية كلها. الإنسان يموت، والدولة تموت، والحضارة تموت عندما يتسرب إلى الذهن الوهم بالاستغناء عن الآخر وعدم الحاجة إليه والانغلاق في التجربة الذاتية" وقال لي :" إني أومن بأن الغرب رغم قوته وديناميكيته سيموت لأنه لا ينفتح على الآخرين إلا من زاوية التحكم فيهم ولا يتواضع أمام تجارب الآخرين ليتعلم منها" وأرشدني إلى قراءة كتابه "نداء إلى الأحياء" فقرأته بإمعان ووجدت هذه الفكرة حاضرة بقوة في كتابه، فالذي لا يستفيد من الآخر ويؤمن بالانغلاق يوشك أن يموت. وإيمانا مني بهذه الفكرة وهذا المعنى الذي بسطه هذا الفيلسوف الحكيم وهذا المسلم العظيم، اعتقدت أن الحركة الإسلامية يمكن أن تؤتى من مقتل ضمن مقاتل عديدة، وهو مقتل قراءة الذات والانغلاق عليها والعزوف عن قراءة التجارب الأخرى قصد الإفادة منها، فأمنت بضرورة أن أكون رسول هذه الحركات والتجارب إلى إخواني، أقرأ نيابة عنهم وألخص لهم وأبسط هذه التجارب أمامهم، وكنت دائما أومن بأن هذه الأمة ليست للأسف أمة قارئة بما يكفي وأننا ينبغي أن نحفز على القراءة، ومن جملة وسائل التحفيز أن تقرأ للناس كتابا، ثم تحاضر فيه لعلك بذلك تحفزهم إلى أن يقرؤوا، فأخذت على عاتقي أن أقرأ تجارب الحركات الإسلامية، وقرأت فيها من أمريكا إلى إندونيسيا، بل تتبعت تجربة المركز الإسلامي في اليابان، وطلائع الوجود الإسلامي في جزر كيريباتي، والعمل الإسلامي في نيوزيلندا ولم أترك وثيقة وقعت في يدي أحسن قراءة اللغة التي كتبت بها إلا قرأتها عن تجربة الحركات الإسلامية وحاضرت فيها أمام إخواني فتحا للنافذة كما قلتم وإدخالا لرياح جديدة مجددة وأظن بأن جزءا من انفتاح تجربتنا الحركية والدعوية يعود إلى هذه الرياح التي دخلت على خطنا الفكري الدعوي التي استفدنا منها عبرا ودروسا كما جنبتنا كثيرا من الكوارث، إلا أنني أريد أن أذكر للإنصاف إلى أن هذا الخط في التأطير لم يكن وحده هو الذي أثر على حركتنا، بل كان هناك خط موازي قاده مجموعة من الإخوان وعلى رأسهم الأستاذ عبد الإله بن كيران، وربما بحكم تواجده بالرباط، استفاد الإخوة مما تتيحه هذه المدينة بصفتها عاصمة المغرب من استقبال عدد من الضيوف المشاركين في الدروس الحسنية أو الضيوف عليها، وعدد من الرموز السياسية، فكان الإخوة يلتقطون هذه الرموز ويجلسون إليها من حسن الترابي إلى يوسف القرضاوي مرورا براشد الغنوشي وبكل الشخصيات الدعوية والعلمية، وهنا لا يمكن أن ننسى الدكتور عبد المجيد النجار وكثيرين ممن كان الإخوة يلتقطون فرص وجودهم في المغرب إما في مهام سياسية إذا كانوا سفراء أو منتدبين لأعمال، وإما في أعمال أكاديمية علمية مثل أخينا الدكتور محسن عبد الحميد، وإما في مهام دينية كمحاضرات ودروس دينية خاصة في شهر رمضان المبارك. وكان هؤلاء الوافدون على المغرب يقومون بتبصرة الإخوة بعواقب الراديكالية والعمل السري، والمنهج الصدامي ضد الحكام، وكانوا يفتحون لهم أيضا آفاقا لفهم خصوصية المغرب في ضوء المقارنة وكنت إذا حضرت هذه اللقاءات أو حكيت لي حفزتني على أن أعمق أكثر هذا الاتجاه إلى التعريف بالعمل الإسلامي العالمي، ثم لما كنت أدعى إلى لقاءات ومؤتمرات في العالم كله من قبل هذه التنظيمات أو من قبل من ينظم أنشطة تحضرها هذه التنظيمات، كنت من خلال الاحتكاك المباشر والاتصال بالشخصيات والقيادات أجتهد لأخذ الوثائق التي يأتون بها لهذه المنتديات الفكرية والثقافية، وكنت أوسع بها مداركي وأبثها للإخوان من خلال المحاضرة والدورة التكوينية لعلي أشركهم في قراءة تجارب الحركات الإسلامية في العالم.
•هل كان الهدف من ذلك هو أن تقنع الإخوان بالمشاركة السياسية من خلال عرضك لهذه التجارب؟
•كان هذا أحد الأهداف، بدليل أن بعض التجارب كانت المشاركة السياسية وبالا عليها ومع ذلك عرضتها بأمانة، ولكن هدف الإقناع بالمشاركة السياسية كان حاضرا بكل قوة ولا يمكن أن ننكر ذلك. هذا إذن كان أحد الأهداف، وكان من بين الأهداف أيضا تعميق خط الاعتدال والوسطية التي نعمل من خلاله، وكان أيضا من الأهداف هو ترسيخ روح الانفتاح على تجارب الحركات الإسلامية، وهو الهدف الذي نقلته عن جارودي من أجل ألا نموت ولا نتساقط داخليا ولا نصاب بداء الغرور والاعتقاد بتفرد التجربة وتميزها، وهناك فوق ذلك وقبله وبعده هدف الاطلاع المعرفي، إذ المعرفة عبادة في الإسلام، فمجرد أن يستنير الإنسان بمعارف ومعلومات وتجارب الآخرين ويأخذ منها وجه العبرة أيا كان هذا الوجه ويخزنها في ذاكرته ويضيفها إلى رصيده وخبرته فهذا في حد ذاته طلب شريف ورفيع.
•مع بداية سنة 1987، بدأ يتبلور داخل الجماعة الإسلامية خط مناصرة قضايا الأمة بل ومناصرة الشعوب التي تريد أن تتحرر من الاستعمار والهيمنة، ولا شك أنكم كنتم على رأس الحربة في هذا الملف، كيف نضجت هذه الفكرة؟ وكيف ساهمت فيها؟
•الانتماء الطبيعي لأبناء الحركة الإسلامية هو لأمتهم، ونحن لم نلغ هذا الانتماء أو نضعفه عندما قمنا بتصحيح التصور، وإنما وضعنا الوطن في إطاره الطبيعي باعتباره القطعة الأعز والأغلى والأقرب من الوطن الإسلامي دون أن يفقد الوطن الإسلامي مكانه أو جزءا من مكانه في قلوبنا، وبالتالي، أول ما تفجر الجهاد الأفغاني في جبال الهندوكوش عزة ومقاومة إلا وجدنا أنفسهم كبقية المسلمين بل وفي طليعتهم منجذبين لبطولاته وكراماته ومواقفه وإنجازاته العظيمة، فبدأ التعريف بالجهاد الإسلامي من خلال المحاضرة وتنظيم المهرجانات والندوات.
•متى بدأ ذلك بالضبط؟
•بدأ أول ما استقر الوجه التنظيمي للحركة وبرزت على الساحة رغم أنها لم تحصل على الترخيص القانوني ولكنها حصلت على الاعتراف الضمني، وأصبح متاحا لها عبر جمعياتها وواجهاتها الثقافية أن تنشط وتتدافع مع غيرها، وكانت ذلك على وجه التقريب في سنة 1983 أو سنة 1984، وأظن أن الزيارة كانت بداية مع الشهيد الشيخ محمد الأزرق التونسي الأصل إلى المغرب، وحضورنا لمهرجان ضخم حاشد نظمته له الجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني، وكانت هذه هي بداية لقائنا بالدكتور الخطيب(لكنه لم يثمر عملا مشتركا آنذاك) فبدأنا ننظم بعدها معارض الصور ومعارض الكتب، ومحاضرات وأنشطة تحسيسية بالقضية الأفغانية، وكان من أوائل من نظم مهرجانا ضخما لدعم القضية الأفغانية في الحي الجامعي السويسي الأول الأستاذ العربي بوسلهام وكنا ضمن الحضور والمشاركين، وانطلقت على بركة الله منذ ذلك الوقت فكرة نصرة القضايا الإسلامية باعتبارها بعدا حيويا من أبعاد العقيدة والانتماء لهذه الأمة، ومن أبعاد التفاعل الإيجابي مع مظلومية كثير من الشعوب المسلمة التي ابتليت بالاحتلال أو ابتليت بالقمع .
جاءت قضية البوسنة فكانت محطة أخرى طورنا فيها عملنا نحو مزيد من التركيز والتنظيم، وكان لحضور بعض البوسنيين وعلى رأسهم أحد الشخصيات البوسنية معنا وهو الأستاذ محمد باليتش ممثل الرئيس علي عزت بوكوفيتش رحمه الله دور كبير في تطوير هذا العمل والتنسيق للرفع من مستوى دعمه. طبعنا كتبا، وأعددنا ملصقات وصورا، وقمنا بمحاضرات في شرق المغرب وغربه وشماله وجنوبه للتعريف بمحنة إخواننا في البوسنة، وجمعنا تبرعات للقضية البوسنية ما بين سنة 1992 إلى سنة 1996، ولما تفجرت الانتفاضة الثانية المباركة سنة 1990، وجدنا أنفسنا ضمن الخط المساند للقضية الفلسطينية ومن أكثر الأصوات ارتفاعا في مجال دعمها وجمع التبرعات لها، وأيضا التعريف بها من خلال المحاضرات والمهرجانات ومعارض الصور والملصقات وتنظيم المظاهرات والمسيرات والمشاركة في مسيرات دعم الانتفاضة التي كانت تدعو إليها الأحزاب الوطنية، وكانت هذه الأحزاب تتفاوض بالنيابة عنا مع السلطة وكنا نحن نشارك وكنا الجمهور الأكبر، وبقينا على ذلك نساند قضايا الأمة التي لا زالت تتفاعل على الساحة العالمية كقضية العراق والقضية الفلسطينية. وأعتقد أن هذه القضايا خدمتنا أكثر مما خدمناها، خدمتنا لأنها كانت أداتنا الأوسع للتواصل مع الجماهير.
كانت وسيلتنا لنتعرف على المواطنين وفي نفس الوقت لنعرف. وكانت منشأ إعجاب واحترام كثير من الأطراف بنا وبالثقة بنا أيضا، لم نقصد ذلك معاذ الله، وإنما كنا نقصد خدمة القضية ونصرة المستضعفين، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن نكافأ على بعض جهدنا في الدنيا قبل الآخرة عرفان جميل من الناس وتواصلا مع هيئات عديدة عالمية ووصول صدى إلى خارج الوطن ومحبة من الناس وثقة منهم . على الأقل المواطن المغربي يعلم أن نصرتنا للقضايا الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين ليست موضع مزايدة سياسية ولا مساومة وليست وسيلة لغاية أخرى، وإنما هي غاية في حد ذاتها وأن نيتنا فيها خالصة لوجهه العزيز وهي نية نصرة المستضعفين والمظلومين، وكان لي أيضا في هذا المجل نصيب وافر لقدرتي على إلقاء المحاضرات الطويلة والقدرة على الإقناع والتواصل ولصبري على الأسفار وآلامها ومعاناتها ومفارقة الأهل والأولاد ، وربما أتاح لي عملي كأستاذ جامعي فرصة أكبر للتحرك أربعة أيام خارج مدينة الدار البيضاء بحكم أني لا أدرس إلا حصصا محددة في الأسبوع، وأنا شاكر لهذا التنظيم الذي انتميت إليه والذي حضن هذه الطموحات وهذه التطلعات وهذه الآمال والأحلام في نفسي وفجر هذه الطاقات في شخصي وأتاح لي فرصة أن أتواصل مع الناس بشكل فاعل ومنظم من خلال هذه المحاضرات التي كانت ترفع من معنويات الإخوة وتحسسهم بقضايا الأمة المصيرية وعلى رأسها قضية فلسطين
المقرئ الإدريسي يحكي جزءا من تاريخ العمل الطلابي داخل حركة الإصلاح والتجديد

ثلاث سنوات من تجربة العمل الطلابي في حركة الإصلاح والتجديد
يحكي المقرئ الإدريسي أبو زيد تفاصيل ثلاث سنوات من تجربته كمسئول وطني في للقطاع الطلابي، خصصها لبناء الهياكل التنظيمية للقطاع الطلابي، وعمل على انتظام لقاءات كل الهيئات واستقرارها، وكون أرشيفا ضخما ضمنه كل التجارب الطلابية في العالم،كما يحكي في آخر الحوار أول تجربة انتخابية لحركة الإصلاح والتجديد عبر حزب الشورى والاستقلال رشح لها في وجدة والأستاذ عبد الله اشبابو في طنجة، وكيف فتحت الباب للحركة لرسم خارطة الطريق نحو المشاركة السياسية.
- استلمت من الأخوين سليمان العمراني وسعد الدين العثماني التنظيم الطلابي وهو على مستوى الأوراق صفر، فآليت على نفسي أن أؤسس أرشيفا كاملا للعمل الطلابي، وقمت بتجنيد الإخوة فاستطعنا بعد سنة أن نجمع أرشيفا ضخما يضم ملفات حول القضية التربوية والتصورية والنقابية والسياسية والحقوقية وأيضا حول تجارب الحركات الطلابية في العالم.
- كانت الأولوية عندي هو توجيه الطلبة للتحصيل الدراسي والبحث العلمي والمعرفي حتى لامني البعض ممن يرى العمل الطلابي قرين العمل النقابي المندفع إلى الإضراب المقاطعة واتهموني بتحويل العمل الطلابي إلى جمعية ثقافية.
- اتخذ القرار بتقليص الوفد المفاوض في مسألة الوحدة من أجل الحفاظ على سرية الحوارات، واستبعد الأشخاص الذين قد يسربون الأخبار، وكان أول من استبعد هو المقرئ أبو زيد لأني أحتك بالجماهير وأتحدث بصوت مرتفع، فتوقع الإخوة أن يكون احتكاكي بالجماهير سببا في تسريب أخبار عن هذه الحوارات، فاستبعدت لئلا يجد المتحفظون على علنية هذه الحوارات أي مبرر لإغلاق ملف الحوار.
- استجاب الإخوة لمطلب جهات عليا في الدولة بعدم المشاركة في انتخابات 1993 اقتناعا منهم بأنهم لا ينبغي أن يكونوا ضد المصالح العليا للبلاد، ولما انتهت سنة كاملة، رأى الأستاذ عبد الإله بن كيران أن نشارك في الانتخابات الجزئية، فرشحت في وجدة والأستاذ عبد الله اشبابو بطنجة.
• شاركت في العمل الطلابي لشبيبة الإسلامية وأصبحت سنة 1987 مسئولا عنه داخل حركة الإصلاح والتجديد، نريد أن نتعرف على تجربتك الطلابية ومن خلالها نتعرف على جزء من تاريخ العمل الطلابي؟
• دخلت الجامعة وعمري لا يتجاوز سبعة عشر سنة. انتميت إلى الحركة الإسلامية بشكل صريح وسني ثمانية عشر سنة، ووعيت هذا الانتماء وعيا واخترته اختيارا وأنا ابن عشرين سنة. في البدء كنت عضوا عاديا في التنظيم الطلابي، ثم صرت مسئولا عن خلية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ثم صرت مسئولا عن كلية الآداب ثم صرت مسئولا عن الجامعة في حركة الإصلاح والتجديد ما بين سنة 1987 وسنة 1990، ثم انصرفت بعد ذلك عن هذا الإطار التنظيمي إلى هياكل ومؤسسات أخرى، ثم فارقت تجربة المسئولية التنظيمية، ولم أحبها ولم أنشط لها، واكتفيت بمهمة المراقب والمؤطر التربوي والثقافي. إن كان من شيء أضفته للعمل الطلابي، وهو أنني لما استلمت المسؤولية الوطنية الجامعية سنة 1987، وجدت حالة من الانقطاع واللاانتظام في هيكلة التنظيم بدءا بالمجلس الوطني الجامعي، وانتهاء بالهياكل التحتية، فحاولت أن أستكمل هذه الهيكلة، وأعيد بناء المجلس الوطني الجامعي بحيث يكون ممثلا لكل الجامعات المغربية، وكان المغرب وقتها يعرف توسعا كبيرا على مستوى المواقع الجامعية، إذ انتقل عدد المواقع وقتها إلى اثني عشر موقعا ثم أربعة عشر بعدما كان هناك موقعان فقط هما الرباط وفاس، وتم ذلك بسرعة كبيرة استجابة لتحدي الضغط على الجامعة المغربية، وأيضا لتفريق تكتلات الطلبة في فاس والرباط التي كانت تحدث كثيرا من القلاقل السياسية للنظام، فحاولت مواكبة هذا التحول.
استطعنا ولله الحمد أن ننضبط في تنظيم المؤتمرات الوطنية السنوية واستطعنا أن ننتظم أيضا في عقد جلسات المجلس الوطني الجامعي. نزلت في فترة مسؤوليتي التنظيمية إلى كل المواقع، ومسحت الوطن بالطول والعرض في هذه السنوات الثلاثة عدة مرات. استلمت من إخوة فدائيي هذا العمل (سليمان العمراني وسعد الدين العثماني)هذا التنظيم وهو على مستوى الأوراق تقريبا صفر، إذ لم تكن عندهم أية ورقة في الأرشيف، ولم يكن للعمل الطلابي أي مقرات خاصة به يمكن أن ينشأ بها مثل هذا الأرشيف ، فآليت على نفسي أن أؤسس أرشيفا كاملا للعمل الطلابي، وقمت بتجنيد الإخوة لكي يجمعوا كل الأوراق التي كانوا يملكونها بصفتهم الفردية سواء كتبت عن عملنا الطلابي أو عن قناعاتنا وتصورتنا أو عن التنظيمات الطلابية الأخرى داخل الجامعة المغربية أو في العالم، وبعد سنة كنا قد رفعنا التحدي ونجحنا فيه وجمعنا أرشيفا ضخما يضم ملفات حول القضية التربوية والتصورية والنقابية والسياسية والحقوقية وأيضا حول تجارب الحركات الطلابية في العالم، وإن كان من شيء أعتز به، وهو أنني لما سلمت المسئول الطلابي الذي خلفني في المهمة، وأحسبه الأخ عبد القادر عمارة إن لم تخني الذاكرة، سلمت له أرشيفا كاملا ومرقما، فيه العديد من الوثائق والكتب والملفات والأوراق التصورية والتجارب الطلابية العالمية، وأيضا ملفات تضم قراءات عن تجربتنا ومسارنا في العمل الطلابي والحركي.
• هل كان هذا العمل هو كل ما قمت به في فترة توليك للمسؤولية الطلابية الوطنية؟
• قمت بدور آخر أحسبه أكثر أهمية، وهو أنني وجهت الطلبة للتحصيل الدراسي والبحث العلمي والمعرفي حتى كان البعض، ممن ألفوا أن يعتبروا العمل الطلابي قرين العمل النقابي المطلبي المندفع إلى الإضراب المقاطعة والصدام مع الإدارة، يواجهني ويتهمني أني حولت العمل الطلابي إلى جمعية ثقافية أو إلى عمل أكاديمي وهذا انتقاد لم يكن في محله، لأني كنت ولا زلت أومن – كأستاذ جامعي – بأن الإضراب مضر بالطلبة، ومتسبب في فراغات وانقطاعات في تكوين الطالب الجامعي، وأن الإضراب من أجل الإضراب وافتعال الإضرابات، والإضراب المبالغ فيه أو الإضراب اللامحدود هو جناية على وظيفة الجامعة وإهدار للمال العام، بل إنني في حالة المفارقة التناقضية مع نفسي كنت أستجيب لنداءات الطلبة وأؤطر كثيرا من أنشطتهم وهي أنشطة مكثفة وكثيرة عبارة عن مؤتمرات طلابية ومنتديات ومهرجانات ومحاضرات وتجمعات، لكن كنت في نفس الوقت، أترجاهم لو يخصصون أنشطتهم في يوم السبت والأحد، وألا يجعلوها متزامنة مع الدراسة وألا يوقفوا دراستهم وألا يتغيبوا عن حصصهم المقررة من أجل أنشطة طلابية نقابية أو سياسية أو دعوية مهما كانت قيمتها في بناء شخصية الطالب ومهما كانت أهميتها كأن يؤدي الطالب دوره في نصرة قضايا المستضعفين وقضايا الأمة.
وبشكل عام، كان دوري في العمل الطلابي يتخلص في المساهمة في استقرار الهيكل التنظيمي للعمل الجامعي، وبناء الأرشيف، وترشيد التوجه إلى التحصيل الدراسي والبحث العلمي والمعرفي. وقد مكثت في هذه المهمة ثلاثة سنوات ونصف، وأخذت منها إلى مسؤولية أخرى هي الإشراف على عمل مدينة الدار البيضاء.
• وماذا قدمت من مساهمة في هذه المسؤولية؟
• لم أفلح في هذه المسؤولية، ولم أرغب في أن أفلح فيها، واستعفيت بعد سنة واحدة رغم أن المدة القانونية للمسؤولية كانت أربع سنوات.
• كيف جاءت فكرة مشاركة المقرئ أبو زيد في أول تجربة انتخابية؟ هل كانت تريد الحركة إرسال بالون اختبار للسلطة بخوضكم للتجربة الانتخابية أنتم والأخ عبد الله اشبابو؟
• حسبنا فضلا أنا والأخ عبد الله اشبابو ، بدفع من الأخ عبد الإله بنكيران ومبادرة منه باعتباره كان المسؤول عن الحركة، أننا ضغطنا زر البداية للمشاركة السياسية. أخذت على حين غرة وفوجئت بالأستاذ عبد الإله بن كيران والمكتب التنفيذي آنذاك يطلب مني أن أترشح في مدينة وجدة التي لا تربطني بها أية صلة.
• المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح والتجديد يقرر أن اثنين من الإخوة يشاركان في الانتخابات، لماذا بالضبط اثنين؟ ولماذا بالضبط وجدة وطنجة؟ ولماذا الأخوان المقرئ واشبابو؟ هل كانت الحركة تريد جس نبض السلطة بهذه المشاركة؟
• كانت الفكرة في سياقها، فحين منعنا من تأسيس حزب، انتقلنا إلى الخطوة الثانية، وهي التحالف مع حزب قائم، وتحالفنا مع الدكتور الخطيب، وبدأنا الاستعدادات الأولية للمشاركة في انتخابات 1993، فكانت هناك اتصالات على أعلى مستوى، وطلب من الإخوة إرجاء هذه الخطوة، وتعللت الجهات التي اتصلت بالإخوة بالمصالح العليا للبلاد، وارتأى الإخوة بعد مناقشة مستفيضة أن يستجيبوا لهذا الرجاء.
• كان ذلك بعد إخفاق التجربة الجزائرية والانقلاب على الخيار الديمقراطي؟
• لعله كان لدى بعض الجهات في السلطة تخوف أن يقع مثل ما وقع في الجزائر أو أن يقع شيء قريب منه، والراجح أن جهة دولية ضغطت في هذا الاتجاه ربما تكون فرنسا. لنتذكر ما قاله فرانسوا ميتران آنذاك:" لن أسمح أن يتكرر في المغرب ما وقع في الجزائر" المهم أن الإخوة، رغم حرمانهم من المشاركة الانتخابية، ورغم حرمانهم من حقهم في تأسيس حزب سياسي، قرروا الاستجابة الكريمة لهذا المطلب ليس رضوخا للضغوطات التي يمكن أن تمارس عليهم، ولكن اقتناعا منهم بأنهم لا ينبغي أن يكونوا بأي تأويل مهما كان متعسفا ضد المصالح العليا للبلاد أو ضد استقراره. ولما انتهت سنة كاملة، وجاء وقت الانتخابات الجزئية لملء الشغور الحاصل في بعض الدوائر الانتخابية بسبب الطعون أو حالات الوفاة، رأى الأستاذ عبد الإله بن كيران - ووافقه المكتب التنفيذي في ذلك - أن نشارك بطريقة جزئية، وكان من منهج وزير الداخلية السابق إدريس البصري أن يضع يوما واحدا لهذا الاقتراع في المغرب كله لكل حالات الشغور الموجودة، أذكر أنها كانت ستة عشر حالة موزعة على كل ربوع الوطن.
وكان قد بدا العمل في هذه الانتخابات بقانون إجبارية الانتماء إلى حزب من الأحزاب السياسية وتضييق الخناق على اللامنتمين والمستقلين، فكان لا بد من الحصول على تزكية، وكان الأستاذ أحمد المقدم نائبا بالبرلمان عن مدينة تطوان، وكان ينتمي إلى حزب الشورى والاستقلال، وكانت له سابقة انتماء إلى الحركة الإسلامية، وكان حريصا على أن يأتي إخوة إلى البرلمان ليدعموا توجهه الذي يكاد أن يكون هو الوحيد الذي يمثله، فاتصل بالإخوان، وكان ذلك بتنسيق معي، واستعاد صلة مقطوعة بهم، واقترح عليهم أن يأتيهم بالتزكيات. وفعلا جاءنا من اللجنة السياسية للحزب بثلاث تزكيات، واحدة لوجدة، والثانية لطنجة والثالثة لتاملالت، وكنت شخصيا اقترحت على مدينة سلا، ولكن عضوا في حزب الشورى والاستقلال كان مصرا على الترشح بهذه المدينة، وكان مقتنعا كما حدثني بذلك الأخ أحمد المقدم بأن له حظوظا وافرة للنجاح بهذه الدائرة، فهذه المدن الثلاثة لم نخترها نحن، وإنما كانت هي ما خرج به أحمد المقدم بعد مفاوضات عسيرة مع هيئة القرار العليا في حزب الشورى والاستقلال.
أما الأخ الذي كان سيرشح في تاملالت فقد تلقى تهديدا بالقتل من أحد ألأفراد في حزب من الأحزاب السيئة هناك، وهو ما جعله يتراجع في آخر لحظة رغم أن الأستاذ أحمد المقدم بذل جهدا كبيرا في أن يأتيه بتلك التزكية، ولم يجد الأستاذ اشبابو أية مشكلة في التزكية التي قدمت إليه لأنه ابن مدينة طنجة وتم اختياره على مستوى القيادة، أما في وجدة، فالذي رشح أصلا هو الأستاذ محمد النهاري رحمه الله وهو ابن المدينة وأستاذ جامعي بها وناشط جمعوي وله حضور كبير بالمدينة، وقد بدأ في عقد اتصالاته الأولية، لكن الأستاذ عبد الإله بن كيران لما تم الاعتذار عن منحنا التزكية في مدينة سلا التي كان الإخوة يرون أن أرشح بها، أصر على أن ينقلني إلى وجدة، فكلم الأخ محمد النهاري في الهاتف وقال له:
" هل لك مانع أن تتنازل عن ترشيحك لصالح المقرئ الإدريسي أبي زيد" فكان جوابه رحمه الله غاية في الرقي والتجرد، إذ قال له رحمه الله " على الرأس والعين" واتخذت تدابير وإجراءات إدارية وعائلية على وجه السرعة، وانتقلت إلى وجدة بطريقة مباغتة وجد متأخرة، وعانيت من قبل السلطات في مسألة قبول ملف الترشيح ما شرحت مفصلا في كتابي "حالة استثناء في الانتخابات البرلمانية: حكاية ما جد في انتخابات وجدة"وانتهت الانتخابات بحصولي على الرتبة الثانية، كان الأول فيها هو عبد الرحمان احجيرة رحمه الله والد وزير السكنى الحالي، وكان هو الذي قدم طعنا في الانتخابات التشريعية التي جرت في دائرة وجدة، وكان هو الفائز الحقيقي بها لكن الأجهزة التنفيذية زورت النتائج لصالح عزيز حسين أحد وجوه حزب التجمع الوطني للأحرار، وقد نافست عبد الرحمان احجيرة رحمه الله بقوة وحصلت على الرتبة الثانية بأربعة آلاف وثلاثمائة صوت تقريبا مقابل حوالي ستة آلاف صوت رغم أنه كان مرشحا مشتركا لحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ورغم أنه ابن المنطقة ونائبها البرلماني ورئيس مجلسها البلدي ومناضلها من أيام الاستعمار، وكنت وقتها فتى قليل التجربة عابر المرور بمدينة وجدة، ومع ذلك حققت نتيجة جد إيجابية، وتلقينا استجابة طيبة ونادرة من أهل وجدة المتدينين، وكان من بين ما حرصت على تحقيقه في هذه الانتخابات ترسيخ ما أسميته في كتابي "حالة استثناء" ب"الخطاب الجديد"، حيث أننا مارسنا ولأول مرة على أنفسنا وتجاه المواطنين خطابا يتحدث عن التخليق والمبادئ ويلتمس الإقناع ويتجنب أساليب الضغط بثلاثي "النقود والنفوذ والزرود" وهو ما أحمد الله عليه لأنه بعد أسبوع حصل تحول لا بأس به في الحس التربوي والسياسي لدى المواطنين الذين صوتوا علي، وقد كتبت فقرة صغيرة في كتابي سميتها "لغز الأظرفة الفارغة" التي حصلت على أكثر من خمسة ألاف صوت بسبب أن الناس اقتنعوا بألا يعطوا صوتهم لغيري، وفي نفس الوقت، كانوا محتاجين للدعم المادي، وهو ما جعلهم يفضلون أن يأخذوا المال وأن يصوتوا بالأظرفة الفارغة ذكاء منهم، فهذا تحول لا بأس به لأن التربية تأخذ مسافة أجيال وقرون وليس يوما أو أسبوعا.
• وكيف كانت هذه المشاركة السياسية بالنسبة إلى الحركة؟
• كانت بالنسبة إلينا بداية انغراسنا في الساحة وتواصلنا مع الناس واحتكاكنا بهم، وبداية تشكل خطاب جديد لا زلنا إلى حد الساعة نتبناه ونسمعه للناس، ولا زلت أخوض الحملة الانتخابية بنفس المبادئ التي أعلنت عنها في مشاركتي الانتخابية في وجدة. ولم يستطع العمل السياسي رغم كل التحولات الفكرية والنفسية التي صارت عند الناس أن يأخذ منا أدنى تنازل في هذا الجانب، وهو أننا لا نستعمل الأساليب التي تغلب على الأغلبية الساحقة من المشاركين في هذا الاستحقاق الانتخابي. وبشكل عام، يمكن أن نتحدث عن أهداف حققناها من خلال هذه المشاركة:
نستطيع أن نتحدث عن الانغراس في صفوف الجماهير والتواصل معهم، ونستطيع أن نتحدث عن خطاب التخليق الذي جئنا به ورسخناه حتى صار البعض يستعمله مثلنا، ونستطيع أن نتحدث أيضا عن خدمة الدعوة، ونستطيع أن نتحدث أيضا عن أثر تربوي لدى شريحة واسعة من الفئة اليائسة التي تحركت للمشاركة لما رأت بديلا يتحرك بهذا الخطاب التخليقي الجديد. وأستطيع أن أقول بكل افتخار بأن هذه المبادرة الأولى ساهمت في تحويل مدينة وجدة حتى أصبحت اليوم تعتبر معقلا لحزب العدالة والتنمية رغم الانكسار الذي وقع في محطة من المحطات، لكن اليوم تعافت الوضعية التنظيمية والسياسية والدعوية لهذه المدينة وعادت الأمور لنصابها بعد الفوز المستحق للأخ عبد العزيز أفتاتي وصارت وجدة من أشد المدن تعاطفا مع حزب العدالة والتنمية، وأذكر أني لما وقفت هذه السنة في ساحة باب الخميس وهي نفس الساحة التي خطبت فيها منذ أربعة عشر سنة في انتخابات 1994 ، دمعت عيني لما رأيت نفس الجمهور، ونفس الإقبال، ونفس الخطاب، ونفس العهد الذي كنا وما زلنا عليه، وهو أننا لا نمارس بيع الأوهام، ولا نشتري الذمم، لكننا نشارك بقدر ما نستطيع، ونصلح في حدود ما يسمح به الظرف العام للبلد وما نطيقه.
• هل نستطيع أن نقول بأن انتخابات وجدة وطنجة سنة 1994 أعطت صورة واضحة للمكتب التنفيذي ليرسم خارطة الطريق لمشاركته السياسية في انتخابات 1997؟
• لا أذكر أننا قمنا بعملية تقييم، لكن بدون شك هذه التجربة شجعت الإخوة على المضي في هذا الاختيار بناء على ما رأوا من تفاعل الجماهير معنا ومع خطابنا، فالذي يقع في شهور من العمل الدعوي والتنظيمي يقع من خلال المشاركة الانتخابية في أيام قليلة، والفرصة الدعوية المتاحة في الحملة الانتخابية هي أوسع بكثير من الفرصة الدعوية العادية، رغم أن النتيجة كانت في نهاية المطاف سلبية، فالأخ بتاملالت تراجع، والأخ اشبابو زور عليه، وأنا لم أفز، ولكن مع ذلك لم ينظر الإخوة في المكتب التنفيذي إلى النتيجة لأن النتيجة لم تكن تهمهم، وإنما كان يهمهم استثمار هذه الفرصة للدعوة وتثبيت الخطاب التخليقي القائم على المبادئ.
• أي دور للمقرئ أبو زيد في الوحدة؟
• لم يكن ملف الوحدة استثناء في نوع صلتي بالتنظيم والدور الذي أؤديه، فلم أكن في كل الملفات المعروضة مبادرا ، فالذين اتخذوا قرار الاتصال بالجماعات الإسلامية الأخرى هم أساسا الأساتذة الأخ عبد الإله بنكيران وعبد الله بها وسعد الدين العثماني، والذي صاغ الورقة كان هو الأستاذ الأمين بوخبزة، وأذكر أني حضرت لقاء أو لقاءين غير مهمين كثيرا مع مجموعة فاس، ثم اتخذ القرار بتقليص الوفد المفاوض من أجل الحفاظ على سرية الحوارات ومن أجل نجاحها، واستبعد الأشخاص الذين قد يسربون الأخبار، وكان أول من استبعد هو المقرئ أبو زيد لأني أحتك بالجماهير، وأتحدث بصوت مرتفع، فتوقع الإخوة أن يكون احتكاكي بالجماهير سببا في تسريب أخبار عن هذه الحوارات، فاستبعدت من هذه الحوارات لئلا يجد المتحفظون على علنية هذه الحوارات أي مبرر لإغلاق هذا الملف، فلم يكن لي أي دور إلا دور المباركة بالدعاء، ودور التصويت الإيجابي عندما عرض هذا الأمر على هيئة القرار (مجلس الشورى) داخل حركة الإصلاح والتجديد، وكنت أتمنى أن تمتد الوحدة لتشمل أطرافا أخرى كما كنت أسأل دائما عن رد جماعة العدل والإحسان على الرسالة التي وجهت إليهم.
حاوره بلال التليدي
15/1/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.