كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة: اعداد خطة عمل بكافة الولايات لتفادي توسع انتشار الحشرة القرمزية ( فيديو )    انس جابر تغادر بطولة مدريد من الربع النهائي    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    عين دراهم: إصابات متفاوتة الخطورة في اصطدام سيارتين    الحكومة تبحث تقديم طلب عروض لانتاج 1700 ميغاواط من الطاقة النظيفة    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    كمال دقّيش يُدشن مركز إقامة رياضيي النخبة في حلّته الجديدة    باقي رزنامة الموسم الرياضي للموسم الرياضي 2023-2024    القصرين: ايقافات وحجز بضاعة ومخدرات في عمل أمني موجه    تراجع عدد الحوادث المسجلة ولايات الجمهورية خلال الثلاثي الأول لسنة 2024 بنسبة 32 %    طلبة معهد الصحافة في اعتصام مفتوح    بمناسبة عيد الشغل: الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية مجانا    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    على متنها 411 سائحا : باخرة سياحية أمريكية بميناء سوسة    نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    القبض على شخص يتحوّز بمنزله على بندقية صيد بدون رخصة وظروف لسلاح ناري وأسلحة بيضاء    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    سوسة: حجز كمية من مخدر القنب الهندي والإحتفاظ بنفرين..    أسعار لحم ''العلوش'' نار: وزارة التجارة تتدخّل    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصّ الحوار الكتابي عن برنامج "بلا تأشيرة" مع الدكتور الصادق شورو
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 12 - 2008

محاولة لحفظ الحوار الذي أجرته قناة الحوار اللندنيّة مع الدكتور الشيخ الصادق شورو، ضمن برنامج بلا تأشيرة، بتاريج 3 ذو الحجّة 1429 الموافق الإثنين 01 ديسمبر 2008، والذي كان سببا أو من بين الأسباب التي أرجعته إلى السجن قبل حتّى أن ينعم بأوّل عيد مع عائلته بعد ثماني عشرة سنة من التنكيل والحبس... فقد اجتهدت في سماعه ونقله إلى لغة الحرف علّي أهيّئ له مكانا يليق به في مكتبة الذاكرة التونسية والإسلاميّة، وقد اجتهدت في اجتناب التدليس أو الزيادة أو النقصان إلاّ ما كان ممّا يفرضه الرّسم، كما راجعت الآيات التي أوردها الشيخ وخرّجتها تسهيلا على القارئ الكريم... وقد نشر هذا الحوار على حلقات ثلاث وصاحبته بعض التعليقات، وينشر اليوم مسترسلا وبدون تعليقات، والله من وراء القصد.
[أجرى الحوار جمال أحمد]
- جمال: أعزّائي المشاهدين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم إلى حلقة جديدة من برنامج بلا تأشيرة والذي يأتيكم عبر قناة الحوار في لندن... ضيفنا اليوم هو الرّئيس السابق لحركة النهضة التونسية الدكتور الصادق شورو... والدكتور الصادق شورو حاصل على الدكتوراه في الكيمياء من كليّة العلوم بتونس، وعمل مدرّسا بكليّة الطبّ إلى أن تمّ اعتقاله سنة 1991، وهو حافظ لكتاب الله ومعروف باهتمامه بالتربية الإيمانية، وقد انضمّ لعضوية مجلس الشورى لحركة النهضة الإسلاميّة منذ بداية الثمانينات، وانتخب في مؤتمر 1988 رئيسا للحركة وواصل القيام بمهامّه حتى اعتقل في فبراير من عام 1991… الدكتور الصادق أهلا وسهلا ومرحبا بكم في برنامجنا، ونهنّئك بالإفراج بعد هذه المدّة الطويلة...
- الصادق شورو: أهلا وسهلا ومرحبا بكم...
- جمال: أهلا بك دكتور، كيف يشعر الدكتور الصادق شورو بطعم الحريّة وكيف يرى هذا العالم بعد هذه المدّة الطويلة من الانقطاع عنه، وقد دخل السجن بداية التسعينات يوم كانت حرب الخليج الأولى، والآن عالم آخر وقد انقضت حرب خليجية ثالثة، فالحمد لله... الفرج من الله سبحانه وتعالى كما ذكرت، فكيف يرى الدكتور العالم بعد هذه الفترة الطويلة من السجن؟!
- الصادق شورو: والله، نحن نرى أنّ العالم قد تغيّر بالفعل تغيّرا كبيرا، وقد كنّا في السجن لا نقدر على متابعة هذا التغيّر الحاصل في العالم لأنّنا كنّّا محرومين من كلّ وسائل الاتّصال مع الخارج سواء عبر الصحف أو عبر التلفزة أو عبر الرّاديو... ولمعرفة هذا التغيّر الكبير الذي حدث في كلّ أرجاء المعمورة، يحتاج الإنسان إلى بعض الوقت كي يستوعب كلّ هذا التغيّر...
- جمال: ما هو تأثير الإفراج عنك، عليك شخصيّا وعلى أسرتك وعلى المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه؟!
- الصادق شورو: في الحقيقة، كان تأثيرا جيّدا، واستبشرت العائلة وكلّ الأقارب وكلّ الإخوة بهذا الإفراج... وسوف نسترجع – إن شاء الله – عملنا والمساهمة في حركتنا وذلك بعد دراسة الواقع والاطّلاع على كلّ المتغيّرات التي حدثت منذ دخولنا إلى السجن إن شاء الله...
- جمال: وكيف بدا لهم الدكتور صادق؛ هل هو نفسه أم هناك تغيّر على المستوى الصحّي والمعنوي والروحي؟!
- الصادق شورو: طبعا، لاحظوا تغيّرا كبيرا لأنّ ثماني عشرة سنة تُحدث الكثير من التغيّر سواء على المستوى المادّي أو على المستوى النفسي والرّوحي، وكلّ ذلك في الظاهر. ولكنّ معرفة التغيّر في عمقه يستدعي شيئا من الوقت كذلك، لأنّ هذا التغيّر لا يظهر فجأة وإنّما يظهر شيئا فشيئا...
- جمال: لنعد دكتور صادق إلى البداية، فلو تضعنا في حيثيات ذلك الاعتقال: ما هي الأسباب التي أدّت إلى اعتقالك؛ وما هي التهم التي وجّهت إليك في حينه؛ وكيف تمّت معاملتك خلال فترة اعتقالك؟!
- الصادق شورو: آه... كنت في الإيقاف من عام 1991 إلى صائفة 1992 حين محاكمتي مع إخواني أمام المحكمة العسكريّة ببوشوشة بالعاصمة تونس... وفي هذه الفترة تداولت على تعذيبي فرق شتّى بأشدّ أصناف التعذيب وفي ثلاث فترات متوالية لإكراهي على الاعتراف بتهم تدينني قضائيّا... وفي المحاكمة قضت عليّ المحكمة العسكرية بالسجن بتهمة محاولة قلب نظام الحكم بالقوّة مع أنّه لم تقدّم لإثبات هذه التهمة أيّ دلائل مادّية... وبعد المحاكمة أُبعدت عن مقرّ سكنى أهلي بالعاصمة إلى سجون كثيرة من أقصى شمال البلاد بالنّاظور إلى أقصى جنوبها بقفصة مرورا بالقصرين والهوارب وقرمبالية... كنت في عزلة انفرادية في كلّ تلك السجون مدّة ثلاث عشرة سنة! لقد عوملت مثل إخواني معاملة مساجين من الدّرجة الثانية مقارنة بمساجين الحقّ العامّ بسبب انتمائنا لحركة النهضة، إذ حُرِمنا حتّى من الحقوق التي كان يتمتّع بها مساجين الحقّ العام.
- جمال: (مستوضحا): يعني، ماذا تقصد بالدرجة الثانية؟!
- الصادق شورو: يعني، حُرمنا حتّى من الحقوق التي كان يتمتّع بها مساجينُ الحقّ العام؛ فكنّا أقلّ من درجة المساجين العاديين!... وكان من أشدّ المعاملات قسوة عليّ أنّي ضُربت وعوقبت بالسجن المضيّق لأنّني صلّيت إمَامًا بجمعٍ من المساجين بعضهم من الحقّ العام في زنزانة من جناح العزلة بسجن 9 أفريل بالعاصمة وذلك في صائفة 1993، ومُنعتْ عنّي الكتب والجرائد والكرّاسات وأدوات الكتابة والمجلاّت وحتّى اللّباس التقليدي التونسي؛ ولقد كنت أتألّم لِمَا كان يُعاني منه إخواني من شدّة وأذى، فمنهم مَن مات تحت التعذيب في الإيقاف ومنهم من مات في السجن بسبب الإهمال الصحّي ومنهم من كان يتعرّض للضرب والتعنيف والشتم والإهانة من طرف أعوان السجون... لقد أوذوا وزلزلوا زلزالا شديدا. ولقد كان الأذى والشدّة التي لحقت أهالينا أشدّ وأنكى؛ فلقد اشترطت إدارة السجون على زوجاتنا في بعض الزيارات نزع الخمار لكي يسنح لهنّ بزيارتنا فكنّ بين خيارين أحلاهما مرّ، فأبَينَ الزيارة إلاّ بالخمار... ولو أردتّ سرد كلّ البلاء الذي أصابنا وعائلاتنا لحبّرت المئاتِ من الصفحات، ولكن أترك ذلك للتّاريخ وإنّ التاريخ لا يرحم...
- جمال: دكتور، تحدّثتْ التقارير كما ذكرت أنت في كلامك عن فترة السجن الطويلة، وأنّك حُرمت من حقّ التداوي وحقّ قراءة المصحف والكتب وحرمت حتّى من حقّ الكتابة!... ما هو الجرح النفسي قبل الجرح الجسدي الذي نتج عن هذه المعاملة الصعبة في فترة السجن؟!
- الصادق شورو: في الحقيقة كنت أواجه كلّ هذه الشدّة وهذه المصاعب بالتوجّه إلى الله عزّ وجلّ وبترتيل القرآن والذكر والقيام... فكلّ هذا يسّر لي مقاومة هذه المعاملة الشديدة، والحمد لله...
- جمال: نعم، دكتور أنت دخلت في 12 نوفمبر 2007 في إضراب مفتوح عن الطّعام، وذلك للمطالبة برفع المضايقات التي تعرّضت لها في حينها في سجن العزلة ولكي يُمكّن أفراد أسرتك من زيارتك وأيضا كان ذلك احتجاجا على حرمان أقاربك وأحدهم شقيقك عبّاس شورو من التدريس في الجامعة! هل مازالت هناك آثار لتلك المعاملة وهل يمكن اعتبار الإفراج عنك نتيجة لمسلسل الأضرابات التي قمت بها؟؟!
- الصادق شورو: في الحقيقة، الإضرابات ورفض المعاملات القاسية التي كنّا نُعامل بها كان لها أثر - حسب رأيي – في قرار خروجنا من السجن، ولكن رغم ذلك فبعض الآثار مازالت باقية؛ من ذلك أنّ زوجتي وابني لم يُمَكّنا من جواز سفرهما، كما أنّ أخي لم يُمَكّن من التدريس ولم يعوَّض له عن السنوات التي لم يُسمح له فيها بالتدريس في الجامعة... فهذه قضايا لازالت قائمة...
- جمال: دكتور، قد تمّ الآن الإفراج عنك وعن جميع معتقلي الحركة، هل يمكن أن تعتبر هذا انفراجا سياسيا وبداية مرحلة جديدة، خاصّة وأنّ الدكتور (قلت لعلّها زلة لسان) زين العابدين بن علي أكّد بأنّ تونس ليست دولة بوليسية؟!
- الصادق شورو: في الحقيقة قبل ذلك ولو سمحت، فإنّي أريد اغتنام هذه الفرصة لأهنّئ بحرارة إخواننا المسرّحين وعائلاتهم وأحمد الله لهم أن جمع شملهم بعد فراق طويل. وأهنّئ بحرارة كذلك أبناء حركة النهضة بعودة إخوانهم إليهم وأهنّئ كلّ مَن سعى وبذل الجهد من أجل إطلاق سراحنا وسراح كلّ سجين سياسي أو "مدني" (قلت: اشتبهت عليّ)؛ وإنّه مَن لم يشكر النّاس لم يشكر الله ومن لم يشكر الله فقد كفر بنعمته، ولذلك فإنّي أشكر الله تعالى أوّلا على نعمة الخروج من السجن ثمّ أشكر كلّ المنظّمات والشخصيات السياسية والحقوقية والإعلاميّة والمحامين والمثقّفين العاملين على إعلاء كلمة الحقّ المبين... وإنّي لأشكر كلّ أبناء حركة النهضة على ثباتهم وصمودهم وإقدامهم وجرأتهم، فلقد زلزلوا هم وعائلاتهم زلزالا شديدا فما وهنوا وما ضعفوا لما أصابهم من شدّة! وإنّي أشكر أيضا لإخوتنا في المهجر سعيهم وجهدهم لإطلاق سراحنا والتخفيف من وطأة السجن علينا، وأسأل الله أن يعيدهم إلينا سالمين غانمين مأجورين بإذن الله تعالى. وإنّي لأشكر شكرا خاصّا عائلات المساجين وأقاربهم والنّساء منهم خاصّة، فلقد نِلن أشدّ العذاب في المعتقلات وانتهكت حرماتهنّ وتحمّلنَ مشقّة السفر لزيارة المساجين وتعِبْنَ تعبا شديدا في تربية الأبناء والقيام بشؤونهم داخل المنزل وخارجه... ولقد كنّ مثلا للرّجال أنفسهم في الصبر والثبات والإيمان واليقين، وتحمّل الأذى والتعب والمرابطة. فهذه تحيّة شكر وتقدير لكنّ جميعا وهنيئا لكنّ بما صبرتم وبشرى لكنّ جنّة عرضها السماوات والأرض أعدّت للصابرات...
- جمال: نعم، أشكرك دكتور، وصلت الإجابة وإن بشكل غير مباشر! الآن هل تعتقد بأنّه سيكون عليك قيود بعد الإفراج، وهل تتوقّع أن يمارس النّظام التونسي رقابة عليك؟ وهل تعتقد أنّ الإفراج هو إفراج أمني أم سياسي؟
- الصادق شورو: الآن أنا تحت المراقبة، داري مراقبة من طرف السلطة الأمنيّة وقد استدعيت منذ أيّام إلى منطقة الشرطة في الحيّ التابع له ووقع التنبيه عليّ بأن أكفّ عن التصريح لوكالات الأنباء والقنوات الفضائية...
- جمال: يعني... نتمنّى ألاّ نسبّب لك حرجا، ونحن في النّهاية رسالتنا دائما رسالة إصلاح ما استطعنا... نعم! تحدّثت بعض التقارير عن أنّك تمّ استجوابك نتيجة لتصريحات تتعلّق بدعوتك لمرحلة جديدة من المصالحة... فتفضّل ما هو تعليقك؟!..
- الصادق شورو: نعم صحيح... قلت لهم أنا لا ألتزم بهذا الإنذار والتنبيه، وأنا أرى أنّه من واجبي ومن حقّي أن أصرّح وأعبّر عن رأيي، وهذا أبسط الحقوق خاصّة بعد ثماني عشرة سنة سجنا!... فهذه السنوات وهذا الاعتقال هو ضريبة لاسترداد كلّ حقوقنا السياسية والإجتماعية وغيرها. ولذلك فهذا أدنى حقّ ولي أن أعبّر عن رأيي لكلّ من يريد أن يسمع رأيي!...
- جمال: نعم، دكتور قلتَ ذات مرّة أنّ اجتثاث حركة النهضة من تونس أمر مستحيل لأنّها شجرة مباركة أصلها أصلها ثابت وفرعها في السماء!.. هل مازالت هذه الحركة أصلها ثابت وهل هذا الأصل في تونس، بالنظر إلى أنّ الكثير من أبناء الحركة يعيشون في المهجر...، ويذكر أحدُهم أنّ الذين عانوا في تونس من سوء المعاملة في السجون أصبحوا الآن – ربّما – أكثر تقبّلا للتغيير وللعودة إلى الحياة العادية البسيطة؟!..
- الصادق شورو: إنّ حركتنا، التي هي حركة سياسية، تريد إصلاح الواقع وتستمدّ روحها وجذوتها وعزمها من إيمان أعضائها بالله وباليوم الآخر وبالرّسل وبالكتب وبالقدر خيره وشرّه. وإنّ هذا الإيمان هو الذي جعلها تثبت وتصمد في وجه الأعاصير التي عصفت بها لتقتلعها من جذورها. إنّ هذا الإيمان هو الذي سيجعلها ثابتة وصامدة ورائدة حتّى يُكتب لها النصر بإذن الله تعالى "وليصرنّ الله مَن ينصره إنّ الله لقويّ عزيز"[1]. إنّه ما ضاع حقّ وراءه طالب وإنّنا سنظلّ ندافع عن ديننا ونطالب بحقوقنا كلّها وبالحرّيات السياسة والمدنية وبالعدالة الإجتماعية إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا... إنّ حركتنا لبنة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها، وإنّ أصلها الثابت هو كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله بكلّ أبعادها العقديّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، وإنّ فرعها الذي في السماء هو العقل الذي كرّم الله به بني آدم "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطيّبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا"[2]، وإنّ أكلها الذي تؤتيه كلّ حين بإذن ربّها هو العلم الذي ينع النّاس في دينهم ودنياهم وآخرتهم "وعلّمنا آدم الأسماء كلّها"... إنّنا لم نسمّ حركتنا باسم النهضة اعتباطا، وإنّما سميّناها كذلك لأنّنا أردناها أن تكون لبنة في صرح نهضة إسلامية معاصرة، وإنّ التاريخ والواقع قد أكّدا لنا أنّ هذه اللبنة لن يُكتب لها القيامُ في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة المتخلّفة ثقافيّا واجتمعاعيّا وسياسيّا ما لم تقم فيها شروطٌ ثلاثة هي الحريّة والعدل والحقّ... لذلك فإنّ سبيلنا اليوم هو سبيل إقامة هذه الشروط في مجتمعنا، وهو في حقيقته سبيل التوحيد والإصلاح؛ لذلك فإنّي أقول ما قاله شعيب عليه السلام حين دعا قومه إلى التوحيد والإصلاح: "إنْ أريدُ إلاّ الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقِيَ إلاّ باللهِ عليهِ توكّلتُ وإليهِ أنيبُ"[3]... إنّنا سلكنا هذا السبيل استجابة لأمر ربّنا إذ قال: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومَن اتّبعني وسبحانَ الله وما أنا مِن المشركين"[4]. وإنّ طريقنا في هذه الدعوة هي الطريقة التي وصّانا بها ربّنا في قوله: "ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"[5] وإنّنا سنبقى سالكين هذه الطريق غير متردّدين حتّى يُكتب لنا إحدى الحسنيين...
- جمال: نعم، والآن بعد هذه المدّة الطويلة التي قضّيتها في السجن، حدث تغيير كبير أيضا في أداء الحركة فما هو – حسب رأيك – التغيير الضروري الواجب حصوله في أداء الحركة كي يتميّز خطابها بتفهّمه لتغيّر الزّمان وتغيّر الواقع السياسي في تونس؟!
- الصادق شورو: في الحقيقة، هذه المسألة تحتاج إلى شيء من التفكير... ومع ذلك فإنّنا نعتقد أنّ الحركة عليها أن تتغيّر وتتطوّر بتغيّر وتطوّر الواقع كي تتمكّن من ربط قضاياها به... وألاّ تكون بعيدة عن الواقع سواء في اهتماماتها أو في قضاياها أو في مفاهيمها للواقع السياسي والاجتماعي والثقافي وغيرها، وهذا يستدعي شيئا من التركيز والتعمّق... (مستطردا): في الحقيقة، إذا كان لديك متّسع من الوقت أقول كلمة أخيرة!...
- جمال: نعم، الآن سأترك لك المجال في كلمة أخيرة من خلال السؤال التالي، وأريد ألاّ تجيبني بشكل دبلوماسي: الدكتور صادق بعد هذه الفترة الطويلة من السجن ألا يقول الدكتور بينه وبين نفسه أنّّه قد حان الوقت الآن للاستراحة، فقد قضّيت عمرا طويلا في المعاناة والممانعة وتعب السياسة، فالآن أنعم بفترة هادئة مثل كثير من التونسيين؟!… فماذا يقول الدكتور صادق؟!
- الصادق شورو: لا…لا… ليس هذا من طبعي ولا من الشيء الذي أفكّر فيه، بل على العكس فقد نذرت حياتي من أجل أوّلا رضاء ربّي سبحانه وتعالى ثمّ ثانيا العمل على إعلاء كلمة الحقّ والعمل من أجل أن تكون بلادي في أحسن وضع من كلّ النواحي الثقافيّة والاجتماعية والسياسية... (مواصلا): وإنّي أريد أن أقول أخيرا بأنّ العالم يمرّ اليوم بأزمة إقتصاديّة وعسكريّة وسياسية واجتماعية خانقة، وأنّ بلادنا ليست بمنآى عن آثار هذه الأزمة المدمّرة، فهي كموجة التسونامي تدمّر كلّ شيء أتت عليه. وإنّ بلادنا في أشدّ الحاجة إلى كلّ قواها الفاعلة ثقافيا وسياسيا واجتماعيا لاجتناب أسوإ آثار هذه الأزمة. وإنّه لا سبيل لدرء مفاسدها إلاّ بفتح باب المشاركة السياسية والثقافية والاجتماعية لكلّ هذه القوى وفي مقدّمتها حركة النهضة في كنف الحرّيات والحقوق العامّة والفرديّة وأبرزها حريّة التعبير وحريّة التنظّم السياسي وحرّية الصحافة واستقلال القضاء لتقوم بدورها بكلّ مسؤولية، كلّ من شرعته ومنهاجه، في مواجهة كلّ التحدّيات الدّاخليّة والخارجيّة… وإنّي لأرى أنّ هذه الأزمة وما تقتضيه من تجنيد كلّ القوى الفاعلة في البلاد تجعل الوقت قد حان لنطوي جميعا صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة تُردّ فيها الحقوق لأهلها، ومنها حقّ عودة إخواننا المهاجرين إلى وطنهم وحقّ المسرّحين من السجون في الرّجوع إلى وظائفهم وتعويضهم عمّا لحقهم من أضرار ماديّة ومعنويّة هم وعائلاتهم طيلة فترة سجنهم وحقّ حركتنا في التأشيرة للعمل السياسي… والله وليّ التوفيق، قال تعالى: "وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". وشكرا لكم جميعا...
- جمال: نعم: دكتور؛ في ختام هذا البرنامج أسألك: هل تعتقد بأنّك تعيش الآن في تونس بلا تأشيرة؟!
- الصادق شورو: تقصد كحركة سياسية أم كشخص؟!
- جمال: بالإثنين معا...
- الصادق شورو: أنا أعيش في تونس بلا تأشيرة سياسية، ليس لي حقّ... وآخر شيء أعلموني به أن أكفّ عن التصريحات، هذا يعني أنّه ليس لي تأشيرة لكي أعبّر عن رأيي وليس لي تأشيرة لأن أعمل أيّ عمل سياسي!!!...
- جمال: إذًا أنت تعتبر أنّ تأشيرتك هي حريّتك للتعبير في بلدك الذي تعيش فيه تونس!..
- الصادق شورو: حريّة التعبير وحريّة التنظّم السياسي وكلّ الحرّيات ومنها التنقّل داخل البلاد وخارجها لي ولكلّ النّاس!...
- جمال: لم يبق لي إلاّ أن أشكرك شكرا جزيلا، الدكتور الصادق شورو الرّئيس السابق لحركة النهضة التونسية....
ثمّ شكر لنا جمال مشاهدتنا ومتابعتنا، واستدعانا إلى لقاء قادم مع برنامج "بلا تأشيرة"، ...(تمّ بفضل الله)...
وقد تمنّيت إلاّ يكون الضيف فيه تونسيا كي لا يحصل عقبه على تأشيرته إلى السجن، كما كان الشأن مع الصادق...
وإنّي لأرجو منكم أن تتوقّفوا رحمكم الله عند قول الصادق: "وإنّي لأرى أنّ هذه الأزمة وما تقتضيه من تجنيد كلّ القوى الفاعلة في البلاد تجعل الوقت قد حان لنطوي جميعا صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة تُردّ فيها الحقوق لأهلها، ومنها حقّ عودة إخواننا المهاجرين إلى وطنهم وحقّ المسرّحين من السجون في الرّجوع إلى وظائفهم وتعويضهم عمّا لحقهم من أضرار ماديّة ومعنويّة هم وعائلاتهم طيلة فترة سجنهم وحقّ حركتنا في التأشيرة للعمل السياسي"، لتعلموا أنّ كلّ ما قيل عن تنطّع القيادة المهجريّة لا أساس له من الصحّة... أم أنّ بعضهم سيقول لقد رفّع الصادق السقف كثيرا!... أحسب أنّ المشكل في الأرضية وليس في السقف... والله أعلم!...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عبدالحميد العدّاسي
[1]: الحجّ (40)
[2]: الإسراء (70)
[3]: هود (88)
[4]: يوسف (108)
[5]: النّحْل (125)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.