وأنا أرى فقاقيع التطرّف تطغى على المشهد السياسي والاجتماعي والأخلاقي، فانتابني إحساس، أوّلا بجمال التنوع في تونس، وثانيا بخيبة أمل في بعض الأصوات التي تريد أن تجعل من تونس دولة التطرّف، واللامنطق. حدثتني الزميلة الدكتورة إيمان، هذا المساء، عن سلفي، قد زار عيادتها لمداواة زوجته، وبعد إتمام الإجراءات، طلبت منه أن يبيّن لها ما نوع "بطاقة علاجه"، فصاح في وجهها، منبّها إيّاها إلى أنّ استخراج "بطاقة العلاج" هذه "حرام شرعا"، فسألته لماذا؟ فقال لها بكل بساطة، عند استخراج بطاقة العلاج فان الشركة أو المؤسسة التي تعمل بها ستقتطع من أجرك مبلغا من المال للعلاج، وأنت قد تمرض أو لا تمرض، ما يعني بأنك قد تستعمل المال أو لا تستعمله، وهذا نوع من المراهنة، وهو حرام وألف. فابتسمت الزميلة من فطنة "السلفي"، ومن بديهتك في سرعة إيجاد الفتوى بالتحريم، وقطعت الحديث حتى لا يفتي بشئ آخر أشدّ هولا. مثل ما يحدث، مع هذا "السلفي" البسيط يحدث مع العشرات من أمثاله، وهؤلاء لديهم شعور بأنهم مفوضون من طرف الله سبحانه وتعالى على تحديد ما يلزم الناس ويريدون فرضه عليهم فرضا، مع إن سبحانه وتعالى يقول في سورة النحل الآية 125 "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ." ثم إنهم ينسون، بأنهم مكلفون أولا بإقامة العدل والحق والحريّة والكرامة في ذواتهم أولا، وليس لهم على الآخرين سوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة لاغير. وفي الجانب الآخر من التطرّف، يوجد جماعات لا تعرف حدودا للأخلاق، الجماعة الذين يدعون إلى الحقوق الكونيّة ويصرون على تأصيلها دستوريا، هذه الحقوق التي تشمل الزواج المثلي، مثل ما جاء في الفصل 31 من أحد الدساتير المقدمة للمجلس التأسيسي، يقول "الحق في اختيار القرين بدون تمييز"، وهو ما يعني الحق في أن يتزوج رجل برجل وامرأة بامرأة، وقد تقدّمت بهذا الطلب احد الجمعيات النسائيّة في مذكرة عمل. فحتى إن البعض يدافع على مشروعية استعمال المخدّرات، على أساس إنّها حق شخصي، ثمّ تخيّلت بعد ذلك المشهد التالي، مريض يعاني من التهاب في المصران الأعور استعمل جرعته العادية من مخدراته ثمّ اتجه إلى المستشفى ليلتقي الطبيب والممرض وقد كان يمارسان في حقّهما باستعمال جرعات من مخدراتهم، وتخيّل ما قد يحدث...، ثمّ تأكّدت بان دعاة هذا المطلب ليسوا سوى مدمنين قد فقدوا عقولهم. وما يعانيه تلاميذنا من غول المخدّرات يوحي باقتراب كارثة إذا لم تتدخل الدولة والمجتمع المدني والأولياء في العاجل العاجل. و أكثر من هذا، فما يحصل مع الداعية نبيل العوضي، وهو ضيف على تونس، أحبّ من أحبّ وكره من كره، بما انه واقف على أرضنا فهو ضيفنا، وقد تعرضت له سيّدة من سيّدات تونس، بالطرد والشتيمة مباشرة على الهواء، وهو غريب علينا كتوانسة، لأننا شعب ميزتنا الأخلاق، نحترم ضيوفنا حتى وان أساؤوا، فقط لأن هذا الشيخ قد فرح لبعض البنات وهنّ لابسات للحجاب، ولم يأتي لإلباسهن الحجاب، فهو ضيف جاء ليلقي الدروس لمن دعاه، و لكن هذه السيّدة كشفت عداءها للإسلام، نعم للإسلام، هي لم تغضب ضدّ الفتيات العاريات، ولم تغضب للزنا والفساد الذي يروّج له في كل مكان، لقد فقدت أعصابها وهي ترى بعض الفتيات يرتدين الحجاب.. إن تونس أكبر من تطرّفكم، فالإسلام الوسطي هو الفطرة، والدعوة إلى الله تكون بالحكمة والموعظة، ولا أكراه في الدين، ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، وتونس تتسع للجميع، وهذا لا يعني مطلقا بان نتجاوز كل حدود الأخلاق، الكثير من الدعوات لا بد وان تسقط. وكل ما ارجوه بان يصيب دعاة تجاوز الأخلاق شئ من الشجاعة، ويظهرون في الفضائيات وليتحدثوا للشعب عن قناعاتهم، مثلا بالزواج المثلي، ولا يفعلوا مثل فعلهم الآن، يواجهون في الحجرات المغلقة وياستأسدون، وينكرون أمام الشعب. ويسقط كلّ التطرّف، إن عاجلا أو آجلا. 02/02/2013