منذ فترة زمنية ليست بالقليلة و المعارضة التونسية تكافح من أجل إسقاط حكومة الترويكا أو بالاحرى تستهدف من تصعيدها السياسي بالدرجة الأولى حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية و التي لا تقبل المساومة في قرارها الوطني هذا من حيث المبدأ في حين أن الأحداث الأخيرة جعلت الكثير يشكك في قدرات الحركة و إن كان هذا ليس موضوع بحثنا في هذه الساعات العصيبة غير أننا سنتناول مزاج المعارضة الذي يصفه البعض بالغباء السياسي و يصفه البعض الآخر بالذكاء و طول النفس . أحاول في هذه الطلة السريعة أن أقدم حجج كل فريق و أترك للقارئ الكريم و أصحاب القرار و خاصة منهم المعنيين بالشأن التونسي و ذوي التأثير في مجرى الأحداث بتقدير الموقف و عمل اللازم إذا أوجب . القائلين بأن المعارضة شديدة الغباء لأنهم استنفذوا كل طاقاتهم و أموالهم و كروتهم و لم يحققوا رغبتهم المنشودة بإسقاط الحكومة و لعبوا على كل الأوتار الاجتماعية و السياسية و النقابية و وصل بهم الأمر الى تحريض الدول الاجنبية للتدخل عسكريا و هي نقطة استثمرتها القوى الوطنية في تشويه و فضح خساسة المعارضة المأجورة فضلا عن ذلك سلكوا دربا مظلما و محرما لما شنوا حملة استهزاء بقيم الاسلام و مقدسات الأمة و استفزوا مشاعر التونسيين و ما زادهم ذلك إلا بعدا عن وجدان الشعب التونسي و خسروا الكثير من التأييد و المساندة من المواطن العادي رغم هفوات الحكومة المتكررة وأخطائها الكثيرة التي لا تغتفر و اهتزاز صورتها المشعة في أوساط الكثير حتى في الأقربين من قاعدتها الممتدة على طول البلاد و عرضها ، و رغم كل هذه الفرص الثمينة ألا أن المعارضة كانت أخطاؤها أكثر فداحة من أخطاء الحكومة الى درجة الغباء المطلق و بقيت المعارضة الغبية بالنهار تخيط الشوارع و بالليل تدخن الشيشة رغم شبهة المال السياسي التي تلاحقها و استثمار دماء المغدور بهم و الذي يعتقد البعض أنهم غير بريئين من التواطئ في عملية الاغتيال بشكل أو بآخر . هذه إذن حجج القائلين بغباء المعارضة التونسية رغم الفرص الذهبية التي توفرت لهاغير أنهم بقوا بالشوارع كالأيتام بدون مأوى و رجال الحكومة بمكاتبهم يسهرون على شؤون البلاد . أما أولئك الذين يرون المشهد من زاوية أخرى يقرون بأن المعارضة شديدة الذكاء و عرفت كيف تسحب البساط من تحت أرجل الحكومة المنتخبة و الفاقدة للتجربة و الحنكة السياسية و أدركت المعارضة أن هنالك نقاط ضعف يجب الولوج من خلالها لإضعاف الحكومة و كسر عظامها فهي تعاني من عقدة الإرهاب و عليه يتحتم على المعارضة الذكية أن تفتح أسطوانة الإرهاب و تذكر المجتمع الدولي و المحلي بعلاقة النهضة بالإرهاب زورا و بهتانا حتى تشوش على صورة النهضة في مخيلة المعجبين بها أو العاقدين فيها الأمل و العقدة التالية التي كانت مخفية و غير معروفة إلا أن قيادة النهضة كشفتها لخصومها في أول يوم وصولها لتونس و ذلك بقولها أنها تسعى لتشكيل حكومة وفاق وطني لقيادة البلاد و اعتقد البعض أن ذلك من جود و كرم الحركة و ديمقراطيتها إلا أن المعارضة الذكية أيقنت أن تلك الرسالة المشفرة تعني بأن الحركة ضعيفة و منهكة و غير قادرة على إدارة شؤون البلاد بمفردها أي بلغة أخرى أنها لقمة سائغة و أن الحمل ثقيل عليها و شهدت الحركة هزات عنيفة من قبل حلفائها و شركائها في الحكم و كان أشدها الى لحظة كتابة هذه الأسطر قرار رئيس المجلس ذلك الثعلب الوديع بتعليق أشغاله ، صحيح أن المعارضة فشلت ليومنا هذا في إسقاط الحكومة و لكن هنالك إجماع شعبي أن حركة النهضة فقدت الكثير من شعبيتها لما خيبت أمال جماهيرها و صدمتهم بعجزها على الأخذ بزمام المبادرة و اتخاذ القرارات السليمة و السريعة و القوية في نفس الوقت و أصبح يقينا لدى القاصي و الداني أن حركة النهضة في الحكم و لكنها لا تحكم و هذا بشهادة قيادي النهضة ....إذن المعارضة الذكية حققت أهدافا قاتلة و لعبت أشواطا كثيرة في خلخلة كيان الترويكا و إضعافها ....الترويكا فقدت أجنحتها التي تطير بها و قطعت أطرافها و صغرت في أعين المجتمع الدولي الذي ينظر لتجربة الحركات الاسلامية بعين الريبة و الشك و لسان حاله يقول متى تنقض المعارضة العلمانية على السلطة و تريحنا من الغول الاسلامي و لكنها لا تريد أن تتورط في الفضيحة مثلما حصل في مصر و لكنها تفضل أن يقوم بدورها الانقلابي و بالوكالة عنها أطراف عربية مسلمة يتكلمون بلساننا و يلبسون لباسنا و يأكلون طعامنا و هذا ما يجري حاليا حسب شهادات متواترة و قرائن عديدة لا تحتاج لأدلة لأن رموز خليجية صرحت بذلك علانية و بدون خجل المعارضة نجحت في زلزلة أركان الحكومة في مرات عديدة و كان أشدها في عهد حمادي الجبالي الذي لم يقدر على الثبات و كانت نتيجة سياسته أن أضعفت الحركة و أرجعتها خمسة سنوات للوراء .....المشهد السياسي الحالي و الذي صنعته المعارضة الذكية هش جدا حيث كانت المعارضة دائما تأخذ بزمام المبادرة و الحكومة دائما في حالة دفاع إن لم نقل في موقف المتفرج و هدف المعارضة البعيد المدى هو أسقاط الحكومة و لكنها تعمل على صناعة الحدث و ترتيب كل أسباب السقوط المدوي و أعتقد أنها تعد ساعة صفر للتدخل العسكري و إعلان الانقلاب و ذلك ليس من المستحيل في ظل حكومة مفككة و ضعيفة و مستعدة لتقديم التنازلات تلو التنازلات و أعتقد الحكومة التونسية سوف تنضم لموسوعة غينيس للأرقام القياسية في التنازلات .....و ساعة الصفر التي تعمل من أجلها المعارضة هي إيصال البلاد الى حالة من الفراغ و عدم الأمن و الاستقرار السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و بلغة أخرى الفوضى المطلقة و هذا هدف المعارضة المعلن الذي بموجبه يسمح القانون للتدخل العسكري للحفاظ على الامن و سلامة الوطن مثلما حدث مع المخلوع و هي الامكانية الوحيدة التي يتدخل فيها العسكر . و بهذه الصورة تكون المعارضة أذكى من الجميع مع استثمار التعاطف الدولي و سريان المال السياسي المشبوه و دوران ماكينة الاعلام السابع من نوفمبر تزامنا مع طلعات ابن المخلوع على الفايسبوك و هو يلعب بأفعى حية و للأفعى دلالات و رسائل مشفرة في العمل المخابراتي و الأمني . هذه رؤية المتابعين للمعارضة التونسية و تبقى الكلمة الأخيرة للقارئ و الحركة الفعلية لصاحب القرار و في تلك الحالات يبقى الشعب التونسي سيد نفسه و يمكن أن يفاجئ الجميع كما فاجأ العالم في 14 جانفي . حمادي الغربي