إن الأحزاب والكتل السياسية التي جاءت مهرولة خلف دبابات الاحتلال الأمريكي, وتلك التي نشأت وترعرعت في كنفه بعد أن أسكرتها رائحة الدولارات والأضواء البراقة التي تملأ قصور وقاعت المنطقة الخضراء, تعيش هذه الأيام جوا مشحونا بالشك والريبة والحذر من بعضها البعض. فالكلّ يخشى الكل في الضلوع في عمليات تزويرالانتخابات والتحايل على نتائجها. وأصابع الاتهام بالتزوير تشيرالى أكثر من جهة دون أن تحدد بالأسم. لكن الشكوك الثابتة والمؤكدة تبقى تحوم حول الأحزاب الكبيرة, وتحديدا الشيعية الموالية لايران والكردية الموالية لآسرائيل وأمريكا, والتي هيمنت على كل مؤسسات ودوائرالدولة وبالتالي على الممتلكات وألأموال الطائلة التي تمّ توظيفها وإستخدامها في شراء الذمم والضمائر بشكل واسع ومكشوف من اجل كسب أصوات الناس البسطاء. ولم تخلُ الحملات الانتخابية, رغم أن الجميع يقيمون تحت السقف الأمريكي اللآيل الى السقوط, من الاتهامات المتبادلة بالفشل والخيانة والتقاعس والابتعاد عن هموم ومشاكل الشعب العراقي. مع العلم إن تجربة ستة أعوام من عمرالاحتلال البغيض وحكم نفس الزُمر والعصابات التي سلّمها مقاليد السلطة في بغداد لم تجلب للشعب العراقي غير خيبة الأمل ومزيد من التدهور والتراجع على جميع المستويات. وإذا كانت لهذا الشعب بعضا من الثقة بهؤلاء, وهي ثقة جاءت نتيجة لحملات منظّمة من التضليل والخداع والدعاية والشعوذة, فانه اليوم ما عاد يؤمن بسيل الكلمات المعسولة التي يتشدّق بها نفس اللصوص والسماسرة وتجارالسياسة والذين مُنحوا فرصة لفترة ستة أعوام دون أن يحقّقوا لهذا الشعب الذي يتنافسون اليوم باسمه لكسب أصواته أي شيء يُذكر. فعلى سبيل المثال تخوض الأحزاب التابعة لأصحاب العمائم الذين يتلقون أوامرهم من وراء الحدود الشرقية للعراق حربا إعلامية ضد بعضا البعض ليس من أجل مصالح العراق وشعبه المبتلى بهم وبامثالهم بل من أجل مصالحهم الطائفية الضيقة والتي تأتي في مقدمتها الهيمنة والنفوذ والاستمرار في سرقة خيرات و ثروات العراق, النفطية منها على الأخص. بل إن هذه المصالح والأهداف, التي لا علاقة لها بحاضرأو مستقبل الشعب العراقي ولا حتى بالطائفة التي ينتمون اليها, جعلت من هؤلاء الساسة, أمثال عبد العزيز اللاحكيم ونوري المالكي ومن لفّ لفّهم, حيتانا كبيرة مرعبة ورؤساء مافيات خطيرة تتخذ من الدين والطائفة قناعا لتخفي وراءه طبيعتها البشعة وسلوكها المعادي للعراق. أما في شمال الوطن فالوضع لا يبدو أفضل حالا. فشاهنشاه مسعود البرزاني, الذي يمتلك قدرات فنية نادرة في التلوّن والرقص على جميع الحبال, لا يكف عن تهديد من لم يسيرعلى نفس سكته العنصرية أو يصمت على مخططاته العدوانية الرامية الى تمزيق الوطن الواحد. بل إنه مستمر في وزرع بذور الفرقة والخصومات والاقتتال بين العراقيين من أجل أن يحصل هو وعائلته على إمارة خاصّة بهم على حساب الجميع. فهو لا يكتفي مثلا بالتصرف مع حكومة المركز في بغداد كرئيس دولة مستقلة ساعيا لفرض شروطه ومطالبه المخالفة حتى لدستورهم المشؤوم. بل جعل مما يُسمى باقليم كردستان دولة داخل الدولة. وأصبحت لغة التهديد والوعيد والابتزاز هي سلاحه"الديمقراطي" الوحيد في التعامل مع الآخرين. وكانت تصريحاته الأخيرة في بعض مدن وبلدات محافظة نينوي وعاصمتها مدينة الموصل لا تخلو من رائحة العنصرية المقيتة التي كان وما زال مسعود البرزاني خير من يجيد التفوّه بها. وكأن لسان حاله يقول من ليس كرديا فهو ضدنا. من المؤكد أن العراقيين, ولاسباب مختلفة ومتشعبة, سوف يشاركون بكثافة في إنتخابات مجالس المحافظات يوم السبت 31المصادف 31 يناير. وربما يعتبرها الكثيرون شرّا لا بد منه وبالتالي فان التوجّه الى صناديق الاقتراع قد يأتي بشيء جديد مقارنة بما سبقها من مسرحيات إنتخابية في ظل قوات الاحتلال الأمريكي. وبغض النظرعن النتائج التي ستخرج من صناديق الاقتراع المصحوبة بآلاف الشكوك بالتزوير والخش والتي بدأت روائحها تطفو على السطح منذ عدة أيام, ستمثّل هذه الانتخابات الفصل الأخير, وزربما الأكثر إثارة للفضول والاهتمام, في مسرحية ما يُسمى بالعملية السياسية ذات الاخراج والانتاج الأمريكي - الايراني المشترك. إن جميع"قادة" العراق الجديد يحذّرون من عمليات التزوير واللعب بالنتائج. مع أنهم جميعا أصحاب سوابق وخبرة لا يحسدون عليها في هذا الميدان. وبالتالي لا يمكن التعويل كثيرا على هذه الانتخابات التي يقوم العملاء والخونة بتنظيمها والاشراف عليها تحت حراب الغزاة الأمريكان. وإذا صدقت إستطلاعات الرأي في العراق والتي تظهرتراجعا ملحوظا للأحزاب الدينية لصالح العلمانيين, مع أن الخره أخو البول كما يقول المثل العراقي, الاّ أن هذا لا يغيّر شيئا في جوهرالعملية السياسية المشوّهة أصلا. فهذه الانتخابات التي وُلدت من رحم دستورعنصري - طائفي غير شرعي كالاحتلال الأمريكي نفسه, سوف يتفاقم خطرها ويتعاظم بمرورالأيام لتصبح شرّا مستطيرا على العراق والعراقيين. لأن من خان شعبه وباع وطنه للأجنبي وبابخس الأثمان لا يمكن أن يكون ديمقراطيا وعادلا أبدا. وأن من إمتلأ قبله بالحقد الطائفي الأعمى على العراق والعراقيين لا يمكن أن يكون متسامحا ومحبّا لهذا العراق العظيم حتى وإن وضع على رأسه أربع عمائم مختلفة الألوان. وإن من تربى وترعرع في حضن أجهزة المخابرات الأجنبية المعادية للعراق من أجل حفنة من الدولارات الأمريكية الملوثة بالسموم والدماء البريئة لا يمكن أن يكون وطنيا ومخلصا للعراق الأبيّ حتى وإن حلف برأس الأمام العباس"ع" مئة مرّة وبحضور جميع آيات الله العظمى والصغرى وآلاف الشهود.