لم يلق التفسير الرسمي آذانا صاغية (الأسباب الطبية)، فقد تكفلت الصحافة الأميركية وسواها بكشف الطابق، وثبت أن الإفراج عن أيمن نور كان شرطا أميركيا ضروريا وضعته واشنطن كي يكون بالإمكان استقبال الرئيس المصري في البيت الأبيض بمستوى من الحرارة يليق بالعلاقات التاريخية بين البلدين، إضافة إلى إلغاء التهم الموجهة لسعد الدين إبراهيم الأميركي الجنسية، والناشط المعروف في ميدان الحريات، لاسيما حرية الأقليات الدينية. ما ينبغي قوله هنا هو أن هذا الموقف الأميركي الذي تبنته إدارة أوباما لا يعني بحال من الأحوال أن قصة الإصلاح والديمقراطية ستحتل أولوية في برنامجها السياسي، لاسيما المحور الشرق أوسطي، ولو صح ذلك لكان على الذين وضعوا الشرط المذكور على طاولة وزير الخارجية المصري أثناء زيارته لواشنطن أن يتحدثوا معه عن الآلاف من معتقلي الإخوان المسلمين الذي تزدحم بهم السجون المصرية، والذين يدخل أكثرهم السجن ويخرجون بعد مضي مدد متفاوتة من دون تهم ذات قيمة، اللهم إلا الانتماء إلى تنظيم محظور كان للمفارقة قد خاض الانتخابات وحصل على 88 مقعدا في مجلس الشعب، قبل أن يتنبه القوم لخطورة الموقف ويأخذوا الإجراءات اللازمة التي تكفلت بحرمانه من أي مقعد، لا في مجلس الشورى، ولا في الانتخابات البلدية (المحليات)، الأمر الذي تم تحت سمع إدارة بوش وبصرها من دون أن تحرك ساكنا، هي التي حملت لواء الديمقراطية والإصلاح في الشرق الأوسط لكي يكف عن تخريج الإرهابيين! كانت نتائج الانتخابات المشار إليها (مجلس الشعب)، ومعها عدة جولات انتخابية في العالم العربي، من ضمنها (بلدية) في السعودية، وجميعها تصدرها الإسلاميون، كانت كفيلة بإنهاء المسار الإصلاحي لإدارة بوش، ومن ثم عقد صفقة مع الأنظمة العربية عنوانها مواقف خارجية وداخلية منسجمة مع التوجهات الأميركية مقابل طي الملف المذكور وترك الحرية للأنظمة في سياق التعامل مع معارضيها، أكانوا إسلاميين أم من ألوان أخرى. حدث ذلك، ليس خدمة للمصالح الأميركية ومنحها الأولوية على أية شعارات يتبناها الغرب كما هي العادة فحسب، بل -وهو الأهم- خدمة للأجندة الإسرائيلية التي لا تطيق سيرة الإسلاميين، في ذات الوقت الذي تعنيها فيه مواقف أخرى ذات صلة بأمنها ووجودها في المنطقة. اليوم يأتي أوباما «الديمقراطي» ليبدأ مسيرته من قضية أيمن نور، وهي هنا قضية لا صلة لها ألبتة باهتمام حزبه التقليدي بملف الإصلاح وحقوق الإنسان، وإنما برفع البطاقة الحمراء للنظام المصري وسواه، وبالطبع كي يتذكر أن بوسع واشنطن أن تفتح له ملفات من هذا النوع، وأن عليه إذا أراد علاقة هادئة أن يكون في المربع «الصحيح»، مع أنه لا يبدو في حاجة إلى تحذير من هذا النوع بعد أن اختار مربعه منذ سنوات، إثر فتح ملف الخلافة والوراثة. اليوم يتبنى أوباما استراتيجية شرق أوسطية تنسجم مع الخط الإسرائيلي عنوانها استيعاب إيران أو مواجهتها إذا لم تدفع المطلوب، إضافة إلى المضي في برنامج مطاردة حماس والجهاد وحزب الله ومن يرفعون لواء المقاومة، فضلا عن دعم مسار التسوية وفق المقاس الإسرائيلي. ولا بد لإنجاح هذه الاستراتيجية من دعم عربي، لاسيما من الدول المحسوبة على محور الاعتدال، ومن ضمنها دول الخليج، الأمر الذي لا يسمح بتبني قضية الإصلاح خارج سياق الابتزاز السياسي لمن يتلكؤون في التعاون. يبقى أن لأيمن نور والنشطاء العلمانيين الموالين للخط الأميركي والمبشرين بفضائل واشنطن خصوصية يدركوها المعنيون، أما أولئك الأصوليون الذين يدعمون حماس والمقاومة ويدخلون السجون على خلفية تظاهرات تندد بالدولة العبرية، فلا بأس من استعمال العصا الغليظة في وجوههم، بل لا بد من استعمالها في واقع الحال. 2009-03-11