إضراب حضوري للمحامين بمحاكم تونس الكبرى    ساقية الزيت: حجز مواد غذائية مدعمة بمخزن عشوائي    عبد المجيد القوبنطيني: " ماهوش وقت نتائج في النجم الساحلي .. لأن هذا الخطر يهدد الفريق " (فيديو)    في جبنيانة وحلق الوادي: الكشف عن ورشتين لصنع "قوارب الموت"    عين زغوان: حادث مرور يسفر عن وفاة مترجل وبتر ساق آخر    الزاهي : هناك هوة كبيرة بين جرايات التقاعد بالقطاعين العام والخاص.    هواة الصيد يُطالبون باسترجاع رخصة الصيد البحري الترفيهي    غرفة تجّار لحوم الدواجن: هذه الجهة مسؤولة عن الترفيع في الأسعار    24 ألف وحدة اقتصاديّة تحدث سنويّا.. النسيج المؤسّساتي يتعزّز    تونس تشهد تنظيم معرضين متخصّصين في "صناعة النفط" و"النقل واللوجستك"    رئيس ديوان وزير الفلاحة : قطاع الدواجن أحد ركائز الأمن الغذائي (فيديو)    3 حلول لمكافحة داء الكلب ..التفاصيل    بطولة الكرة الطائرة: النادي الصفاقسي يفوز على مولدية بوسالم    الحماية المدنية: 9 قتلى و341 مصابا خلال ال 24 ساعة الماضية    العباسي: "الوزارة ملتزمة بتعهداتها لتسوية وضعيات المربين النواب".    الحماية المدنية: 9حالة وفاة و341 إصابة خلال 24ساعة.    حادث مرور قاتل بسيدي بوزيد..    عندك تلميذ سيجتاز « الباكالوريا » ؟.. نصائح لتساعدهم    وفاة الروائي الأميركي بول أستر    الحبيب جغام ... وفاء للثقافة والمصدح    وفاة الممثل عبد الله الشاهد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 2 ماي 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    مفزع: أكثر من 10 آلاف شخص في عداد المفقودين تحت الأنقاض بغزة..    تشاجرت مع زوجها فألقت بنفسها من الطابق الرابع..وهذا ما حل بمن تدخلوا لانقاذها..!!    شاب افريقي يقتحم محل حلاقة للنساء..وهذه التفاصيل..    لمن يهمّه الأمر: هكذا سيكون طقس ''الويكاند''    يهم التونسيين : حيل منزلية فعالة للتخلص من الناموس    البنك المركزي : نسبة الفائدة في السوق النقدية يبلغ مستوى 7.97 % خلال أفريل    وزيرة التربية تكشف تفاصيل تسوية ملفات المعلمين النوّاب    محمد بوحوش يكتب .. صرخة لأجل الكتاب وصرختان لأجل الكاتب    نَذَرْتُ قَلْبِي (ذات يوم أصابته جفوةُ الزّمان فكتب)    مصطفى الفارسي أعطى القصة هوية تونسية    المهرجان الدولي للثقافة والفنون دورة شاعر الشعب محمود بيرم التونسي .. من الحلم إلى الإنجاز    ستيفانيا كراكسي ل"نوفا": البحر المتوسط مكان للسلام والتنمية وليس لصراع الحضارات    بينهم ''تيك توكر''...عصابة لاغتصاب الأطفال في دولة عربية    عاجل : سحب عصير تفاح شهير من الأسواق العالمية    الشرطة تحتشد قرب محتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعة كاليفورنيا    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    تركيا ستنضم لجنوب إفريقيا في القضية ضد إسرائيل في لاهاي    أمطار غزيرة بالسعودية والإمارات ترفع مستوى التأهب    مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    وفاة حسنة البشارية أيقونة الفن الصحراوي الجزائري    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    كلاسيكو منتظر بين التّرجّي والسّي آس آس...    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال الدين حبيبي: لم أبرم صفقة صلح مع بوتفليقة
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 03 - 2009

كامل الشيرازي من الجزائر : نفى المعارض الجزائري جمال الدين حبيبي إبرامه "صفقة صلح" مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، واكد في حديث خاص ب"إيلاف" أنّ المرشحين الخمسة الذين سيرافقون بوتفليقة إلى "فوز محتوم" برئاسيات الشهر القادم في الجزائر، يمتلكون بحسبه "دكاكين سياسية لبيع المواقف".
وراى حبيبي وهو عضو سابق في الغرفة العليا للبرلمان الجزائري، أنّ السلطة في بلاده تماما مثل المعارضة تدركان أنّ هنالك طلاقا بينها وبين الناخبين وهو ما يجعل من الاقتراع المقبل مبتورا من التزكية الشعبية ، لذا يدعو الرئيس إلى تطهير الحياة السياسية، وإذ يشخّص علّة الجزائر في استشراء الفساد، فإنّ السيناتور السابق يجدد الدعوة لإصدار عفو شامل في الجزائر، ويقدّر أنّ حال الاتحاد المغاربي المحتبس للعام الخامس عشر على التوالي، لا يشرّف حكامه ولا شعوبه. في ما يلي نص الحوار:
بعد فترة طويلة اشتهرتم خلالها بهجوم كاسح ضدّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومؤيديه، تردّد مؤخرا كلام عن "صلح" تمّ بينكم وبين مناوئيكم السابقين، ماذا في الأمر تحديدا؟ وهل يتعلق الأمر بصفقة معيّنة ودور ما قد تلعبونه عشية دخول الجزائر شوطا حاسما مع حسم مسألة التمديد لصالح بوتفليقة؟
أود قبل كل شيء أن أضع النقاط على الحروف. وأرفع أي لبس يكون قد اختلط بحقيقة ما جرى من اتصال أو ما أصطلح عليه "صلح" بيني وبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في محافظة تلمسان (560 كلم عن العاصمة)، فحقيقة انتقلت إلى تلمسان يوم الخميس 28 فبراير/شباط الماضي، وهذا استجابة لدعوة رفيق لي في النضال، الأخ بودينة مصطفى رئيس الجمعية الجزائرية للمحكوم عليهم بالإعدام إبان ثورة الجزائر التحررية، وعضو مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي، ولم يكن اللقاء بهدف عقد أي صفقة كانت، ولم تسند لي فيه أي مهمة تتصل بلعب دور ما في الحملة الدعائية الخاصة بالانتخابات الرئاسية المقررة في التاسع أبريل/نيسان القادم.
أما فيما يتصل بوصفي بأنني كنت من أشد المعارضين لبوتفليقة، فأود هنا أن أؤكد وبوضوح بأنني لم أستهدف إطلاقا الرئيس بوتفليقة كشخص، فهو صديق لي ولعائلتي وللمرحوم والدي القائد الثوري سي الميلود، لكنني عارضت ولا أزال أعارض السياسات العرجاء التي أدخلت الجزائر في أزمة سياسية واقتصادية وحتى أخلاقية، لم نشهد لها مثيلا من ذي قبل، فالمعارضة هي معارضة لنظام حكم معين، سواء كان يقوده بوتفليقة أو غيره، وإنني وكما يعلم الجميع ذلك، عارضت سياسات رؤساء سابقين، لكنني احتفظت بعلاقات اجتماعية طيبة معهم، وفي عز معارضتي للرئيس السابق اليمين زروال لم أخف مساندتي له عندما باشر الحوار مع قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، واليوم، أجد نفسي على استعداد كامل لمساندة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إن هو أخرج سيف الحجاج لقطع رؤوس المافيا السياسية والمالية ورؤوس الفساد في الجزائر.
تجزم قوى المعارضة التقليدية في الجزائر أنّ عشر سنوات من حكم بوتفليقة للبلاد كانت سلبية على طول الخط، بينما تستبسل قوى الموالاة في إظهار عكس ذلك، كشخصية سياسية كيف تقيمون ما حصل في الجزائر بين سنتي 1999 و2009؟
لا أخفيكم أنني كنت رئيسا لكتلة الثلث الرئاسي بمجلس الأمة (الغرفة العليا في البرلمان الجزائري) سنة 2001، وحاولت آنذاك أن أنخرط وبقوة في دعم برنامج رئيس الجمهورية، لأنني كنت مقتنعا بمراميه وأهدافه الطيبة والطموحة، لكن لم تمض إلا شهورا قليلة، حتى وجدت نفسي محاصرا ومحلّ تحرش كبير من قبل خفافيش كانت ولا تزال مندسّة في دواليب السلطة، لا لسبب سوى لكوني انطلقت في تعريتها وكشف هويتها عبر تقارير سلّمتها للرئيس شخصيا، وبكل صراحة وصلت إلى قناعة مؤكدة هي أن الرئيس أضحى مكبّل اليدين، ولا يمكنه أن يقف بجانبي في هذه المواجهة، وفضلت إعفاءه من عناء كل ذلك بالانسحاب طواعية من مجلس الأمة، لأنني رفضت أن أشارك لا من قريب أو بعيد في سياسة التنكيل بمستقبل الجزائريين، واليوم لا يمكنني من موقعي كسياسي أن أصدر أحكاما مطلقة على فترة حكم الرئيس بوتفليقة، فقد نجح في تحقيق أهداف معينة، وفشل في تحقيق أخرى، وهو بنفسه أقرّ خلال اللقاء الأخير بين الحكومة والجماعات المحلية، بفشل الحكومة في تحقيق برنامجه.
ماذا عما شهده حكم بوتفليقة للجزائر من إغلاق للمجال السياسي وتضييق للحريات الصحافية واستمرار العمل بنظام حالة الطوارئ؟ وهل تعتقدون أنّ استمراره لولاية رئاسية جديدة سيحمل متغيرات على الأصعدة المذكورة؟ أم ستبقى دار لقمان على حالها؟
عند تولي الرئيس بوتفليقة مقاليد الحكم كنت أتمنى أن يبادر وبسرعة إلى فتح المجال السياسي، ودعم الحريات الجماعية والفردية، وهذا من منطلق أنه كان من بين الشخصيات السياسية التي عانت الحصار والملاحقات مباشرة بعد رحيل الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين (1965 – 1978)، كنت مثلي ومثل جميع المخلصين لهذا البلد نتوسم الخير كله في الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن ولاعتبارات معينة، لم ينتبه الرئيس لأهمية وإستراتيجية فتح الفضاء السياسي، ووجد نفسه اليوم يتعامل مع ما أسميه شخصيا«شركات ذات طابع سياسي» لا دور لها سوى لعب دور المطبّل والمزمّر لكل من يتولى قيادة البلاد، وأتمنى اليوم على الرئيس أن يعيد النظر في تركيبة الساحة السياسية، وأن يخصّص الولاية الثالثة لتنقيتها، وتطهيرها، وهذا لن يتمّ برأيي إلا برفع حالة الطوارئ ودعم الحريات.
تعددت المواقف حيال مسألة مراجعة الدستور على النحو الذي تمت عليه، هل تشاطرون الرأي القائل بأنّ تمرير التعديل الدستوري في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قتل اقتراع التاسع أبريل/نيسان المقبل؟
صراحة كنت مع إجراء تعديل شامل للدستور، تعديل يعزز الفصل بين السلطات ويقوي مؤسسات الدولة، وكنت من الأوائل الذين عارضوا التعديل الجزئي، وعارضوا طريقة تزكيته والمصادقة عليه، لأنني كنت أفضل أن يعرض مشروع التعديل الدستوري على الشعب لمناقشته وإثرائه، ومن ثمة عرضه على الاستفتاء الشعبي، حتى يكتسب مصداقية كبيرة عند كل شرائح المجتمع، إلا أننا اليوم وأمام ما هو حاصل، لا يمكننا أن نستدرك الوضع إلا بإشراك الشعب مباشرة في التعديل الدستوري الشامل الذي وعد به الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فذلك هو السبيل لترسيخ دولة الحق والقانون، أما عن الرئاسيات القادمة فإنها في ظل المعطيات الحالية ستبقى مبتورة من التزكية الشعبية.
يرى مراقبو الشأن السياسي في الجزائر، أنّ الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر القادم، ستكون الأكثر برودة ورتابة في تاريخ البلاد الانتخابي، هل تؤيدون هذا الطرح؟ وهل كان حضور شخصيات بارزة الموعد ليغيّر من مؤدى عملية يراها محللون محسومة سلفا؟
سبق لي أن قلت ان هذه الانتخابات الرئاسية افتقدت من البداية بعدها الشعبي، ولا أظن على الإطلاق أنّ مشاركة شخصيات بارزة كان بمقدورها تغيير الواقع، والرهان الكبير بالنسبة لي ليس هذه الانتخابات، وإنما التعديل الدستوري الشامل الذي سيحدد ملامح وأوصاف الجمهورية الجزائرية الجديدة، ملامح أتمنى أن تجسد شراكة كل الجزائريين في ممارسة السيادة.
ينعت الشارع الجزائري "المرافقين" الخمسة لبوتفليقة في انتخابات الرئاسة ب"الأرانب" و"الكتاكيت"، تبعا لشعبيتهم المحدودة وضعف أوزانهم مقارنة بزعامات غابت عن الموعد، برأيكم ما مدى قدرة هؤلاء رفقة الرئيس المرشح على إقناع مواطنيهم بالتصويت وتنشيط دعاية انتخابية في مستوى الحدث؟
كل مسرحية لا يمكنها أن تنجح إلا إذا كان نصّها جيدا وإخراجها ممتازا، واللاعبون فيها من الممثلين المحترفين، الأكفاء، ونحن اليوم في هذه الانتخابات الرئاسية، نجد أن المشاركين فيها فيما عدا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يملكون شركات ذات طابع سياسي، وإنما دكاكين سياسية لبيع المواقف بالتجزئة وبالتقسيط المريح، وبرأيي أن تجار المواقف لا يمكنهم التأثير على الشعب الجزائري، لأنه يحتقرهم ويحتقر متاجراتهم الرخيصة بمصالح الأمة.
تشهد الساحة السياسية الجزائرية سجالا حامي الوطيس منذ أسابيع بين الحكومة ودعاة المقاطعة، بسبب إصرار مقاطعين على حملة تجنيد معاكسة لحملات التعبئة الرسمية، وإشهار السلطات "الفيتو" ضدّ ذلك، كيف تقرؤون سيناريو المرحلة القليلة المقبلة، ومن سيكون بمنظوركم الرابح والخاسر في هذه المعركة؟

شخصيا لم ألحظ مثل هذا السجال على أرض الواقع، إلى غاية يومنا هذا، ولن أظن أن دعاة المقاطعة ستكون لدعواتهم تأثير على قناعات الناخب، لسبب بسيط هو أن غالبية الناخبين عندنا، باتوا شبه مستقيلين من الحياة السياسية، وهو ما برز وبقوة في الانتخابات التشريعية والمحلية السابقة، فالكل سواء كان في السلطة أو المعارضة يعي جيدا أن هنالك طلاقا بينهم وبين الناخبين، وهم يجتهدون لكسب ودّ الناخبين مجددا، وإعادتهم إلى عشّ السياسة، أما عن سؤالكم من سيكون الرابح والخاسر في هذه المعادلة، فأقول أن الجميع بمن فيهم السلطة والمعارضة سيربحون إن هم استطاعوا إعادة الشعب إلى مربع ممارسة السيادة، وأنهم جميعا سيكونون خاسرين إن هم فشلوا في ذلك.

يرجح متابعون أن تكون نسبة العزوف عن التصويت في الاقتراع القادم قياسية، وذهبت شخصيات ومراكز استطلاع إلى حصر المشاركة في حدود العشرة بالمئة، بينما يؤكد مسؤولون حكوميون أنّ النسبة لن تنزل عن الستين بالمئة، إلى أي الاحتمالين تنحازون ولماذا؟
كنت أول من صرح بأنّ المشاركة لن تتعدى في أحسن الأحوال 10 بالمائة، لكنني اليوم أقول ان من سيحددها هو قدرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على إقناع الشعب بأن ولايته الثالثة لن تكون كسابقتيها، وأنها ستتباعد وبشكل جذري مع كل النقائص التي اعترت ولايتيه السابقتين، فإن نجح الرئيس في هذه المهمة، بتبنّيه سياسة استئصال الفساد والمفسدين، وأبناء الخونة الذين تسلّلوا إلى مراكز الحكم، وإصلاح الاعوجاج الذي أصاب محور دوران السلطة، فبكل تأكيد ستكون المشاركة قياسية لا محالة.
كيف تستشرفون ملامح مرحلة ما بعد التاسع أبريل؟ وهل ستتمكن قوى الائتلاف الحاكم ومنظماتها الجماهيرية من تكريس سيطرتها في شتى واجهات الحكم، أم أنّ مفاجآت قد تطرأ في الأفق؟
لم أخف منذ بداية لقائي معكم أنني أعتبر الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب الائتلاف مجرد شركات ذات طابع سياسي، وهو ما يُفسّر ربما رفض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح تحت مظلة أي منها، حيث فضل أن يتقدم لرئاسيات التاسع أبريل كمترشح حرّ وهذا يحمل بحدّ ذاته دلالات كبيرة، ويعكس وعي الرئيس بحقيقة هذه الأحزاب، ولا اخفي هنا أن الرئيس بوتفليقة قد ورث فضاء سياسيا وسخا، لم تنفع معه لحدّ الآن كل أنواع المنظّفات والمطهّرات، وأملي وأمل غالبية الجزائريين أن تشهد مرحلة ما بعد التاسع من أبريل حملة تطهير واسعة تخلّص الساحة السياسية من البكتيريات المضرة بصحة وسلامة مستقبل البلاد.
أعلنتم منذ سنوات حربا على الفساد في الجزائر، بالتزامن مع تصعيد السلطات لهجتها ضدّ الظاهرة، هل ترون أنّ هذا الداء تراجع مقارنة بالسنوات المنقضية، وماذا عن خططكم مستقبلا؟
لنجاح أي حرب يتوجّب تحضير خطة محكمة لها، ويتوجب أن تنطلق هذه الحرب من مبدأ الإيمان بشرعيتها، وأهدافها، فشخصيا أعلنت الحرب على الفساد منذ نحو أربعة عقود، وكلفني ذلك غاليا، حيث تمّ حل الحزب الذي أسسته سنة 1989 وهو حزب الوحدة الشعبية، الذي غُيّب عن الساحة السياسية سنة 1998 بقرار من وزارة الداخلية آنذاك، ورُفض بعدها طلبي لتأسيس حزب المؤتمر الوطني في السنة نفسها، إلا أنني واصلت المعركة بوسائل أخرى حتى داخل المجلس الانتقالي ومجلس الأمة، ولا أزال على قناعة بأن علّة الجزائر هي في استشراء الفساد، الذي لم تخمد نيرانه يوما، فإلى يومنا هذا لا تزال المافيا السياسية والمالية تلعب وبحرية في ثروات الشعب رغم ما نسمعه من خطابات سياسية منددة بها، وشخصيا ورغم كل الخلافات التي كانت بيني وبين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، جاهرت بمساندتي له مؤخرا عندما باشر في قطع رؤوس المافيا بمحافظة وهران (500 كلم غرب) التي حولتها شبكات المافيا إلى عاصمة للفساد و(الحقرة)، وسأسانده أكثر إن هو وسّع ساحة معركة محاربة الفساد وأبناء الخونة.
يلاحظ على الممارسة السياسية في الجزائر وتبوء مراكز المسؤولية هناك، استمرار سطوة الجيل القديم واستبعاد شبه تام للشباب رغم ترويج الدوائر الرسمية وعموم الساسة لخطابات نظرية تسوّق دائما لفكرة تسليم المشعل للشباب، هل سيبقى رهان تشبيب منظومة الحكم في الجزائر أمرا بعيد المنال وصعب التجسيد؟
هذه حقيقة لا جدال حولها، فمنذ الاستقلال إلى اليوم، وقع شبه تداول في مراكز السلطة بين شخصيات بعينها، إلى أن وصلت مرحلة الشيخوخة، وكأن الجزائر باتت عاجزة عن إنجاب شخصيات جديدة من الأجيال التي جاءت بعد الاستقلال، هذا المنطق المتبع في تعيين المسؤولين، أصاب مؤسسات الدولة بداء الشيخوخة خاصة في مجال إنتاج الأفكار الجديدة وإتباعها، لكن كونوا على يقين بأنّ هذا المنطق محكوم عليه بالزوال، بحكم أن الشباب بات يمثل أكثر من 70 بالمائة من المجتمع، وهؤلاء الشباب أضحوا يؤرقون مضاجع المسؤولين، ويشوهون صورهم أمام الرأي العام العالمي، فظاهرة المهاجرين السريين أو ما يُعرف محليا ب(الحراقة) أصبحت تشكّل لوحدها وصمة عار في جبين مسؤولينا، لأنها أكدت لنا بأن الشباب الجزائري وصل مرحلة من اليأس جعلته يفضل الانتحار في عرض البحر على البقاء في بلده، وهذا لعمري ما لم يكن شهداء الجزائر ليفكروا في حدوثه يوما.
بحكم الشرخ الكائن بين الأحزاب والجماهير وتفضيل الأجيال الجديدة التغريد خارج السرب، يذهب خبراء إلى تلاشي نمطية الأحزاب المؤثرة في الجزائر، وجنوح مواطنيها إلى تشكيل قوى غير حزبية تستوعب هواجسهم وتعنى بحل مشكلاتهم، ما مدى معقولية إنضاج أفكار من هذا النوع؟
صحيح أن الأحزاب نجحت في توسيع الهوة بينها وبين الشباب، لكن هذا لا يمنحنا الحق في إلغاء دور الأحزاب في أي مجتمع، وهو ما أشرت إليه في بداية لقائي معكم، عندما قلت بأنه يتوجب فتح الفضاء السياسي، وتطهيره من البكتيريات، فلا أرى للشباب من دور فعال إلا في أحزاب قوية تحتضنه ويحتضنها، في إطار برامج سياسية واقتصادية واجتماعية تقطع مع ممارسات التسلط والحقرة والتهميش والإقصاء، أما عن حديثكم عن قوى غير حزبية فلا أظن أن ذلك سيوفي بالغرض كما هو.
عادت أعمال العنف لتلقي بظلالها شهران قبل الانتخابات الرئاسية، ما تفسير ذلك بنظركم، وهل باتت البلاد بحاجة إلى "سيف حجاج ثاني" لتحييد الدمويين، أم أنّ الجزائر تحتاج إلى نسخة مجددة ترسخ دعامتي قانون الوئام المدني وميثاق المصالحة الوطنية؟
أعمال العنف الأخيرة لا ترقى إلى التشويش على الأمن العام للبلاد، فهي أعمال منعزلة ومحدودة، لكن يجب وقفها بشكل نهائي، وبرأيي أن سيف حجاج ثان لن يفلح في تحقيق ذلك، والذي سيساعدنا في استتباب السلم نهائيا، هو دعم المصالحة بين الجزائريين ودعم مسارات التقويم الشامل التي بمقدورها ضمان العيش الكريم لكل الجزائريين وبدون أي استثناء.
أطلقت قوى جزائرية في الفترة الأخيرة النقاش مجددا حول فكرة "العفو الشامل"، ما مدى مشروعية توجه كهذا، وهل يمثل مخرجا مشرّفا للمعضلة السياسية والأمنية في الجزائر؟
العفو لا يتعارض لا مع الشرائع السماوية ولا مع الفكر البشري، فالله سبحانه وتعالى يعفو عن العاصين، ويقبل توبتهم، فالعفو عند المقدرة من مكارم الأخلاق، ولا ينتقص شيئا من قيمة من يقوم به، وإنني شخصيا طالبت عند بداية الأزمة السياسية في البلاد من الرئيس زروال أن يعفو عن شيوخ الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، ويغلق (معتقلات العار) في الجنوب الجزائري، واليوم أجدد الدعوة لإصدار عفو شامل بهدف وأد الفتنة والمأساة.
للعام الخامس عشر على التوالي، يستمر احتباس الاتحاد المغاربي، تماما مثل غلق الحدود الجزائرية المغربية على نحو مثير للجدل، وكذا معضلة الصحراء، كعضو سابق في مجلس الأمة، ما هو تحليلكم لهذا الوضع المزمن؟ وما هي الوصفات الممكنة لإخراج منطقة المغرب العربي من عنق الزجاجة؟
حال اتحاد المغرب العربي لا يشرف اليوم لا شعوبه ولا حكامه، فهذا الاتحاد الذي كان قائما بين الشعوب، كواقع عندما كانت بلدان المغرب العربي تحت الاستعمار، كنا جميعا ننتظر تجسيده بين الأنظمة بعد الاستقلال، لكن ولحسابات إقليمية ودولية، وُئد اتحاد المغرب العربي في المهد، ووصل الأمر إلى حدّ غلق الحدود بين بعض بلدانه كما هو الحال بين المغرب والجزائر، بسبب مشكل الصحراء الغربية، وعدم تسوية بعض الملفات الأمنية بين البلدين، وهنا أقول أنه مهما اتسعت دائرة الاختلاف بين المغرب والجزائر، فإن البدء بحوار جاد بينهما، بمقدوره تقليص الخلاف، وترسيخ التفاهم، خدمة لشعبي البلدين وشعوب المغرب العربي ككل، وأجدد مرة أخرى دعوتي قادة البلدين للتعجيل بفتح الحدود، لأن خطوة كهذه ستذيب وبكل تأكيد جبال الجليد بينهما، وستُهيئ الظروف لتسوية كل الملفات العالقة.
المصدر بريد الفجرنيوز
http://www.elaph.com/Web/AkhbarKhasa/2009/3/419219.htm


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.