أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه المتعلّق باستراتيجيته الجديدة حول أفغانستان بانه سائر, بلا لف ودوران, على خطى سلفه المجرم جورج بوش. فكلاهما رفع راية مكافحة ما يُسمى بالارهاب دون أن يحدّد بشكل دقيق ملامح هذا الارهاب, مستمرا في تجاهل الأسباب الحقيقية, ومنها غزو أمريكا وعدوانها العسكري على بلدان وشعوب مستقلّة, التي تقف وراء هذا "الارهاب" وتجعله هكذا صعب المراس ويدوّخ رأس الساسة الأمريكان. ومن المؤكّد أن حظوظ باراك أوباما في إنجاز ما, ولو صغير جدا, في أفغانستان ستكون أقلّ بكثيرممّا كانت عليه حظوظ الأبله بوش الصغير في العراق. فالادارة الأمريكية السابقة, التي سلّمت راية مكافحة "الارهاب" الى باراك أوباما وجدت نفسها, جيشا وإقتصادا وسمعة, غاطسة حتى الركبتين في أوحال العراق رغم إنها وظّفت كل ما تملك من إمكانيات مادية وبشرية وتكنولوجية هائلة, وإستحوذت على ثروات وخيرات العراق وجنّت آلاف العملاء والخبراء والخدم وبائعي الضمائر والجواسيس والسرّاق من أجل إنجاح مشروعها"الديمقراطي" الزائف. وفي النهاية خرجت صفرالدين تجرّ أذيال الهزيمة, مدحورة على يد فصائل مقاومة عراقية باسلة لا تخشى في الدفاع عن الوطن لومة لائم وخلفها يقف شعب أبيّ لا يساوم ولا يهادن أجنبي محتل أو عميل خائن. لكن أمريكا, كما هو معروف لكل متتبّع لسياستها الخارجية, لا يمكن أن تعيش ويهدأ لها بال دون أن تشنّ حربا أو عدوانا على هذا البلد أو ذاك. ولا يهمّها, لأنها دولة عظمى خارجة عن القانون, إن كانت أسباب حروبها وعدوانهاعلى الآخرين مشروعة مبررة أم لا. ومتى كانت لقاطع طريق أو لص محترف أو مجرم قاتل أسباب مشروعه لما يقوم به؟ ولا ننسى إن أمريكا تمتلك خبرات وقدرات علمية وفنية ومخابراتية ضخمة خصوصا في المجال العسكري تجعلها بحاجة ماسة الى إشعال نيران الحروب والنزاعات العسكرية في أية منطقة تجد فيها ما يشفي غليلها ويروي ظمأها لسفك دماء الأبرياء, ولكي تستمرعجلة الاقتصاد التي يعتمد قسم كثير منها على صناعة وتجارة السلاح, في الدوران والدوران بسرعة وإن تطلّب الأمر إبادة شعوب باكملها, وقد لا يصدّق المرء أن واحدا من أسباب حروب أمريكا ضد الدول والشعوب الأخرى, في كلّ مكان وزمان, هو إجراء تجارب حيّة وعلى رؤوس البشر لأسلحتها المصنّعة حديثا. وتذكّروا أن أمريكا أول بلد إستخدم ببرودة دم القنبلة الذرية ضد سكان هيروشيما في اليابان. ولم يكن أنذاك ثمة وجود لا لطلبان ولا للقاعدة ولا للاسلام المتطرّف, كما تصفه ادارة الشرالأمريكية. وإذا كانت وحول المستنقع العراقي ما زالت تغطي وجه وسمعة وتاريخ المجرم بوش الصعير فان خليفته باراك اوباما,الذي يمكن إعتباره حتى الآن عذراء داخل شرنقة, بدأ يعدّ العدة وبرسم الخطوط العريضة لما سيكون عليه"المستنقع" الأفغاني الخاب به وكيفية الغوص فيه شيئا فشيئا, مستغلا بذلك بعض الهدوء النسبي الحاصل في المناطق الساخنة في العالم وموجة التفاءل التي رافقت إنتخابه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية..صحيح أن باراك أوباما وقف ضد الحرب العدوانية التي قادها بوش المجرم على العراق. لكن الصحيح أيضا, وهذا هو الأهم بنظري, هو أن موقفه ذاك لا يمنحه تشريعا ولا تفويضا أو تخويلا لكي يشنّ حروبا أخرى أو يزيد طين الحرب في أفغانستان بلّة. لقد إستخدم باراك أوباما في خطابه حول سياسته الجديدة في أفغانستان نفس المفردات والكلمات ولغة التحذيرالتي كانت سائدة وطاغية على خطاب إدارة المجرم بوش الصغير. كالادعاء الزائف مثلا بالقدرة على القضاء على"الارهاب" وهزيمته نهائيا. وليس ثمة فروق جوهرية,على الأقل من هذه الناحية, بين الادارة الجديدة التي تفاءل العالم كثيرا بمجيئها وتلك المجرمة التي سبقتها خصوصا عندما يقول أباما "إن الارهابيين - ويقصد تنظيم القاعدة وحركة طلبان ومختلف حركات المقاومة الأخرى - يعدّون العدّة لمهاجمة أمريكا من باكستان". ويُلاحظ هنا وجه الشبه بين الادارتين, فادارة المجرم بوش الصغيركانت تشتكي دائما من تدخل إيران في شؤون العراق الداخلية وعرقلة"لعملية الديمقراطية" هناك مع العلم إن إيران كانت وما زالت الشريك الفعلي لأمريكا في احتلال وتدميرالعراق وتفكيك نسيجه الاجتماعي وزرع بذورالطائفية والفتنة والتخلّف فيه. وكذلك كانت باكستان بالنسبة لاحتلال أفغانستان وإسقاط نظام حركة طلبان. ولكن باراك أوباما على ما يبدو يتجاهل, شأنه معظم الرؤساء الأمريكان, طبيعة وثقافة وشخصية الشعوب الأخرى. ولا يعي إن الاحتلال, مهما كانت أسبابه ومهما كان القائم به, مرفوض جملة وتفصيلا ولا يمكن التعايش معه أو تسهيل مهمته. وتاريخ الدول والشعوب, التي يُفترض أن الرئيس أوباما على إطلاع ومعرفة بها, حافل بقصص وروايات بطولية نادرة حول مقارعة الغزاة المحتلين ودحرهم خارج البلاد بكافة الوسائل. وحتى لو أضاف باراك أوباما بعض التوابل على طبخته الافغانية, كالمساعدات الاقتصادية والدعم السياسي لحكومةالعميل حامد كرزاي الذي ما إنفكّ يستجدي بلا فائدة خصومه لاجراء مصالحة معهم, فأن المستنقع الافغاني بدأ يفتح ذراعية الواسعتين للرئيس الأمريكي باراك أوباما. ولا تستغربوا إذا قلت إن لكل رئيس أمريكي مستنقع. ويكفيكم قراءة ولو عابرة لتاريخ هذه الدولةالمتجبرة العاقّة التي إسمها أمريكا. [email protected]