عاجل : يهم التوانسة ...السنيت تعرض ''برطمانات'' للبيع ...فرصة الشراء تبدا ليوما    قفصة: وفاة مساعد سائق في حادث جنوح قطار لنقل الفسفاط بالمتلوي    تحطم طائرة شحن تركية يودي بحياة 20 جندياً...شنيا الحكاية؟    النجم الساحلي: زبير بية يكشف عن أسباب الإستقالة.. ويتوجه برسالة إلى الأحباء    تونس تشارك في بطولة العالم للكاراتي بمصر من 27 الى 30 نوفمبر بخمسة عناصر    أحمد بن ركاض العامري : برنامج العامين المقبلين جاهز ومعرض الشارقة للكتاب أثر في مسيرة بعض صناع المحتوى    تعاون ثقافي جديد بين المملكة المتحدة وتونس في شنني    "ضعي روحك على يدك وامشي" فيلم وثائقي للمخرجة زبيدة فارسي يفتتح الدورة العاشرة للمهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان بتونس    ليوما الفجر.. قمر التربيع الأخير ضوي السما!...شوفوا حكايتوا    معهد باستور بتونس العاصمة ينظم يوما علميا تحسيسيا حول مرض السكري يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    سباق التسّلح يعود مجددًا: العالم على أعتاب حرب عالمية اقتصادية نووية..    تحب تسهّل معاملاتك مع الديوانة؟ شوف الحل    عاجل/ هذه حقيقة الأرقام المتداولة حول نسبة الزيادة في الأجور…    المنتخب الجزائري: لاعب الترجي الرياضي لن يشارك في وديتي الزيمباوبوي والسعودية    مباراة ودية: المنتخب الوطني يواجه اليوم نظيره الموريتاني    اسباب ''الشرقة'' المتكررة..حاجات ماكش باش تتوقعها    خطير: تقارير تكشف عن آثار جانبية لهذا العصير..يضر النساء    أحكام بالسجن والإعدام في قضية الهجوم الإرهابي بأكودة استشهد خلالها عون حرس    بش تغيّر العمليات الديوانية: شنوّا هي منظومة ''سندة2''    قطاع القهوة في تونس في خطر: احتكار، نقص، شنوا الحكاية ؟!    الأداء على الثروة ومنظومة "ليكوبا" لمتابعة الحسابات البنكية: قراءة نقدية لأستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي    عاجل/ بعد وفاة مساعد السائق: فتح تحقيق في حادث انقلاب قطار تابع لفسفاط قفصة..    الجبل الأحمر: 8 سنوات سجن وغرامة ب10 آلاف دينار لفتاة روّجت المخدرات بالوسط المدرسي    حادث مؤلم أمام مدرسة.. تلميذ يفارق الحياة في لحظة    تحذير عاجل: الولايات المتحدة تسحب حليب أطفال بعد رصد بكتيريا خطيرة في المنتج    عاجل: امكانية وقوع أزمة في القهوة في تونس..هذه الأسباب    خالد السهيلي: "الطائرات المسيرة تشكل تحديا متصاعدا على "المستوى الوطني والعالمي    بعدما خدعت 128 ألف شخص.. القضاء يقرر عقوبة "ملكة الكريبتو"    مجموعة السبع تبحث في كندا ملفات عدة أبرزها "اتفاق غزة"    فريق تونسي آخر يحتج رسميًا على التحكيم ويطالب بفتح تحقيق عاجل    سلوفاكيا.. سخرية من قانون يحدد سرعة المشاة على الأرصفة    تصرف صادم لفتاة في المتحف المصري الكبير... ووزارة الآثار تتحرك!    طقس الاربعاء كيفاش باش يكون؟    تقديرا لإسهاماته في تطوير البحث العلمي العربي : تكريم المؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي في الإمارات بحضور كوكبة من أهل الفكر والثقافة    الشرع يجيب على سؤال: ماذا تقول لمن يتساءل عن كيفية رفع العقوبات عنك وأنت قاتلت ضد أمريكا؟    محمد علي النفطي يوضّح التوجهات الكبرى لسياسة تونس الخارجية: دبلوماسية اقتصادية وانفتاح متعدد المحاور    الديوانة تُحبط محاولتين لتهريب العملة بأكثر من 5 ملايين دينار    الكتاب تحت وطأة العشوائية والإقصاء    كريستيانو رونالدو: أنا سعودي...    عاجل/ الرصد الجوي يصدر نشرة استثنائية..    الحمامات وجهة السياحة البديلة ... موسم استثنائي ونموّ في المؤشرات ب5 %    3 آلاف قضية    المنتخب التونسي: سيبستيان توناكتي يتخلف عن التربص لاسباب صحية    وزارة الثقافة تنعى الأديب والمفكر الشاذلي الساكر    عاجل/ غلق هذه الطريق بالعاصمة لمدّة 6 أشهر    عاجل/ تونس تُبرم إتفاقا جديدا مع البنك الدولي (تفاصيل)    فريق من المعهد الوطني للتراث يستكشف مسار "الكابل البحري للاتصالات ميدوزا"    بعد انقطاع دام أكثر من 5 سنوات.. عودة تقنية العلاج بالليزر إلى معهد صالح عزيز    QNB تونس يفتتح أول فرع أوائل QNB في صفاقس    تصريحات صادمة لمؤثرة عربية حول زواجها بداعية مصري    مؤلم: وفاة توأم يبلغان 34 سنة في حادث مرور    غدوة الأربعاء: شوف مباريات الجولة 13 من بطولة النخبة في كورة اليد!    عاجل/ وزارة الصناعة والمناجم والطاقة تنتدب..    عاجل/ وزير الداخلية يفجرها ويكشف عن عملية أمنية هامة..    الدكتور صالح باجية (نفطة) .. باحث ومفكر حمل مشعل الفكر والمعرفة    صدور العدد الجديد لنشرية "فتاوي تونسية" عن ديوان الإفتاء    شنيا الحاجات الي لازمك تعملهم بعد ال 40    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرهاب وليد النصّ القرآني أم الحكم الطغياني: يحي أبوزكريا
نشر في الفجر نيوز يوم 01 - 04 - 2009

إلى كل الذين يؤمنون بالثقافة ويرونها السبيل الوحيد نحو رفعتنا الحضاريةّ .
يعيش العالم الإسلامي اليوم وضعا معقدا ومربكا في كل تفاصيله , وقد أصبحت الجغرافيا التي تدين بالإسلام من طنجة وإلى جاكرتا ووصولا إلى روافد العالم الإسلامي في معظم القارات عرضة للإحتلال المباشر وغير المباشر عسكريّا وسياسيّا و إقتصاديّا وثقافيّا وأمنيّا , وقد كان الإعتقاد السائد أنّ العالم الإسلامي قد ودعّ وإلى الأبد الحركة الإستعمارية التوسعية الغربية والتي أرخت بظلالها علىعالمنا الإسلامي في القرن الماضي , والتي كانت سببا رئيسا في تراجع المشروع النهضوي والتنموي الإسلامي , كما كانت السبب في إنتاج نخب علمانية أتاحت للفكر الكولونيالي في كل أبعاده السياسية والثقافية والإقتصادية أن يستمر محركا لتفاصيل الدولة الحديثة المستقلة إسما وشكلا . ومما لا شكّ فيه فإنّ العالم الإسلامي قد تأثرّ إلى أبعد الحدود بالحركات الإستعمارية والإحتلالية التي جاءت من الغرب بحجّة نشر الحضارة والمدنية في واقع كله تخلّف حسب إدعاءات منظريّ الإستعمار الذين كانوا ملحقين بوزارات الخارجية في العواصم الغربيّة .

ولم يغادر المحتلون عالمنا الإسلامي إلاّ بعد أن أطمأنوا أنّهم وضعوا دساتير هي من روح دساتيرهم وعينوا تكنوقراط وسياسيين في دوائر القرار في هذه الدولة وتلك وكلهم من الذين نهلوا من معين الثقافة الغربية الكولونياليّة , وقد أكملت هذه النخب مسيرة الحركة الإستعمارية فحاصرت الإسلام في عقر داره وعملت على تجفيف منابعه و ملاحقة الدعاة إلى ثقافته , ولم تكن هذه السيئة الوحيدة للحركات الإستعمارية بل هناك مجموعة سيئات سياسية وإقتصادية وثقافية وجيوسياسيّة , فعلى الصعيد السياسي لعب الإستعمار الغربي دورا كبيرا في صياغة الدساتير التي أصبحت مرجعا أساسا للدولة الحديثة في عالمنا الإسلامي , بل أنّ بعض الدساتير كانت نسخة طبق الأصل من الدساتير الغربية , وبطبيعة

الحال أوكلت مهمة شرح هذه الدساتير وتنفيذها لشخصيات إسلامية إسما وغربية قلبا ومضمونا درست في المعاهد الغربية وأستوعبت روح الحضارة الغربية , وهي الفئة التي عناها الفيلسوف الوجودي الفرنسي بقوله , كانت الدول الغربية الإستعمارية فيما مضى تبعث دباباتها إلى الدول الثالثيّة لنشر فكرها بالقوّة ثمّ تداركت الموقف وباتت تستورد أذكياء من تلك البلاد وتدرسّهم في جامعاتها ومعاهدها ثمّ توفدهم كحكّام لدول العالم الثالث وبهذا الشكل يتحققّ الغرض الإستعماري بدون دبابّة !

وعلى الصعيد الإقتصادي فقد أفرغت الحركات الإستعمارية خزائن البنوك من محتوياتها وخلفوا وراءهم دولا بلا موارد أو مقدرات , بل قاموا في بعض البلاد كدول المغرب العربي بتحطيم كافة الجرارات الزراعية لعدم إستخدامها في الإستصلاح الزراعي , وأملوا على كل دولة أن تنتج منتوجا واحدا أو إثنين ممّا يحتاج له المستعمر , فالجزائر على سبيل المثال وعندما كانت ترزح تحت الإستعمار الفرنسي كانت تصدّر القمح إلى كل الدول الأوربية وبنسبة ثمانين بالمائة , وبعد أن أستقلّت الجزائر باتت تستورد القمح بنسبة مائة بالمائة وأصبحت في المقابل تزرع العنب وتنتج الخمور التي مازالت فرنسا الدولة المستعمرة سابقا المشتري الأول لها .

كما أنّ الدول الإستعماريّة ظلّت تحتفظ لنفسها بخرائط دقيقة عن مكان وجود الموارد الأوليّة من نفط وذهب وغاز ويورانيوم وحديد ومياه جوفيّة وغير ذلك من الأمور .

وعلى الصعيد الثقافي فإنّ معظم الدول التي كانت مستعمرة – بفتح الراء – تعاني اليوم من أزمة هويّة قلّ نظيرها أفضت إلى إنتاج حروب أهليّة بالجملة في أكثر من دولة إسلاميّة , كما أعادت الحركات الإستعمارية إحياء الإثنيات التي إنصهرت في بوتقة الإسلام على مدى أربع عشر قرنا , و إستغلّت التناقضات الداخليّة وتحولّت الأقليّات إلى إطارات سياسيّة وإيديولوجيّة أفادت الحركات الإستعمارية في وقت لاحق عندما دبّ الحنين في هذه الحركات بمعاودة الكرّة التي كانت قبل أزيد من قرن .

وتمكنت الحركات الإستعماريّة من غرس بذور ثقافية وفكرية في التربة الإسلامية أينعت بعد حين تماما كما قال الجنرال الفرنسي شارل ديغول وهو يغادر الجزائر سنة 1962 تحت ضغط الثورة الجزائريّة : لقد تركت في الجزائر بذورا ستينع بعد حين .

وكانت هذه البذور هي التي شككّت لاحقا في هويّة الشعب الجزائري ذات البعدين العربي والإسلامي .

وعلى الصعيد الجيوسياسي ترك الإستعمار أزمة الحدود ملتهبة بين كل الدول الإسلاميّة تقريبا وهي التي سمّاها رئيس الديبلوماسية الأمريكية الأسبق هنري كيسنجر بعوامل التوتّر التي تفيد الإدارة الأمريكية عند الحاجة والضرورة . ومازالت أزمة الحدود بين الدول الإسلامية قائمة مهدّت لنشوء صراعات متفاقمة بل مازالت تهددّ بإندلاع صراعات حادة على المدى المتوسّط .

وإذا كانت هذه صورة موجزة ومختزلة عن العالم الإسلامي بالأمس فإنّه اليوم ومع بداية الألفية الثالثة لا يختلف كثيرا عن صورته في الماضي فالدول الإسلامية مازالت عرضة للإحتلال المباشر وما زال القسم الأكبر من العالم الإسلامي عرضة للغزو الإقتصادي والثقافي .

فعلى صعيد الإحتلال العسكري فإنّ هناك ثلاث دول إسلامية محتلة إحتلالا مباشرا من قبل الدولة العبريّة و الولايات المتحدة الأمريكية الوريث الشرعي للأمبراطورية البريطانية كما قال هنري كيسنجر في مقالة له عن النظام العالمي الجديد وهذه الدول هي فلسطين وأفغانستان والعراق , وهناك دول إسلامية تفتّت بسبب الولايات المتحدة الأمريكية ومساعيها وهي إندونسيا والتي إستقلّت عنها تيمور الشرقيّة و الصومال , كما أنّ هناك جمهوريات إسلامية تقبع تحت الإحتلال الروسي كالشيشان والتي لم تأخذ حظها من الإستقلال , على الرغم من أنّ الجمهوريات الكاثوليكية في الإتحاد السوفياتي السابق نالت إستقلالها بدعم من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية .

وعلى الصعيد الإقتصادي فما زالت الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية في مجملها وصندوق النقد الدولي يتحكّم في إقتصاديّات العالم الإسلامي وقد أصبحت المساعدة الإقتصادية للعالم الإسلامي مقرونة بالرضوخ السياسي والإستجابة الكاملة لقرارات ومخططّات الإرادات الدوليّة , والأكثر من ذلك فإنّ البنوك الدولية ذات التمويل الأمريكي هي التي باتت تخطط المنهج الإقتصادي لهذه الدولة الإسلامية وتلك .

وثقافيّا فإنّ الإدارة الأمريكة وضعت مخططّا كاملا وإستراتيجية متعددة الأبعاد لإعادة تأهيل العالم الإسلامي ثقافيا وتربويّا وعلميّا , وكل دولة إسلامية تحاول الإنطلاق من مقوماتها الذاتية وتعمل على إستكناه أسرار التقنية وتحديدا تكنولوجيا السلاح فإنّها تدرج في خانة الدول المتمردّة وبالتالي هناك كمّ هائل من القوانين لمعاقبتها .

وبعد الحادي عشر من أيلول – سبتمبر خرجت أمريكا من دائرة الرغبة في بسط الإحتلال السياسي والإقتصادي والثقافي إلى الإحتلال العسكري , ومثلما كان العالم الإسلامي في بداية القرن الماضي عرضة للإستعمار والإحتلال فإنّه دشنّ بداية قرنه الحالي بإحتلال أمريكا لدول مفصلية إستراتيجيا وجيوسياسيّا في الجغرافيا الإسلامية وما زالت شهيتها مفتوحة إلى درجة أنّها أعادت عسكرييها المتقاعدين إلى الخدمة وفي العالم الإسلامي !

هذا على صعيد الزاحف الأجنبي الغربي , أما على صعيد المشترك بين النظام الغربي و التظام الرسمي العربي فقد كثر الحديث في الضفتين عن الإرهاب , و الذي أصبح تعريفه مطاطا و خاضعا للرغبات السياسية والضرورات الأمنية و الإستراتيجية .

وقد تحولّت ظاهرة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي على وجه التحديد إلى أعقد ظاهرة سياسيّة و أمنيّة و إجتماعيّة , وقد أنتجت هذه الظاهرة سلسلة لا مثيل من الدراسات والمقالات و الإنشغالات الفكريّة والبحث عن الجذور التاريخية و السياسية لهذه الظاهرة , و ما كتب عن هذه الظاهرة هو أضعاف ما كتب عن المشروع النهضوي والتنموي في واقعنا العربي والإسلامي حيث بحث ثلّة من مفكرينا في آليات النهضة و مرّت بحوثهم بدون عناية فكريّة تذكر ربمّا لأنّ الذاكرة العربية والإسلامية مصابة بخدوش خطيرة وربمّا لأننا لا نولي المشاريع الكبرى أهميّة تذكر .

ولعلّ أهم المراكز التي تناولت ظاهرة الإرهاب بالبحث و التنقيب هي مراكز الأبحاث و المعلومات التابعة لدوائر الإستخبارات العربية والغربية و تليها مراكز الدراسات الإستراتيجية ذات الإرتباطات المتعددّة ثمّ المراكز الإعلامية ودور النشر والمنتديّات الثقافيّة. ولأننّا منشطرون دوما حتى في فكرنا وثقافتنا ومشاريعنا فإنّ البحوث التي وضعت حول ظاهرة الإرهاب هي الأخرى منشطرة حول نفسها , فللسلطات وأدواتها الفكرية والإعلامية رأي في هذا الموضوع وللمعارضات رأي وللباحثين آراء مختلفة . والقراءة المتأنيّة و الإستقرائيّة لمجمل ما كتب حول الإرهاب وجذوره تفضي إلى تعداد مدرستين مختلفتين حول الإرهاب وجذوره , فالمدرسة الأولى وهي المدرسة الرسمية السلطويّة فترى سواء عبرّت عن ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر أنّ النص القرآني وتراكمات التاريخ الإسلامي و الأصولية الإسلاموية الظلامية بتعبير الخطابات السلطوية الرسمية هي التي أنتجت الإرهاب وأفرزت فكر التكفير و الحكم على السلطة أحيانا وعلى المجتمع أحيانا أخرى بالردّة وبالتالي مشروعية قتال المرتدين , ويذهب هذا الخطاب الرسمي إلى أنّ الذين يمارسون العنف ضدّ السلطات القائمة ينطلقون من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيرة السلف الصالح ويسقطون كل ذلك على الواقع المعيش ولعلّ أبرز آية تستخدم لشرعنة العنف ضدّ السلطات هي آيات سورة المائدة :

ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وفي آية أخرى هم الظالمون , وما إلى ذلك من الآيات . ولتقزيم أصحاب هذا الإتجاه تعمد السلطات إلى إستمالة أصحاب الطرح الإسلامي المعتدل و تحاول وأد تيّار العنف من خلال الحصول على الشرعية من المعتدلين والمتخندقين في خطّها مقابل بعض المناصب هنا وهناك وبعض الإمتيازات التي يحضى بها رجالات القرار دون غيرهم .

ومقابل هذه المدرسة الرسمية التي تعطي للإرهاب بعدا دينيا هناك مدرسة قوامها مفكرون مستقلون ومعارضون وباحثون إجتماعيون وسياسيون يرون أنّ إرهاب السلطة هو الذي أنتج إرهاب المجتمع , وأنّ الديكتاتورية والتسلط والقمع والممارسات العدوانية والوحشيّة للحاكم وحاشيته هي التي أنتجت الإرهاب بدليل أنّ معظم الذين أطلقوا خطابات محاربة السلطة تعرضوا إلى أقسى أنواع التعذيب في السجون السلطوية , فبعضهم تمّ الإعتداء على كرامته وشرفه , وبعضهم تمّ حرمانه من نعمة الذريّة والإنجاب بالطرق المعروفة , ولا يمكن أن تلجأ السلطات الحاكمة في العالم العربي و الإسلامي إلى مصادرة مقدرات الشعوب و تسيّر الشعوب على أساس أنّها شعوب قاصرة مراهقة يتيمة تحتاج دوما إلى سوط الحاكم ليستقيم أمرها دون أن تتوقّع معارضات وردود من قبيل ما نراه في عالمنا العربي والإسلامي .

وفي نظر هذه المدرسة فإنّ إنعدام الحريّة السياسيّة و الديموقراطية و الشفافيّة و مصادرة خيرات الناس وسرقة أرزاقهم وأقواتهم هي سبب العنف الأعمى الذي بات الميزة الأسمى و الأبرز لراهن عالمنا العربي والإسلامي , فالحاكم منع الناس من حرية التعبير والإنتقاد وإذا وجّه أي شخص نقدا بسيطا للحاكم فإنّ مآله سجون الحاكم التي أقامها بإحكام للقضاء على رجولة من يقرّون أنّ فيهم بعض رجولة , و التداول على السلطة ممنوع , فالسلطة حكر لحكامنا لا يتزعزعون عن كرسي الحكم إلاّ بموت أو إنقلاب أو دبابة أمريكيّة , و غير مصادرة الحكم وحرمان الشعب من صناعة قراره وسياسته الكبرى و الصغرى فإنّ الحاكم يلجأ إلى البطش والقمع و الظلم وسجن الأحرار .

و بالإنتقال إلى المتورطين في حركة العنف نجد أنّ معظمهم من المحرومين من أبسط مقومات الحياة فأغلبهم من القاطنين في البيوت القصديريّة والشعبية و الأحياء الفقيرة , وكثير منهم لا يجد عملا كريما ومقابل ذلك يشاهد هؤلاء الثروات الوطنية مغانم بين الحاكم العربي وأسرته و حاشيته , وإذا أرادت معارضة جادة أن تغيّر الأوضاع لصالحها فإنّ الدبابات التي أشتريت على أساس الدفاع عن الوطن أستخدمت ضدّ الشعوب المقموعة وبناءا عليه يخلص أصحاب المدرسة الثانية إلى القول بأنّ إرهاب السلطة وممارستها الطاغوتيّة هي التي أفرزت الإرهاب , فلو عدلت الحكومات العربية و وزعّت الثروة توزيعا عادلا على الناس و حكمت الناس بأطروحة سياسية يساهم الناس في إنتاجها لما ثارت شرائح من الناس ضدّ السلطات القائمة , ومشكلة الحاكم العربي كما تقول هذه المدرسة أنّه لا يسمع ولا يغادر قصره العاجي ليقابل الناس ويطلع على أخبارهم بل يكتفي بجلسة ساعة أو نصف ساعة مع مدير مخابراته الذي يزيّن له الكثير من الأمور .

وأكثر من ذلك فإنّ أصحاب المدرسة الثانية يرون أنّ السلطة صاحبة المدرسة الأولى وتأكيدا لخطابها السياسي وأدبياتها السياسية التي تنص على أنّ النصّ القرآني هو الذي أفرز الإرهاب أوجدت تيارات إسلامية مسلحة عنيفة وسخرتّها لخدمة مصالحها الإستراتيجية من جهة ولإدامة عمر العنف في واقعنا العربي والإسلامي ليكون العمل بقانون الطوارئ مبررا ولكي لا تطرح النخب السياسية مسألة الإسراع في الإنتخابات والإصلاحات بحجّة تدهور الوضع الأمني , و قد أعلن أحد رجال المخابرات في دولة عربية أنّ رئيسه في العمل أعطاه أمرا بإطلاق اللحية و التعود على إرتداء العباءة و إستخدام المسك الأظفر – وهو عطر يستخدمه المصلون عادة في المساجد – للشروع في مهمة معينة , وقد ساهمت الأجهزة الأمنية في أكثر من دولة عربية في إقامة جماعات إسلامية مسلحة لغرض سياسي وإستراتيجي قد يطول شرحه ويمكن القول أنّ رجل المخابرات في العالم العربي أطلق لحيته والإسلامي حلقها حتى إشتبه الأمر على كثير من الناس . وعلى الأرجح فإنّ السلطات القائمة في العالم العربي سوف تستمر في إستخدام هذه الورقة و التي من خلالها تحققّ العديد من الأهداف المتشعبة والمتداخلة ومنها :

التشكيك في مقومات الدين الإسلامي الحنيف وبالتالي تكرّس العلمنة والتغريب كبديل لا مناص منه للحكم والتغريب كما هو معروف البوابة الطبيعية نحو العمالة والإرتباط بالإرادات الدولية , و الإيهام بأنّ المجتمع يعيش مخاضا أمنيا وبالتالي حالة الطوارئ تصبح مبررة ومع هذه الحالة تلغى كل مصاديق الديموقراطية من حرية الإعلام والتظاهر والتجمهر والإنتخابات , وفوق هذا وذاك فإنّ إدامة الصراع في المجتمعات الإسلامية وخلق تيارات عنف إسلامية من شأنّه أن يقرّب المسافة بين كثير من حكامنا والدوائر الغربية حيث القاسم المشترك بات كبيرا بين الطرفين وهو محاربة الإسلام , وفوق هذا وذاك فتحت عنوان محاربة الإرهاب يستباح الجميع وتقلّم أظافر الجميع و يقمع المعارضون المخلصون والصحفيون المخلصون ومريدو التغيير والإصلاح وإذا جرؤ شخص على الإعتراض يقال له : أنت إرهابي .

و إذا كان المخالف للسلطة إرهابيا فماذا تكون هذه السلطة التي تقتل بالجملة والمفرق , وتميت بالجملة وتبكي المستضعفين بالجملة وتفقر بالجملة وتفرض على الناس أن يعبدوا صنما واحدا لا شريك له , أليس إرهابا عندما تعمد هذه السلطات إلى فرض فكر أحادي شمولي على الناس , سؤال برسم السلطات العربية الديموقراطيّة جدّا !!!!!



يحي أبوزكريا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.