هارون يحيى يحمل في جعبتة الكثير من الأدلة التي تهدم نظرية دارون لم يكن الوصول إلى المفكر التركي هارون يحيى متزعم حركة هدم نظرية النشوء والتطور لدارون بالأمر الصعب - مجرد إبداء الرغبة في إجراء حوار معه أثناء وجودي في تركيا لتغطية فعاليات منتدى المياه، بل كان لا بد أن أتلقى أكثر من اتصال من مساعديه للاتفاق معي على كافة التفاصيل، مثل: اللغة التي سيدار بها الحوار، وكيفية الوصول إلى المقر الذي يتواجد به. هذه السهولة أثارت بعض الريبة والخوف في قلبي، خاصة أني عندما بدأت في الإعداد للحوار عرفت أنه محكوم عليه بثلاث سنوات سجن بتهمة إدارة تشكيل عصابي، وهو الآن في مرحلة الاستئناف. قضيت يوما كاملا في تردد بين الاستجابة لهذه المخاوف، والانتصار للطبيعة الصحفية الساعية دوما نحو المتاعب... وانتصرت في النهاية للطبيعة الصحفية. في تمام الساعة الثالثة إلا ربعا مساء يوم السبت 21 مارس، حسب الموعد المتفق عليه مع مساعديه، جاءتني سيارة وسط العاصمة إستانبول.. على مدار أكثر من ساعة ونصف أخذت السيارة تدلف من شارع لآخر حتى وصلنا إلى المكان الذي سيشهد الحوار، وهو عبارة عن فيلا فخمة لا يوجد بها أي أساس سوى أستديو مجهز لتصوير اللقاءات الصحفية والتلفزيونية. حوالي أكثر من 10 أشخاص كانوا يتواجدون بالفيلا، شخص مسئول عن تصوير اللقاء بالفيديو، وآخر عن تقديم المشروبات، وسبعة كانوا يجلسون خلف الكاميرا، لا أعرف بالضبط ما هو سبب تواجدهم.. خلق هذا العدد الضخم أجواء تشبه التشكيل العصابي، فقلت في نفسي ربما يكون الاتهام له أساس من الصحة، حاولت التغلب على مخاوفي بالحديث مع المترجم الذي حضر للترجمة من اللغة التركية للعربية، إلى أن جاء هارون محاطا بعدد آخر من الأشخاص. بدت لي ملامح وجهة تحمل قدرا من الهدوء الذي يتنافى تماما مع التهمة، وهو ما أسهم إلى حد ما في إزالة الخوف من قلبي، وكانت إجابته على سؤالي الأول كافية لإزالة أي أثر للتوتر. لماذا هارون يحيى؟ "كما كان هارون ويحيى عونا لموسى وعيسى عليهما السلام من أجل خدمة الدين... فأنا أعتبر نفسي أقوم بنفس المهمة".. كانت تلك هي إجابته عن سؤالي الأول: لماذا اسم "هارون يحيى" بدلا من اسمه الأصلي عدنان أوكطار. ومن أجل هذه المهمة يقول هارون إنه على استعداد لتحمل أي مشقة حتى لو كان السجن ثلاث سنوات بتهمة قيادة تشكيل عصابي. وتعتبر المحكمة التركية التي اتهمت هارون يحيى، أنه ومريديه العشرة الذين كانوا يشهدون اللقاء وغيرهم تشكيل عصابي منظم، له ميول تخريبية. وبرغم أن المدعي العام برّأهم، نافيًا وجود أي تهمة، فإن هارون قُدِّم للمحكمة التي أصدرت حكما بالسجن ثلاث سنوات، يستأنفه حاليا! ويقول هارون تعليقا على هذا الحكم: "استهدافي بالقضاء أحيانا... ومحاولة الاغتيال أحيانا أخرى، ليس بالجديد"، مشيرا إلى أنه تعرض لتسع محاولات اغتيال، كما أودع بمستشفى للأمراض العقلية بحجة أنه مجنون، واتهم بتعاطي المخدرات، واغتصاب سيدة، ونجا -بفضل الله- من كل هذه المكائد. علمانية لا يرفضها الإسلام ولكثرة ما تعرض له من مكائد... وما سيتعرض له مستقبلا... كان قراره بعدم الزواج الذي قال عنه: "أنا أهتدي بتعاليم شيخي سعيد النورسي الذي لم يتزوج لكثرة ما كان يتعرض له من مضايقات". وأضاف: "ما ذنب من سأتزوجها... كي تتحمل كل هذا". ويرى هارون أنه إذا كانت هناك علمانية بالمعنى الصحيح، ما كان سيتعرض لهذه المضايقات. فهو يعتبر نفسه علمانيا، لكن بمفهوم مختلف عن السائد... والفارق بين العلمانيتين كبير، كما يقول هارون، فالعلمانية التي يؤمن بها تقوم على حرية الاعتقاد، بحيث تعرض كل الأفكار ويكون الانتصار في النهاية للحق، أما العلمانية السائدة فهي تقوم على أن الانتصار للأقوى، بصرف النظر عن معيار الحق. وتفسر هذه الدكتاتورية العلمانية، لماذا يتمسك مؤيدو نظرية النشوء والتطور بموقفهم الرافض لأي توجه عكسها.. بما يجعلهم على استعداد لفعل أي شيء، حتى لو كان القتل، فهي -كما يقول هارون- دينهم الذي يعتنقونه؛ لأنها تقوم ببساطة على فكرة أن الكون وجد صدفة بلا خالق، فكان الشكل النهائي له ولكل ما يعيش فيه من مخلوقات هو نتاج سلسلة من التطورات حتى وصل لشكله النهائي. وبرغم كل الدلائل العلمية التي تثبت عكس ذلك، إلا أنهم يرفضون الاعتراف بها، ويفتح هارون كتابه الضخم "أطلس الخلق"، ويشير إلى أن كل صفحة به تدحض هذه النظرية، فهذه حفرية لخنفس تنتمي لعصر من آلاف السنين، لم يحدث لها تطور، فهي على نفس الهيئة التي نعهدها الآن، وتلك سمكة ينطبق عليها نفس الكلام. ويقول هارون: "هذه الأدلة يمكن أن يستوعبها الأطفال... لكن الداروينيين يرفضون أن يفتحوا عقولهم للحق".. الكتاب الصاعقة ويعتبر كتاب "أطلس الخلق" من أعز الأعمال إلى قلب هارون، فهو يعتبره سببا في انهيار الداروينية في تركيا، حتى بات من يرفضها يمثلون 95% من تعداد الشعب التركي، كما كان سببا في رفض الكثيرين بالعالم لهذه النظرية، وبفخر يخرج هارون من أحد الملفات المتراكمة بجواره خطابا تلقاه من آلان جويه الرئيس الأسبق لحكومة فرنسا يشكره فيه على كتابه. وبرغم أن هارون لم يتلق خطابات مماثلة من توني بلير وساركوزي، إلا أنه أخرج من ملفاته ورقة أخرى تحتوي على عبارات ذات دلالة إيمانية قالاها مؤخرًا، وقال: "ربما يكون ذلك من تداعيات هذا الكتاب". وأضاف: "لم لا وقد وصفت صحيفة ألمانية كتابي بأنه (الصاعقة التي نزلت على أوروبا)، وهو ما تكرر في صحف أوروبية أخرى". هذا النجاح كان دافعا للداروينيين -بحسب هارون- للترويج لنظريتين قالا إنهما تطوير "للنشوء والتطور"، هما: " لتطور الإلهي"، "التصميم الذكي"، وتقوم الأولى على فكرة أن التطور موجود، لكن الله هو الذي خلقه، بينما تقوم الثانية على أن الكون صمم من طرف كائن ما نجهله، وهو مهندس ومصمم بارع. ويقول هارون: "هاتان النظريتان محاولة من الداروينيين للبحث عن حل وسط بين نظريتي الخلق والتطور، لكنه حل مرفوض".. ويضيف: "نحن نؤمن بأن الله واحد، خلق الكون من عَدَمٍ... وخلاف ذلك سنحاربه بإذن الله... فهذه مسألة عقيدة لا تحتمل أي حلول وسط". التمويل واتهامات أخرى وفي سبيل ذلك، يستعد هارون لمواجهة سيل الاتهامات التي تثار من حين لآخر، فالتمويل وهوية من ينفق على نشاطه من أول الاتهامات التي تثار من حين لآخر، ولا يقتنع كثير ممن يسمعون دفاعه عن هذا الاتهام بقوله: "أصدقائي المؤمنون برسالتي هم الذين يتولون هذه المهمة". إلا أنه يرد عبر "إسلام أون لاين" قائلا: "أو لم يكرس أبو بكر الصديق وغيره من الصحابة تجارتهم من أجل نصرة الدين... لِمَ تستكثرون على أصحابي القيام بذلك؟!". ولا يرى في عدم امتلاكه خلفية أكاديمية علمية، حيث إنه درس الفلسفة والفنون الجميلة فقط، مبررا لهجوم آخر يثار عليه من حين لآخر، ويقول ردا على هذا الهجوم: "الداروينيون يحاولون أن يصوروا للعالم أنهم أصحاب علم صعب لا يملك ذمامه إلا المتخصصون.. وهذا من نتاج الدكتاتورية الداروينية". ويضيف:" أي طفل صغير قادر على فهم نظريتهم وضحدها". أما اتهامه بقيادة تشكيل عصابي فهو على استعداد لمواجهته، وتحمل نتائجه حتى لو كانت السجن. ويختم حواره معنا قائلا: "لن يكسروني... سأخرج أكثر حماسا لهدفي لو دخلت السجن"..