غلاف الكتاب الكتاب: الفكر العنصري الغربي: من المنطلق الديني إلى مفاهيم العرق والأقليات المؤلف: مهنا حداد الحجم: 287 صفحة من القطع الكبير سنة النشر: الطبعة الأولى 2008 الناشر: دار الانتشار العربي – بيروت توقف بعض مفكري أوروبا المستلبين بروح العرقية الشديدة أمام "الأصل العرقي للمسيح"؛ فرأى المفكر الإنجليزي ستيوارت شامبرلين (1855 - 1927) أنه "لا يمكن أن يكون المسيح من أصل يهودي، بل كان جرمانيا". هذا المدخل يصلح أن يكون ممهدا لقراءة هذا الكتاب، وهو عمل نادر في المكتبة العربية من حيث العمق والاستقصاء والدقة، رغم انطلاقه من المشهد السياسي الغربي الآن، إلا أنه -لأجل فهمه- يأخذ قارئه في رحلة معرفية طويلة من عالم الأسطورة مرورا بالبواكير الأولى للنظريات العنصرية في الفكر الغربي حتى يصل إلى اللحظة الراهنة التي احتلت فيها قضايا الأقليات في الغرب مكانا متقدما على أجندة الحوار العام، المعرفي والسياسي على حد سواء. الكتاب عنوانه: "الفكر العنصري الغربي.. من المنطلق الديني إلى مفاهيم العرق والأقليات" والمؤلف: مهنا حداد، والكتاب صادر عن دار الانتشار العربي ببيروت 2008 في طبعته الأولى، وفي أول سطور المقدمة يكشف المؤلف عن "الدافع المباشر" للاهتمام بالموضوع؛ فأثناء إقامته في هولندا في نهاية الستينيات كانت مشكلة الأقليات قد بدأت تظهر في المجتمعات الصناعية الغربية، وكان السؤال: كيف ستتعامل هذه المجتمعات مع العمال الأجانب؟ فجر الأقليات المشكلة إذن بدأت كنتيجة لعملية التصنيع الضخمة التي شهدتها أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، وبلغت قمتها في ستينيات القرن الماضي، لكن المؤلف ينطلق من "الواقعي" إلى "المعرفي"، وهو يبدأ من المثال الهولندي -كعينة- فعندما انسحبت هولندا من إندونيسيا مثلا عادت ومعها حوالي 50 ألفا من البشر، وتلا ذلك قدوم السود من سورينام (دولة في أمريكا الجنوبية)، وقبل هذا لم يكن المجتمع الهولندي يعرف إلا أقلية دينية واحدة تدعي أنها ذات هوية قومية هي الأقلية اليهودية ذات النفوذ الكبير. وفي نهاية الستينيات تعاقدت الحكومة الهولندية مع تركيا وبعض دول شمال إفريقيا لاستقطاب عمالة منها، وسرعان ما تكاثر هؤلاء ليشكلوا أكثر من مليون ونصف المليون مسلم في المجتمع الهولندي، ومعظمهم حصل على الجنسية من خلال الإقامة الطويلة. لكن هؤلاء جاءوا ومعهم مؤسساتهم الدينية، وأفكارهم، وقيمهم من "الدولة الأم"، وأصبحوا -حسب الكتاب- القاعدة التي يتم فيها تجنيد الكثيرين في الحركات الجهادية، وبخاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي هذا المناخ زادت حدة الفصل بين هذه المجتمعات "الوافدة" والمجتمع الهولندي -وهو مجرد مثال – واتسعت دائرة التمييز العنصري. والسؤال الذي يحاول الكاتب الإجابة عنه هو: إلى أي مدى كان رد الفعل "العنصري" الأوروبي كرد فعل على واقع (الحادي عشر من سبتمبر؟)، وإلى أي حد تغذى هذا الموقف من "الرصيد" الغربي الضخم من الفكر العنصري الأوروبي، والقناعة الراسخة بفوقية الإنسان الأوروبي ودونية غير الأوروبي؟ فالكتاب لا يرصد حال الأقليات المسلمة في أوروبا، بل يخضعه للتحليل في ضوء تاريخ الفكر الغربي؛ انطلاقا من حقيقة أن الاقتناع بأن مجرد وجود الأقليات يثير مشكلات هي قناعة عنصرية؛ ذلك أنها تعني ضمنا أن التعايش مستحيل. وأغرب من ذلك كما يقول الكاتب أن أول ما يفكر به الإنسان الأوروبي عندما يسمع كلمة "أقليات" هو الجماعة العرقية، وهذا المنطق في التصنيف قاد المؤلف إلى البعد التاريخي، فمفهوم العرق أو الجنس -كما نعرفه- مفهوم جديد لم نعرفه قبل عصر التنوير، "وهو العصر الذي أخذ فيه الإنسان يبعد عن خالقه"، و"أخذ يلعب دور الخالق من خلال محاولته امتلاك واجب الخلق، وقاد ذلك إلى محاولات صنع إنسان اصطناعي".. والاضطهاد العرقي أخذ يحدث في العالم "بعد أن ابتدأ العالم محاولة التمييز بين الأجناس البشرية". وفي نهاية القرن التاسع عشر اكتشف الإنسان أن مفهوم "جنس" غير صالح للاستخدام!! وفي الوقت نفسه سادت الرومانسية كرد فعل على العقلانية، وأصبح مفهوم "الشعب" و"الشعبي" محط الاهتمام، وبخاصة ما أصبح يدعى "الروح الجمعية"، وبينما كان مفهوما: "الجنس" و"روح الجماعة" يلفظان أنفاسهما الأخيرة "ابتدع" العلم مفهوم "الكل" من جسد وروح! وابتدع الفكر الإنساني مفهوم "العضوية" ويقصد به التعامل مع الكيانات الجمعية من خلال تصوره مجازيا كجسد يمتلك خصائص شبه إنسانية، ومما يثير دهشة المؤلف أن بعض الكتاب العنصريين رأوا المجتمع الأبيض (الغربي) جسما، ولعب هذا المجاز دورا مهما في التاريخ. وأخذت الفكرة في الانتشار حتى أصبحت "نسقا اجتماعيا" يلعب الإنسان الآري فيه الدور الأهم، وقد لقي هذا الإنسان المتوحش مصرعه في الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب حصلت هذه القصة ومشكلة الأقليات، ربما لم تأخذ شكلا مأساويا، إلا أن المجتمعات الغربية صنعت من الأقليات مشكلة بطريقة عجيبة، وعزت إليها آثارا سلبية كثيرة، وقد كانت عودة هذا الفرد "الفوقي" مثيرة، لدرجة أنها أخذت مكانها في البحث العلمي. أسطورة فرانكشتين ومن مشهد النهاية إلى مشهد البداية ينتقل مهنا حداد في الفصل الأول من كتابه إلى "ما قبل تاريخ العنصرية"، وفيه يشير إلى أن الفكر الإنساني ابتدع مفهوم العضوية قياسا على أسطورة فرانكنستين (فرانكشتين) أو الوحش المغترب الذي لا يستطيع أن يتواءم مع مجتمعه. وتعبر مشكلة العرقية أو الجنس عن ذاتها في العصور الوسطى خلال الصراع بين المسيحية والوثنية في أوروبا وخارجها، ورغم التغير الذي ترافق مع عصر التنوير فإن الدين لعب دورا جوهريا في الفكر العنصري؛ فالمسيحي الجيد لا يرفض إنسانا بناء على انتمائه العرقي. وخلال العصور الوسطى لم يكن لفظ "المرابطون" يستخدم لوصف العرب أو المسلمين، بل كان يستخدم للإشارة إلى الجماعات اليهودية (السفارديم) التي تركت إسبانيا بعد سقوط حكم المسلمين، وكانت هذه الجماعات أهم الأقليات في أوروبا، واضطهدتهم الكنيسة بسبب ديانتهم لا غير، وكانت الديانة سبب اضطهاد اليهود منذ القدم، وعزت المعتقدات الخرافية لهم اتهامات كثيرة تثير حب الانتقام منهم، وحتى نهاية العصور الوسطى بقي الناس يعتقدون بوجود ما يسمى "الإنسان البري" أي الإنسان المتوحش، وسرعان ما تطورت الصورة إلى جنس شبه بشري من نسل الشياطين، وكان لهذه الآراء السلبية آثار سلبية عندما التقى المستعمرون والرحالة والمكتشفون بالشعوب الأخرى. ما بعد العصور الوسطى "وبعد انتهاء العصور الوسطى أخذت مجموعة من المتعلمين ترى غياب المسيحية عن الإنسان البدائي المتوحش مكسبا؛ لأن هذا الإنسان في رأيهم هو الذي لم يعرف الفساد"، ومن بين من نهجوا هذا النهج ميشيل دي مونتاني الذي دافع في كتابه "آكلي لحوم البشر" (1595) عما سماه "النسبة الحضارية قبل الكتابة"، وذهب أن البدائيين لا يؤمنون بالخرافات أكثر من المتحضرين، كما لاحظ أيضا أن الحرب عند المتحضرين أكثر عدوانية من غير المتحضرين. وكانت كتابات مونتاني هذه الأساس الأول لكتابات جان جاك روسو (1712 - 1778).
ووضعت العقلانية الأوروبية الناشئة نصب عينيها إنهاء العبودية، ولابد هنا من ذكر دراسة هنري بابتيست غريغوار حول حضارة الجماعات السوداء، فقد نفى عنهم الكسل والغباء والإيمان بالخرافات، لذا لم يكن هناك أصل للفكرة القائلة بأنهم أدنى مرتبة من البيض، ورفض بابتيست فكرة أن السود يقدمون العناية الروحية على أي شيء آخر؛ لأن البيض في الحقيقة يثقلون كاهلهم بالأعمال الشاقة. وقد كان الظل الذي قاد حركة التنوير للاهتمام بمشكلة الأقليات: الحقد المتبلور على اليهود، وقد كان فولتير (1694 – 1778) من أصحاب هذا الاتجاه، فلم يميز بين اليهودية والمسيحية، وكان يرى الكتاب المقدس بعهديه مجرد "سجل لسلسة من الجرائم"، أما اللاساميون فعبروا عن حقدهم ضد اليهود بمحاولة دمجهم. مفهوم الجنس الفصل الثاني عنوانه: مفهوم الجنس.. خطأ تاريخي"، ويفتتحه المؤلف بتأكيد أن الأحكام الدينية المسبقة لم تكن سوى مدخل لمتاهات واسعة ومرتبة حول الأجناس، وقد ذكر المفهوم بالمعنى العلمي عام 1648 عندما كتب فرانسوا برنير "تقسيم جديد للأرض بحسب أنواع الأجناس السكانية"، بعد هذا استعار الألمان هذا المفهوم كاستعارة لفظية. ولاحقا ظهرت تعريفات للمفهوم منها أنه "مجموعة طبيعية من الناس دامت بينهم خاصية وراثية واحدة، فهناك دائما فروق كبيرة أو صغيرة بين أفراد الناس"، وفي المقابل هناك من رأى (جوليان هكسلي مثلا) أن مفهوم "جنس إنساني" يخلق طريقة اصطناعية لجمع أفراد في مجموعات لا داعي للدفاع عنها، مضيفا أن هذا المفهوم نهاية الإنسانية. وبالتالي لا توجد في الحقيقة أية احتمالية لإثبات وجود ما يدعى "الجنس" إثباتا علميا، أما ما يوجد فهو "العنصرية"، وتبدأ بافتراض أن الأجناس موجودة واقعيا، ويجب نعت كل نظام ينطلق من مفهوم الجنس بأنه عنصري سواء كان سياسيا، أو علميا، أو إداريا. وبالنسبة لعالم التشريح بيتروس كامبر (1722 – 1789) كان علم الأجناس أقل مرتبة من الفن، وهو استخدم معطيات علم التشريح لخدمة الفن دون أن يدري أن عمله هذا ستكون له مردودات على الفكر العنصري. فقد أخذ في رسم خطوط الجمجمة وكتب: "عندما حصلت على جمجمة زنجي إلى جانب جمجمة الكالموك (إنسان منغولي) وقارنت بين هاتين وجمجمة أوروبي، وقابلت الجميع مع جمجمة قرد، رأيت ذلك الخط النازل من الجبهة إلى الشفة العليا والذي يبين الفروق بين أفراد الأمم، وكان الشبه بين جمجمة الزنجي وجمجمة القرد واضحا". ونتيجة ظهور علم الجمال آنذاك كان طبيعيا مناقشة "جمال الأجناس"، ولم يكن الزنوج نماذج مناسبة للفن؛ لأن أرجلهم ملتوية بسبب العبودية، ولم يف بأسس الجمال عنده إلا الإنسان الأبيض. وكان الصديق الحميم لكامبر العالم جوهان فردريش بلمونباخ (1752 - 1840) الذي اهتم أيضا بدراسة جماجم الأجناس المختلفة، وكان من أوائل من عزا الاختلاف في أشكال الجماجم لعوامل وراثية في جميع الأجناس. وقبل ذلك كان الأطباء يعتقدون في رأي هبيوقراط القائل بأن هذا الاختلاف مرده الطرق التي تتبعها الأمهات في وضع أطفالهن في الفراش، وقد بقيت الخصائص التي وضعها بلومنباخ الأساس الذي حدد سياسة قبول المهاجرين إلى أمريكا حتى بداية القرن العشرين، وركز بلومنباخ في دراسته للأجناس على مكان السكن، وكان مفهوم "الشعب" مساويا عنده لمفهوم "الجنس". الأكثرية العرقية تحت هذا العنوان يأتي الفصل الثالث من الكتاب ويتناول فيه الدكتور مهنا حداد متوالية تاريخية تكاد تكون أول مخطط تاريخي يتتبع الفكرة العنصرية في الثقافة الغربية الحديثة، ويضع يده على رافديها العلمي والماورائي، راصدا ما بينهما من تأثيرات متبادلة. هذا الفصل يناقش مرحلة تالية من مراحل الفكر العنصري انطوت فيه صفحة دراسة الجماجم، وجاءت مرحلة أخرى بدأت بالثورة الفرنسية، وبسبب تحول شعار "الحرية والإخاء والمساواة" عند التطبيق إلى ممارسات "فترة الإرهاب" من تاريخ الثورة الفرنسية، وتم تحميل "الصفوة الحضرية" المسئولية عن هذا الإخفاق؛ ومن ثم كان رد الفعل هجرة الكثيرين إلى الريف حيث توقعوا أن يجدوا في الريف بساطة الإنسان، وأدى هذا إلى طقس "الشعور الشعبي المريح"، وعبر هذا الطقس عن نفسه في الخرافات والفلسفة الشعبية والتراث الشفوي، وبهذا حاول الرومانسيون إصلاح الشعب. وكونت هذه الأحداث البداية البريئة ما يدعى "شعبية" أو طقس "وحدة الشعب"، ثم توجه الإحساس الشعبي بعد هذا لاستثناء مما هو غير الشعب أو ضد الشعب، وضمن ذلك اليهود الذين كان ينظر إليهم بوصفهم المثال الأشهر لهذه الاستثناءات. دماغ الشعب الفصل الرابع عنوانه: "دماغ الشعب" ويبدؤه بالتأريخ لدور الفيلسوف الألماني جوهان غوتليب فيختة (1742 – 1814) وهو واحد من أكبر الفلاسفة المثاليين الذين أنتجهم الفكر الألماني، وقد تمحورت أعمال فيختة حول أفكار أهمها "الأنا العليا"، وقد أراد تطبيق نظرياته فكتب عن "استعلاء الأمة"، وهو الذي أوجد القومية الألمانية. ويثير المؤلف قضية مهمة وهي مدى مسئولية أصحاب الأفكار النظرية عما يتأسس على أفكارهم من أوضاع سياسية، يقول الدكتور مهنا حداد: "بناء على ذلك نجد بعضهم ينقلون عنه كأنه اشتراكي وطني، أما الحقيقة في أنه، دون أن يتوقع شيئا، جاء ببعض الأفكار الضرورية لقيام الاشتراكية القومية وتطور الشعب، وبما أن الاشتراكية الوطنية لم توجد في عهده فلا يمكن أن نصف تفكيره بهذه الصفة.. ولا شك أن أفكار فيختة حول (الأنا المطلق) سوف تعطينا فكرة عن طبيعة الفرد المتفوق". ورغم أن الكتاب يؤرخ ويحلل بأكثر مما يقيم ويقوم فإن السؤال الأخلاقي يطل من بين سطوره دائما، لكن دون إجابة مباشرة. أصول المسيح الفصل الخامس من الكتاب عنوانه: "الجنس والحديث الفارغ"، ويشير فيه الكاتب إلى أنه منذ القرن الثاني عشر سادت في فرنسا فكرة أن الجنس هو ما يحدد الطبقات الاجتماعية وترتيبها، ويقصد بالجنس هنا: "مزيج من العوامل المناخية والانحدار السلالي". ويعد آرثر دو غوبينو (1816 – 1882) أهم نموذج للمفكرين المتمحورين حول مفهوم "الجنس"، وكان يرى الثورة الفرنسية خطرا على مستقبل فرنسا؛ لأنها رفعت شعار المساواة فهدمت البنية الهرمية للمجتمع، وسمحت لأناس ينتمون لطبقات أدنى بالزواج من الطبقة الأرستقراطية، وهو لهذا كان معاديا للديمقراطية والأديان! ولعل من المهم التوقف بصفة خاصة أمام الإنجليزي ستيوارت شامبرلين (1855 – 1927) وقد ولد في فرنسا وكان مولعا بالثقافة الألمانية! وهو بسبب هذا التأثير جعل الأمة فوق الكنيسة والدولة، وفي إطار إعادة التنظيم التي قام بها للمفاهيم والحقائق توقف شامبرلين أمام "الأصل العرقي للمسيح" مؤكدا أنه "لا يمكن أن يكون المسيح من أصل يهودي" مفضلا القول بأنه كان جرمانيا، وقد أصبحت مفاهيم شامبرلين مثلا للنظرية الاشتراكية القومية (النازية)، وكان هتلر من المعجبين به. ويتتبع المؤلف في كتابه كل الأدبيات والأفكار المهمة في تاريخ الفكر العنصري وصولا إلى الفصلين: العاشر: "الأقليات اليوم"، والحادي عشر: "الغرب والمسلمون فيه.. عنصرية أم إشكالية حديثة"، وفيهما محاولة لفهم واقع الأقليات -وبخاصة المسلمين- في أوروبا وجذور أزمتهم. مدارك 11-04-2009 ------------ *صحفي مصري .