العمران الأعلى: القبض على شخص يعمد إلى نزع أدباشه والتجاهر بالفاحشة أمام مبيت جامعي    عاجل/ جمايكا تعترف بدولة فلسطين    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    صعود ركاب المترو عبر باب مهشّم: شركة نقل تونس توضّح    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    فاطمة المسدي: ''هناك مخطط ..وتجار يتمعشوا من الإتجار في أفارقة جنوب الصحراء''    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    خلال 24 ساعة فقط.. وفاة 21 شخصًا    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    بنزرت : تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    أمام وزارة التربية: معلمون نواب يحتجون حاليا ويطالبون بالتسوية العاجلة لوضعيتهم.    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل حركة النّهضة التّونسيّة "ديمقراطيّة"؟ : خَمِيس بن علي الماجري


الإسلاميّون "الدّيمقراطيّون" دراويش مخدوعون
إنّ الإسلاميّين الذين يعتقدون أنّ"الدّيمقراطيّة" ما هي إلاّ آليّة وصول إلى الحكم أو تداول عليها ما هم إلاّ "دّراويش" خادعهم الدّيمقراطيّون ليلحقوهم بهم
حضاريّا، ومن ثمّ تراهم يتعمّدون إغفال أنّها منظومة غربيّة فكريّة وإيديولوجيّة متكاملة، أوصلت الغرب نفسه إلى طريق مسدود على كافّة الأصعدة، هذا الغرب المتمرّّد على القيم الدّينيّة والمستسلم أمام الحرّيّات المطلقة المبيحة لكلّ شيء طالما يحقّق مصلحة سياسيّة، هذا الغرب المتّفق على منع الإسلاميّين من الاستفادة من هذه "الدّيمقراطيّة" أبدا إلاّ أن يكونوا أداة في يد الأمريكي، ولاعبا ضمن مخطّطات إسرائيل كما هو حال حزب العدالة والتّنمية في تركيا.
لقد استدرج الإسلاميّون الدّيمقراطيّون في خطّة الاحتواء و التّلهية وراء الوهم والسّراب الخادع بإفساح المجال لهم بالمشاركة في الحياة السّياسيّة، لأنّهم ما عادوا يقبلون بتجربة الجزائر التي تحالف فيها كلّ الدّيمقراطيّون على "الدّيمقراطيّة" التي جاءت بالجبهة الإسلاميّة للإنقاذ إلى الحكم، بل عاقبت الفائزين بالاستئصال ولم تذرف دمعة ديمقراطيّة غربية واحدة على اغتصاب إرادة الشّعب الجزائريّ المسلم.
إنّ المسلم له مرجعيّة كاملة ومشرّفة تفرض عليه الشّهادة على النّاس ولا يكون ملحقا أبدا في كلّ الأحوال، ولست هنا من خلال هذه المقدّمة لأبيّن بطلان شرعيّة الدّيمقراطيّة أو أنّها سبيلا يوصل الإسلاميّين إلى الحكم، ولكنّي سأناقش "الدّيمقراطيّين" الإسلاميّين المخدوعين بها "مجاراة" لهم عملا بقول الله تعالى:"قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ" الزخرف 81

قواعد ديمقراطيّة لا يجوز أن ينساها "الدّيمقراطيّون":
بحسب ثوابت "الدّيمقراطيّة" وقواعدها، لا يمكن أن نصف جماعة بشريّة ما أنّها "ديمقراطيّة" إلاّ أن تحتكم فيها للأكثريّة في ظروف طبيعيّة عبر تداول سلميّ للسّلطة ويتمتّع فيها أفرادها بكافّة حقوقهم الأساسيّة. هذا فضلا عن ممارسة حرّيّاتهم كاملة وأن تتساوى فيها الفرص داخل تلك المجموعة وأن تحاسب المخالفين لتلك الأسس، هذا زيادة على شفافيّة كشف تملّك تلك المجموعة المال ومصادر حوزته وصرفه.
فهل هذه المبادئ يجدها الباحث في حركة النّهضة التّونسيّة التي لا يزال رئيسها الأستاذ الغنّوشي في كلّ مناسبة يصرّ على صفة حركته السّياسيّة ويحرص على الظّهور بأنّها "ديمقراطيّة"، ويقصر استدلاله على ذلك بترأّس حركته ستّة أفراد تناوبوا على رئاستها طيلة 40 سنة.
وكان آخر تلك التّصريحات ما جاء على لسانه في برنامج "الصّميم" الذي بثّته قناة ب، ب، س، العربيّة مساء يوم الاثنين 23 مارس (آذار) 2009، استضافه الإعلامي المتميّز حسن معوض.
وممّا جاء في قوله:"... ألا تعلم أنّ النّهضة مرّ عليها ستّ رؤساء الجبالي، اللّوز، كركر، العكروت، والبنّاني وبن سالم وشورو ...." ودون ذكره بالطّبع لكلّ الأسماء فضلا عن الظّروف التي أحاطت بتلك الرّئاسات بدقّة، ومعلوم أنّ التّعميم المقصود في الكلام يوقع في المغالطة والتّشويش، والقائد الجادّ والمسؤول الحريص على جلب الاحترام والتّقدير له، لا بدّ أن يسلك في خطابه منهج الوضوح والشّفافيّة وأن يخلّصه من التّكلّف الغامض والإجمال الملبس الَّذَيْنِ يوقعان النّاس في الحيرة والتّخبّط والاشتباك والتّضليل.
إنّ هذه التّصريحات تفرض عليّ كرافع للواء الإصلاح في بلدي، أن أكشف عن الحقيقة كاملة وأصارح الرّأي العام ولا أخدعهم بالسّكوت عن هذه "المغالطات" وأن أبيّن عمق أزمة خطاب القوم في ازدواجيّته 1 ومواربته الحقّ و مجانبته الصّواب، لأنّ السّكوت عن تلك الدّعاوى وغيرها يبخس قيمتنا الإنسانيّة ويطعن في رجولتنا.

حركة نهضة المهجر وتشبّعها ب"الدّيمقراطيّة"
الأصل في تصوّر أمير النّهضة ومزاجه، أن يترأّس حركته ولا يزاحمه فيها أحد، ولعلّ أهمّ أسباب ذلك، ودون طعن في النّوايا:
1 تخبّط بين ما هو سرّيّ علنيّ، ولقد عبّر عن ذلك في أكثر من مناسبة بقوله:" إنّ قيادة الإخوان ما إن تخرج من السّجن حتّى تعود إلى مواقعها" أو كقوله يوم أن استقال أحد الإخوة في المهجر:" إنّ هذه الحركة لا تتأثّر باستقالة أيّ قائد، إلاّ واحدا وهو يشير إلى نفسه"..... وغير ذلك كثير لا يحصى ولا يعدّ.
2 أنّ البيعة أخذها هو أو من نوّبه عن كلّ أفراد الحركة، فكيف يمكن في تصوّره أن يكون الرّئيس غير الأمير المُبايَع وبصفة مؤبّدة؟ وهذه هي المعضلة الكبرى التي تعاني منها الحركات السّرّية العلنيّة.
3 ارتباطه العضويّ ببيعة التّنظيم الدّولي للإخوان المسلمين الذي يحتّم عليه أن يكون ممثّل تونس الدّائم.
ومن ثمّ رأينا حرص الرّجل عليها و تمسّكه بها ومزاحمته عليها، والغريب أنّه يتولاّها وهو ليس له حقّ دستوريّ فيها، والأغرب من هذا أنّه وهو محاط به في السّجن سنة 1981 لمّا بلغه أنّ الحركة لم تعيّن رئيسا وإنّما أمينا عاما، أرسل إلينا يستوضح عن وضعيّته، هل لا يزال الرّئيس الأمير أم لا؟ هذا في حين أنّه لم تعرف الحركة طول رئاسته إلاّ الكوارث التي كانت الأسباب المباشرة للمواجهات المفتوحة المتكرّرة ضدّ السّلطة والتي منها الانكشافان التّنظيمان القاتلان: 5 ديسمبر 1980 و 6 جويلية1986. 2
إنّ الحزبيّين عادة ما يستخدمون كلمات استخداما غير صحيح ودون وصف
دقيق، فلماذا تتعمّد هذه التّصريحات طمس وتغييب بعض الأسماء التي ترأّست الحركة في مراحل معيّنة و بصفة مؤقّتة كسعيد المكرازي وعبد الرّؤوف بولعّابي والفاضل البلدي الذي ترأس الحركة ثلاثة أشهر من تاريخ المحاكمة الأولى في جويلية 1981، إلى حين اختيار حمّادي الجبالي.
أليست هذه حقائق تاريخية لا يمكن لأيّ شخص أن ينكرها، ومن أنكرها فقد أوقع نفسه في شبهة.
فهل لأنّ الفاضل البلدي مثلا استقال من الحركة ينتزع منه حقّ تاريخي في فترة تاريخيّة معيّنة. فهل الدّيمقراطيّ يسلب النّاس أشياءهم ويتنكّر للحقائق التّاريخيّة؟
ثمّ ما هذه "الحنّيّة" على صالح كركر، وقد فصل من نهضة المهجر، في إجراء لا "ديمقراطيّ" و في بادرة غير مسبوقة ولا أخلاقيّة ولا سياسيّة بالمرّة؟

تواريخ تسلّم الإخوة رئاسة الحركة:
تراّسها الغنّوشي منذ أفريل1972 بتقطّع يسير عندما انتقل إلى القيروان فتسلّمها الأخ سعيد المكرازي.
راشد الغنّوشي في المؤتمر التّأسيسي سنة 1979إلى جويلية 1981.
عبد الرّؤوف بولعّابي بعد الانكشاف الأمني الذي حدث في 5 ديسمبر 1980
إلى شهر جويلية 1981
الفاضل البلدي من جويلية 1981 إلى أكتوبر 1981. عيّن من طرف مجلس الشّورى.
حمّادي الجبالي من أكتوبر 1981 إلى فاتح شهر أوت 1984. عيّن من مجلس الشّورى.
الغنّوشي من نوفمبر1984 إلى 1987 اختير من مؤتمر استثنائي انتخابي.
صالح كركر من صيف1987 إلى أكتوبر 1988نظريّا، لأنّه خرج من تونس.
لجنة تنسيق يشرف عليها آخر عضو تبقّى من المكتب التّنفيذي هو الأخ جمال العوّى من أكتوبر 1988 إلى أفريل 1988: بتفويض من صالح كركر.
الصّادق شورو من أفريل 1988 إلى تاريخ إيقافه مارس 1991. وقع اختياره من مؤتمر استثنائي، وهذا الاختيار هو الاستثناء الوحيد الذي اختير فيه شخص من مؤتمر إلى جانب الأستاذ الغنّوشي.
تولّى التّنسيق بعد اعتقال شورو الأخ محمّد القلوي، حتّى خروج محمّد العكروت من السّجن في أواخر شهر مارس وعيّن من ما يسمّى مجلس الشورى3 وبقي أسبوعا كاملا ثمّ أحيط به من جديد.
محمّد بن سالم من أفريل 1991 عيّنه ما يسمّى مجلس الشّورى، ولم يبق إلاّ شهرا واحدا، ثمّ تسلّل إلى الخارج بقرار.
الحبيب اللّوز من جويلية 1991 إلى سبتمبر 1991 تاريخ إيقافه. عيّن من طرف ما يسمّى مجلس الشّورى.
نورالدين العرباوي تحمّل أسبوعين وقبض عليه في أكتوبر1991
وليد البنّاني وقع تعيينه في الخارج باعتباره رئيس ما يسمّى مجلس الشّورى.
الغنّوشي: من تاريخ تسلّل الوليد إلى الخارج نوفمبر 1991 إلى تاريخ كتابة هذه الشّهادة.
هذه تفاصيل مهمّة وأرجو أن لا تكون مملّة، تبيّن حقيقة تداول ما يسمّى"الرّئاسة" التي جاءت لترمّم تنظيما مخترقا، لم تشتغل قيادته إلاّ لملاحقة يوميّة لوضع أمنيّ أعاصيريّ متسارع.

البيانات الصّادرة عن الحركة حجّة لي وعليهم
ومتابعة لبيانات الحركة في الفترات العصيبة 1987 و1990، يتبيّن لك أيّها القارئ الكريم دقّة ما أقول، فالصّادق شورو المنتخب الوحيد في غياب الغنّوشي من مؤتمر، اختير كأمير للجماعة السّرّية، وليس رئيسا لحركة سياسيّة، والدّليل أنّه لم يمض بيانا واحدا بصفة رئيس! بل كان الأستاذ راشد نفسه في تلك الفترة هو الذي يمضي باسمها منذ خروجه من السّجن فهو الذي أمضى مثلا بيان 7 نوفمبر 1988 يمدح فيه تغيير السّابع من نوفمبر ورجله وانجازاته، كما أمضى بيان 28 مارس 1989 تحت عنوان "دعوة إلى الرّشد" وبيان 6 أفريل 1989 المتعلّق بالانتخابات التّشريعيّة.
وبعد خروجه من البلد، اضطرّت الحركة أن تمضي بياناتها بعبارة "عن حركة النّهضة" أو عن المكتب التّنفيذي عبد الفتّاح مورو أو علي العريض"، قطعا للطّريق أمام الأستاذ الذي غادر البلاد غاضبا حسيرا، ورغم ذلك فقد كان يصدر البيانات ويتحرّك بصفته"الرّئيس" كالبيان المتعلّق بتهنئة الشّيخ عبّاسي مدني بتاريخ 13 جوان 1990، بمناسبة فوز حزبه بالانتخابات البلديّة والولائيّة في الجزائر.
فالحاصل أنّه لم يمض من تلك الأسماء التي ذكرها الأستاذ أيّ أحد منهم ممّا يدلّل أنّهم ليسوا رؤساء، بل ما هم إلاّ رجال مسكوا الجهاز من الوقوع في فراغ " دستوري"، والأخ الوحيد الذي أمضى بيانات في فترته وبدون صفة رئيس هو الحبيب اللّوز ، ولم تتجاوز الأربعة في دورته التي لم تتجاوز السّتّة أشهر، جاء البيان الأوّل بتاريخ 24 ماي 1991 تحت عنوان "مؤامرة من ضدّ من؟" والثّاني"بيان الشّهيد عامر الدّقّاشي" بتاريخ 14 جويلية 1991، والثالث في صيغة "بلاغ تحت عنوان استشهاد فتحي الخياري" بتاريخ 08 أوت 1991، والأخير هو "فلسطين أمانة في أعناقنا" بتاريخ 28 أوت1991.
ومنذ شهر مارس 1991 والأستاذ راشد يمضي على بيانات الحركة بصفة رئيس دون أمر دستوريّ إلاّ ما تعيشه الحركة من فوضى السرّية العلنيّة، الأمير الرئيس، ففي 27 جوان1991 أمضى بيانا باللّغة الفرنسيّة إلى رئيس مفوّضيّة حقوق الإنسان بهيئة الأمم بجنيف.
إنّ كلّ تلك "الرّئاسات" التي طرأت على الحركة في سنوات الصّدام مع السّلطة 1981 1987 ، 1991 ما هي في الحقيقة إلاّ تعيينات لسدّ شغورات لمراحل استثنائيّة مؤقّتة في ظروف قاهرة وصعبة وقاسية ودقيقة وحاسمة، لم تقرّر فيها "ثوابت الدّيمقراطيّة"، ولم تشارك فيها القاعدة العريضة أو مؤسّسات مكتملة في ظروف طبيعيّة.
إلاّ أنّه لا بدّ أن نقرّر أنّ أطول فترة لتلك الشّغورات كانت للأخ حمّادي الجبالي الذي تحمّلها من أكتوبر 1981 إلى فاتح شهر أوت1984 تاريخ قرار عفو رئاسيّ قدّم على إثرها استقالته تاركا المجال"لعودة" الغنّوشي لرئاسة الحركة رغم النّداءات المتكرّرة والعديدة من الكثير من القيادات لنزع الثّقة من الأخير لعدم كفاءته وأهليّته لإعادة تحميله أمانة رئاسة الحركة وعدم تسليمها له.
لقد ضيّعت الأوقات الثّمينة وصرفت الأموال الضّخمة من أجل أن يرجع "الأمير" إلى موقعه، وانعقدت مؤتمرات المناطق من أجل مؤتمر عام استثنائي انتخابي فحسب، في نوفمبر1984.
وحيث لم يفعل"الصّادق شورو" ما فعله حمّادي الجبالي، لأنّ الأوّل اختير من مؤتمر فقد أوقعه الأستاذ "الغنّوشي" في حرج لمّا رفعت الإحاطة به سنة 1988 ، حيث طالبه بها سنة 1989 دون موجب و مبرّر. ولمّا لم يستجب لرغبته في العودة إلى رئاسة الحركة خرج من البلاد دون إذن من أحد ، وأرسل إلينا نصّا غريبا في نصف ورقة يتّهم فيها المؤسّسات بالضّعف، وأنّ من الخيانة أن يولّى على النّاس أحداً وفيهم من هو خير منه." وهو يقصد نفسه بالطّبع !!! ومارس في الخارج صلوحيّات "الرّئيس" وفرض على الحركة أسلوب عمله واختياراته، ممّا جلب علينا في الدّاخل ارتباكات ضخمة وكوارث عظمى، ليس الآن مجال ذكرها.
أمّا الباقون ممّن يسمّونهم رؤساء فلم يكونوا رؤساء لحركة مكتملة لكلّ هياكلها المعروفة، حتّى يمكن أن يقال فعلا هم رؤساء حقيقيّون لهم صلوحيّة رئيس، هذا فضلا على أنّهم لم يبقوا في موقعهم ذلك إلاّ أسابيع معدودة كما حصل مع كركر وبن سالم والبنّاني أو أسبوعا واحدا كما هو الحال مع العكروت، أمّا الحبيب اللّوز فقد استمرّت دورته ستّة أشهر، فكيف يحكم عليهم بأنّهم رؤساء؟ وكيف يصفون أنفسهم بأنّهم "ديمقراطيّون"؟...
لقد تولى كلّ هؤلاء الإخوة "سدّ الشّغور" في ظروف غير طبيعيّة و في مراحل لا استقرار: ظرف انكشاف وصراع وخوف فهم بالتّالي لم يأتوا لقيادة حركة، بل
لحفاظ ما يمكن الحفاظ عليه من تنظيم مستهدف، في ظروف أمنيّة حرجة. إذ كيف يكون الواحد منهم رئيسا في حركة "ديمقراطيّة" وهو سرّيّ لا يعرفه النّاس، بل لا يعرفه أعضاء الحركة الذين شرّدوا أو سجنوا؟ كيف يكون رئيسا من يعمل في الخفاء وهو لا يمتلك سلطة إلاّ بالاسم؟ كيف يكون رئيسا وهو لا يستطيع أن يحمي نفسه وهو مهدّد في كلّ لحظة بالاعتقال؟ ثم دعوى أنّ هذه هي ديمقراطية فكم عدد الأفراد الذين اختاروا هؤلاء الرّؤساء؟
إلاّ أن يكون للقوم تعريف خاصّ للدّيمقراطيّة! فهل "الدّيمقراطيّة"تقبل بالتّعيين؟
من العيب أن يخلّط على النّاس لأنّ الأسماء المذكورة ما ترأّسوا إلاّ تنظيما سرّيّا ولا حزبا سياسيّا؟ وكيف يتشبّع قوم بالديمقراطيّة وليس لهم مؤسّسة قضائيّة قويّة مستقلّة تمنع الفوضى؟
وهاهي تلك الحركة في المهجر منذ 20 سنة ولم تستثمر تواجدها في المهجر "الدّيمقراطيّ"؟ بل اتّسمت هذه المرحلة بحالة من الصّدام الدّاخلي المرير والتّصدّع الأخلاقي المريع؟ فلم تقرّ للفرد حقّ التّعبير ولم توفّر الكرامة للمعارض داخل الجهاز ، بل شيّد منتفعو الحزب وأدواته أسوارا منيعة لمنع الإصلاح و النّصح والمعارضة المسئولة؟ فمن الذي قاد كلّ هذه الفترة؟ أليس هو رئيس واحد؟ وهذا الرّئيس الأمير، صار له اليوم منذ 1972 ما يقارب 30 سنة، حكمها في كلّ مراحلها: السّرّ العلن ما قبل النّشأة النّشأة مرحلة الدّعوة التوسّع والانتشار الإعداد للثّورة الانقلاب الفشل ما بعد الفشل المهجر؟ فهل من المعقول أن تقاد حركة"ديمقراطيّة" من رجل خلال كلّ هذه المراحل وبمثل هذا العدد من السّنين؟ كيف تكون ديمقراطيّة و قد استفرد الأمير فيها بمواردها الماليّة، ولا يحاسب فيها ولا يعرف أتباعه ثروته وهو المتفرّغ منذ أواخر السّبعينات، ومعاشه من تلك الحركة؟ كيف تكون النّهضة ديمقراطية وليس لرئيسها حدّ في دورات الرّئاسة؟ وهل الحكم بديمقراطيّة الحركة لمجرّد سدّ شغور في ظروف صعبة وحادّة؟ كيف تكون حركة ديمقراطيّة وليس فيها تعايش، ولا تجد بين قياداتها إلاّ الحذر وتمشية الحال والتّوتّرات السّائدة و قد تفشّى التّناجي بين قياداتها عجزا عن ممارسة "الدّيمقراطيّة" تفاديا للاحتكاك بالزّعيم المحصّن بحاشية ضعيفة خوفا من ردود فعل بائسة؟ كيف تكون "ديمقراطيّة" وقد فارقها الآلاف من أبنائها الذين يشتكون من دكتاتوريّة متوحّشة؟ كيف تكون ديمقراطيّة وقد صارت "حزبا" تنكّب "التّكفير" و" التّخوين" للنّاصحين فلم يقبل شراكة من أيّ أحد، و تلبّسه الغرور والعناد فلم يقبل نصحا من رفاق الأمس؟

لا زالت حركة النّهضة تدفع ثمن "الزّعيم" النّزّاع عن الرّئاسة
لقد ظلّ الغنّوشي الرّئيس القهري يمارس فيها سلطة مطلقة على الحركة منذ 1972 إلاّ في ظروف قطّعتها الإحاطة به، ومنذ 1988 يمارسها بدون حقّ دستوري،
و لمّا انتقل إلى الخارج مارس كلّ صلوحيّات الرّئيس إلى لحظات كتابة هذه الشّهادة، ووالله إنّه ليقدّم نفسه في المهجر على أنّه الرّئيس حتّى بحضور الأخ الصّادق شورو الرّئيس "الشّرعيّ" المنتخب من مؤتمر.
لقد جرّ الأستاذ علينا في الدّاخل الويلات بسبب اندفاعاته وحماساته ومغامراته وهو يتجوّل في الخارج بين صدّام حسين وإيران والسّودان والجزائر وغيرها من بلاد الغرب كلّه، مستخدما أدوات إكراه متعدّدة لفرض نفسه، أهمّها سلطة "البيعة" ومصادر المال و إبعاد الكفاءات وأسلوبه الثّوري الذي يغري به العواطف ويلهب بها حماسة الشّباب الجامعي والتّلمذي المغامر.
إنّ الحركة "الدّيمقراطيّة" هي التي تستفيد من أخطائها و تعمّق مراجعات تصحيحيّة لها، و تتّخذ مواقف صريحة وواضحة تعالج فيها أهمّ إخلالاتها دون تردّد أو مجاملة أو خوف؟
وإنّ أهمّ ما يعاني منه ذلك الجهاز أنّه صار "حزبا"، تتنازع فيه الأهواء إلى الزّعامة بالهيمنة فلم يشهد عمليّة "ديمقراطية" داخليّة ولم يتوفّر فيه جوّ عام من الحرّيّات يسمح بالمنافسة السّياسيّة بين أفرادها، بل لم يوطّن مناخه ولم يستنبت نباته ولم تهيّئ تربته الصّالحة فلم تتخلّص الأنفس فيها من العاطفة ولم يتعرّف فيها كلّ أفراد الحركة على بعضهم وعلى أطروحاتهم وعلى مناهجهم.
فالحاصل أنّ كلام الأستاذ ردّه الله إلى الحقّ والعمل به يندرج ضمن التّضليل، والشّعارات السّياسيّة الاستهلاكيّة، وإن كان ينطلي على العدد القليل من المفتونين به من النّاس فإنّه لا ينطلي على العقلاء وعلى الحقّ والتّاريخ.

إنّ تلك المقولة التي رددنا عليها وفنّدّاها لا يصدّقها أحد، فما هي في الحقيقة إلاّ دعوى حزبيّة تندرج ضمن ازدواجية خطاب القوم، عبر تهريج إعلامي وسياسي هروبا من الحقيقة و استماتة في التّعامل مع التّمنّيّات و الاستجابة لضغوط مرحلة السّراب الخادع، هدفها الوحيد هو إكساء الصّبغة السّياسيّة لحركته لعلّها تقبل طرفا في صفقة اللّعبة السّياسيّة.
على كلّ حال أدعو الغنّوشي أن يتّقي الله تعالى، وأن لا يلبّس الحقّ بالباطل، ولا
يضلّل الخلق، وأن يسلك سبيل الوضوح والصّدق، فهما الموجبتان للاحترام والتّقدير!!! وليذكر قول الرّسول صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم:" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"4، وأن لا يحرّف بالإسلام نحو أهدافه الحزبيّة ورغباته الشّخصيّة وأن يكفّ عن الاستجابة لظروف المرحلة فيلوّن خطابه الحامل للتّناقض، فلقد فعل أمثاله من قبل فلم يفلحوا، لمّا لوّنوا الإسلام في زمن سيطرة الاشتراكيّة بأنّ الإسلام اشتراكيّ، وفي زمن سيطرة الثّوريّة بأنّ الإسلام ثوريّ، واليوم يدندن "المتلوّنون" بأنّ الإسلام ديمقراطيّ، بل إنّ الدّيمقراطيّة هي بضاعتنا التي ردّت إلينا، حتّى يقبل من طرف العدوان أنّه معتدل ووسطيّ، ويوظّف في اللّعبة السّياسيّة لمقاتلة إخوانه الذين يخالفونه.
إنّي أؤكّد على دعوة الإخوة في حركة النّهضة الغير الحزبيّين وخاصّة رجالها في الدّاخل أن يتحمّلوا مسؤوليّتهم الكاملة في البيان والعمل مساهمة منهم في حلّ أعظم أزمات تلك الحركة، وهي:
1 أنّها صارت "حزبا" لا تجد فيه إلاّ العواطف والولاء للشّخص الذي لم تتوفّر فيه شروط "القائد".
2 حزب يفتقر إلى العقل الإستراتيجيّ المتجاوز لضيق المراحل والمستجيب إلى ردود الأفعال المتشنّجة.
3 حزب يفتقر إلى سيادة المؤسّسة القويّة التي تمنع الفوضى وتحدّ منها.
4 حزب خلا من الفرد العلميّ الذي يزن الأشياء والأشخاص على ميزان العلم والرّشد الحاميين من الزّيغ والضّلال.
إنّ العاقل والمريد للخير، لا يضيق من تعقّبنا لحقائق تاريخيّة، ومن معالجات أخطاء تجربتنا، ومصارحة تحصي السّلبيّة دلالة على صحّة تفكيرنا طالما نستهدف تلافي ضيق الماضي وتجاوزه، وكلمات مكتوبات تبني خير من همسات في الظّلام تهدم.
إنّي لا أزعم أنّي أمتلك الحقيقة ولكنّ هذه شهادة صدق، سردت فيها حقائق قد تثقل على بعض ضيّقي العقول الذين يقلقهم قولنا ولا يجزعون لواقعهم. إنّه إذا أردنا أن نصنع غدا أفضل فلا بدّ من أن نتحرّر من الولاء للأشخاص وللعواطف.
إنّ هذه الشّهادة يمكن أن تعدّ وثيقة يرجع إليها كلّ محايد منصف ونزيه يتتبّع الحقّ بدليله معتمدا على البحث العلمي الموثّق بالحجّة المحكمة.
وما هذا إلاّ قول حقّ يندرج ضمن اجتهاد أؤجر عليه ولو أخطأت، بغيتي أن تعالج تجاربنا بجدّ وحزم، ولا نترك مجالا لسيادة الفوضى والعواطف والمجاملات الدّائمة وتجاوز عقدة الزّعامة التي لا تحترم المؤسّسات، وإن استمات قوم على أنّهم ديمقراطيّون فإنّما بإخضاعها على أمزجتهم الشّخصيّة المتماهية في "ديمقراطية" عالم ثالث متخلّف، وصدق الله تعالى إذ يقول:" أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا"5..

باريس في 18 أفريل 2009
1 بين ما هو سرّي علني بين ما هو ديني ديمقراطي.
2 لقد كانت الحركة تعمل في كنف الأمن والهدوء والاستقرار، ولم تتّخذ السّلطة منذ السّبعينات والثّمانينات أيّ إجراء ردعيّ تجاهها لمحاصرتها، بل كانت تغضّ الطّرف عنها وتعينها في بعض الأحيان فقد كانت الحركة تطبع مجلّة "المعرفة" التّابعة للحركة بالشّركة التّونسيّة للطّباعة وفنون الرّسم التّابعة للحزب الحاكم. وبعد انكشاف ديسمبر 1980 تغيّر الحال لأنّ السّلطة اكتشفت تنظيم دولة.
3 لأنّ هذا المجلس لم يكن "دستوريّا" لأنّ ثلثي أعضائه لم يقع اختيارهم من مؤتمر.
4 رواه : أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود عن أسماء بنت أبى بكر . ومسلم عن عائشة . والطبراني عن سفيان بن عبد الله الثقفي عن أبيه . العسكري في الأمثال عن أبى هريرة)حديث أسماء بنت أبى بكر : أخرجه أحمد (6/345 ، رقم 26966) ، والبخاري (5/2001 ، رقم 4921) ، ومسلم (3/1681 ، رقم 2130) ، وأبو داود (4/299 ، رقم 4997) . وأخرجه أيضًا : الحميدى (1/152 ، رقم 319) ، وإسحاق بن راهويه (1/132 ، رقم 28) ، والنسائي في الكبرى (5/292 ، رقم 8921) ، وابن حبان (13/48 ، رقم 5738) ، والقضاعى (1/204 ، رقم 309) ، والطبراني (24/121 ، رقم 324) ، والبيهقى (7/307 ، رقم 14571) .حديث عائشة : أخرجه مسلم (3/1681 ، رقم 2129) . وأخرجه أيضًا : أحمد (6/167 ، رقم 25379) ، والنسائي في الكبرى (5/292 ، رقم 8920) ، والطبراني في الصغير (2/222 ، رقم 1064) .
5 فاطر 8.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.