بيرد الفجرنيوز إنّ المتتبّع للمشهد الإعلامي الوطني اليوم المكتوب منه والمقروء يلاحظ تفشّي ظاهرة خطيرة جدّا ألا وهي طغيان الحديث عن القضايا العدليّة والجرائم، فبعض الصّحف تجعل من نشر هذه الجرائم مادّة رئيسيّة ضمن اهتماماتها مع التّركيز خاصّة على القضايا الّتي تبدو غريبة ومثيرة للغرائز بتركيزها على ظواهر الجنس والاغتصاب وغيرها. هذه العدوى انتقلت أيضا إلى الإعلام المرئي من خلال عدد من البرامج ما فتئ يتضاعف سواء على القناة التّلفزيّة الخاصّة أو على القناتين العموميّتين. فبين برنامج نصّب نفسه أحيانا سلطة فوق السّلطات وأحيانا أخرى قوّة تنفيذيّة للقانون تفوق قدرات جيش من العدول المنفّذين مرفوقين بفيالق من القوّة العامّة جاعلا من خصومات النّاس والنّزاعات القضائيّة مادّته الرّئيسيّة وبين برنامج جعله أصحابه وسيلة مصالحة بين النّاس وتبادل مجانيّ للمجاملات بينهم أحيانا، بين الجار وجاره والأب وابنه والزوج وزوجته والأخ وأخيه ليجعل من ذلك وسيلة إثارة وشدّ للانتباه ولو كان ذلك بهتك أسرار البيوت... بين كلّ ذلك يتوه المشاهد وتتوه معه بوصلته القيميّة والأخلاقيّة ويتبخّر ما بقي له من ثقة في مجتمعه وفي آليّات تنظيمه وحمايته. فبأحد هذه البرامج صُعق الكثير من المشاهدين وهم يُتابعون حالة امرأة تتحدّث باعتزاز وفخر عن مغامرتها بالفرار مع شخص لتقيم معه في "قنال" وتنتهي المسألة "بفضيحة" حمل لم تكن الأولى في عائلتها لتجد العائلات نفسها أمام أمر واقع وهو تزويج الشّخصين... كلّ هذا وسط تصفيق الجمهور الحاضر وتفاعل مُنقطع النّظير من مُنشّط البرنامج الّذي لم يُخف إعجابه الشّديد بالتّجربة في مُباركة واضحة لهذه المغامرة الّتي شبّهها باطلا بقصص الحبّ المُخلّدة في تراثنا الشّعري العربي... وغير هذا كثير ممّا لا نحتاج لتعديده فهو معروض على شاشاتنا يوميّا بل إنّ هذه البرامج يتمّ إعادة بثّها لأهمّيتها في تقييم المشرفين على قنواتنا. إنّ هذه المظاهر الطّاغية على مشهدنا الإعلامي تقضي منّا مجموعة من الملاحظات: * فهذه البرامج هي نسخ منقولة عن برامج بُثّت أو تُبثّ في قنوات أجنبيّة غربيّة فتصوّرها وصياغتها ليسا نابعين من روح مجتمعنا وقيمه وآدابه في التّعامل وحتّى عقائده الدّينيّة، ولعلّ هذا الجانب هو ما يجعل ما نعتبره من كبائر المحرّمات يصبح محلّ حديث وتندّر وإعجاب في هذه البرامج فعقوق الوالدين يُصبح أمرا مقبولا ويحتاج تنازلات من الأبوين والاعتداء على الأخلاق الحميدة والوقوع في ممارسات محظورة تصبح "حاجة حلوة برشا"... وهكذا * إنّ نفس هذه البرامج تتكرّر على الأقل بين القناتين الخاصّة والعموميّة وذلك في نسختين متطابقتين تقريبا فقط مع بعض الاختلاف الطّفيف النّاتج عن شخصيّة مُقدّم البرنامج ممّا يدفع على التّساؤل على السّر الكامن وراء الالتقاء على هذه الاختيارات وإذا ما كان التّركيز على هذه النّوعيّة من البرامج أمر مُوجّه وحامل لأهداف محدّدة. * إنّ من يقوم بإنتاج هذه البرامج للقناة العموميّة هي شركة خاصّة تتعامل مع هذه القناة على قاعدة تجاريّة بحتة وفي هذه الحالة فإنّنا نتساءل: بأيّ حقّ يتولّى القائمون على هذه المؤسّسة العموميّة الّتي تمول بالكامل من جيب المواطن سواء عبر الميزانيّة السّنويّة للدّولة أو من خلال ما يرافق فاتورة الكهرباء من معاليم تُدفع لفائدتها التّفويت في مساحات كبيرة من زمن البثّ لفائدة خواص لا يهمّهم من المسألة إلاّ ما تغدقه عليهم من أرباح. فالتّلفزة التّونسيّة ملك عموميّ المفروض أنّها مُوجّهة لخدمة أصحابها الحقيقيّين الّذين هم أبناء الشّعب إذ كان أحرى بهذه القناة الفضائيّة الّتي تعكس سمعتنا في كلّ العالم أن تملأ هذا الوقت ببرامج تثقيفيّة حقيقيّة وملفّات تكون في مستوى شعار حرّية الإعلام فتثير الغبار على الكثير من المسكوت عنه في مجالات الحرّيات والدّيمقراطيّة ومقوّمات الحكم الرّشيد وقضايا التّشغيل والتّنمية الجهويّة وحقيقة وضع البلاد في خضمّ التّحوّلات والهزّات الدّوليّة... كلّ هذا بدل التّحوّل إلى وسيلة لنشر غسيل النّاس أمام الشّعب وغسيل هذه البلاد أمام العالم. * إنّ هذه البرامج تلقى مباركة ،وإن كانت غير مُعلنة، من سلطة الإشراف الّتي لم نرها تتدخّل للحدّ من التّجاوزات الّتي تمسّ القيم العامّة للمجتمع، فهذا التّدخّل إن حصل لا يُعدّ في باب ضرب حرّية الإعلام إنّما هو في اعتقادنا من صميم الدّور الرّقابي للدّولة الّتي من المفروض أنّه يقع على عاتقها حماية الأخلاق والقيم العامّة للمجتمع. * إنّ هذه البرامج وإن حاولت أن تظهر من خلال ما تورده من قضايا أو من خلال أسلوب المُنشّط الظّهور بمظهر الطّرافة فإنّها في نفس الوقت مصدرا للكثير من الامتعاض والسّخط بالنّسبة للكثيرين ممّن لا يزالون على تمسّكهم بقيمهم وأخلاقهم وعقيدتهم، بل إنّ هذه البرامج قد تكون سببا لردود أفعال متفاوتة من نوع التّحصّن بالانتماء لتيّارات دينيّة أو لمواقف مغالية فأي ظاهرة من هذا النّوع يمكن أن تخلق آليّا نقيضها على الطّرف الآخر. * إنّ الحكمة من أمر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الإنسان بالتّستّر عند ارتكاب المعصية" ان عصيتم فاستتروا" هي منع الاقتداء حتّى لا يكون مرتكب المعصية قدوة سيّئة لمن شهد معصيته فيحذو حذوه ويُؤتي ما يُشبه فعله... ولعلّ هذه الحكمة وحدها كفيلة بجعلنا ننتبه لمخاطر مثل هذه البرامج. أمّا الوجه الآخر لهذا النّوع من الإعلام فهو بعض البرامج المُوجّهة للأطفال على غرار" ستار صغار" على قناة حنّبعل و"سفيان شو" على القناة العموميّة وهما برنامجان لم أفهم كغيري من عديد المُتابعين الهدف من وجودهما فلا هما من البرامج التّربويّة ولا هما من البرامج التّرفيهيّة الّتي تناسب أعمار الأطفال الّتي يُفترض أنّهم جمهور هذين البرنامجين مشاركة ومتابعة ... بل إنّ الخطير في هذين البرنامجين هو سلخ الأطفال من أعمارهم الحقيقيّة وإلباسهم شخصيّات تفوق أعمارهم الزّمنيّة والعقليّة والوجدانيّة فيحوّلونهم إلى آلات للتّقليد الصّوتي أو الحركي لأنماط من الغناء والرّقص الّتي لا تضيف شيئا لشخصيّة الطّفل سوى انبتاته من سنّه وهويّته وحيائه فهذا مُنشّط يُطلق على برنامجه أسم هجين من كلمة عربيّة وأخرى فرنسيّة ورّبما يكون ذلك بالنّسبة إليه علامة تجديد ومواكبة لروح العصر بل إنّ هذا الأخير لم يتورّع عن القول أمام الأطفال الأبرياء المشاركين معه في برنامجه أنّ له مشكلة مع العربيّة إذ يبدو أنّها قاصرة على استيعاب إبداعاته أمّا الثّاني مُقدّم برنامج "سفيان شو" الّذي يعمل لحساب شركة خاصّة تبيع برامجها لتلفزتنا أعني تلفزة الشّعب فيبدو أنّ عمليّة تصدير التّهريج للأطفال قد استهوته وهو هذه المرّة تهريج خطير جدّا لأنّه يُوجّه إلى أطفال مازالوا في مرحلة تشكّل الشّخصيّة وإدخالهم في هذه الدّوامة من التّقليد الأعمى لتلك الأنماط الفنّية إنّما هو اعتداء عليهم من المفروض أن يقع إخضاعه لمقاييس قانونيّة خاصّة . إنّ مسؤوليّة كبيرة تقع هنا على سلطة الإشراف من خلال وزارة الإشراف ومن خلال مندوبي حماية الطّفولة الّذين ندعوهم للتّحرّك في اتّجاه حماية أبنائنا من هذا الخطر المحدق بهم بما هو خطر محدق بمستقبل بلاد بأكمله. كما أنّ جزءا هامّا من هذه المسؤوليّة يقع أيضا على عاتق الأولياء الّذين عليهم أن يُدركوا أنّه ليس بمثل هذه البرامج يصبح أبناؤهم نجوما وإنّما بترغيبهم –في الدّراسة وحبّ العلم والتّنافس في التّألّق العلمي والمعرفي . إنّ إعلاما يحترمه النّاس هو إعلام يحترم نفسه ويحترم النّاس أفرادا ومجتمعا... وأخذ الإعلام مكانته كاملة في المجتمع يكون بقدر ما يلعبه من دور إيجابيّ في إعلام المواطن بالحقائق والمساهمة في إصلاح المجتمع بالكلمة الصّادقة والمعلومة الشّفّافة والجرأة في كشف الحقيقة... وليس باللّهاث وراء الإثارة وشدّ الانتباه بكلّ الطّرق والوسائل ولو كان في ذلك تدمير لقيم المجتمع وأخلاقه وبُنيته بغاية ربح مادّي سريع ومكاسب أخرى لعلّ من بينها تلهية النّاس عمّا هو أهمّ وأخطر من شؤونهم. لذلك ، فمن أجل هذه البلاد ومن أجل مستقبل أجيالنا يتعيّن على كلّ طرف أن يتحمّل مسؤوليّته كاملة وفق موقعه ومهامّه فالأمر إن بدا عند بعضهم بسيطا وربّما تافها فهو في الواقع من الأهمّية والخطورة بمكان... إنّه صناعة وعي شعب كامل في حاضره وفي أجياله القادمة. المفاوضات الاجتماعية في القطاع العمومي تونس/ الوطن قالت مصادر نقابية إنه من المنتظر التوصل إلى اتفاقيات الزيادة في الأجور و مراجعة الجوانب الترتيبية في المؤسسات العمومية قبل غرة ماي الذي يوافق الاحتفالات بعيد الشغل. وعزت المصادر ذاتها هذا التأخير إلى عدة عوامل منها تمسك الإدارة بمقترحاتها أمام مقترحات الهياكل النقابية . وتترواح مقترحات ممثلي المؤسسات العمومية بين زيادة الثلاثية الماضية 3،1 أي الزيادة وثلث قيمتها للمدّة الماضية، وهو ماترفضه الهياكل التقابية التي مازالت تتمسك بزيادة الثلاثية الماضية ونصفها تقريبا ، مما دفع البعض منها إلى الدخول في تحركات احتجاجية كما هو الشأن بالنسبة لقطاعات البريد و الكهرباء و الغاز. ويذكر أن الحكومة كانت أذنت بصرف 80 % من معلوم الزيادات في شكل تسبقة منذ موفى شهر سبتمبر الماضين لكن رافقتها في الوقت ذاته زيادات في الأسعار مسّت عدة مجالات. مرّة أخرى لعب أطفال صهيونية بين أيدي أبنائنا... تونس/ الوطن ذكرت مصادر صحفية أن "... بضائع مشبوهة متمثلة في لعب وخاصة منها طائرات في شكل بالونات مزركشة مكتوبة باللغة العبرية وبصورة واضحة،وترمز إلى اسم شركة طيران" إسرائيلية".. غزت في الأيام الأخيرة أسواقنا الشعبية ولدى المنتصبين على قارعة الطريق بشوارع العاصمة الرئيسية..". وكانت صحيفة " الوطن " أشارت في أكثر من مناسبة إلى تسرّب بضائع صهيونية إلى الأسواق التونسية بما في ذلك أسواق بيع الملابس المستعملة "الفريب"، ونبهت إلى خطورة هذا الأمر وتساءلت عن مصدر هذه البضائع ومن يقوم باستيرادها و ترويجها. وتكمن خطورة هذه البضائع زيادة على مصدرها (الكيان الصهيوني) في نوعية المادة المصنوعة منها إذ بيّنت تجارب عدة بلدان أخرى أن بعض هذه اللعب عادة ما تكون مصنوعة من مواد يمكن أن تشكّل خطرا على صحة الأطفال. ولم يصدر إلى حدّ الآن عن المصالح الصحية أو مصالح المراقبة الاقتصادية ما يمكن أن يشير إلى خطورة هذه البضائع على الصحة. لكن ذلك لا يعني التغاضي عن ضرورة الانتباه و الحذر. وتكمن الخطوة الأساسية في مزيد مراقبة مصادر دخول مثل هذه البضائع الى بلادنا و وصولها بين أيدي أبنائنا. صحيفة "الوطن" العدد 82 الصادر في 24 أفريل 2009