عالم كذاب هذا عنوان مقال قرأته منذ أمد بعيد ورأيت أن أستعيره لعله يكون أصدق ما يعبر عن واقع السياسة في عالم اليوم كما في عالم الأمس الذي كثرت فيه الوعود وقل فيه الصدق والوفاء بالالتزامات التي يلتزم بها الناس بعضهم لبعض، وتبعا لذلك فالعالم السياسي هو يعيش على أسماء الأضداد في مجالات كثيرة وهو ما يحلو لبعض الناس أن يسموه بالكياسة والسياسة والمرونة والدبلوماسية وغير ذلك من الأسماء وهو بالفعل ما يصدق على علاقة الدول الإسلامية والعربية بالغرب، فمنذ أمد بعيد انتهى الوضوح والصراحة في علاقة هذه الدول بالغرب إذ كان الصدق مع النفس ومع الغير من لدن هذه الدول عندما كانت تقدر على المواجهة والدفاع عن بيضة الدين والوطن وكانت هذه العلاقة كذلك تتسم بالصدق والصراحة عندما كانت الحركات التحريرية هي التي تتولى الكلام والدفاع عن بيضة الدين والوطن اما عندما أصبح الأمر بيد حكومات ومسؤولين عاجزين ويهمهم أمر الحفاظ على السلطة أكثر ما يهمهم الدفاع عن بيضة الدين والوطن وإنصاف شعوبهم والقسم بالسوية والعدل ما أفاء الله على الوطن من خيرات، فإن العلاقة بين المسؤولين في ديار الإسلام والحكومات الغربية الظالمة والمتجبرة والتي تذبح وتقتل المسلمين في كل مكان. لقد قالت الشعوب وقال بعض من لا يزال يتوفر على الصدق والمصداقية ان الغرب يسعى لإذلال المسلمين، وتنحية الإسلام من واقع الناس المعيش بكل الوسائل والأساليب، وأجيب من لدن الكثيرين عن حسن النية أو غيرها بأن هؤلاء يناصرون الإرهاب وأنهم دعاة الظلامية والعودة بالناس القهقري إلى الوراء، ومع هذا وذاك فإن الغرب الظالم والمتجبر لا يتوانى عن إعطاء ألف حجة على أنه يسعى لمحو الإسلام من الوجود وتنصير الشعوب الإسلامية لقد استمرت الصحف وهيآت العلماء والغيورون والمهتمون والحركات الإسلامية تندد بالحملة التنصيرية التي يقوم بها المنصرون في العالم الإسلامي ولكن الحكومات والمسؤولين في ديار الإسلام لا يهتمون بالأمر ولا يقومون برد الفعل اللازم تجاه هذه الهجمة الشرسة والتي تستهدف القيم قبل العقائد، ويدعم هذه الحملة ما تسميه الهيآت التنصيرية بحماية حق ممارسة الشعائر وتغيير العقائد الذي هو حق من حقوق الإنسان وكأن الأمر هو أمر برئ يندفع فيه الناس إلى تغيير عقائدهم من غير إغراءات بالمال والمساعدات والتأشيرات وعقود العمل وغير ذلك مما كشفت عنه الأبحاث والدراسات التي أنجزت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي هذه الدراسات التي يفهم من مقارنتها ببعضها وبالإستراتيجية الغربية القديمة الجديدة المبنية على تجزئة دول العالم الإسلامي وخلق أقليات دينية إذا لم تكن، مع النفخ في مختلف الإثنيات والقبائل والطوائف والمذاهب لخلق الفتنة والبلبلة وإشغال المسلمين بعضهم ببعض وهي استمرار للسياسة التي أعطت نتائج في القديم واكبر نموذج لذلك ما حصل في الأندلس. هذه السياسة وتلك الأهداف ليست شيئا سريا بل عبر عنه الساسة والمنصرون في مؤتمراتهم التي يعقدونها لهذا الغرض مع صرف ملايير الدولارات والمساعدات للإرساليات التنصيرية ومن يساعدها تلك كانت السياسة المتبعة والخطة المبرمجة والمحددة. ولكن الشيء الجديد هو ما كشف عنه أخيرا وهو الدور الذي تلعبه الجيوش الاستعمارية في الدول التي نكبت بالاحتلال الجديد، لقد كشف الأمر من قبل في العراق وها هو ذا يكشف من جديد في أفغانستان بالصوت والصورة ومع ذلك فهو في نظر المسؤولين عن هذا الجيش ليس سياسة رسمية للجيش وإنما هو أمر يرجع للإرساليات التي تتبرع وتتطوع بالكتاب المقدس والجنود مجرد موزعين ومساعدين بصفة فردية. انه عذر أعظم من الزلة ويدل على أن أكذوبة محاربة الإرهاب تخفي وراءها تغيير الخريطة الدينية لأفغانستان ومع ذلك فإن المسؤولين في ديار الإسلام يقدمون العون لهذا المسعى بسكوتهم وعدم رد فعل حازم من طرفهم وعلى أي حال فنحن انتقلنا من التنصير بالإرساليات إلى التنصير بالجيوش. ذ.محمد السوسي