من المضحك المبكي أن الإدارة الأمريكيةالجديدة لم تتوان عن تبني التصور الذي سبق لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيفي ليفني ويتعلق بما يتوجب على العرب فعله من أجل إقناع الرأي العام الإسرائيلي بتقبل رؤيا الدولتين كحل للصراع مع الفلسطينيين. وحسب تصور ليفني فإن على الأنظمة العربية – حتى تلك التي لا تقيم علاقات مع إسرائيل – أن تؤيد بشكل لا يقبل التأويل المفاوضات بين السلطة وإسرائيل، وألا تتدخل من أجل إحباطها، إلى جانب ذلك، فإن ليفني تطالب العرب بدعم السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن وفي ذات الوقت تشديد الخناق على حركة حماس وحكمها وعزلها، وأخيراً على هذه الأنظمة أن تسارع إلى تطبيع علاقاتها مع تل أبيب وعدم التطبيع بنتائج المفاوضات مع السلطة. فعندما تلاحظ الإدارة الأمريكية مدى تحمس العرب لرؤيا الدولتين، فإنه لا غرو أن تقدم إبتزازات ليفني آنفة الذكر على أساس أنها مطلب مشروع. فمن أسف، فإن العرب لا يتوقفون عن كيل المديح للرئيس الأمريكي براك أوباما وإدارته لإصرارهما على رؤيا الدولتين كحل للصراع الفلسطيني الصهيوني، وأصبح الكثيرون يترقبون على أحر من الجمر اللحظات التي تتبع انتهاء الإجتماع المقبل لكل من أوباما ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لمعرفة ما إذا كان أوباما قد نجح في زحزحة نتنياهو عن موقفه الرافض لرؤيا الدولتين أم لا. وتؤكد كل الدلائل أن نتنياهو وأوباما سيتوصلان إلى صيغة سياسية تسمح لأوباما بالإدعاء أمام العرب أنه " نجح " في تمهيد الطريق أمام تطبيق رؤيا الدولتين، في حين أنها تسمح عملياً لنتنياهو بمواصلة التمترس خلف مواقفه التقليدية، من خلال ربط رؤيا الدولتين بعدد لانهائي من الشروط التعجيزية، والتي يكون من المستحيل معها التقدم في هذا المسار. وللإنصاف، فإن كل ما يحتاجه نتنياهو لتبرير التسويف والمماطلة التي دلت التجربة أنه يجيدهما بشكل حاذق، هو العودة إلى تعهدات الإدارات الأمريكية نفسها لإسرائيل، والسوابق التي أرستها واشنطن في ملف التسوية، حتى ينتظر العرب عدة عقود ليكتشفوا أنه لم يعد هناك ثمة أرض يمكن أن يتم تطبيق رؤيا الدولتين فوقها. وهنا بودنا الإشارة إلى عدد من القرائن التي تصلح لنسف التضليل الذي ينطوي عليه شعار " رؤيا الدولتين "، ولتفكيك الوهم الذي يعشش في رؤوس الكثيرين الذين يراهنون على تجند أوباما لتحقيقه. أولاً: تصطدم رؤيا الدولتين بإلتزام صريح للولايات المتحدة يجعل منه أمراً مستحيلاً، ويتمثل في رسالة الضمانات التي منحها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون في الرابع عشر من أيار عام 2004، والتي تتضمن تأييد الولاياتالمتحدة لموقف إسرائيل الرافض لحق العودة للاجئين، والإنسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، فضلاً عن إقرار الولاياتالمتحدة بالتغيير في الواقع الديموغرافي في الضفة الغربية والقدس، أي قبول موقف إسرائيل الرافض لإخلاء المستوطنات، إلى جانب موافقة واشنطن على حق إسرائيل في البناء في المستوطنات بما يستجيب لمتطلبات الزيادة الطبيعية في أعداد المستوطنين، وهكذا فإن الموقف الأمريكي يكرس استراتيجية " جلد النمر "، الإسرائيلية، الهادفة إلى أن تظهر التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية كجزر صغيرة في محيط من المستوطنات اليهودية. ثانيا: لقد تعهدت الإدارة الأمريكية في مؤتمر " أنابوليس " بالتوصل حتى نهاية العام 2008 لإتفاق على إقامة الدولة الفلسطينية، وهذا بالطبع لم يحدث..... فإذا فشلت إدارة بوش في الوفاء بتعهدها في ظل حكومة أولمرت التي كانت توصم ب "الإعتدال "، فهل يعقل أن تنجح إدارة أوباما في التقدم نحو مسار الدولتين في ظل حكومة اليمين المتطرف؟. ثالثاً: تأييد الإدارة الأمريكية الحالية للتفسير الإسرائيلي لخطة " خارطة الطريق "، وتحديداً الإستحقاقات الأمنية المنوطة بسلطة رام الله في مجال ضرب المقاومة الفلسطينية واجتثاثها. واللافت أنه على الرغم أن قادة الأجهزة الأمنية الصهيونية يخرجون عن طورهم وهم يكيلون المديح لأجهزة حكومة فياض الأمنية وجهودها في ضرب المقاومة وتعقبها، فأن حكومة اليمين المتطرف تضع معايير جديدة لوفاء السلطة، آخرها ما عبر عنه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي بات يشترط الشروع في مفاوضات مع السلطة بإستعادتها السيطرة على قطاع غزة وتجريد حركة حماس من السلاح، أي أن المطلوب إندلاع حرب أهلية فلسطينية جديدة تأتي على الأخضر واليابس من أجل السراب. رابعاً: إعتراف الولاياتالمتحدة الصريح والواضح بيهودية إسرائيل، والذي يعني أن أي تسوية سياسية مستقبلية مع الفلسطينيين يجب أن تضمن الحفاظ على تفوق ديموغرافي كاسح لليهود، مع كل ما يعنيه من توفير كل الظروف من أجل تواصل تدفق الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، فضلاً عن رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، و التخلص من الثقل الديموغرافي لفلسطينيي 48، عبر الطرد، أو تطبيق أفكار التبادل السكاني. من هنا فإن الترحيب بالموقف الأمريكي المتحمس لرؤيا الدولتين في غير محله مادامت واشنطن تتشبث بالمواقف التي تفضي إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية؟!