بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة إلى تونس    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    جمعية الأطباء التونسيين في ألمانيا تدعو إلى ضرورة إحداث تغيير جذري يعيد الاعتبار للطبيب الشاب    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    في المحمدية :حجز عملة أجنبية مدلسة..وهذه التفاصيل..    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بشبكة الألياف البصرية ذات التدفق العالي بالأنترنات    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب نيران صديقة :رسالة من إسلاميي الداخل إلى الشيخ راشد الغنوشي
نشر في الفجر نيوز يوم 17 - 05 - 2009

كتاب نيران صديقة :رسالة من إسلاميي الداخل إلى الشيخ راشد الغنوشي و منه إلى بقية الشعب التونسي (الدراسة السادسة)
السجين السياسي السابق فريد خدومة
HTML clipboardإطلع أيضا على: باقي مقالات الكاتب فريد خدومة
بين التأسيس و وهم التأسيس
توطئة:
يرى البعض من المتتبعين للشأن السياسي التونسي عموما و الإسلامي خصوصا بأن الحركة الإسلامية في تونس مقدمة في الولاية الجديدة للشيخ راشد الغنوشي على رأس هرم الحركة على تحولات كبيرة قد تواكب فيها التحولات الجادة التي تشهدها المنطقة و لا يفوتنا أن نذكر بأن الحركة صارت تعي جيدا بأن تونس اليوم صارت أكثر تقبلا لنفس حرياتي قد يستفيد منه الجميع و من هؤلاء الجميع بالتأكيد الإسلاميين و عليه فقد كان البيان الختامي للمؤتمر الأخير لحركة النهضة رسالة مضمونة الوصول للأطراف الثلاثة المعنية بالأزمة في تونس :
- المجتمع الدولي
- السلطة
- مكونات المجتمع المدني
ففي حين غابت اللهجة التصعيدية التي كان ينتظرها أكثر من طرف و خاصة تيارا عريضا داخل السلطة و فئة لا يستهان بها من قواعد و رموز الحركة في الداخل حتى علق بعض المهتمين بالمسألة على البيان بقوله " بقت دار لقمان على حالها " و لكن حقيقة ربما كان البيان معبرا بشكل شبه موضوعي عن الحالة التي وصلت إليها الحركة فعلا حتى صار من الناحية الفنية يشكل أن يطلق عليها لقب حركة لتطبع منهجها بالسكون لسنوات حتى ينقل أحدهم عن الرمز التاريخي للحركة المهندس حمادي الجبالي في أيام معانقته الأولى لوهج الحرية قوله " ماذا كان يفعل هؤلاء في المهجر لسنوات " و لكن أستطيع أن أجيب المهندس حمادي الجبالي بأن هؤلاء كانوا يحافظون على عقد مؤتمرات الحركة في إبانها و الاحتفال بالذكرى التأسيسية للحركة يوم 6 جوان من كل سنة.
و يرى البعض بأن الحركة ليست من الضعف بمكان حتى تحافظ على هذا الهدوء المشبوه فهي تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك و لكنها تخاف من الإشكاليات التالية:
- أن تخسر ما جنته لسنوات عدة من عدم الانصياع للعنف و لمبررات رد الفعل.
- أن تزج بقواعد الداخل و قياداته في معركة خاسرة سلفا
- أن تخسر الدعم أو عدم الغضب الغربي
- أن تخسر اللجوء و جنة اللجوء و نعيم اللجوء
و لكن أليس من حق قواعد و قيادات الداخل أن يتساءلوا ماذا حمل لنا البيان الختامي من جديد؟
- أين نحن في التركيبة القيادية الجديدة؟
- أين مشروعنا الداخلي فيما تطرحه الحركة من ورقات؟
- و في نهاية المطاف من نحن في هذه البروباقندا؟
إرهاصات الحرية:
ليس من الغريب أن ترى اليوم تيارا محترما داخل الحركة الإسلامية في الداخل صار أكثر تفاؤلا بقرب انتهاء الأزمة و انتهاء الأزمة ليس دائما بإعلان انتصار طرف على حساب طرف و لا باعتراف طرف أنه أخطأ في حق الآخر و لكن بوجود مساحة للطرف الأضعف كي يتواجد فيها و هذا الوجود غير الشرعي و غير المعترف به هو في نفس الوقت يندرج في اتفاق شبه صامت فيه خطوط حمراء و فيه كذلك هامش من الحريات لا باس به و أول بشائر هذه المرحلة:
- الروح التي صار يتحلى بها قطاع هام من أبناء الحركة تدل عليها آراء شبه متفائلة بمرحلة قريبة جدا من الانفراج و ليس من الحل.
- وجود مساحة من المسكوت عنه سياسيا أو حقوقيا تسمح لمن أراد من الإسلاميين بالنشاط.
- تمتع قطاع لا بأس به من أبناء الحركة بجوازات السفر
- كف السلطة عن مضايقة أصحاب الأعمال الحرة من أبناء الحركة
و بالمقابل:
- السلطة مرتاحة إلى عدم انخراط أبناء النهضة في المواجهات الأخيرة بين السلفية و النظام بل إن دوائر استخباراتها قد سجلت استياء أبناء الحركة من المواجهات بل و من طرفي الأزمة ( السلطة / الحركة السلفية )
- انتهاج فصيل من أبناء الحركة في الداخل النشاط السياسي و الحقوقي نهجا وسطيا لا تصعيديا بل يعتبر الرموز الإسلاميون أقل حدة في الخطاب حتى من بعض أطراف اليسار بل و اليمين.
- عدم وجود ممانعة معلنة للحوار و المصالحة و لكن على قاعدة صلبة و ملزمة للطرفين.
الراهن:
ربما يعتقد البعض أن المساحة الممنوحة الآن أو المسموح بها غير كافية و لكن بالرجوع إلى بضع سنوات إلى الخلف فنحن اليوم في جنة السياسة فهل تناسى إسلاميو اليوم أنه بالأمس القريب كان مجرد الوقوف مع زميل سابق لك في العمل السياسي الإسلامي كاف بأن يزج بك في السجن و لكن بكل صدق نحن في أزمة و في مأزق ، إذ كان من الأجدر أن نتجاوز هذه الأزمة منذ سنوات و لكن مع وجود أطراف لا تستطيع أن تعيش إلا في الأزمات صار لزاما علينا أن نحافظ على هذا الفضاء الذي يتراوح بين الكبت و وهم الحرية حتى نهيئ أنفسنا للمرحلة القادمة التي يرى البعض أنها مرحلة التأسيس.


مرحلة التأسيس:
إننا اليوم لفي أشد الحاجة للحديث الجدي عن التأسيس للحركة الإسلامية المرتقبة و ذلك مخافة أن تداهمنا الحرية بغتة و دون مقدمات فنقع في حيرة شديدة ليس أقل منها الخوف من اللحظة.
فاللحظة المرتقبة التي ربما يؤسس لها مرسوم رئاسي دونما مقدمات أو قرار إلاهي يقول فيه ملك الموت كلمته الفاصلة التي كانت حاسمة في أكثر من بلد عربي في الآونة الأخيرة.
نحن في حاجة ماسة للحديث الجاد الممنهج الأكاديمي المفضي إلى الإعداد الجيد و لو بما يسمح به القانون كي لا نقع في إشكاليات التنظم من جديد.
نحن في حاجة إلى فهم الواقع المرتقب و طرح كل الإشكاليات على بساط البحث و الإجابة الصريحة عن كل الأسئلة خاصة الأكثر إيلاما لأننا اليوم في حاجة إلى التأسيس الجاد الواعي لأن الحركة المرتقبة صار لها رصيد ضخم من الأخطاء يجب أن تستفيد منها فإلى متى نبقي على نفس الوجوه التي صاغت أحداثا غاية في الخطورة و إلى متى نبقي على نفس الأسئلة دون إجابة و إلى متى يبقى الإسلامي رهين الرجال و لا يجد في نفسه القدرة على القول لكل هؤلاء شكرا لقد حفظنا لكم ما قدمتم لكنكم اليوم رجال و نحن رجال و الحركة المرتقبة ملك للأمة و كل حظوظ من ساهم فيها بدمعة أو آهة أو جلدة متساوية .
التعددية الداخلية:
يرى البعض أننا اليوم تيار إسلامي محترم يجمع بيننا كثير من وجهات النظر قد تتقارب حينا و تتباعد أحيانا و لا يمكننا في الداخل بالتحديد الحديث عن حركة غير منظمة اختيارا و ذلك لعمق نضج العديد من الأطراف داخل الوطن على إثر اتساع دائرة الابتلاء التي توجت برجالات متمرسين في :
- الصبر
- الفكر
- السياسة
حتى اختلط على المتتبع للشأن الإسلامي اليوم مفهوم القيادي في حركة الداخل أو تيار الداخل فهل علي العريض الاسم التاريخي مثلا أفضل من أي وجه شاب آخر بالعود إلى إرهاصات الأزمة كان غرا في بدايات مراهقته و اليوم تراه كهلا من ثقل ما يحمل من هم الوطن و الإسلام و الحريات على عاتقه فإن سلمنا بالحق التاريخي لعلي العريض فهل من حقنا الحديث عن الحق الواقعي لشباب النهضة و أمثاله و هل الحقان في ميزان التأسيس غدا متساويان و لمَ لا نجرؤ على الحديث حول تقدم الحق الواقعي على الحق التاريخي ، ففي حين لا تذكر الساحة الواقعية اليوم أي فضل لعبد المجيد الزار الاسم التاريخي ترى أن الشاب لطفي الحيدوري كالملح الذي لا يغيب عن طعام فمن أيهما أولى بالاهتمام و الدعم و من أيهما أرشد و أحق بالتفاف القواعد حوله و لكن في ظل صمت العديد من الأسماء التاريخية لا يفوتنا أن نذكر أن جهد المقل الذي يبذله علي العريض أو زياد الدولاتلي يعد على كل حال نفسا واعيا مرشدا يجب أن ينظر له بكل احترام و بين هذا و ذاك برزت أسماء كبرى من داخل المدن التونسية لم تسعفها الظروف الاجتماعية و الأمنية و السياسية بالالتحاق بالعاصمة قدمت داخل جهاتها نماذج نضالية رائعة قد فاقت ربما ما قدمته بعض الأسماء الكبرى هنا في العاصمة ففي حين يصر علي الشرطاني الاسم التاريخي في قفصة على المحافظة على وجوده كمفكر سياسي حر واع و الدعوة إلى تجاوز الوهم الأمني و الاستفادة من كل نفس حرياتي و لو كان وهما للتغلغل داخل المجتمع من جديد فيكفي في نظر علي شرطاني أن تكون موجودا داخل فضاءات الاتحاد العام التونسي للشغل و لو لم تكن نقابيا و تساهم في التظاهرات و لو من الصف الخلفي و يكفي أن تكون موجودا في فضاء دار الثقافة أو دار الشباب أو حتى في مقهى عمر قريمان حيث يتجمع اليسار التاريخي و بعض رموز الإسلاميين و بعض النقابيين ليتجادلوا في المسائل السياسية و الفكرية قلت يكفي في نظر علي شرطاني أن تحافظ على وجودك و أن تسعى إلى فك الحصار المضروب عنك لتكون إسلاميا ناجحا.
و في قابس مازال عبد الرزاق نصر الله واعيا بهموم الفكرة و متحديا للعقبات و فاتحا بابه لكل مستفسر أو سائل دون هياب و لا وجل و مازال يصر على الوفاء للخط التقليدي للحركة الذي يرى فيه الخلاص و عليه ترى الرجل لا ينفك يعبر بكل وضوح على ضرورة الالتزام بما تطرحه المؤسسة و لكن الرجل المتشبع بالفكر الاخواني يشعرك بأنه يطرح أكثر مما يعلن و تشعر رغم بساطته و البسمة التي تعلو محياه بأنه مشروع قيادي مركزي قد يلف حوله جمعا غفيرا من الإسلاميين فالرجل أكبر من الجهة بكل تجرد.
هذان المثالان و غيرهما يطرحان كثيرا من الجدل و ينبئان بصعوبة التكهن بالتأسيس و عليه فهل نحن أمام التنبؤ بالتأسيس أم بوهم التأسيس؟
بين التأسيس و وهم التأسيس:
إني أعتقد جازما أن هذا الطرح الجريء سيثير استهجان الكثير من الإسلاميين و ذلك لاعتقاد هؤلاء أن صاحب هذه الورقات يعيش في أوهام حالمة دفعته إلى نظرة غير منطقية و غير واقعية للواقع ففي حين مازال النظام يصر على التعامل الأمني مع الملف الإسلامي و تضييق دائرة الحريات على الشارع التونسي عموما و يصم الآذان على دعوات المصالحة ترى صاحب نيران صديقة يدعو إلى الاستعداد إلى التأسيس فأي دعوة هذه المنطلقة من وهم لتدعو إلى الوهم و إني من خلال هذه القراءة الواهمة التي تتخذ من القاعدة الذهبية ‘' خانها ذراعها قالت سحروني ‘' منطلقا للاندفاع و لكن للخلف و الهروب من المسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتق المخلصين من أبناء هذا التيار فالذين اعتبروا عصا موسى متكئا و موئلا سقطوا من حيث لم يشعروا في أبدية الأزمة التي ساهمنا واقعا في إطالتها و ذلك لمّا سكن وهمها عقولنا و طيفها أرواحنا حتى غدونا مرضى نفسيين يصح أن نوضع في مصحات لا أن نبحث لنا على مؤسسات مدنية للنشاط من خلالها.
إنك تستطيع أن ترى الواقع كما تشاء و تستطيع أن تتعايش مع اللون الأسود و البني و أن ترى فيهما أفضل لونين و تستطيع أن توجه مزاجك للتعايش معهما و فيهما و تستطيع كذلك أن ترى الأسود أبيضا و البني أزرقا صاخبا كزرقة السماء.
إنك في خضم الأزمة في السجن قد حولت زنزانتك إلى عالم رحب فسيح و فرضت على سجانك ألا يتعدى حدوده و ألا يلج مملكتك إلا بإذنك و اليوم لا تستطيع ألا ترى نفسك حرا في الوطن الذي ساهمت فيه بعرقك و دمك و ساهمت في عدم إدخاله في أتون الفتنة.
أليست تونس مدينة لك بأنك لم تجزئرها و لم تدخلها في أتون “البلقنة” ، أن أكون حرا في تونس يعني أن أصنع فضائي الخاص الذي أرى فيه نفسي حرا و إن كان الآخر يراني عكس ذلك فذاك شأنه ، أنا حر ما دمت أؤمن بالحرية و أدافع عن الحرية و أعتقد بأن الحرية أفضل و أقدس من الخبز دائما.
الصعاليك الجدد:
إن البعض من إسلاميي اليوم كذلك يقفز فوق الواقع بل و فوق قدراته و إمكانياته و حضوره ومتوهما في نفس الوقت بأنه يمتلك مفاتيح اللعبة و تراه يلعب اللعبة الأخطر في الساحة فهو ينطلق كثيرا من شرعية له فيها حظ و لو صغير أو مشبوه إلى حضور ذكي أو محسوب فهو لا يدخل مناطق السلطة الحمراء و يصر في نفس الوقت على إعلان رفض الولاء لها لكسب الساحة الإسلامية العريضة مع الحرص على استعمال الخطاب الإسلامي التقليدي المزخرف بالآيات والأحاديث كأنه ‘' مؤدب '' لكن في بدلة إفرنجية.
ترى الرجل يجاهر بعدائه لأمريكا في المجالس الضيقة و يلمح إلى دعم المقاومة العراقية في مقالاته الصحفية لكنه في نفس الوقت لا يمانع في الالتقاء بالمسؤولين الأجانب و على رأسهم الأمريكان.
فهل نحن أمام جيل جديد من النفعيين الأذكياء ربما ، و ربما نحن أمام جيل من الإسلاميين الساسة الذين يجيدون مسك العصا من الوسط فتراهم يجيدون التعامل مع اليسار في حين يحافظون على هويتهم الإسلامية و تراهم حريصين على عدم استفزاز السلطة بتعلة أن الظرف لا يسمح بأكثر من ذلك.
إن هؤلاء صاروا في الآونة الأخيرة يتحدثون باسم الحركة في المنتديات العامة و الخاصة ويجاهرون بالآراء المستفزة التي تجلب لهم الأنظار.
إن هؤلاء يطرحون كذلك حولهم العديد من الأسئلة و من أبرزها:
- أين سيتموقع هؤلاء في المرحلة القادمة التي بدأت تباشيرها تلح على الظهور؟
- بأي خطاب سيظهر هؤلاء و ما هي حظوظ ذلك الخطاب؟
- هل يمكن لهؤلاء أن يشكلوا فكرة أو تيارا أو حالة أو ربما زوبعة في فنجان ؟
وهم الوحدة و حقيقة الانشقاق:
إن القريب من الحركة الإسلامية في تونس أو من بقاياها لا يخفى عليه أنه أمام العديد من الخطابات المتناقضة التي يصعب التأليف بينها تحت مسمى حركة واحدة ذات وجهات نظر مختلفة.
إن هذه الآراء صارت اليوم تشكل حرجا شديدا لمن يعتقد بأنه يمثل الشرعية و ذلك لأنه يلحظ عن يمينه خطاب موغل في التشدد مثلا إلى درجة تعتقد بأننا أمام خطاب سلفي مندس داخل هذه الحركة التي عرفت بالاعتدال رغم ما يروج حولها من أباطيل ، و عن شماله خطاب موغل في القرب من الليبرالية حتى تشك في أكثر الأحيان بأنك أمام إسلامي ليبرالي بأتم معنى الكلمة ، و ربما تحاول البحث في الجذور أو الأسباب التي أوصلت هذا أو ذاك إلى هذه الدرجة من اللبرلة فلا تجد إلا أوهام إجابات و هنا و هناك تبرز أفكار تنهل من هذه الحركة أو تلك أو تحاول التجديد و هي تخبط في ذلك خبط عشواء.
عندما كنا في السجن و جالسنا القيادات التاريخية كثيرا ، و أرباب الفكر من مثل الدكتور أحمد الأبيض تعجبنا كيف صمدت الحركة كل هذه السنوات مع ما تحمل في ثناياها من خطابات يستحيل الجمع بينها بالشورى و بالمؤسساتية فهل لأجل هذا السبب كانت الحركة شبه عسكرية بدعوى الأمنية في اتخاذ الكثير من القرارات أم نحن دأبنا على ظلم هذا الجسم الشرعي في الجسد التونسي المثخن بالجراح أصلا و لا يمكن تحميل الحركة أكثر مما تحتمل.
الشرعيات:
هل من باب الحقيقة أن نتحدث عن العديد من الشرعيات النضالية قد تشكل غدا جبهة مرشدة قادرة على خوض غمار تجربة سياسية مغايرة بالتأكيد كتجربة ما قبل محنة التسعينات أم نحن أمام خليط بدأت الأقطاب فيه تعد العدة للانقضاض على المشروعية و لو كانت تلك المشروعية مثخنة بالأخطاء التي لم تعد خافية على أحد.
فيما مضى أيام كنا داخل الأسوار العالية رغم اتفاق الجميع على رفض المراجعات إلا أن الحوارات الثنائية أو المتعددة كانت توحي بمشاريع مستقبلية غاية في التناقض حتى تشعر في لحظة ما أن الحركة الأم أضحت نسيا منسيا أو أن التاريخ يعيد نفسه مع التجربة الإخوانية المصرية التي ولد منها السجن العشرات من الحركات التي صارت تشكل اليوم خليطا هجينا من المشاريع الإسلامية في مصر.
و لكن لماذا الخوف من التجديد و التوليد و التعددية أليس اختلاف الآراء ظاهرة صحية تنبئ بوجود فضاء متعدد يسمح للجميع بالتواجد؟
أليس النص القرآني التأسيسي كذلك حمال أوجه و هو قابل للتأويل طبعا بشروط التأويل و ليس بليّ عنق النص و إخضاعه للواقع و الأهواء.
عندما ندعو لحرية التعبير و التعددية و الديمقراطية هل نحن بحق نؤمن بهذه المبادئ داخل الفضاء الإسلامي أم هذه الدعوة مطية لوجودنا فقط داخل هذه الساحات الشمولية و عندما نصل إلى المبتغى نلغي كل أشكال التعدد أو ربما يصير الأمر أكثر سوداوية عندما نسمح بوجود الآخر المغاير للفكرة و ربما المعادي للعقيدة و نقمع إخواننا في العقيدة أبناء الصف الإسلامي من التواجد أو التنظيم بعلة أو بأخرى فهل نحن حقا أمام تمثيل رسمي للإسلام و أمام ولاية شرعية مقدسة؟
أقطاب الرحلتين:
لعل التشخيص الذي حاولنا الاشتغال عليه منذ الورقات الأولى يعد منقوصا أو يرى الأمور بعين واحدة و عليه فلا بد من الإشارة إلى أن صاحب كتاب نيران صديقة من الممنوعين من السفر أو الاتصال بقيادات الخارج و عليه فلا تعد دراسته ناقصة بل تحاول أن تكون موضوعية إلى أبعد الحدود فهو من الذين لا يرفعون شعار '' دفعة على الحساب حتى أقرأ الكتاب '' ، و لكن نقص المعلومة لا يمنع من التحليل و الاستقراء و التتبع في ظل وجود الانترنت و القنوات الفضائية التي ساهمت شاكرة في عولمة الأزمات و كشف المستور و فضح الخبيء من الأسرار و عليه فنحن نرى أننا كذلك أمام أزمة أخرى لا تقل في عمقها عن أزمة الداخل و ذلك لوجود جسم ضخم للحركة خارج الوطن يدعي المشروعية المطلقة في اتخاذ القرارات و المحافظة و لو شكليا على الجسم التاريخي للحركة و لكن أين ستقف هذه المشروعية التي كذلك تحوي داخلها العديد من المشروعيات إن تكافأت الفرص أمام مشروعية الداخل التي كذلك تتجاذبها الأسماء و الأفكار و إن نجحت أطراف بعينها بافتكاك المشروعية التاريخية وإقصاء العديد من الأسماء التاريخية التي لها وزن قاعدي من أمثال الدكتور صالح كركر و غياب مشبوه للقيادي محمد شمام و تخلف و إقصاء أسماء أخرى صار لها طرح مغاير من أمثال الدكتور الهاشمي الحامدي فقد فشلت أقطاب الداخل في التواجد و لو غير التنظيمي داخل جسم عظيم و لو على شكل تيار لا أعتقد أن الإشكال أمني بالأساس و لكني أراه فكريا و تقييميا من باب أولى.
و لكن إن كانت اللحظة المرتقبة لن تسمح بعودة الجسم المهجري الشرعي فهل سيبقي رموز الداخل على الولاء للحركة المهجرية في ظل زوال مبرر الولاء للخارج مع إمكانية التواجد داخل الساحة فنحن بالتأكيد ستواجهنا القواعد الشرعية بالأسئلة التالية:
- هل سنبقى مكتوفي الأيدي في ظل تنظم الآخرين؟
- أي ولاء لقيادات لا تمثيل شرعي لها في المؤتمر الذي اختارهم؟
- هل الشرعية للوجود داخل الساحة أم الاستفادة من حريات دار اللجوء؟
سيناريوهات وهم التأسيس:
أعتقد أنه إذا سلمنا جدلا بأننا سائرون لا محالة إلى لحظة مفاجئة تكون فيها الفرص متكافئة أمام الجميع لإبداء آرائهم و طرح تصوراتهم للتواجد سنجد أنفسنا أمام احتمال سيناريوهات عديدة لعلها تتفق في مجملها على التناقض و عدم الوحدة و أول هذه السيناريوهات :
الخط التاريخي الرسمي:
و أقصد به الذي يجتمع عادة حول الشيخ راشد الغنوشي و أفكاره و أطروحاته و إن كان الشيخ هو مؤسس الحركة الفعلي إلا أن الأجيال المتعاقبة كذلك صنعت لها ولاءات أخرى داخل الجسم التاريخي للحركة لا تمس من مكانة الشيخ و لكن الحركة كانت متماسكة حتى في أحلك الظروف و لعل الشخصية المربية للشيخ و المتمرسة على التنظيم و الإدارة سمحت له بالمحافظة على مكانته كل هذه السنوات و إن لم يكن دائما على رأس هرم الحركة و الذي يدعو إلى التنبؤ بأن الشيخ سيصطدم برفض واسع أو لنقل لن يحظى تياره بمشروعية كبيرة و ذلك لتحميله جزءا مهما من أزمة التسعينات و جزءا مهما من طول الأزمة إذ يعتقد القسم الكبير من أبناء الداخل و قطبا بدأ في التنامي في المهجر بأن الشيخ و من معه لم يفلحوا إلى حد بعيد في حل الأزمة بأي شكل كان و لم يعد خافيا أن أبناء الحركة صاروا الآن يستهزؤون مما يسمى ضرورة أن يضحى بهم في سبيل ألا يدخل تونس في حمام دم فهم مع أن يتحمل كل طرف مسؤوليته التاريخية و إن عرض الشيخ في المهجر الكثير من المراجعات إلا أنني أعتقد أن تلك المراجعات أيضا هي فاتحة لانشقاق عظيم متوقع فالمراجعات الحقيقية التي صار يتحدث بها علنا لا بد أن تصحب بتحميل مسؤوليات بل و إجراءات حاسمة ، إن هذا التيار قد يحافظ على الخط الوسطي التقليدي و التنويري في نفس الوقت لكنه سيجد صعوبة كبيرة في الرجوع إلى الشارع و كان لزاما عليه أن يعيد قراءته للتونسي الذي سيتوجهون إليه بالخطاب ، فالتونسي اليوم ليس بالتأكيد تونسي التسعينات و ليس بالتأكيد مستعدا لخوض غمار أزمة أو أزمات جديدة و لكنه مع ذلك تواق إلى الدين الذي اكتشف حاجته إليه لما افتقد الحركة الإسلامية التي كانت قريبة منه يوما ما سيحاول هذا التيار بالتأكيد المحافظة على اسم الحركة و استقطاب الكثير من الأسماء التاريخية و الرموز الجهوية لكنه سيكون بالتأكيد مجبرا على تغيير الكثير من وجهات النظر و الآراء القديمة بل و التكتيكات التقليدية التي كان يعرف بها.
رموز لا حركات:
لا شك بأننا سنشهد ظهور كثير من التشكيلات تتجمع حول هذا الرمز أو ذاك كلما اجتمعت فيهم الصفات التالية :
- النضج الفكري
- القراءة التقييمية الخاصة لمرحلة التسعينات
- اختلافه الجوهري مع الخط التقليدي للحركة
- اعتقاده بأنه الأكفأ بإدارة دفة المرحلة الجديدة
و لعل هذه الشروط تنطبق على العديد من الرموز التاريخيين إما من سكان دار اللجوء أو من يعيشون داخل الوطن غير أن هذه التشكيلات سيتراوح طرحها من يمين الحركة التاريخية إلى يسارها مع إمكانية أن يطرح بعض الأسماء الطرح نفسه الذي طرحه التيار التقليدي للحركة و ربما سنشهد نزاعا حول الاسم و القواعد و أعتقد بأن الكثير من الإشكاليات و الخلافات و وجهات النظر التي كان يحافظ عليها لوقت قريب بتعلة السرية و الوحدة و عدم جواز '' نشر الغسيل '' كما يقال ستصبح مباحة و مستباحة بل و لن تغيب عن الصحف و عليه فإننا سنجد تحالفات إسلامية إسلامية جديدة و ربما إسلامية غير إسلامية و ربما كذلك ستدخل السلطة على الخط لتحاول نصرة فريق على آخر.
الرموز المدنية:
لعل بعض الأسماء المتصفة بالميل للمجالات الفكرية و ربما تعد منتمية إلى الفضاء الفكري أكثر منها انتماء إلى الفضاء السياسي ستجد أنها تستطيع أن تتواجد داخل الفضاءات إما السياسية الليبرالية التي لا تجد صعوبة في هضمها أو محاولة التأثير فيها أو أن تصنع لها فضاءاتها الخاصة بها أو تحاول أن تتفرغ للكتابة و مواكبة الحركة الثقافية العامة و هي كذلك ربما تعد مرشحة للتعامل مع هذه المجلة أو تلك أو هذه القناة الفضائية أو تلك و ربما سيحاول البعض من أمثال الدكتور أحمد الأبيض أن يوجد لونا جديدا من النشاط السياسي النخبوي القريب من الحركات الثقافية.
التنظيمات المغلقة:
ربما ليس من الغريب التحدث عن إمكانية بروز تنظيمات سرية حديدية من رحم هذه الحركة المعتدلة فليس خافيا بأن حجم الألم الذي سلط على أبناء الحركة مازال إلى الآن ماثلا في العقول و القلوب بل إن أسرا بأكملها شهدت مآسي و عليه فليس من العجيب أن تجنح بعض الكفاءات النضالية إلى السرية بتعلة أن العلنية و السياسة و المشاركة العامة و المعلنة قد جلبت مآسي لأبناء الحركة و أن بين تلك الأطراف و بين السلطة ثارات لا بد أن تصفى.
المنديل الأبيض:
و لا يفوتنا أن نذكر بأن قطاعا واسعا من أبناء الحركة و بعض الرموز التاريخيين قرروا منذ أيام السجن الأولى ألا يساهموا في أي عمل منظم أو غير منظم فهم على قناعة تامة بأن الإسلام ليس بالضرورة يمر عبر التنظيمات و المؤسسات و الحركات.
إن هؤلاء كذلك عرضة لكثير من الاستقطاب من بعض التشكيلات الإسلامية التي إما لا تهتم بالسياسة أو هي لا تعادي ولي الأمر من أساسه من أمثال الفرق الصوفية و جماعة الدعوة و التبليغ و أعتقد بأن مثل هذه الحركات ستجد نفسها مجبرة على التعاطي مع كفاءات جامعية و دينية متمرسة على فهم النص الإسلامي أكثر من أبناء هذه المؤسسات و قد بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة مثل هذا الاستقطاب ، فهل نحن أمام ولادة جديدة للحركة الإسلامية العامة في تونس ؟ أم نحن أمام صراع نصي /تأويلي ؟ أم نحن أمام حرب مشروعيات ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.