حاوره مراسل الفجر نيوز بتونس فريد خدومة الجزء الثالث 3- علاقة الأخ بالسلطة في رحلة الابتلاءات المستمرة : إذا لم يكن كل الذي تقدم والذي أعتذر فيه على الإسهاب والإطالة التي يتطلبها الوضوح والدقة، إلا توضيحا للعلاقة بالسلطة في رحلة الإبتلاء الطويلة المستمرة، فإن هذه العلاقة لا يمكن إلا أن تكون علاقة تنابذ ورفض، والتي تحولت عندي من موقع راد الفعل المطلوب، من علاقة خلاف سياسي وفكري وثقافي وحضاري أؤمن به ولا تؤمن به كل مكوناتها وملحقاتها وتوابعها، إلى عداوة لا أؤمن بها في الأصل كما أسلفت ولا تؤمن بغيرها كل مكوناتها العلمانية اللائكية التكفيرية مع خصومها ومعارضيها. وإذا كان السؤال يتطلب مني في الحقيقة توضيح العلاقة بالسلطة في رحلة الإبتلاءات المستمرة وقوفا عند كل مراحل الصراع منذ التحاقي الفعلي بالحركة السياسية بالبلاد في تنظيم الحركة الإسلامية فترة الإتجاه الإسلامي أولا، ثم فترة النهضة ثانيا، وفي ما أعتبره مرحلتي حكم بورقيبة للبلاد حيا وميتا مباشرة وعن طريق ورثائه في المشروع العلماني اللائكي ممن كانوا معه ومن كانوا ضده في المعارضة ممن لم يقبل بهم شركاء له في الحكم، وهو الذي لا يريد لنفسه شريكا في أي شيء، ولا يريد إلا أن يكون جبارا في الأرض وأن يكون من المفسدين. إلا أني تجنبا للإستفاضة ولما يتطلب ذلك من وقت، سأكتفي بتطور الموقف من السلطة في مختلف مراحلها وفتراتها. فقد كانت العلاقة متأرجحة بين موقفين رئيسيين، أحدهما مبدئي وهو الأصل في الشيء كما يراد لكل مسلم أن تكون عليه العلاقة مع خصومه ومع أعدائه ومع مخالفيه، وهي علاقة الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن والحلول التوافقية السلمية بين الفرقاء السياسيين في البلد الواحد من أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة بل والأنسانية الواحدة، والآخر استثنائي تقتضيه الظروف والمراحل وطبيعة العلاقة مع الآخر التي تحددها طبيعته وطبيعة منظومته الفكرية والفقهية ومرجعيته الثقافية وتوجهه الحضاري..والذي لم يرد هؤلاء الفرقاء انطلاقا من ذلك إلا أن يكون موقف النبذ والعداء. وهم من كانوا دائما في الوقع الذي يفرضون فيه على الذين هم من المفروض أنهم خصوم لهم ومخالفين لهم في الرأي وفي السياسة وغيرها من مواطن ومواضيع الخلاف، على أن يكونوا أعداء لهم. لأن هذا المنطق الذي هو من طبيعتهم ومن طبيعة مشروعهم العلماني التكفيري المغشوش الدخيل، هو الذي يسمح لهم مع احتكار كل إمكانيات البلاد ومواردها المادية والبشرية للإستمرار في الحكم واحتكار إدارة الشأن العام بما يحقق لهم كل مصالحهم ومآربهم، وبما يرضون به الأجنبي عليهم، وبما يزيدون به في الأرض فسادا، وبما يلحقون به الشعب والوطن والإنسان عموما من الأضرار ما لا يجبر ومن الخسائر ما لا يعوض. فالعلاقة بمثل هذه السلطة لا يمكن إلا أن تكون متوترة وزائدة في التوتر بقدر ما تزداد المعاناة وبقدر ما يزداد الحرج والضيق والمأساة. فهي السلطة التي تفرض عليك أن تكون مع الموقف الإستثنائي غير المبدئي. وأن تقابل العداوة بالعداوة. وانطلاقا من فهمي لطبيعة السلطة من خلال طبيعة مكوناتها وطبيعة مشروعها التغريبي التكفيري، فلم أكن يوما ولا يمكن أن أؤمن في علاقتي بها بغير ما تؤمن به وبغير ما تفرض علي وعلى كل الأحرار أن يؤمنوا به. فقد بدت بيني وبينها العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمن مكوناتها كلها إيمانا صادقا بالحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحتى تعترف بحقوق الآخرين عليها وبحقوقهم معها، وحتى تراجع وتتراجع على ما هي عليه من غي وضلال وفساد وانحطاط وظلم وتكفير للشعب، ورهن وبيع للوطن، ولا أقول حتى تراجع موقفها من الإسلام ومن الثقافة الإسلامية ومن نظام الحكم الإسلامي ونظام الشريعة الإسلامية العادلة. فإذا كنا معشر الإسلاميين من " الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون... " وهم من الذين يصدق فيهم قول الله تعالى " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون " فإن العلاقة لا يمكن إلا أن تكون علاقة تصادم وعلاقة صراع مستمر لا تكون نتيجة الجولة الأخيرة فيه إلا للأصلح... وإذا كان ذلك غير وارد وغير ممكن، ولا أحسب إلا أن الأمر كذلك بالنظر إلى طبيعة هذه السلطة وطبيعة مكوناتها، فيجب أن يظل المجهود مجهود كل الأحرار وكل الشعب بالبلاد متجها نحو العمل على الإطاحة بمثل هذه السلطة وبمثل هذه المكونات لها وبكل الطرق الممكنة، فهذا هو الحق والواجب... - هل مازال الأخ يصر على رفض التعامل مع السلطة بشكل أو بآخر يعني هل ترى من أمل في حل ولو منقوص ؟ ليس الأمر أمر إصرار على رفض التعامل مع السلطة، ولكن الأمر أمر سلطة لا يستقيم التعامل معها وغير قابلة به ولم تترك فرصة لأي كان لذلك، وليس ذلك من طبيعتها ولا من ثقافتها. فهي من التخلف والإنحطاط والفساد بما يجعلها غير قابلة للتعامل، ليس مع الإسلاميين فقط، ولكن حتى مع بعض ممن المفروض أنهم معها على نفس المرجعية وعلى نفس الثقافة وعلى نفس العلاقة بالأجنبي... فبمنطق الديمقراطية التي يدعونها ويتشدقون بها، يجب أن يكون التعامل مع كل المخالفين، وأن لا تكون العلاقة بين الفرقاء إلا علاقة شراكة وتسامح، وعلاقة خلاف وتحاور ومجادلة بالتي هي أحسن، لا علاقة عداء وتصادم وتصفية واستئصال. وبمنطق الإسلام يجب أن تكون العلاقة علاقة أخوة وتسامح وتكامل وتشاور وتنافس، لا علاقة عداء وتصادم. فهي ليست من ها ولا من هؤلاء. وهي ليست على هذا المنهج ولا على ذاك. فالمسألة شديدة التعقيد ولا تخضع لعقل ولا لمنطق ولا لنقل. ولذلك فأنا أرى أنه لا وجود مع من يتعامل الأحرار والمصلحون والمستنيرون والعقلاء والمتحضرون، ومن هنا يأتي رفض التعامل مع هذه السلطة بطبيعتها التغريبية الهجينة، وبتركيبتها الإنتهازية غير المتجانسة مكوناتها بعضها مع بعض بالرغم من وحدة المرجعية ومن طابعها الإستبدادي ومن شراستها وإيمانها بالعنف وبالعنف وحده سبيلا لحل الخلافات، وبمنطقها وسلوكها العدائي العدواني...فهؤلاء المتلاقون في السلطة والمكونون لها، هم من لا يهمهم الوطن ولا الشعب، ولا تهمهم الديمقراطية ولا العروبة ولا الإسلام، ولا يهمهم الإنسان ولا تهمهم إلا أنفسهم ومصالحهم. هم من لا أمل في أي حل سلمي معهم، وأن لا أحد له من الحقوق معهم إلا ما يستعيده منهم بالقوة التي هي منطق أهل هذا الزمان وهذه الحضارة. وأنه لا قيمة فيه للضعيف ولا حق له فيه حتى يصبح قويا وحتى يستعيد حقه ممن اغتصبه منه بمثل ما أخذه به منه . والذي يجب أن يكون معلوما أن هذه العصابة التي لليسار الماركسي قديما أكبر الثقل فيها لا تقبل بالحلول المنقوصة ولا بغيرها، لأنها لم تكن يوما تحلم مجرد حلم أن تنتهي بالبلاد إلى هذا المستوى من بسط اليد وإحكام السيطرة عليها. وبذلك فلا يمكن أن تكون مستعدة للقبول من موقع القوة والسيطرة والإرهاب بأي حل قد يكون مدخلا لوضع تعتبر أنه يمكن أن ينقلب فيه السحر على الساحر، وتصبح فيه مجرد طرف قد يكون الأضعف، مثل ما كانت عليه الحال قبل الإنقلاب وقبل إبرام صفقة التحالف ورسم خطة الإستئصال وتجفيف المنابع... - هل هناك أفق حل ما تراه ؟ بدون تشاؤم وكلي ثقة في الله بالنصر والتمكين في النهاية للمستضعفين، لا أرى أي أفق للأي حل لمسألة الخلاف السياسي ببلادنا. لأن جل مكونات المشهد السياسي الباهت أصلا لا يعتبر أن هناك مشكلا يقتضى مصالحة ولا حلولا. حتى أن أحد رموز اليسار القومي العربي محمد جمور الناطق الرسمي باسم حزب العمال الديمقراطي الوحدوي يقول في تصريح له في فترة قيام حركة 18 اكتوبر للحقوق والحريات، أنه ليس معنيا بالمصالحة، وأنها غير ذات موضوع في البلاد لأنه ليس هناك خصومة، والمصالحة بين من ومن ؟ فإذا كانت هناك خصومة بين النظام وحركة النهضة فهذا شأنهما، وأن كل ما في الأمر أن على النظام أن ينفتح أكثر على المعارضة وأن يعترف لها بمزيد من الحقوق وأن يمكنها منها....وهو من بين الذين رفضوا حضور ندوة لهيئة 18 اكتوبر بباريس لوجود تمثيل لحركة النهضة فيها. وقد حصل أن كان المدعو محمد حرمل قد طالب النظام بالتسوية القانونية لبعض مكونات الطائفة العلمانية اللائكية والإعتراف بها مع تأكيده صراحة وبكل وضوح على استثناء حركة النهضة الإسلامية، وكذلك الأمر بالنسبة لجل مكونات الحركة السياسية العلمانية التكفيرية المعترف بها وغير المعترف بها. وقد استجابت السلطة فعلا لبعض المطالب، وهي تستعد ربما للإستجابة لبعض المطالب الأخرى التي يشترط في أصحابها أن تكون مجموعاتهم علمانية تكفيرية وضعيفة ومخترقة من طرف النظام.
- هل النظام القائم قادر على تناسي أزمة التسعينيات والتواصل من جديد مع الإسلاميين؟ لا أعتقد ذلك مطلقا، لأنه يعتبر أن ذلك سيكون إحياء للأموات، وأن المهمة قد أنجزت ولا سبيل إلى العودة إلى الوراء، وأن إزالة الخطر لا تقتضي العودة إلى إعادة العمل بما يعيده، وأنه قد بلغ بالحركة مستوى من الضعف والتشتت والتشرذم يجب المحافظة عليه، ويجب أن لا يتم السماح لها بالعودة بأي صيغة وعلى أي مستوى، مع ملازمة اليقظة والحذر ومواصلة الرقابة المشددة بما لا يسمح للحركة بأي عودة مرة أخرى إلى ساحة المعترك السياسي والثقافي والإجتماعي، بعد إلحاق الهزيمة بها بأكثر من المطلوب ومن المؤمل. فلوجود الإسلامي بالنسبة له انطلاقا من عداوته للإسلام أولا من خلال مكوناته المعادية مبديا كلها له، ومن حيث أنه عدو للديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال كفر كل مكوناته مرجعيا وتاريخيا وثقافيا وواقعا موضوعيا بها، ومن خلال موقعه من القرار السياسي الذي لا يمكله والأجنبي المتنفذ الذي يأتمر بأوامره وينتهي بنواهيه مازال لا يريد ذلك ولا يرغب فيه، ومن خلال بلوغ مرحلة من التورط في القتل والفساد وتناقض مصالح العصابات المكونة له بحيث أصبح يخشى المساءلة والمحاسبة في جرائم كان قد تم ارتكابها من طرف كل مكوناته وبدرجات متفاوتة لا تسقط بالتقادم..وغير ذلك من الإعتبارات...
- هل أنت مع الحل قطرة قطرة ؟ لقد كنت أسلفت الحديث على أنه لا قبول للنظام بحل بأي حال من الأحوال إلا تحت الضغط الشديد والإكراه والقوة المفرطة لمن يملك ذلك يوما ما بالبلاد، وأن حتى هذا الذي يتحدث عنه البعض من الحل قطرة قطرة هو ليس حلا ولكنه إنهاء للملف السياسي والإجتماعي ليس للحركة الإسلامية فقط ولكن لكل المشاكل والقضايا العالقة بالبلاد بطريقته التي لا يريد أن يكون فيها دور معه لأحد سواه والتي يريد أن ينتهي فيها إلى أن لا يكون فيها حق لأحد من المتضررين من أصحاب الحقوق. هو الحل الذي يريده لنفسه في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة التي لا يشاركه فيها أحد ولا يكون لأحد فيها حق، وهو مدعوم في ذلك بجل مكونات الحركة العلمانية وبكل فلول اليسار الماركسي من داخل السلطة ومن خرجها. فالذي يراه البعض الحل قطرة قطرة هو أسلوب النظام في التخلص بطريقته من غير أن يكون له شريك في ذلك من ملفات شائكة ومعقدة تؤرقه وقد صنعها بنفسه في الوقت المناسب حين كان يرى أن له مصلحة في ذلك وكلفته الكثير من المتاعب ومن الحرج الداخلي والخارجي أحيانا واستمر يحمل مسؤوليتها لغيره من المتضررين منها في المعارضة الإسلامية خاصة. وقد أسمعني هذا الذي أقول بعض المسؤولين الأمنيين خاصة. وحتى بعض مناضلي اليسار الماركسي تحديدا عندما تجاذبنا أطراف الحديث عن الشأن العام وعما انتهى به النظام بالبلاد من مشاكل ومن معاناة للطبقة السياسية وللطبقات والفئات الشعبية من الشعب كالقمع والتهميش السياسي ومصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وكالبطالة والتهميش الإجتماعي وإفساد نظام التعليم ومناهجه والفساد المالي والإداري وعزل البلاد إعلاميا في هذه الثورة الإعلامية بامتياز التي انتهى بها القرن العشرين وبدأ بها القرن والواحد والعشرين وإهمال القطاع الصحي والقضاء على القطاع العام والتمكين للقطاع الخاص وفسح المجال للأجنبي للتحكم في موارد البلاد المادية والبشرية وفي سلة الغذاء ورهنها للمؤسسات المالية الدولية والإقليمية وفسح المجال للكيان الصهيوني لوضع اليد على الكثير من مرافق الحياة بالبلاد وتمكينه من الكثير من فرص الإستثمار لتقوية نفوذه الإقتصادي ولدعم قدرته الإقتصادية..ليزداد من القوة بأضعاف ما نزداد من الضعف.
- هل ترى من أمل في تحسن الوضع السياسي بمناسبة استحقاقات 2009 ؟ لا أمل عندي في تحسين الوضع السياسي بمناسبة الإستحقاق الإنتخابي لسنة 2009، وسيكون في أحسن الأحوال كسابقيه من الإستحقاقات، لأن النظام بمكوناته وملحقاته و توابعه من مشتقات الحركة العلمانية اللائكية مازال يعتبر نفسه في وضع أفضل، ليس مضطرا فيه للمراجعة ولا للتراجع، ليس لقوة فيه ولكن لما أحاط به نفسه من ضعف ومن كيانات ضعيفة تعتبر مجرد وجودها القانوني كسب يجب المحافظة عليه، وأخرى بلغ بها من الضعف مع تلك حدا لم تعد تشكل خطرا عليه، ومازال الجميع جادون على أن يستمر هذا الوضع على النحو الذي انتهى إليه. - فلا يمكن أن يكون ذلك الذي يؤمل ربما البعض أن يكون بدافع الوطنية، لأن هذا النظام ليس وطنيا. - ولا يمكن أن يكون بضغط خارجي لأن قوى الهيمنة الدولية مازالت ترى أن استمرار الوضع بالبلاد على هذا النحو مازال محققا لآمالها ولطموحاتها ولمصالحها، ولا ترى ضرورة للضغط لمراجعته أو لتحسينه. - ولا يمكن أن يكون بفعل قوى الضغط الداخلي الضعيفة أصلا، والعاجزة راهنا على فعل أي شيء لتحسين الوضع السياسي والإجتماعي والإقتصادي وغيره. - ومازال النظام على مستوى من الضعف لا يستطيع معه المراجعة أو التراجع باتجاه وضع أفضل يمكن أن يكون لكل أبناء الوطن دور وإسهام ومشاركة فيه... - ومازالت المعارضة أضعف من أن يكون لها دور مؤثر في مجريات الأمور بالبلاد، طالما أن الكثير منها قد أصبح معارضا للمعارضة بأكثر وضوحا من معارضته للنظام. بل إن معارضته للمعارضة هي دليل إثبات منه لولائه للنظام. غاية ما في الأمر أنه يمكن أن يوسع من دائرة الإعتراف القانوني ببعض الكيانات الضعيفة التي يعزز بها ذلك التوجه الديمقراطي المغشوش الخادع والكاذب...سياسيا ويمكن أن يعد بتحسين الوضع الإقتصادي وما يبدو من رفع للمقدرة الشرائية " للمواطن " بزيادة بعض المستحقات المتخلفة وفق صيغة التعاقد المتفق عليه مع شريكه في الجريمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية الإتحاد العام التونسي للشغل، والتي غالبا ما يكون سابقا ومصاحبا وتابعا لها من زيادة مطردة في الأسعار في هذا الظرف الذي تعصف فيه الأزمة الإقتصادية الزائدة في الإستفحال بالعالم، وأن يعيد إنتاج الأزمات المختلفة القديمة المتجددة باعتباره ليس إلا نظام إنتاج وإعادة إنتاج المشاكل والأزمات إلخ.....
- هل ترى المعارضة القائمة قادرة على تحقيق اختراق ما ؟ أنا لا أرى أن هناك معارضة حقيقة جادة أصلا. غاية ما في الأمر أن هناك بدايات خجولة من بعض الجهات والأطراف الضعيفة أصلا تتلمس طريقها إلى المعارضة بعد أن غادرت ذلك المكان وتلك المواقع، وبعد أن أنهت مكونات المجتمع المدني وانتقلت بها إلى السلطة عندما التحقت بها لألا تبقى المعارضة ممثلة في غير المعارضة الإسلامية وفي حركة النهضة الإسلامية كأوضح صيغة تنظيمية لها . وبالتالي فعن أي معارضة سواء قادرة أو غير قادرة يكون الحديث؟ وعن أي اختراق يمكن أن تحققه معارضة تكاد تكون غير موجودة ؟ فكيف يمكن أن يكون لمعارضة ما في تونس وجود محترم وقدرة ما عن تحقيق شيء ما بعد أن حولت معارضتها من معارضة النظام إلى التحاق به والتحالف معه لتكون معارضة للمعارضة، وحتى المعارضة المزعومة مازالت حتى وضعها الراهن إما معارضة للمعارضة أو متحالفة مع النظام واقرب إليه منها للمعارضة التي مازال لا أحد يفهم فيها غير المعارضة الإسلامية التي جعلت ثقافة الرعب والإرهاب العلماني اللائكي المكون للسلطة والمتحالف معها مجرد القرب منها جريمة لا تغتفر، يكون أفضل" للمواطن " أن يكون متهما لدى السلطة باللصوصية والخيانة وأي قضية من قضايا الرذيلة والفساد التي لا يجد مشكلة كبيرة ولا كبير حرج في التعامل مع الجهات المعنية فيها خير من أن يتهم بالإنتماء للإسلام وللحركة الإسلامية. وقد جهر لي مرة وفي أحد المجالس العامة أحد الأولياء أنه يفضل أن يكون أحد أبنائه متهما من أجل معاقرة الخمر أو الزنا أو السرقة أو غير ذلك من قضايا الفساد والإنحراف خير له من أن يكون متهما بالصلاة كما قال وبأي علاقة له بالإسلام وبالمعارضة السياسية. وإذا كان لا بد من الحديث عن معارضة لدى الرأي العام فمازال لا يفهم من ذلك إلا المعارضة الإسلامية التي جعل النظام الكل يخاف ليس من الإنتماء إليها والإنضمام لها وإنما حتى من مجرد المجاهرة بالتعاطف معها وعدم ذكرها بسوء والتبرىء منها. فإذا كان وضع المعارضة على هذه الحالة بين الوجود والعدم، وإذا كان مازال لا يصح الحديث عن المعارضة إلا أن تكون إسلامية، وهي التي تعيش أسوأ ظروفها في هرسلة متواصلة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وهي التي في وضع لا تستطيع أن تفعل فيه شيئا، فكيف يمكن أن يكون الحديث عن معارضة قادرة عن إحداث أو تحقيق أي اختراق؟
4- علاقة علي شرطاني بالحركة : فبعد انتهاء العلاقة الهيكلية والتتظيمية بعد الذي حصل منذ سنة 1990، فإن الإنتماء للحركة الإسلامية عموما ولحركة النهضة الإسلامية تحديدا سيظل قائما، لأن الأصل في الإنتماء والإنتماء الحقيقي هو الإنتماء العقدي والفكري والثقافي الذي هو في النهاية انتماء للإسلام من خلال الإنتماء للحركة الإسلامية، لأنها هي الأداة التي لا يمكن أن يستعيد المسلمون العمل بالنظام العادل بدونها، بعد أن أصبح المنهج العلماني والنظام العلماني والشريعة العلمانية هي الأصل أو يراد لها أن تظل كذلك وهي التي لا يعبد بها الله، والمنهج الإسلامي والنظام الإسلامي والشريعة الإسلامية هي الإستثناء. وأنا الذي لم يكن انتمائي للحركة الإسلامية إلا من خلال اعتقادي أنه لا حرية ولا استقلال ولا كرامة ولا وحدة للشعب العربي المسلم بتونس ولشعوب أمة العرب والمسلمين إلا باستعادة العمل بالنظام الإسلامي والشريعة الإسلامية التي بها وحدها تصح عبادة المسلمين والناس جميعا لله. وما لم يوجد مبررا شرعيا لإنهاء مثل هذا الإنتماء وغيره كلما كان ذلك ممكنا، فإن من عدم الجائز وغير المبرر عندي إنهاء هذا الإنتماء. وبالرغم من اعتقادي أن الإنتماء للحركة وللأطر التنظيمية فيها لا يعني عندي بالضرورة الإنتماء للإسلام، وعدم الإنتماء لها لا يعني بالضرورة عدم الإنتماء للإسلام، فإني أستطيع القول وبوضوح، أنه لا علاقة لي بالحركة خارج هذه العلاقة وبعيدا عنها. فالعلاقة اليوم هي مجرد علاقة تاريخية وعلاقة انتماء بالصورة السالفة الذكر. وهي علاقة ليس السعي إليها والمحافظة عليها في الحقيقة إلا من جانب واحد وسط هذا التشرذم وهذا الإرتباك الذي تعيشه الحركة التي لا يكاد يعلم أحد اليوم ما هي وأين هي. وإذا كان معلوما ماذا يفعل بها فإنه ليس معلوما ماذا هي فاعلة وسط هذا الواقع المأزوم الذي تعيشه المعارضة ويعيشه النظام وتعيشه البلاد ويعيشه العالم...وأحسب بالرغم من كل شيء أن هذا غير مبرر.
- كيف تقيم التفويض الذي منحه المؤتمر الأخير لقيادات الداخل بتدبر شأنهم ؟ هذا ما يمكن أن يطول فيه في الحقيقة الحديث، إلا أني استطيع القول أن ذلك يمكن أن يكون في الأصل بالتقييم ومن خلال نتائجه. وطالما أن التقييم الحقيقي والشامل لم يتم، فإن خطوة كهذه تبقى عندي غير واضحة ويكتنفها الكثير من الوضوح. ولا أستطيع في الحقيقة أن أجزم فيها برأي يستند إليه. وإن كنت أعتقد أن ذلك يبقى هو الأصل في الشيء. وإذا كانت القيادة في الخارج لا تستطيع أن تقود الداخل فإن الأصل في وجود القيادة أن تكون بالداخل ولكن أي قيادة وفي أي داخل؟ وإذا كان من العقل ومن الطبيعي ومن مقتضيات ومتطلبات الواقع، بل ومن غير الممكن أن تكون القيادة غير منتخبة ويحيط بها من السرية ما يحيط بها بما يؤمن وجودها حين تكون موجودة، فإنه لا معنى لوجود لها مطلوبا لذاته إذا لم توجد من الطرق والوسائل والآليات ما يجعلها فاعلة وقادرة على إصلاح ما يمكن إصلاحه وترميم ما يمكن ترميمه وتقديم للقواعد ما يمكن تقديمه مما هي في حاجة إليه وما هي قادرة لها عليه. ولذلك وإن كان التفويض في محله باعتبار أن ذلك قد كان من قبيل إعادة الأمور إلى نصابها، إلا أنه هل فعلا أن هذه القيادة يمكن أن يكون لها من الإشعاع والتواصل مع القواعد ما يجعلها في مستوى ذلك التفويض ؟ صحيح أن الوضع صعب جدا وشديد التعقيد. وأن مجرد وجود الشيء بعد أم لم يكن موجودا خير من عدم وجوده. إلا أنه يجب على هذه القيادة بالرغم من كل شيء أن تكون قادرة عن البحث عن أنجح السبل التي تستعيد بها هياكلها التنظيمية، وأن تكون قادرة على لم شمل القواعد المتفرق، وهو من المهمات الأكثر صعوبة والأشد خطرا عليها، وهو من المهمات التي لا فائدة منها ولا قيمة لها بدونها. ولا أرى في الحقيقة في وضع الحركة الراهن وفي الظروف الموضوعية الرديئة التي أغرقت فيها قيادة نظام تحالف 7 نوفمبر الرهيب البلاد إلا أن تكون خطوة كهذه في محلها كمرحلة أولى كان من المستحيل فيها إيجاد قيادة تستمد شرعيتها من التفويض القاعدي المباشر، وهي التي عليها أن تعمل على أن يكون ذلك في أقرب وقت مناسب...
- هل يمكن لقيادات الداخل الإستفادة من هذا التفويض ؟ الداخل الوطني والحركي يعيش ظروفا صعبة للغاية وشديدة التعقيد، يكاد يكون العمل فيها مستحيلا. ومازال التركيز الأمني الشديد مستمرا على الحركة أكثر من تركيز العصابة الأمنية كأحد أهم وأكبر وأخطر عصابة من العصابات السبع المكونة للنظام على أي جهة أخرى منها على الحركة الإسلامية كلها وعلى حركة النهضة تحديدا وبصفة خاصة. إذا كان لا بد من الأصل في الشيء، وإذا كان لا بد من محاولة إعادة الأمور إلى نصابها، فإن تفويض قيادات الخارج لقيادات الداخل بتدبير شأنهم هي خطوة في محلها وذلك ما يجب أن يكون. لأن الأصل في الشيء هو الداخل والأصل في الشيء هو العمل بالداخل. وإذا كان لا بد من الأصل في الشيء فإنه لا بد لقيادة الداخل أن تقبل هذا التفويض وأن تستفيد منه ما استطاعت بالرغم من صعوبة المهمة وخطورة الوضع. وعلى هذه القيادة أن تكون جادة وأن تعمل على أن تكون جامعة وأن تعمل على الإستفادة من كل الطاقات الجادة ومن كل العناصر المستعدة للبذل والتضحية والتي مازالت على العهد مع الحركة ومع المشروع الإسلامي عموما.
- هل قيادات الخارج التي لم تقدر على تحقيق أي اختراق لأكثر من 18 سنة تريد تفويض قيادات الداخل إيمانا بعجزها طيلة هذه المدة ؟ إذا كانت أوضاع الأوطان ينظر إليها من خلال التكوين السياسي والعلاقات السياسية بين الفرقاء في البلد الواحد، ومن خلال البعد الوطني والثقافي والإنساني، فإن كل هذه الأوضاع مختلة في الداخل التونسي. لأننا مع فريق انتهازي غير متجانس تكفيري غير ديمقراطي ولا وطني ليس له من التكوين السياسي الناضج ولا من العلاقات السياسية الحضارية المتوازنة بين مختلف خصومه والمخالفين له في الرأي والمختلفين معه سياسيا وثقافيا. وهو الذي من ثقافته السياسية تحويل الخلاف إلى عداء. والتعامل مع المخالفين له والتعاطي معهم على أنهم كذلك. وإذا كان البعد الوطني غائبا وليست مصلحة الوطن والمجموعة الوطنية عنده إلا خطابا ممجوجا للإستهلاك الخارجي لا حقيقة له إلا تحقيق الذات، على حساب الآخر الذي هو الوطن والشعب، والمصالح الخاصة في احتكار السلطة وما يترتب له من خلالها من امتيازات ومغانم وقيم مادية ومعنوية، وإذا كان البعد الثقافي والإنساني لا قيمة له فيه للإنسان الذي لا يريده إلا طائعا له، وليس له معه من الحقوق أي حق إلا ما يجود به عليه، وليس له معه عليه إلا الواجبات المطالب دائما أن يكون مستعدا للقيام بها. والمواطن عند هذه المكونات السياسية والثقافية والفكرية التكفيرية العقلانية والحداثية والتقدمية هو من لا حق له في المواطنة إلا بالقدر الذي تريده له وتسمح له به. وهي التي تتعامل معه باستعلاء وفوقية وامتهان وازدراء واحتقار. وهو الذي ليس أمامه إلا أن يكون ممتنا لها بما تجود به عليه من حقوق له عليها وأن يظل شاكرا لها ذلك...فإذا كان الأمر على هذا المستوى من التردي والإنحطاط، فكيف يمكن لأي جهة أن تكون قادرة على تحقيق أي اختراق؟ وكيف لا يمكن إلا أن تكون عاجزة عن تحقيق أي شيء مهما كان الوقت طويلا ومهما كان لهذه الجهة أو تلك من القدرة والبراعة ؟ فلا يكون الإختراق إلا مع قيادة وطنية ديمقراطية ناضجة، لا أقول إسلامية، ذات أصالة وذات أخلاق وذات ثقافة وطنية أصيلة يكون فيها للإنسان اعتبار لا كما لغيره من الأحياء، ويكون له فيها من الحقوق ما لا ينازعه فيه أحد وما لا يمتن عليه بها أحد، وعليه من الواجبات ما ليست إلا حقا لله ثم لوطنه وأمته عليه. ولذلك فأنا أعتبر أنه بقدر ما يمكن أن تكون القيادة عاجزة عن تحقيق أي اختراق، فإن ذلك يمكن أن يكون لعيب فيها بقدر ما يمكن- وهذا الأكثر رجحانا عندي- أن تكون قد انتهت إلى ذلك لأنها لم تجد الشريك الكفء لمعالجة القضايا العالقة، وتنقية الأجواء وتحقيق مصالحة وطنية لتجاوز الخلافات العالقة وجبر الأضرار والشروع في مرحلة جديدة تكون فيها البلاد أكثر أمنا وأكثر استقرارا وأكثر رخاء...
- هل أنت مع محاسبة قيادات الخارج التي لم تحقق من الإنجازات إلا الثروة والشهادات الجامعية ؟ إذا كان لابد من محاسبة قيادات الخارج فليس لأنها حققت الثروة والشهادات الجامعية. فالحساب لا يكون على تحقيق إنجازات بهذا المستوى، وذلك في الحقيقة ما يحسب لها لا عليها، ولكن محاسبة القيادة تكون على مجالات مصارف هذه الثروات وعلى مواقع توظيف هذه الشهادات، وهل كان ذلك لصالح الإسلام والحركة أو للصالح الشخصي والعائلي والفئوي فقط. إن محاسبة القيادة تكون من أجل التفريط و الإفراط، ومن أجل التقصير والإهمال، ومن أجل التقاعس والإستقالة، ومن أجل الأخطاء المجانية التي لا تصح في حقها والتي لا مبررا شرعيا أو عقليا أو موضوعيا واقعيا لها. فأنا وإن كنت أعتبر أنه لا بد من المحاسبة، ولكن يجب أن نعلم من نحاسب ومن لا نحاسب، ومتى نحاسب وأين نحاسب، وكيف نحاسب ونحن مسلمون وفي حركة إسلامية لها خصوصياتها ولها قيمها ولها آدابها ولها أخلاقها ولها ثوابتها ولها حدودها...لا مبرر لتجاوز كل ذلك بالنسبة لأي كان مع أي كان من إخوانه في أي مكان وأي زمان، وبأي مبرر ولأي غاية وهدف... وعلى قاعدة " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم " كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال، فإنه كما يصح محاسبة المؤمن لنفسه تصح محاسبة إخوانه له اتقاء من الكل لحساب الله لهم . فلا حرج من المحاسبة بل هي واجبة ولكن وفق الآداب الإسلامية والأخلاق الإسلامية والأساليب الإسلامية ليكون كل ذلك داخل في التعاون بعضنا مع بعض على طاعة الله التي يجب أن تكون لا غاية ولا هدف لأي كان منا فيها غير ذلك. فليست المحاسبة إلا لتبين وجه الخطإ من الصواب وأين كان الخطأ وأين كانت الإصابة ومن أخطأ ومن أصاب، لتدارك الخطإ وتصحيحه والمحافظة على الإصابة وتأكيدها، ولنقول للمصيب الذي يكون له عنده أجران أصبت وأحسنت وللمخطىء الذي يكون له عند الله أجر واحد أخطأت وأسأت. ولتكون الإستفادة من الخطإ كما تكون من الإصابة. وليكون الرجل المناسب بذلك في المكان المناسب. ويجب أن نحاول على أن لا تكون المحاسبة فرصة لجلد بعضنا أو أنفسنا ليكون في ذلك تبرئة للمجرمين في ما اقترفوه من جرائم في حق الإسلام والمسلمين وفي حق الوطن والشعب والأمة والإنسان. وإني لأرى في توبة البعض إلى الله وفي دعوة بعض الأخوة للتوبة وإن كان ذلك مما لا بد منه ولا بد من التذكير به دائما، إلا أن ذلك كان في سياق تحميل أنفسنا وبعضنا مسؤولية ما حدث من مأساة ومن جرائم ومن تجاوزات في حق الشعب المتضرر في الحقيقة كله وإن بأحجام متفاوتة في ما يشبه حملة الإبادة التي قادتها ومازالت تقودها مكونات الحركة العلمانية اللائكية التكفيرية الإرهابية في حق البلاد والعباد. وبدا ذلك نوعا من جلد الذات وجلد الضحية، وتبرئة للظالم وللجلاد وللمجرمين وللمتخاذلين والغافلين والمنافقين وغيرهم. إن إعلان التوبة والإعتذار هو اعتراف بالوقوع من الجريمة في ما وقع فيه المجرمون. وهو نوع من تبرئتهم مما وقعوا فيه من جرائم وتورط في القتل العمد وفي انتهاك الأعراض وإتلاف الممتلكات ومصادرة الأموال وقطع الأرزاق، أو على الأقل التساوي والمشاركة معهم فيه، وذلك ما يصلح شهادة لهم لا عليهم وشهادة علينا لا لنا بعد أن يكون قد " شهد شاهد من أهلها ". " أفنجل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ". وكما أن للمحاسبة آدابها وأخلاقها وقيمها وأساليبها، فإن لها ظروفها في الزمان والمكان، ولها أهلها حتى لا يكون بعضنا مع العدو على البعض الآخر. وإذا كان لا بد من المحاسبة فإن كل الظروف وكل الأسباب غير متوفرة وغير مواتية لفعل ذلك. وعليه فإني أرى أن الأقوم والأنسب في الوقت الراهن والظروف الراهنة أن نهتم بما هو أفضل وأنفع، لأن الوقت ليس وقت محاسبة. فالمطلوب محاسبتهم قد أصبح منهم أموات نحسبهم شهداء عند الله وأحياء نحسبهم كذلك شهداء أحياء ومجاهدون صامدون، وإن كان هؤلاء من لنا عليهم حق المحاسبة، فإنه يجب ليكون ذلك مجديا وفي الطريق الصحيح أن لا يكون إلا في ظروف أمنية وسياسية واجتماعية أفضل. وأحسب أنه بقدر ما كان التقييم ممكنا، فإن المحاسبة بما يعني تبين أوجه أخطاء وإصابات القيادة في إدارة المعركة قديما وحديثا تبدو لي غير ممكنة في الراهن التاريخي للبلاد وللحركة، وإني لمع محاسبة النظام في كل وقت وكلما كان ذلك ممكنا باعتبار مسؤوليته الكاملة عن ما حصل ويحصل بالبلاد من ضرر ومن فساد ومأساة لكل أبناء شعبنا أكثر من محاسبة قيادات الحركة لأن ذلك قد لا يكون إلا في مصلحة النظام، وعوض أن تكون كل جهودنا الضعيفة أصلا متجهة نحو الفاسدين والمفسدين من مكونات النظام، تصبح متجهة إلى بعضنا بعضا، ويكون انشغالنا كمظلومين ومصلحين ببعضنا أكثر من انشغالنا بغيرنا كظالمين ومفسدين...
- من سيعوض جوع الآلاف من أبناء الداخل ؟ إذا كانت حركات التغيير والإصلاح والإستقلال وتقرير المصير هي حركات الأحرار في قيادة شعوبهم نحو العزة والكرامة والمجد كدحا إلى الله ابتغاء لمرضاته وانتهاء إلى الخلود في فسيح جناته، فإنه ليس أمام هؤلاء وكل من حذا حذوهم وسار على دربهم واختار سلوك الطريق إلى ذلك معهم أن يكونوا مستعدين لتحمل مسؤولياتهم في كل شيء مما يمكن أن يصيبهم ويعتريهم من تعب ونصب ومن جوع ومخمصة ومن عراء وفقر ومرض ومن ضيق الدنيا الرحبة من حولهم عليهم، دون أن يطلبوا عن ذلك من أحد جزاء ولا شكورا لأنهم لا يبتغون في الأصل الجزاء إلا من الله، دون أن يعني ذلك أن لا يكون لبعضهم على بعض، كل في موقعه، حقوق وما يترتب عليه من واجبات، ودون أن يعني ذلك أن لا يترتب لبعضهم اهتمام واجب ببعض... أما أن تكون القيادة كتلك الموجودة في رام الله من فلسطينالمحتلة ليس لها من هم سوى البحث عن الراحة لشعب محتلة أرضه ومنتهكا عرضه ومهددا في وجوده، فبئس القيادة ولا نامت أعين الجبناء... لا بد للقيادة من أن تعمل على توفير كل ما تحتاجه قواعدها مما يساعدها على الثبات والصمود في وجه الإحتلال والإستبداد معا كوجهان لعملة واحدة، دون أن يكون ذلك على حساب قضيتها وعلى حساب مشروعها. وإذا لم تكن قادرة على ذلك فحسبها التمسك بالحق حتى يمكن الله لها في الأرض أو تلقى الله وهي على ذلك. ليست المسألة تعويض الجوع ومن سيعوضه لجوعى الداخل، ولكن المسألة مسألة حقوق لا تسقط بالتقادم، ومسألة مسؤولية عامة ومشتركة تكون على القيادة المسؤولية الأكبر فيها طبعا، ولكن إذا كانت قصرت أو أفسدت أو تهاونت، وهذا ما لا نستطيع القطع والجزم به إلا من خلال مراجعة وتقييم يكون للجميع فيها حضور. وبقدر ما تكون المسؤولية مسؤولية قيادة فإن المسؤولية تقع كذلك على القواعد وعلى رموز الداخل الذين يجب أن لا ينسوا أن عليهم مسؤولية البحث والمتابعة والقبول بأن يكونوا همزة الوصل بين القيادة بالخارج والقواعد بالداخل كل ما كان ذلك ممكنا. وإن عظم المسؤولية ليقع في النهاية على النظام الظالم الجائر الفاسد الذي انتهج سياسة من التجويع والحصار وقطع الأرزاق كان أشد تصميما فيها من الإحتلال الفرنسي ومن الإحتلال الصهيوني لفلسطينالمحتلة. إن الذي سيعوض جوع الآلاف من أبناء الداخل هو الله وحده أولا، لمن أخلص وصدق معه، ثم أن مزيد اهتمام وتنسيق وعدل القيادات بالداخل والخارج يمكن أن يلعب دورا مهما في رفع بعض المعاناة عن الجوعى والمرضى، وليكن ذلك همها الأكبر واهتمامها الأول مع ما أصبح الجميع في حاجة إليه من بعد تربوي وروحي يكون الجميع أقرب به من الله الذي " يطعمني ويسقيني وإذا مرضت فهو يشفيني " كما أجرى الله جل جلاله ذلك على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام.