تشهد الساحة السياسية والحقوقية التونسية هذه الأيام جدلا واسعا حول مسألة المراقبة الأجنبية للانتخابات الرئاسية والتشريعية المنتظر عقدها في تشرين الأول أكتوبر المقبل. وتستند بعض المعارضات التونسيّة في مطالبتها بضرورة دعوة مراقبين أجانب لمتابعة سير العملية الانتخابيّة، إلى خطاب الرئيس زين العابدين بن علي في أبريل الماضي والذي ذكر فيه إنه "سيُفسح المجال أمام مراقبين من تونس وبلدان شقيقة وصديقة، متعهّدا ب"تأمين الوسائل اللاّزمة للقيام بعملهم في أفضل الظروف كي يتبينوا بأنفسهم مدى ما يتحلى به الشعب التونسي من وعي ومسؤولية".
إلا أنّ تصريحات مسئولين كبار في الدولة جعلت الجدل يثار حول مسألة المراقبة الدولية للانتخابات، اثر رفضهم وبشكل قاطع قدوم مراقبين دوليين، للإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
الرئيس يُرحّب والحكومة ترفض
يذهب عدد من المتابعين إلى اعتبار أنّ تناقضا ما قد حصل، بين تصريح الرئيس التونسي الذي أكد فيه إنه سيفسح المجال أمام مراقبين من دول صديقة وشقيقة دون أن يُسّميها، وتصريحات وزير العدل وحقوق الإنسان البشير التكاري التي كرّرها في أكثر من مناسبة، وأكد من خلالها أنّ" تونس لن تقبل بقدوم مراقبين دوليين للإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لأنها ليست دولة ناشئة في مجال الديمقراطية" مرحّبا في ذات الوقت ب"كل الضيوف والملاحظين من دول صديقة".
وذكر التكّاري إنّ حكومة بلاده "تقبل بكل رحابة صدر أي ملاحظين وضيوف يرغبون في المجيء من دول شقيقة وصديقة، ولكن نرفض تماما مراقبين قانونيين يشرفون على الانتخابات، لان هذا غير مقبول في تونس وليس هناك تونسي واحد يرغب في وجود مراقبين أجانب مثلما يحصل في الدول الناشئة في مجال الديمقراطية."
المُراقبة و الملاحظة
يقول الأستاذ صالح الزغيدي عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريح للقسم العربي لإذاعة هولندا العالمية إنّ المراقب في الانتخابات هو الذي تُعطى له سلطة داخل مكاتب الاقتراع و يعمل من أجل أن تكون العملية الانتخابية سليمة ومتماشية مع القوانين، والمراقبون هم من يتحكمون في مصير الانتخابات.
أما الملاحظون – استنادا إلى الزغيدي - فإنهم يكتفون بمتابعة ما يجري خلال الانتخابات و لكنهم لا يتدخلون في أي شيء و يُعدون تقارير للجهة التي كلفتهم بالمتابعة ويبلغوا ملاحظاتهم حول قانونية العملية الانتخابية أو الانتهاكات الحاصلة.
و يعتبر الزغيدي القيادي بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي شاركت في مراقبة انتخابات العام 1994 ،أن محدودية التجربة التونسية في مسألة الانتخابات تجعل الخلط واضحا بين مفهومي الملاحظة والمراقبة ولكنه يؤكد في ذات الوقت أنّ " المسألة وقع تضخيمها إلى درجة أن بعضهم يعتبرها مربط الفرس في الانتخابات المقبلة".
تمسّك بالمراقبة الدوليّة يطرح الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض بإلحاح مسألة المراقبة الدولية، ويرى أنّ منظمات وهيئات مثل الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ومركز كارتر والمعهد الديمقراطي الدولي والمعهد الجمهوري الدولي، تعتبر منظمات يمكن أن تتابع سلامة المناخ السياسي ومدى توافق التشريعات التونسية في ميدان الانتخابات مع المقاييس الدولية.
إلا أنّ الإعلام الرسميّ و شبه الرسميّ هاجم الحزب ومرشحه للانتخابات الرئاسية المحامي أحمد نجيب الشابّي معتبرا في دعوة أجانب لمتابعة سير العملية الانتخابية "مسّا من السيادة الوطنيّة واستقراء بالأجنبي".
يقول المرشحّ المعارض احمد نجيب الشابي في تصريح لإذاعتنا : إنّ مشاركة عدد من المراقبين الدوليين في الانتخابات التي تُجرى في دول سائرة في طريق الديمقراطية هي ظاهرة جديدة، القصد منها المساعدة على النهوض بالديمقراطية، لكنّ الدول التي تخشى من حضور المراقبين تطرح مثل هذه الحجج والتُهم التي تحاول تأليب الرأي العام ضدّ هذه الظاهرة باسم المشاعر الوطنية".
الشابي الذي زار بداية يونيو الجاري الولايات المتحدّة، والتقى مسؤولين في منظمات ومراكز تعنى بالمراقبة الانتخابية، على غرار "برنامج الديمقراطية بمركز كارتر"، و"المعهد الديمقراطي الدولي"، و "معهد كارنيجي للسلام الدولي"، و المعهد الجمهوري الدولي و غيرهم؛ يقول إنّ هذه المؤسسات "من مبادئها احترام القوانين الجاري بها العمل والسلطات القائمة والحياد المطلق، وعدم الحضور للمراقبة إلا بترخيص من الحكومات، و بالتالي مسالة السيادة الوطنية ليست مهددة، و إنما الواضح أن الحكومة التونسية تريد أن تخفي غياب أدنى شروط ومواصفات الانتخابات الحرة و تريد أن تجريها في جوّ من العتمة بعيدا عن المراقبة" على حدّ تعبيره.
الانتخابات بيد "الدّاخليّة"
و على الرغم من أنّ مرشّح الحزب الديمقراطي يقول إنه "وجد خلال زيارته للولايات المتحدة شعورا أوليا من ممثلي تلك المنظمات، قوامه التحفظ على أنّ تونس تفتقد شروط ومقومات الانتخابات الحرة، و أنّهم لا يريدون الحضور لتزكية انتخابات تفتقد لأبسط شروط النزاهة و الشفافية، فإنّ الفكرة التي استقر عليها الرأي هي إرسال طلبات إلى الحكومة التونسية للترخيص، لإرسال بعثة للتثبت من وجود شروط انتخابات حرة من عدمها.
قانون الانتخابات في تونس يحيل سلطة الإشراف على العملية الانتخابية إلى وزارة الداخلية على المستوى الوطني وإلى المحافظ (الوالي) في مستوى الدائرة الانتخابية. فالمُحافظ هو الذي يعين رئيس وأعضاء مكتب الاقتراع وهو الذي يعين أعضاء لجنة النزاعات، والبلديات هي التي تعد القائمات الانتخابية وتراجعها وهي التي تعد وتوزع بطاقات الناخب والمحافظ هو الذي يُحدد عدد ومكان قاعات الاجتماعات العامة وعدد المعلقات الانتخابية.
وترفض الحكومة التونسية الدعوات التي تطلقها المعارضة بتكليف هيئة مُستقلة تشرف على العملية الانتخابية منذ إعداد قائمات الناخبين إلى حين إعلان النتائج على اعتبار أنّ وزارة الداخلية "غير محايدة".
ويرى صالح الزغيدي القيادي برابطة حقوق الإنسان أنّه وجب تغيير ما سمّاه "الرباعي المسيطر على المشهد السّياسي وهي الدولة الحزب والأمن والإعلام، الذي حوّل العملية الانتخابية إلى إعادة شرعنة النظام الحاكم، فقد أضحى من غير المقبول أن تضلّ وزارة الداخلية خصما وحكما في ذات الوقت".
أما أحمد نجيب الشابي فيعتقد أنّ الحكومة "لا تبدو مُستعدة للتفريط في احتكارها للعملية الانتخابيّة في الوقت الحالي خصوصا و أنّ الإدارة التونسية لا تتمتع بشروط الحياد السياسي "على حدّ تعبيره. تعليق صالح الزغيدي
السبت, 06/13/2009 - 04:10 رد بسبب حذف جزء من تصريحي ،نتج شيىء من التشويه للتحليل الذي قدّمته......تجدون فيما يلي أهم ما حذف .. "المسائل المحوريةوالحاسمة في الانتخابات التي تجري في تونس منذ 50 سنة هي في الحقيقة ذات طابع سياسي مباشر..المنظومة السياسية/الانتخابية/الاعلامية التي تحكم الانتخابات تكرس نظام الحزب الواحد والرأي الواحد والقرار الواحد والاعلام الواحد،وهو نظام يفقد المواطن التونسي مواطنته في الحياة السياسية والحياة العامة اليومية..لإالمطلوب اذن ليس المطالبة بمراقبين أجانب ،بل التأكيد على أنه من غير المعقول ومن غير المقبول تنظيم انتخابات للمرة الألف على أساس منظومة وضعت منذ أكثر من نصف قرن ...هل من التطرّف المطالبة بآنتخابات في تونس ترقى الى مستوى المصداقيةالتي بلغتها الانتخابات ،ليس في البلدان الديمقراطية ،بل في بلدين يتخلفان على تونس في العديد من الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحضارية ،وأقصد موريطانيا واليمن ؟ ؟ اذاعة هولاندا العالمية 12.06.2009