هل سيتمّ توقيع السلام قبل نهاية عام 2008؟ وهل سترى الدولة الفلسطينية النور في الأشهر القادمة؟ هذه الأسئلة التي تمّ طرحها بكلّ جديّة، سواءً إبّان قمّة أنابوليس أو عند زيارة الرئيس جورج دبليو بوش إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية، قد تبعث على الشك بالصحّة العقليّة لبعض المعلّقين والمسؤولين السياسيين. ربّما إنّ أملنا جميعاً بالسلام وحبّنا لكي نرى حلاًّ للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني الذي لا نهاية له، هما الذان يجعلانا نتعلّق بأيّ تصريحٍ أو لقاءٍ كي نقول لأنفسنا: هذه المرّة هي الجيّدة. ولكنّنا لا نستطيع أن نختبيء في سماء الأفكار المجرّدة. يجب الهبوط على الأرض، حيث تتقدّم على هذه الآمال وقائع الحياة التي حتماً لا تسرّ كثيراً: خاصّةً بالنسبة للفلسطينيين. ويجب على من يتناسى الأمور أن ينظر إلى ما يحدث في غزّة كي يفتح عينيه. فبعد أن أُغلِقَ عليهم في "سجنٍ في الهواء الطلق"، وبعد أن أخضعوا إلى حصارٍ يمكن موازاته، حسب مبعوث الأممالمتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة، السيّد جون دوغار، مع "جرائم الحرب"، ها هم فلسطينيو غزّة يحطّمون الجدار الذي كان يخنقهم. ولكنّ نفحة الأوكسيجين هذه لا تغيّر بشكلٍ أساسيّ الحقيقة التي يعيشها الفلسطينيون سواء في غزّة أم في الضفّة الغربيّة: الاستيطان وحواجز التفتيش والسجن. وفي حين تجري مباحثات بين الحكومة الإسرائيليّة والسلطة الفلسطينيّة، لم نشهد على أيّ تقدّمٍ في أيّ من هذه الملفّات الثلاث. بل العكس. ففيما يخصّ المستوطنات، هاكم بعض الأرقام التي تتحدّث بنفسها. فاستناداً إلى الجدول المنشور في "التقرير حول المستوطنات في الأراضي المحتلّة" [1]، يزداد عدد المستوطنين سنويّاً بين 5 و8 بالمئة (في حين يتراوح نموّ السكّان في إسرائيل بين 1،8 و2،6 بالمئة). ولمن ما زال يعتقد بأنّ الجدار الفاصل يحضّر لتفكيك المستوطنات المتموضعة شرقه، يبرهن التقرير نفسه أنّ زيادة سكّان المستوطنات هو نفسه، على شرق أو غرب الجدار. وفي حين يقلّص هذا الاستيطان من احتمالات خلق دولةٍ فلسطينيّة، تكتفي الولاياتالمتحدة (وكذلك فرنسا) ببعض التصريحات الطنّانة، دون أيّ إجراءٍ عمليّ ودون القيام بأيّ ضغطٍ حقيقيّ على الحكومة الإسرائيليّة. أمّا فيما يتعلّق بالمستوطنات غير الشرعيّة (أيّ التي يتمّ تشييدها دون الموافقة الصريحة للحكومة الإسرائيلية)، فها هو السيّد إيهود أولمرت يُعلِن، عند كلّ زيارة لمسؤولٍ أمريكي رفيع، أنّه سيقوم بتفكيكها. هذا لا يلزمه بشيء، لأنّه لا يفِ بوعوده، والكلّ يعرف ذلك. هكذا عندما سئل السيّد بوش، في أحد مؤتمراته الصحفيّة في القدس، عن هذه المستوطنات العشوائيّة وعن أنّ إسرائيل كانت قد تعهّدت بتفكيكها عام 2003، اكتفى بإطلاق ضحكةٍ منزعجة.... أمّا فيما يخصّ السجناء الذين يصل عددهم إلى عشرة آلاف، فإنّ إطلاق بعضٍ منهم قد تبعه اعتقالات بأعدادٍ مماثلة (بل على الأحرى بأعدادٍ أكبر). وقد نشرت منظّمة ييش دين الإسرائيليّة لحقوق الإنسان بداية كانون الثاني/يناير تقريراً [2] يدين انحياز القضاء العسكري الإسرائيلي. فحسب مراسل صحيفة لوموند في القدس [3]: "من أصل 9123 حالة تمّت معالجتها عام 2006، فقط تمّ الإقرار ببرائة 23 شخصاً من المحالين إلى المحكمة. وهذا ما يضع شكوكاً حول احترام مبدأ البراءة وحول طرق معالجة الملفّات. إذ انطلاقاً من دراسة 188 إجراءٍ قضائيّ، أثبتت ييش دين أنّه تمّ الوصول إلى القرار بالاستمرار بالحجز وسطيّاً خلال 3،4 دقيقة فقط، وأنّ تمديد الحبس كان يستغرق 1،54 دقيقةً!. هكذا تكفي فقط دقيقتان لإرسال شخصٍ إلى السجن، وقبل أن يكون التحقيق قد انتهى، حسب ما جاء في التقرير". وكانت إيميلي شيفر، التي تحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأمريكية، والتي تعمل كمستشارة قانونية للمنظّمة، قد نشرت في 7 كانون الثاني/يناير في صحيفة "إنترناسيونال هيرالد تريبيون" مقالاً [4]جاء فيه: "أنّ إسرائيل قد وضعت محاكِماً عسكريّة لتستفيق، بعد أربعين سنة وبعد إنفاق ما يزيد على أربعين مليار دولار، مع عشرة آلاف معتقل يمرّون أمام محاكمها كلّ سنة. ولم تنفع هذه المحاكم إلاّ بمفاقمة الشعور بالمرارة بين الفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال، وفي كثيرٍ من الأمم الإسلاميّة والعربيّة. كما نسفت أيّ حظوظٍ لتغيّرات إيجابيّة في المجتمع الفلسطيني". فإذا لم تكن الحكومة الإسرائيليّة قادرة أن تمنح أيّ تنازلات، حتى فيما يخصّ مسائلاً أساسيّة مثل حريّة التحرّك والمستوطنات، ومصير السجناء، فمن يستطيع أن يصدّق أنّها ستقبل الالتزام بقرارات الأممالمتحدة بالانسحاب من الأراضي المحتلّة عام 1967 وبالإقرار بإنشاء دولة فلسطينيّة على هذه الأراضي، عاصمتها القدس؟ فلماذا تخادعنا العواصم الأوروبية والعربيّة بالتظاهر أنّها تصدّق ذلك؟