شهدت مدينة جنيف بسويسرا خلال الأيّام القليلة الماضيّة حدثا هامّا تمثّل في تحرّك حقوقيّ تحت شعار " العودة حق واسترداده واجب " شارك فيه إلى جانب عدد من نشطاء حقوق الإنسان ممثّلين عن بعض الأحزاب السيّاسيّة التّونسيّة وانبثق عنه بعث منظمة حقوقية سميت " المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين " . وتأتي هذه المبادرة تتويجا لنقاشات وحوارات معمّقة كما ذكر القائمون عليها حول عدد من القضايا تتعلّق أساسا بالوضع السياسي التونسي . وقد كان متوقّعا أن يكون ردّ السّلطة على هذه المبادرة سريعا وواضحا ، حيث صرّح وزير العدل وحقوق الإنسان خلال اللقاء الإعلامي الدوري ردّا على سؤال طرحته "السياسيّة" يتعلّق بوجود عريضة تروّج بين عدد من التونسيّين المقيمين بالخارج تطالب ب"حق العودة"، قائلا : " إنّ حق العودة مكفول بحكم الدستور وهذه مسألة لا يُمكن المساومة فيها أو المساس بها ، وتونس مفتوحة لكلّ أبنائها ولا يُمكننا أبدا أن نصُدّ أحدا عن العودة إلى تراب الوطن "، مضيفا بأنّ :" التونسيّون الموجودون بالخارج والّذين يُعتبرون أنفسهم مُبعدين ويتحدّثون عن حق العودة ، نقول لهم تونس مفتوحة لكلّ التونسيّين دون استثناء ، ومن صدرت بحقهم أحكام فإنّهم إمّا وقد انقضت العقوبة بمرور الزمن أو أنّ عقوبتهم لم تنقض بعد وهو ما يستلزم إجراءات قضائيّة في الاعتراض". هكذا يبدوا إذا ملامح المشهد السياسي فيما يتعلّق بحق العودة وهو يحمل في طياته مغالطات شديدة الإلتباس تدعوا للتوقف عندها لفهم ملابسات القضيّة أمّا الأولى فتتعلّق أساسا بتعامل السلطة السلبي مع عدد من المناضلين الحقوقيين القادمين من جنيف بعد مشاركتهم في "مؤتمر حق العودة" حيث عمدت أجهزة الأمن في مطار تونسقرطاج إلى الإعتداء الوحشي عليهم واحتجاز مجموع الوثائق التي بحوزتهم وهو ما يفسّر بأنّ السّلطة ماضيّة في خيار مواجهة المتطاولين بحسب فهمها وأن لا مجال للحديث عن مصالحة وطتيّة تضع أسسها قوى المعارضة وأساسا حركة النهضة التونسيّة . أمّا المسألة الثانية فتتعلّق بما ورد في البيان الوطني المشترك لعدد من السياسيين والحقوقيين المجتمعين على هامش مؤتمر حق العودة ( يمكن الرجوع إلى نصّ البيان على موقع تونس نيوز بتاريخ 21 .06 2009) والذي أكد على حقّ العودة دون التطرّق لمطلب العفو التشريعي العام الذي كان ولا يزال مطلبا رئيسيّا في مسيرة نضالنا السياسي ، كما أنّ البيان قد أشار إلى مجموعة من النقاط المهمّة يمكن النظر إليها على أنّها مطالب أساسيّة تلخّص حالة الإنسداد في الوضع السياسي التونسي وهو ما يجعلنا نتسائل عن دواعي ومبرّرات هذه العودة مادام الوضع بهذه القتامة وإذا كان الغرض من هذه المبادرة هو إحراج السّلطة قبل الإنتخابات الرآسيّة القادمة للقيام بخطوات عمليّة تخفّف من حدّة التوتّر والإحتقان وتهيئ الأجواء لجلسات حوار وطنيّ شامل فإنّ الردّ على هذه المطالب كان اعتداء بالعنف على عدد من الشخصيات المعروفة بناضالاتها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس أمّا إذا كان القصد هوّ محاولة إيقاف مسار العودة الفرديّة فأعتقد أنّ الوقت قد جاء متأخرا جدّا خاصّة وأنّ هناك عددا لابأس به من المحاكمين بسبب أفكارهم وانتماءاتهم السياسيّة قد سوى وضعيته عبر القنصليات بالخارج أو هو ينتظر. إنّتا إذا أمام مأزق سياسي حقيقي يدعوا للبحث عن مخرج يحقّق طموحاتنا المبتغات حتى لا تكون النتائج بعكس التوقعات ، كما أنّنا بحاجة إلى تحكيم العقل الذي يدعو إلى التحكم في الإنفعالات بواسطة الإرادة المسخرة لخدمة الوضوح . لقد كانت ولادة حركة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي حازت على اهتمام إعلامي عالمي كبير تتويجا لزخم نضالي كان من المفترض أن تحقّق بعض المكاسب للحركة الشعبيّة عندما تبنت ثلاث قضايا رئيسيّة مهمّة غير أنّها ضعفت عندما تحوّلت إلى مناقشة بعض القضايا الخلافيّة كان من المفترض تأخير النظر فيها بعد تحقيق انفتاح سياسي وتوفير هامش من الحريّة السياسيّة لكل الأطراف ، وأخشى ما نخشاه أن لا تدرك المنظمة الدولية للمهجرين تضحيات المنفيين والمغتربين وصمودهم طوال عقد ونصف من الزمن وأن لا تأخذ بعين الإعتبار ميزان القوى القائم وطبيعة مطالب الأطراف السياسية والمدنية فتتحوّل إلى مجرد ذكرى مؤلمة نكاد لا ننساها مع مرور الوقت كما أنّنا نخشى أن تتحوّل هذه الملتقيات إلى هوس إعلامي وملهاة خطابية قد تضيع معها مصالح شعبنا وقضاياه الرئيسيّة وأنا هنا لست متشائما ولا مشككا ، فأنا مؤمن كل الإيمان بقيمة هذا المؤتمر وأهميته وخطورته كونه يتعاطى مع أحد أهم قضايا الواقع السياسي التونسي في حركته التاريخية والثقافية والإجتماعية والسياسية. لكنّنا نؤكّد على حاجتنا إلى عمل فعلي يوقف المظالم وإلى طاقات تتقن فنّ السياسة لا تستهوي العواطف فنضيع العمر كلّه بين الوصف والتصوير . إنّا ندرك أنّ حجم التضحيات كبيرة لكنّنا لن نقبل أبدا بحجم الفساد وسرقة المال العام ومصادرة حريتنا من جديد و التغافل عن محاكمة المجرمين وعدم التعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت بنا نورالدين الخميري 27 . 06 . 2009