تأليف: دوني سيفير / ترجمة وعرض: بشير البكر يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا. وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟ يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة. وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية. كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود”. تضليل إعلامي لإخفاء جرائم الكيان الصهيوني بعد الخبير والصحفي كاتب الافتتاحيات ينتقل بنا الكاتب دوني سيفير إلى شخص أكثر احترازا ولكنه يشتغل مع رأي واع بلغة تهاجم صورة حماس على جبهة أخرى: الجبهة الاجتماعية. يتعلق الأمر، هنا، بلوك روزنزفيغ، وهو صحافي سابق في صحيفة “لوموند”، ومقرب جدا من المصادر “الإسرائيلية”، وقد انتقل إلى العمل مع اللوبي. وقد وجّه رسالة إلى أهالي غزة يقول فيها: “اغتنوا، جميعكم، حسب طاقاتكم وقدرتكم بدل أن تتمرغوا في الشقاء والبؤس والاضطهاد”. ويضيف: “تخلصوا من تجار الأنفاق ومن مصوّري الكاميرات الذين يقبضون بالدولار عن كتب اللحم المدمى الذي يتم إرساله إلى الفضاء الهرتزي ومن موظفي الأممالمتحدة الذين يتجولون في سيارات رباعية الدفع ومن المنظمات غير الحكومية الذين يمتلكون قابلية لامتصاص أكبر قدر من المساعدات.. من خلال تسويد مصيركم، بلا حياء”. وبنبرة أبوية يواصل “أَلَمْ تتعبوا من وضعيتكم كمُتلقّين أبديين للمساعدة وبتبعيتكم للإحسان العمومي من أجل الغذاء وتعليم أبنائكم وصحة عائلاتكم”. يعلق دوني سيفير على هذه الدروس التي يقدمها الصحافي السابق في جريدة لوموند بالقول: “إن هذه السطور كُتِبت يوم 16 يناير من سنة ،2009 حين كان عدد قتلى الهجوم “الإسرائيلي” يتجاوز الألف قتيل”. ويحاول سيفير أن يميّز بين هذه الخطّين: خط كلود امبيرت ولوك روزنزفيغ، فيلاحظ أن الثاني لا يريد أن ينزع كل عقلانية من تصرفات حماس، بل يريد أن يضيفها إلى قائمة الذين يستغلون الشعب الفلسطيني. وهو يتوجه بدرجة أكبر ضد الخدمات الاجتماعية لحركة حماس أكثر مما يتوجه ضد مطلقي الصواريخ. ويرى أنه يندرج ضمن حملة تضليلية تستخدم الحجج “الإسرائيلية”. وهو ترويج لفكرة يهودية منظمة ترى أن: “ظروف الفلسطينيين (“العرب”) ليست سيئة جدا، وأن أعداء “إسرائيل” هم الذين سوّدوها”. ويرى سيفير أن كلا الرجلين، كلود امبيرت ولوك روزنزفيغ متفقان على “الإخفاء الكلي للسياسة الاستعمارية. فلا القنابل ولا الحصار ولا الخنق الاقتصادي ولا منع إنشاء البنى التحتية فيما يخص المطار والميناء يمكنها أن تمنع الفلسطينيين من الاغتناء، لو كانوا يمتلكون “الإرادة””. ويُضيف دوني سيفير، معلّقا: “نعثر هنا على قرابة مع الخطاب النيو ليبيرالي الفرنسي - الفرنسي” السريع في لوم “أبناء الضواحي الفرنسية لأنهم لا يأخذون أنفسهم بأيديهم وبأنهم لا يستيقظون باكرا للبحث عن العمل”. مُنتخِبو حركة حماس: “أميّون” يكتب دوني سيفير أن حركة المقاومة الإسلامية حماس “هي “أفضل عدوّ” ل “إسرائيل”، لكون غائية حركتها غامضةٌ، ما بين مطالبها القومية الفلسطينية التي تتضمن تفكيك مستوطنات الأراضي المحتلة سنة ،1967 وبين مشروع المجتمع الإسلاموي”. ويرى المؤلف أن منح حركة حماس غائيةً أخرى، دينية بشكل حصري، له مزايا متعدّدةٌ من وجهة نظر “إسرائيل”. إذا كانت مَطالب حماس لا تتوجه نحو تفكيك المستوطنات، فإنها لا تتوجه نحو “إسرائيل” وإنما نحو المجتمع الدولي. وإذا كانت الغائية هي أسلمةُ العالَم فإن الجواب الوحيد هو مقاومةُ الغرب “العلماني”. وهكذا تستطيع “إسرائيل”، بهذه الطريقة، أن تتقاسم مخاوفها وتعبّئ إلى جانبها مجتمعات وضمائر كانت موالية للمطالب القومية الفلسطينية”. ليس من شك في أن المؤلف مطلع على الشأن العربي والفلسطيني وهو ما يجعله قادرا على تفنيد أطروحات وتأكيدات الكثيرين من المدّعين، ومن بينهم فيليب فال، مدير أسبوعية “شارلي إيبدو”، الذي اشتهر بمعاداته للإسلام وللحجاب الإسلامي ومؤخرا بإعادة نشره الرسوم الكاريكاتورية المُسيئة للرسول، ويكتشف سيفير أن “فيليب فال” يخلط ما بين حزب الله وحماس والطالبان وهو ما جرى في عدد 7 يناير، ،2009 حين كتب: “إن مشكلتهم ليست مطلبا شرعيا مثل تأسيس دولة فلسطينية بقدر ما هي صراع شاملٌ يقوده متعصبون ضد كل من لا يشبههم”، ويعلق سيفير على المقال، ويكتب “إننا نجد هنا كل توابل البروباغاندا “الإسرائيلية”: التعصب ولكن أيضا “الصراع الشامل””. وتمضي صحيفة شارلي إيبدو، من خلال قلم فيليب فال، قائلة: “إن “إسرائيل” تواجه منظمات تنتهك القوانين الدولية”. ويعلق سيفير: “كما لو أن حركة حماس، التي ظهرت في ديسمبر ،1987 هي المسؤولة عن عدم تطبيق القرار الدولي 242 الصادر في نوفمبر من سنة 1967 الذي يطالب “إسرائيل” بالانسحاب من الأراضي المحتلة”، ولا يغيب عن سيفير هذا التبرير والدفاع عن “إسرائيل” الذي يلجأ إليه فيليب فال، وكأنما مسؤول حكومي “إسرائيلي” هو الذي يتحدث: “إذا كانت “إسرائيل” كلما انسحبت من مستوطنة أو من أراض محتلة في سنة 1967 تجد نفسها تتواجه مع بؤر حرب وتطرّف، كيف لا يمكن للانتخابات الديمقراطية أن تحمل إلى السلطة حكومات “إسرائيلية” تشجّع على مواصلة الانسحابات”، وليس ثمة شيءٌ أوضح من تعليق سيفير على الموقف المنحاز ل “إسرائيل”: “لا شيء، هنا، حول الحصار “الإسرائيلي” ولا عن الخنق الاقتصادي لسكان غزة ولا عن تدمير البنى التحتية ولا عن منع بناء الموانئ والمطارات. قذائف حماس محرومة من أي قضية. إنها صادرة عن تعصبهم”، وإذا كان المراقبون الدوليون للانتخابات الفلسطينية الأخيرة ،2006 التي فازت فيها حركة المقاومة الإسلامية حماس، تحدثوا عن سير جيد لها، فإن الصحافيّ فال يرى أن الانتخابات لم تكن “ديمقراطية” من حيث كون الفلسطينيين “أُمّيين”. وفي رأيه أيضا أن “الظلامية توجد داخل الشعب(الفلسطيني) نفسه، الذي انتخب حماس، من دون سبب، وعن جهل”. حماس تنفتح على العالم يأتي سيفير بكاتب فرنسي صهيوني، هو برنار هنري ليفي، ويدخله في جوقة المعادين لحركة حماس والمتحمسين لوجهة النظر “الإسرائيلية”. ففي الوقت الذي كانت فيه “إسرائيل” في الحضيض الإعلامي العالمي، بسبب حربها العدوانية على غزة، كانت تحتاج إلى من يدافع عنها ويخرجها من عزلتها جاء مقال برنار هنري ليفي في صحيفة لوجورنال دي ديمانش، يوم 18 يناير 2009 وفي مقاله يسمح ليفي لرئيس وكالة الأمن الداخلي “الإسرائيلي” الرهيبة يوفال ديسكين أن يتحدث كي يدخل الرعب في قلوب قراء الصحيفة الفرنسية. يقول المسؤول “الإسرائيلي” في مبالغة صارخة: “إن استراتيجية رجال حماس هي استراتيجية الإخوان المسلمين التي انبثقوا عنها والتي ترمي إلى الاستيلاء على السلطة لفترة طويلة في كل من لبنان والأردن و”إسرائيل””.. وهنا يعلق سيفير ساخرا: “كان بوُدّنا لو نُضيف... في “إسرائيل”.... وفي فرنسا”.. ولكن ضحالة وسطحية تفكير ورؤية الفيلسوف الميديوي ليفي جعلت المؤلّف يستشهد بتعريف مقتضب كتبه الفيلسوف الفرنسي الشاب ميشيل أونفراي: “من أجل تحسين قوته الضاربة، فإن من مصلحة المثقف الباريسي أن يبسّط العالم وأن يسخّف التعقيد ويختار الثنائية والإيجاز والمانوية”. وينتهي سيفير بتعليق ساخر وقوي: “ومن هنا فإنه يمتلك بعض التشابهات مع الرجل العسكري”. ويرى الكاتب أن صورة حماس اصبحت رهانا في هذه المرحلة الجديدة من الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني، كما كانت عليه في الماضي صورةُ منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات. لأن قوة “إسرائيل” تكمن في وضع مكونات الحركة الفلسطينية، واحدة بعد الأخرى، على المشهد الميديوي من أجل وضعها بشكل أفضل في موضع الشبهة والاتهام. ويقول سيفير إن “تكرار وضع هذا السيناريو المُجَرَّب توجد حركة حماس، الآن، في نفس الوضعية السياسية الميديوية التي كانت عليها منظمة التحرير الفلسطينية في نهاية سنوات الثمانينات من القرن الماضي كان عليه أن ينذرنا”. وكما رأينا، من قبل، فإن من مزايا البروباغاندا خلط كل الأجوبة. ويتساءل المؤلف عن حقيقة ميثاق حركة حماس التي تتحدث عنه الدوائر “الإسرائيلية” دونما انقطاع. ويقول نشر الميثاق في أغسطس/ آب من سنة ،1988 في بدايات نشوء حركة حماس، وهو يعرّف الحركة باعتبارها “جناحا للإخوان المسلمين في فلسطين” ويتمنى “انتصار الله”، وهو معزّز بالكثير من الاستشهادات القرآنية. وينقل المؤلف عن الباحث والأكاديمي الفلسطيني خالد الحروب، مؤلّف كتاب مهم عن حماس، كون الميثاق يرمي، بشكل خاص، إلى “نزع الطابع الفلسطيني عن المنظمة من أجل أسلمتها”. ولا يكتفي بإيراد مؤلف الحروب ولكنه أيضا ينتقده لكونه يكرّر مغالطات يدافع عنها أنصار “إسرائيل” في فرنسا. وهو لا يفعل سوى تقليد الصحفي الفرنسي وكل من تعامل مع حركة حماس من المتصهينين من خلال إرجاعها إلى مجرد وثيقتها الأولى، ضاربا عرض الحائط بكل التغييرات التي جرت منذ ذلك”. ويقول ان حماس “ولدت من حركة الإخوان المسلمين، حيث كانت جناحها في غزة، لكنها بدأت في الابتعاد عنها في بداية الثمانينات من القرن الماضي، التحول الكبير حدث في ديسمبر سنة 1987 مع الجماعة المصرية مع انفجار الانتفاضة الفلسطينية. ومنذ بدايات الإضرابات، قام أقرباء من الشيخ أحمد ياسين بالضغط عليه كي يتخلى عن سياسة التربية والدعوة كي ينخرط في النضال السياسي”. ويرى دوني أن الصحافيين “الإسرائيليين” زييف شيف وإيهود يعاري كانا من أوائل الذين تتبعا “مسلسل الفلسْطَنَة”. ويسترسل “لقد نشأتْ حركة حماس بهدف ألا تنخرط جماعة الإخوان المسلمين في المسلسل السياسي. وبعد سنوات من الراديكالية التي تجلت في رفض أوسلو وفي حملة التفجيرات القاتلة. وفي سنة 2005 أجرت حركة حماس خطوة إضافية في طريق التسييس”. إذا فالمشاركة في الانتخابات تعدُّ تحولا كبيرا في تاريخ حركة حماس، بالإضافة إلى تحولات أخرى تجعلها تبتعد كثيرا عن ميثاقها التأسيسي الأول. ويقول ان حماس أصبحت تلعب على وتر كونها إسلامية ووطنية. كما أن التغير ظاهر في رؤيتها للمجتمع الفلسطيني. فهي الآن تنادي بشكل واضح: ب”التعددية السياسية والتداول”. كل هذه التحولات تجعل دوني يلخص التغيرات الكبيرة التي أجرتها حماس على نفسها: “لم يتبقّ شيء، أو فقط القليل القليل، من ميثاق 1988 في وثائقها. وكأن التاريخ الفلسطيني يبدو دائريا فالكثير من القضايا تعود إلى السطح ولو من خلال مسميات مختلفة. “فالجدل حول ميثاق حماس يذكّر بالجدل الذي دار في بدايات سنوات التسعينات حول ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. وهو ما اضطر الزعيم عرفات إلى اعتباره “لاغيا” في تصريح له في باريس يوم 2 مايو/ أيار من سنة 1989 ورغم ذلك فرئيس الوزراء “الإسرائيلي” لم يتورع عن إشهار ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1990 وذلك من أجل تأخير اعتراف “إسرائيل” بمنظمة التحرير الفلسطينية. ويذكرنا سيفير بأنّ ميثاق حماس ظهر سنة ،1988 أي في نفس السنة التي شهدت اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية ب “إسرائيل”، اثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 في الجزائر. الكثير من الأسئلة تنطرح علينا في هذا الصدد: لماذا حلت حركة حماس محل منظمة التحرير الفلسطينية في اللحظة التي تلتزم فيه هذه الأخيرة بخيار المفاوضات؟ ولماذا استطاع خطاب “الراديكالية” لحركة حماس أن يجد آذانا صاغية في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، سنة 2006؟ ويرى دوني أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة “لا توجد في الصراع بين فتح وحماس أو في الحركة الوطنية الفلسطينية ولا في ميثاق حركة حماس، بطبيعة الحال. بل إنها تَكْمُن، أساسا، في فشل مسلسل أوسلو”. وهو فشلٌ، كما يرى سيفير، بحق، عائد، بالدرجة الأولى إلى “إسرائيل”. “إذ إن مسؤوليها لم يقبلوا قط إجراء مفاوضات بشأن الوضع النهائي للدولة الفلسطينية، عدا في ظاهر كامب دافيد حيث حاولوا أن يفرضوا على ياسر عرفات قبول مضاعفة الاستيطان في الضفة الغربية ما بين 1993 و2000- أي “العرض السخيّ” الشهير”. يعود سيفير إلى برنار هنري ليفي ورئيس جهاز الأمن الداخلي “الإسرائيلي”، الذي يتوقف عند هذه العمليات الانتحارية التي قامت بها حركة حماس، فيقول: “إنها كانت المحطات الأكثر سوادا في تاريخ حماس القصير”. ولكن تعليق سيفير على هذه الجملة لمسؤول “إسرائيلي” يمارس السياسة وتسويد صفحات العدوّ، لا يخلو من رجاحة رأي ومن عقلانية: “لم تحدث عمليات منذ سنة 2005 وبالتأكيد يوجد جزءٌ من اللا عقلانية في عمليات حماس، التي تستهدف المدنيين “الإسرائيليين”، من خلال الدفاع عن أسطورة الشهيد بالنسبة لمن يقوم بالعملية. لماذا يتعلق الأمر ب “جزء”، فقط، من اللا عقلانية؟ لأنّه إذا كانت العمليات في أعيننا تخلو بصفة كاملة من العقلانية، فإن اللحظة التي حدث فيها التفجير وكذا السياق الذي يندرج ضمنه يستجيب، في المقابل، لعقلانية سياسية لا يمكن دحضُها. إن العمليات عمياءُ بسبب أهدافها، ولكن توقيتَها يستجيب لمنطق”. يستعرض المؤلّف وقائع كثيرة من العمليات ولا ينسى سياقاتها (مثل التأكيد على أن أول عملية انتحارية لم تأت مباشرة بعد تأسيس حركة حماس، وإنما في 6 أبريل من سنة 1994 في ظروف خاصة جدا). فهي تأتي كردود فعل، كانتقامات لجرائم ارتكبتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين. فقد أقسمت حماس على الانتقام من الجريمة البشعة التي ارتكبها المستوطن “الإسرائيلي” باروخ غولدشتاين في مدينة الخليل والتي أدت إلى مقتل 30 فلسطينيا. وجاء رد حماس بعد احترام فترة الحداد التي دامت أربعين يوما حسب قرارات أئمة الأراضي المحتلة. ومنفذ العملية الانتقامية الحماسية رجل في التاسعة عشرة من عمره، وقد تعرّض في السابق للتعذيب في السجون “الإسرائيلية”. لن نجد محللا ولا صحافيا في الغرب من يتناول المسألة من هذه الزاوية، فكل المحلّلين الغربيين ينظرون إلى حركة حماس وكأنها حركة إرهابية، بامتياز، وتمشي أجندتها وفق خطط جهنمية لزرع الإرهاب والرعب. ولأن الزمن، زمن التفجير الفلسطيني، كان زمن المفاوضات الفلسطينية مع حكومة إسحاق رابين، فالكاتب يرى أنه “إذا كانت هذه القنبلة البشرية الأولى تندرج ضمن استراتيجيا حركة معارضة لاتفاقات أوسلو، فإنها لا تأتي “ضدّ” هذه الاتفاقات ولكنها ردٌّ على مجزرة مدينة الخليل”. والأمثلة كثيرةٌ. ونجد نفس “المحفّزات” حين أمر شمعون بيريز يوم 5 يناير 1996 باغتيال يحيى عياش، مسؤول حركة حماس. يلاحظ الكاتب أن عملية الاغتيال للزعيم الحماسي لم تأت في فترة احتقان وعنف. “لم يأتِ قرارُ رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بتنفيذ هذا الاغتيال “بدم بارد” في فترة كانت فيها حماس ملتزمة في “هدنة” فقط، بل كانت الحقبةُ تبدو ملائمةً في نظر العالم بأسره لتسريع مسلسل السلام”. والكاتب لا يقول البتة بأنه يُبرّر هذه العمليات، فها هو يعبر عن رأيه: “مهما كانت التبريرات التي تمحنها “إسرائيل” لحركة حماس، فإن هذه الطرق الخاصة بالعمليات مرفوضة، بشكل عميق، من قبل ضمائرنا. إن التذكير بالتفجيرات والجرائم التي ارتكبتها المجموعات الصهيونية سنتي 1947 و1948 ضد المدنيين الفلسطينيين، والغارات ضد المدنيين من طرف الطيران الحربي “الإسرائيلي” ومذبحتي صبرا وشاتيلا مع تواطؤ نشيط من قبل هيئة الأركان “الإسرائيلية”، في سبتمبر ،1982 لم ينفع في شيء”. وحركة حماس واعية بأن العمليات الانتحارية (بالطبع تعتبرها حماس عمليات استشهادية) تفقد المقاومة الفلسطينية بعض التأييد في الغرب. والواقع أن حماس حين اختارت المشاركة في الانتخابات الفلسطينية في يناير 2006 تخلت بشكل رسمي عن سلاح العمليات الانتحارية. الصواريخ الفلسطينية كنمط مقاومة إن زعماء حركة حماس ليسوا سُذّجا إلى درجة اعتبار صواريخ المقاومة قادرة على قلب ميزان القوى العسكري مع “إسرائيل”، أحد الجيوش الأقوى في العالم. والصواريخ ليست أكثر من رد طبيعي على العدو، كما يقول قائد من حركة حماس: “الصواريخ هي فقط الوسيلة الوحيدة التي نمتلكها للرد على الجيش “الإسرائيلي”، إنها ترمي فقط إلى التأكيد على أن حماس لا تزال تمتلك القدرة العسكرية”. المسألة معقدة والمؤلّف لا يرى في التفسير الحماسي لإطلاق الصواريخ مسألة مقنعة للمراقب الغربي. “من دون الاستهانة بالأضرار التي تسببها هذه الصواريخ يمكن القول إن هذه الاستراتيجية تشكل، قبل كل شيء، رسالة موجَّهة إلى الشعب الفلسطيني والتي تشهد على رفض الخضوع للإملاءات العسكرية والاقتصادية التي فرضهتا “إسرائيل””. و”إذا فمن المهمّ تقديم الصاروخ باعتباره سلاحا هجوميا”. ولكننا “سنجد صعوبة في الاعتقاد بأن حماس ستواصل إطلاق الصواريخ لو رُفِع الحصارُ ولو أن مفاوضات الحل النهائي أطلقت، وخصوصا معها”. ولأنّ ثمة حملة تضليل “إسرائيلية” ل “شيطنة” حماس فالكاتب لم يغب عن ذهنه أن “حماس لا تحتكر امتلاك ولا إطلاق الصواريخ في غزة”. كما أن “المعادلة صاروخ = حماس تبسيط المشهد السياسي في غزة إلى درجة مخالفة الحقيقة”. دار الخليج :الاثنين ,06/07/2009