هل تغيرت أحوال المسلمين في الولاياتالمتحدة بما ينهي حالة الرعب التي حاصرتهم طوال سنوات حكم المحافظين الجدد بسياساتهم الأمنية التعسفية المستفيدة من قانون مقاومة الإرهاب؟ للتذكير فقد بلغت العلاقة مع المسلمين والإسلام في تلك السنوات حدّاً غير مسبوق من العدوانية والتهوّر جعل توم تانكريدو، النائب عن ولاية كولورادو في الكونغرس، يصرح بأن الولاياتالمتحدة قادرة على تدمير الأماكن المقدسة للمسلمين (مكةالمكرمة والمدينة المنورة) إذا ما نفذ متطرفون إسلاميون هجوماً على أميركا بأسلحة نووية. هذا التصريح كان نموذجاً من نماذج الرعونة والكراهية التي باركها المحافظون الجدد ودفعوا إليها في داخل الولاياتالمتحدة وخارجها والتي لخصها الكاتب سام هاريس حين قال: «لقد آن الأوان أن ندرك أننا لا نحارب الإرهاب ولكننا نخوض حرباً ضد الإسلام». بعد سبع سنوات مريرة وكالحة انكشف بصورة جليّة أن مقولات المحافظين الجدد انتهت -خاصة فيما رسمته من علاقة مع المسلمين والعالم الإسلامي- إلى فضيحة منكرة. لقد تأسست الخيارات السياسية للمحافظين الجدد على اعتبار أن الولاياتالمتحدة الأميركية ترتكز على جملة قيم ظلت معتَمَدة في الداخل الأميركي وأنه ينبغي أن تُحمى وتُصدَّر خارجه بالقوة العسكرية إن اقتضى الأمر. مؤدى هذا المنطلق أمران: أولاً، الإقرار بوجود قيم سياسية دولية صالحة للجميع وأنه لا مجال للقبول بوجود خصوصيات محلية واعتبارات ثقافية تاريخية تقتضي أن تراعَى على حساب تلك القيم. ثانياً، أن الولاياتالمتحدة ذات مهمة رسالية في العالم تتمثل في الدفاع عن تلك القيم ومواجهة خصومها من دعاة الانعزال الأميركي ومن القائلين بضرورة احترام سيادة الأنظمة القائمة حفاظاً على الاستقرار الدولي وإقراراً بالواقعية السياسية. أثبتت السنوات السبع العجاف سوءَ إدارةٍ وتنكراً لقيم الديمقراطية وسيادة القانون ودوساً لكرامة الإنسان ومزيداً من العجز في مواجهة التحديات الدولية والمصاعب الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. إلى هذه الأسباب الرئيسية التي رجحت انهيار خطة المحافظين الجدد خاصة في مواجهة الإسلام يبرز الأميركيون المسلمون بما يمثلونه من فاعلية في الواقع الموضوعي المحلي كأهم عامل من عوامل التصدي لصلف المحافظين الجدد وسذاجة رؤيتهم. تلتقي أربع دراسات علمية حديثة نشرت عن فاعلية الأميركيين المسلمين مؤكدة بالأرقام أهمية هذا الواقع الموضوعي بتفاصيله واحتمالاته بالنسبة إلى مستقبل الولاياتالمتحدة في مستوىً أول وبالنسبة إلى مسلمي العالم بدرجة ثانية. أحدث هذه الدراسات نشرتها مؤسسة «غالوب» (Gallup) لاستطلاع الرأي في واشنطن وأصدرتها في شهر مارس 2009 تحت عنوان «مشروع وقائع مسلمي الغرب» بإشراف الباحثة المصرية الأصل داليا مجاهد مديرة مركز الدراسات الإسلامية بمؤسسة «غالوب» والتي عينها أخيراً الرئيس أوباما عضواً في مجلسه الاستشاري للشراكة الدينية. من جهة ثانية نشرت جنان غزال، الليبية الأصل والباحثة في علم الاجتماع المنتمية إلى جامعة «ديوك» (Duke University) سنة 2008 دراسة مستفيضة عن «المسلمين في أميركا» اهتمت فيها بالجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية للمسلمين معتمدة في ذلك على أحدث الإحصائيات واستطلاعات الرأي عن ذات الموضوع. ثالثة هذه الدراسات أجراها مركز «بيو» للأبحاث (Pew Research Center) وأصدرها سنة 2007 تحت عنوان «الأميركيون المسلمون طبقة وسطى ومعظمهم ضمن التيار السائد»، موفراً بذلك جملة من المعلومات الدقيقة عن المسلمين في الولاياتالمتحدة وعن توجهاتهم وعلاقتها في صياغة الواقع الأميركي والعالمي. أما رابعة هذه الدراسات فهي للباحثة التونسية الأصل مليكة زغل أستاذة الأنثروبولوجيا وعلم اجتماع الأديان في جامعة شيكاغو والمتخصصة في الفكر السياسي الإسلامي في العالم العربي وأوروبا والولاياتالمتحدة. انصب اهتمام الباحثة على حركة الأفكار وتأثير الأيديولوجيات الدينية على سياقات الصدام أو الحوار في المجتمعات العربية الإسلامية والغربية. من مجمل هذه الوثائق تبرز خمسة محاور تؤكد أن المسلمين رغم نسبتهم الديموغرافية مقارنة بالعدد الإجمالي لسكان الولاياتالمتحدة (8 ملايين نسمة من حوالي 300 مليون ساكن) فإنهم يشكلون شريحة من المجتمع الأميركي آخذةً في النمو حجماً وأهمية. ذلك ما يغري الباحثين بالعناية بمختلف أوضاعهم رغم أن القانون لا يسمح لمؤسسات الإحصاء بطرح أسئلة عن معتقدات الناس وانتماءاتهم الدينية. تتعلّق أولى الملاحظات بالجانب العرقي للأميركيين المسلمين، إذ يتبين أنهم يتميزون بتنوع لا مثيل له عند نظرائهم من أتباع الديانات الأخرى. تبلغ نسبة المسلمين من أصل إفريقي %35 ومن البيض %28 ومن الآسيويين %18 ومن الإسبان %1، و%18 من أجناس مختلفة. لا مجال لمقارنة هذه النسب بما يماثلها لدى أتباع الديانات الأخرى حيث التنوع العرقي أقل بكثير، مثلاً: اليهود %93 من الجنس الأبيض وكذلك المورمون %91.. أما البروتستانت ف %88 منهم من البيض و%8 من الأفارقة والكاثوليك %76 من البيض و%11 من الإسبان. تتعلق الملاحظة الثانية بالنسبة العالية للشباب في المجموعة المسلمة مقارنة بغيرهم إذ تبلغ نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة %36 من معدل المسلمين العام في حين لا تتجاوز النسبة عند البروتستانت %9 علماً بأن هذا المؤشر العمري لا يتجاوز في مجمل الشعب الأميركي %18. إذا انتقلنا إلى ملف التعليم ونسبة التمدرس يتبين أن الأميركيين المسلمين يحتلون الدرجة الثانية بالنسبة إلى هذا المؤشر ذلك أن %40 منهم أحرز مستوى تعليم ثانوي وتجاوزه مقارنة باليهود الذين سجلوا أعلى نسبة في ذات المؤشر وهي %61 ومقارنة بالمستوى الأميركي العام الذي لم تتجاوز نسبته %29. أما إذا نظرنا إلى الجانب المادي فإن مؤشر الدخل المالي الشهري للمسلمين يدل على أن %28 منهم له دخل قدره خمسة آلاف دولار وأكثر بينما %25 منهم لا يتجاوز دخله الشهري 2000 دولار. هذا ما يجعلهم بهذا المقياس في الدرجة الخامسة بعد اليهود (المعدل الأعلى %41 والمعدل الأدنى %10) والمورمون (من %34 إلى %16) والبروتستانت (من %31 إلى %16) والكاثوليك (من %30 إلى %20). يتعلق آخر هذه المعايير المعتبرة في تشخيص حالة الأميركيين المسلمين بما يعرف بنسبة النجاح. بعد دراسة حالة المسلمين في 140 بلداً تؤكد الأبحاث الإحصائية أن مسلمي أميركا في طليعة المسلمين في العالم الذين يعبرون عن رضاهم عن أنفسهم ويأتي بعدهم مسلمو ألمانيا ثم السعودية. ذلك أن %3 فقط من الأميركيين المسلمين يعلنون أنهم فشلوا في الحياة المهنية والروحية والعائلية مقارنة ب %7 في فرنسا و%8 في المملكة المتحدة ممن يعلنون عن حالات الفشل. رغم أن هذه النسب تظل تقريبية فإنها تعطي صورة جلية عن فاعلية الأميركيين المسلمين وحظوظهم في المستقبل. لقد أثبتوا ذلك في مواجهة خروقات المحافظين الجدد وشناعات وسائل إعلامهم الدعائية. كانت تلك المحنة فرصة تاريخية أسهمت بصورة واضحة في إنضاج وعي قسم كبير من المسلمين أنفسهم. لقد اتسعت مشاغلهم القديمة المقتصرة على الجانب التعبدي الشخصي أو الجماعي كبناء مساجد لتتجه صوب المجالات العامة المشتركة مع غيرهم. في استطلاع آخر للرأي في أوساط أميركيين مسلمين سُئلوا عن ترتيب اهتماماتهم السياسية فكانت قضية التربية والتعليم في المقام الأول تليها مسألة الحريات ثم في المرتبة الثالثة القضية الفلسطينية. أعان على هذا التوسع في الرؤية تعدد الجمعيات الإسلامية المتخصصة التي اهتم البعض منها بالدعوة مثل (Islamic Circle of North America) بينما التفت آخرون إلى الشؤون العامة للأمة (Islamic Society of North America) في حين ركزت جمعية ثالثة على المسائل الشرعية (The Fiqh Council of North America) وتخصص آخرون في التكوين الجامعي (Muslim Students Association) تاركين مجال الدفاع عن الحقوق إلى (Council on American-Islamic Relations). هذه الحركية إذ لا تنفي وجود عقبات داخلية للمسلمين في الولاياتالمتحدة كالتعدد المذهبي ومتوسط النجاح في المجال العائلي فإنها تؤشر على حظوظ كبيرة للمستقبل. ذلك أن الولاياتالمتحدة لا تثير أي مشكل للمسلم من جهة تأقلمه في المشهد الاجتماعي والثقافي والديني الوطني. المعضلة تظل سياسية بامتياز لارتباطها بمراكز المال والإعلام. هي لذلك تبقى ظرفية يمكن تجاوزها بعناصر الفاعلية المتاحة يساعد عليها سياق ملائم من أبرز معالمه التراجع الملحوظ في الحدود العازلة بين الأعراق والهويات والذي كان نجاح الرئيس أوباما أحد أهم تعبيراته. العر ب القطرية 2009-07-30