أ.د. محمد اسحق الريفي الفجرنيوز إذا كان المشاركون في زفة محمود عبَّاس في مدينة بيت لحم المحتلة حريصين على أمجاد "فتح" وتضحيات مناضليها وشهدائها، فلماذا تخلَّوا عن النضال ونبذوا المقاومة وتحولوا من حركة تحرير إلى حزب سلطة يموله الغربيون الداعمون للعدو الصهيوني؟!!. قد يتغنى الإنسان بأمجاد من سبقه من رفقاء دربه، افتخاراً واعتزازاً بها، أو حسرة على ضياعها، أو رجاء في إحيائها بعد اندثارها وتحولها إلى أطلال. ولا بأس في هذا التغني، لأنه ينم عن حب وشوق لماض عريق ومجد تليد، ولكن ليس من المروءة أن يتغنى أشخاص بأمجاد سرقوها، بعد أن غدروا بأصحابها، وداسوا على كرامتهم، وباعوا بطولاتهم في المزاد العلني، فهذا التغني ممقوت، لأن فيه خيانة. إن من يعدد اليوم أمجاد "فتح" وتضحيات أبنائها الذين ضحوا بأنفسهم وقضوا نحبهم دفاعاً عن الوطن، هم الذين سرقوها وتاجروا بها وبدماء الشهداء، وحولوا القضية الفلسطينية إلى مشروع استثماري كبير، يجلب لهم المكاسب الشخصية، ويحقق لهم الأرباح الكثيرة على حساب عذابات شعبنا ومعاناته وآلامه. وهؤلاء "السماسرة الجدد" يسوقون تلك الأمجاد والتضحيات، ليس حباً فيها أو حرصاً عليها، وإنما طمعاً في استغلالها والاسترزاق بها، وحرصاً على استمرار وصايتهم الباطلة على شعبنا الفلسطيني، واحتكار الحكم والسلطة، وإقصاء القوى السياسية الأخرى التي تنافسهم على النفوذ والشرعية والسلطة. يريد هؤلاء المرتزقة أن يقولوا لشعبنا الفلسطيني المجاهد إنهم اشتروه منذ قديم الزمان، ودفعوا ثمن وصايتهم الشاملة والأزلية عليه من دماء الشهداء وأرواحهم ومعاناتهم في زنازين العدو الصهيوني وسجونه، ولكنهم في الوقت ذاته يحقِّرون تلك الأمجاد والتضحيات، ويعدونها من الأمور التي تجلب المصائب إلى شعبنا وتحول حياته إلى جحيم لا تطاق، بل إنهم يبذلون ما يسعهم من جهد لمع أبناء شعبنا من السير على خطى من سبقوهم من المناضلين والمجاهدين في سبيل الله، ويشترطون على الفصائل الفلسطينية نبذ المقاومة قبل التفاهم والحوار والمصالحة، وقبل السماح لها بالمشاركة السياسية الجادة. وبغض النظر عن طبيعة ما يسوقه هؤلاء المرتزقة من عمليات مقاومة ضد العدو الصهيوني قام بها مقاتلو "فتح" في الماضي، فإن من يحق له التغني بهذه العمليات هو فقط من يسير على درب أصحابها في النضال، وليس من يريد أن يتاجر بها ويستغلها في ترويج بضاعته الكاسدة وبرامجه السياسية التي أقرها البيت الأبيض الأمريكي، والتي تهدف إلى القضاء على المقاومة، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وتمرير الحلول الاستسلامية عليه. وقد يقول سارقو نضال شعبنا وتضحياته إن هذه المرحلة تتطلب وقف المقاومة والدخول في تسوية مع العدو الصهيوني، المحتل لأرضنا والمغتصب لحقوقنا والمعتدي على شعبنا، ونقول لهؤلاء إن اتفاقيات أوسلو المشؤومة وملحقاتها الأمنية والسياسية، التي تنكلون بشعبنا من أجل إجباره على التسليم بها، قد سحقت نضال شعبنا وأزهقت إنجازاته التي حققها عبر عقود من الزمن بتضحياته الجسيمة وصبره ومقاومته للعدو الصهيوني، ولم تنجز سلطة أوسلو لشعبنا إلا الانقسام وتكريس الاحتلال. إن العاقل يوظف النضال والأمجاد في تحقيق غايات شعبه وطموحاته الوطنية، أما ما يفعله هؤلاء "السماسرة الجدد" بتضحيات شعبنا ومعاناته، فهو مجرد استغلال لها في جلب مصالحهم الشخصية الدنيئة، مقابل خدمة العدو الصهيوني وتنفيذ المخططات الأمريكية، فهل يحق لهؤلاء المرتزقة بعد هذا أن يعددوا تلك العمليات ويتغنوا بأمجاد داسوا عليها؟!! إن من لا حاضر له لا ماض له، فهو مبتور وخارج عن صف شعبنا وعدو له، لأنه سرق الأمجاد وباعها خدمة لأعداء شعبنا، مقابل مال زائل وجاه زائف وشهرة كاذبة. وإن تيار المقاومة والممانعة هو وحده الذي يحافظ على ماضي شعبنا العريق وأمجاد شهدائه وأسراه والمضحين بأنفسهم دفاعاً عن فلسطين، وهو الأحق بأن يُنسب إليه هذا الماضي وتلك الأمجاد والتضحيات، لأنه يسير على خطى الشهداء الذي ضحوا بأرواحهم من أجل الدفاع عن شعبنا، وتحرير أرضنا، واستعادة حقوقنا، والذود عن حياض أمتنا. وأخيراً نقول للمتسلقين الذين باعوا تضحيات أبناء شعبنا خلال مراسيم زفة عبَّاس في بيت لحم: ماذا يفيد السارق أن أباه كان أمينا؟! وماذا يفيد المنحرف أن سلفه كان شريفاً؟! وماذا يفيد الجبان أن أباه كان شجاعاً؟! وماذا يفيد الجائع أنه عاش في الماضي مترفاً ومرفهاً؟!!.