عاجل : هجوم إسرائيلي على أهداف في العمق الإيراني    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    دعوة إلى مراجعة اليات التمويل    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    وزير الدّاخليّة يشرف على موكب إحياء الذكرى 68 لعيد قوّات الأمن الدّاخلي    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    نقابة الصحفيين التونسيين تُدين الحكم بالسجن في حق بُوغلاب    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    الرصد الجوّي يُحذّر من رياح قويّة    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    عاجل : هجوم بسكين على تلميذتين في فرنسا    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ فاجعة جديدة تهز هذه المنطقة: يحيل زوجته على الانعاش ثم ينتحر..    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    بوركينا فاسو تطرد 3 دبلوماسيين فرنسيين لهذه الأسباب    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    زلزال بقوة 6,6 درجات بضرب غربي اليابان    قيس سعيد : ''تونس لن تكون أبدا مقرا ولا معبرا للذين يتوافدون عليها خارج''    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    اجتماعات ربيع 2024: الوفد التونسي يلتقي بمجموعة من مسؤولي المؤسسات المالية الدولية    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    سيدي بوزيد: حجز مواد غذائية من اجل الاحتكار والمضاربة بمعتمدية الرقاب    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    وزير الصحة يعاين ظروف سير العمل بالمستشفى الجهوي بباجة    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب العربي.. استقرار ظاهر وخطر كامن (22) *
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 08 - 2009


ترجمة - مروة نظير
تعرًض الجزء الأول من هذه الدراسة إلى أهمية دول المغرب العربي في الإستراتيجيات الأوروبية والأمريكية، واستعرض مجموعة التحديات السياسية التي تهدد استقرار هذه المنطقة مستقبلا، ومن أبرزها: غياب التنسيق والتعاون الإقليمي، وغياب سياسات داخلية في كل دولة تعوض المكاسب التي ستتحقق في حالة قيام هذا التعاون، وتحدي استمرار نخب استبدادية خلقت انفصالا بينها وبين المستوى الشعبي، وأدت إلى تنامي التوجهات الإسلامية على اختلاف مشاربها، إضافة إلى وجود غضب مجتمعي صامت قد يقود فيما بعد إلى اضطراب مدني.
ويتعرض هذا الجزء لخطر آخر قد يبدو أقل بروزاً، لكنه يزيد من التوتر المجتمعي والاضطراب المدني، ويتمثل في حالة السخط الاجتماعي والاقتصادي الذي ضرب المنطقة بأكملها، خصوصاً أثناء الارتفاعات الحادة في الأسعار، والتي تؤثر على المواد الغذائية المستوردة، وأهمها القمح الذي ارتفعت أسعاره بنسبة 30% في أوائل 2008. وقد شهدت الجزائر الجانب الأكبر من هذه الاضطرابات سواء في الريف أو الحضر، أما تونس والمغرب فشهدتا تفشيا مفاجئا للعنف خلال عام 2008 في المناطق التي تزداد فيها بطالة الشباب لاسيما جافسا وسيدي إفني.
وفي أغلب الأحيان لا تأتي الاحتجاجات من قبل الفئات المعدمة أو شديدة الفقر لاسيما وأنها تتلقى إعانات مالية وعينية من قبل الدولة، بل تأتي هذه الاحتجاجات عادة من الطبقات المتوسطة -الدنيا والفقيرة، والتي تمثل القطاعات الأكثر قلقاً في المجتمع، وتتركز في الغالب في المناطق الحضرية، وهي تشكل من ثم التهديد الأكثر خطورة للحكومات. وتجدر الإشارة إلى أن بعض القيادات الشعبية تعمل على تحويل هذا الاتجاه إلى قوة سياسية أَو اجتماعية منظمة، خاصة وأن البعض قد بدأ يعبر عن نفسه في الأشكال المختلفة من العصيان المدني.
وتظهر درجة عدم الرضا الاجتماعي في نتائج استفتاء أُجري بين رجال جزائريين تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عاماً، إذ اتضح أن 49.5% ممن استطلع رأيهم يرغبون في الهجرة، كما أن 81% منهم يعرفون شخصاً ما مستعد لترك البلاد.
ولعل معرفة أن اقتصاديات دول شمال إفريقيا ليست فقيرة، إلا أن المصادر الموجهة للوفاء باحتياجات الشباب محدودة للغاية، هو ما يشكل عاملا مربكا لهؤلاء المجبرين على البقاء في هذه المنطقة؛ فهم وإن لم يتجهوا للبدائل الإسلامية، فإن الكثيرين منهم يجدون طرقا للبقاء تلتف حول النظام الرسمي، خصوصاً في إطار الاقتصاديات الموازية، وهذا ما لا يضمن الولاء طويل المدى سواء للحكومة أَو الدولة. بعبارة أخرى، تؤثر الخيارات الاقتصادية على الاستقرار السياسي في هذه المنطقة في الوقت الحاضر، من خلال وسائل أضحت تحظى بالاهتمام داخل وخارج دول شمال إفريقيا.
التحديات الاقتصادية
على المستوى الاقتصادي الكلي، يمكن القول إن اقتصاديات دول الشمال الإفريقي الأربع قد أبلت بلاءً حسناً في السنوات الأخيرة. وتتمثل أهم الإنجازات في هذا الإطار في تقليل أعباء الدين الخارجي (التي كانت عالية جدا في الثمانينات) إلى ما دون 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك باستثناء تونس، التي لا يزال الدين الخارجي فيها يراوح 51% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد وصل معدل النمو على المستوى الإقليمي (مجموع الدول الأربع) خلال السنوات الماضية إلى حوالي 5 -6%، وذلك على الرغم من هبوط أسعار النفط في أواخر عام 2008، الأمر الذي أثر على الجزائر وليبيا. وقد حظيت خطط التحرير التجاري والخصخصة في المغرب وتونس بدعم دولي، حتى إذا ما كانت نتائج متهرئة أو ركزت على بعض القطاعات دون الأخرى لاسيما السياحة، والبناء، والمنسوجات والصادرات الزراعية. وعلى الرغم من نجاح هذه الجهود في امتصاص جانب من البطالة الإقليمية؛ فإن الفجوات بين الأغنياء والفقراء تزايدت، فضلا عن أن الكساد العالمي يعني أن مستويات الإنفاق الجارية من المحتمل ألا تستمر على حالها خلال السنوات الأربع القادمة.
كما أن الارتفاع السريع في أسعار النفط والغاز في عامي 2007 و2008، يعني أن الجزائر وليبيا قد أنهتا عام 2008 بتحقيق أرقام قياسية في تحصيل العملة الأجنبية واحتياطيات الذهب، تقدر بحوالي 150.5 مليار دولا و99.4 مليار دولار على التوالي. وقد أشارت كل من الدولتين إلى نيتها إنفاق مبالغ كبيرة لتنويع اقتصادياتها التي ما زالت تشتق 97% من النقد الأجنبي من الصادرات الهيدروكربونية. ولأن القطاع العام ما يزال مسيطرا إلى حد كبير في كل من الدولتين حتى الآن؛ فإن كل السيولة النقدية تستنفذ في الوفاء برواتب العاملين في القطاع العام، والدعم المقدم من الحكومة وغيرها من أوجه الإنفاق الحكومي المتكرر.

ولا يزال قطاع الهيدروكربونات مسيطرا على الاقتصاد الوطني في الدولتين، حيث لا يزال الاعتماد قائما وبشدة على السلع الاستهلاكية المستوردة لتعويض نواقص الإنتاج المحلي. في الجزائر مثلا، حيث يدار قطاع الهيدروكربونات بشكل أكثر كفاءة من غيره لا يزال إعطاء تراخيص الاستكشاف قاصرا على 9 عروض من بين 15 كتلة معروضة أمام المستثمرين الأجانب. ويمكن القول إن النظام الضريبي المتصاعد على دخول الشركات الأجنبية (والتي يصل سقفها إلى 49 % على الملكية الأجنبية)، فضلا عن الموانع القانونية والبيروقراطية، كلها تؤدي إلى الظروف غير الجذابة للاستثمار الأجنبي.
وقامت كل من المغرب وتونس بخطوات واسعة نحو تعزيز مساهمة الاقتصاد الداخلي في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في محاولة الابتعاد عن النموذج الاقتصادي الذي يعتمد على نمو يقوده التصدير والإحلال محل الواردات. وفي السنوات الأخيرة، أراد البلدان جذب الإنتاج الصناعي والصناعات التجميعية إلى شمال إفريقيا، اعتمادا على الأجور المنخفضة وقوة العمل الشابة مقارنة بدول أوروبا الشرقية.
وقد أكمل المغرب في عام 2007 المرحلة الأولى من مشروع إنشاء ميناء شحن كبير" طنجة –ميد"، يمتد على الشريط الساحلي الشمالي على البحر المتوسط، وذلك ليكون منشأة تستخدم للتخزين كامتداد للمنشآت المثقلة بالعمل الآن في جنوب إسبانيا، فضلا عن جذب المنشآت الصناعية للمناطق التجارية الحرة داخل الميناء. ومن المنتظر أن يثمر خط إنتاج رينو- نيسان (المتوقع أن يبدأ عمله في 2010) عن خلق 6 آلاف فرصة عمل في مجال الصناعات التجميعية، وذلك على المدى القريب، فضلا عن 35 ألف فرصة أخرى مع جذبه للصناعات الأخرى ذات الصلة.
وتتبنى تونس الإستراتيجية ذاتها عبر اتفاقية مع شركة إيرباص العملاقة لفتح منشأة صناعية بتكلفة 76 مليون دولار، توفر وظائف لنحو 1500 عامل في عام 2010.
وعلى الرغم من أن رغبات المستثمرين الأجانب تعوق بناء المشاريع السكنية الفارهة، والقرى الساحلية السياحية ذات وسائل الترفيه والألعاب الرياضية، إلا أن هذه المشروعات لا تزال تنمو على نحو يتعارض مع قلة الاستثمارات الموجهة إلى القطاعات ذات الحساسيات الاجتماعية.
وفي غياب القوانين النزيهة، فإن المشروعات الأجنبية المشتركة الجيدة الحماية هي الوحيدة التي بإمكانها تجنب النظم الضريبية الشكلية والرشاوى والفساد. وعلى الرغم من خصخصتها، تبقى العديد من المشاريع المحلية على علاقة وثيقة بالدولة بسبب تملكها من قبل النخب الاقتصادية القريبة من الحكومة كما هو الحال في تونس. في حين أن هناك مشروعات أخرى نصف مخصخصة، كما هو الحال في الجزائر، وعلى سبيل المثال، تم بيع 100 مشروع فقط من بين 987 مشروعا رسميا أدرج للخصخصة منذ عام 2001.
وفي كل دول المنطقة (ما عدا المغرب الذي يشهد إصلاحا في القطاع المالي منذ عام 1983) لا تزال القطاعات المصرفية مملوكة للدولة كلياً، الأمر الذي يضع قيودا على توليد وتدفق رأس المال ما عدا بالنسبة لذوي العلاقات الحسنة بالحكومة. كما أن أسعار الفائدة على المدخرات الوطنية تعد عائقا أمام الاستثمارات الخاصة، إذ لا يزال الأكثر أمنا إبقاء المدخرات في المنازل بدلا من وضعها في الحسابات المصرفية غير المنتجة وغير المرنة.
ولا تزال عملية إصلاح مناخ الاستثمار والأعمال خاضعة للسيطرة السياسية التي تقاوم الدول التخلص منها بما في ذلك الدول ذات الاقتصادات الليبرالية مثل تونس. هذا يعني أنه على الرغم من الضغط المحدود من المؤسسات المالية الدولية (مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، وباستثناء المغرب جزئياً، لم يحدث تغيير في دور الحكومة المركزية، كونها مصدر كل المبادرات الجديدة نحو أن تصبح الضامن النهائي ومنظم النشاط الاقتصادي المستقل.
ومع فشل الوظائف التنظيمية للحكومات الأمريكية والأوروبية في منع الأزمة المالية العالمية، قد يشعر زعماء دول شمال إفريقيا بأنه من المبرَر الإبقاء على بل وتقوية سيطرتهم على القطاعات المالية الحكومية، بالإضافة إلى تحديد ظهور القطاعات الخاصة المستقلة. وفي وقت تنخفض فيه أسعار النفط والغاز، فضلا عن الكساد الاقتصادي العالمي، تعد مركزية الدولة الشديدة عائقا أمام استقرار المنطقة.
تطور مشوه لا ينعكس على المواطن
تعتمد العديد من الإستراتيجيات التي تتبناها قيادات دول المغرب العربي على نماذج أثبتت فشلها منذ فترة طويلة بعد أن أخفقت في تحقيق التكامل بين الاقتصادات الحديثة واقتصادات الكفاف، أَو بين المراكز التجارية الحضرية والمناطق الريفية المهملة؛ الأمر الذي أدى في السنوات الأخيرة إلى حدوث بعض الصدمات الحادة، من ضعف الاقتصاد المغربي إلى الجفاف والفيضانات، إلى الزيادة الحادة في سعر القمح الذي تستورده الجزائر والمغرب في أوائل 2008، وعلى المنطقة الآن أن تواجه نتائج عدم حصانتها في مواجهة التقلبات الاقتصادية والمناخية العالمية.
ويعد تمويل الدولة لمشروعات البنية التحتية والإسكان، فضلا عن الإصلاحات المتأخرة في المجالين الزراعي والصناعات الزراعية كما هو الحال في الجزائر، جزءًا من سبل مواجهة المشكلة؛ فمعظم أعمال البناء الجارية حالياً في الجزائر تتم من خلال التعاقد الفرعي مع شركات أجنبية، وبشكل خاص الشركات الصينية التي تجلب معها القوى العاملة الصينية، الأمر الذي لا يساعد في التخفيف من حدة البطالة المحلية ومن ثم الاستياء العام من وجود العمال الأجانب. أما في المغرب، فإن 40% من السكان يعملون في قطاع الزراعة التقليدية التي تقدر قيمتها المضافة ب 15% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.
وينعكس هذا التطور المشوه على أوضاع المواطن بوجه عام كما تدل مؤشرات التنمية بمختلف أنواعها في بلدان المغرب العربي، ويوضح الجدولان التاليان بعض هذه المؤشرات:
1 نسبة التعليم والأمية:
الدولة
الترتيب من بين 179 دولة في مؤشر التنمية البشرية لعام 2006
النسبة المئوية لمن لا يجيدون القراءة والكتابة (فوق 15 عاما)
1995-2005
النسبة المئوية للإنفاق الحكومي على التعليم
2002-2005
الجزائر
100
69.9
-
ليبيا
52
84.2
-
المغرب
127
52.3
27.2
تونس
95
73.4
20.8
2 معدلات النمو ومؤشرات الفقر:
الدولة
عدد السكان بالمليون نسمة في منتصف 2008
نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (سنويا بالدولار)
النسبة المئوية لنمو الناتج المحلي الاجمالي في 2008
الترتيب بين 177 دولة في مؤشر الفقر لسنة 2005
النسبة المئوية للسكان تحت خط الفقر
الجزائر
34.7
7879
3
51
15.1
ليبيا
6.3
15335
6.3
-
-
المغرب
31.2
4087
5.3
68
14.3
تونس
10.3
7357
4.7
45
6.6
وبالنسبة لسكان الريف في المغرب، تنعكس هذه الظروف عليهم في مجموعة من مؤشرات الإهمال؛ إذ تصل نسبة الأمية بين النساء الريفيات إلى 80%، وانخفاض معدلات الإنفاق على الصحة والتعليم بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي عن معايير الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن الجزائر لديها ثروات أكثر، إلا أن أدائها ليس أفضل خصوصاً في مجالات التعليم وتدريب الأيدي العاملة العاطلة التي لا يزال 72% منها أقل من 30 عاما من العمر. وحتى في تونس وليبيا حيث عدد سكانهما أقل، فإن قلة فرص العمل خلقت العديد من التوترات بين الخريجين التونسيين العاطلين، في حين يظل 80 % من الليبيين معتمدين على الدولة في التوظيف، والإسكان ودعم العديد من تكاليف الحياة.
لقد فشلت نماذج التوظيف المعتمدة على الدولة في الماضي، ولا يوجد ما يؤشر على احتمالات نجاحها الآن؛ فعلى الرغم من الانخفاض في التقديرات الرسمية لمعدلات البطالة الآن، فإن هذه الإحصاءات لا تكشف الأبعاد الكاملة لهذا التحدي. فوفق التقديرات الرسمية انخفضت البطالة في كل من الجزائر والمغرب في السنوات الأخيرة، وفي الجزائر بالتحديد انخفضت المعدلات الرسمية للبطالة من 30% قبل عامين أو ثلاثة أعوام فقط إلى أقل من 13% الآن؛ إلا أن هذه الأرقام لا توضح الضغوط المرتبطة بانخفاض مستويات الأجور بسبب ارتفاع نفقات المعيشة حيث يتجه الكثيرون للعمل في أسواق العمل الموازية أَو المحظورة، ومن ثم فهم يقعون خارج الشبكات المالية والقانونية الرسمية، وتقدر أعداد هؤلاء بحوالي 40% من حجم الاقتصاديات الرسمية للجزائر والمغرب.
وعلى سبيل المثال يعمل السوق المركزي للدار البيضاء (درب جاليف) خارج الاقتصاد الرسمي منذ الخمسينات، وذلك من خلال حشد وتعبئة العلاقات مع المهاجرين في أوروبا لتهريب السلع غير المتوفرة أَو الغالية جداً للمستهلكين المحليين. ويمكن إرجاع نجاحه (حيث يتداول مبيعات تصل إلى أكثر من 140 مليون دولار في السنة) بشكل كبير إلى تجميع عدد كبير من المنتجات والخدمات في مكان واحد (توافقا مع النماذج التقليدية للأسواق في الشمال الإفريقي)، الأمر الذي يشجع المشروعات التجارية التابعة للقطاع الرسمي للعمل في نفس الجوار.
ويوضح هذا النوع من النشاط أن قطاع الأعمال حي ومزدهر في شمال إفريقيا، وإن ظلت هناك مجموعة من المعوقات أمام من يرغبون في أن يكون عملهم ذا طابع قانوني. في كل دولة من دول المنطقة، لا تزال العمليات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص خاضعة للعلاقات الأبوية والروتين وشخصنة العلاقات التجارية؛ وهذا ما يجعل تجنب الاندماج في الشبكات المالية الرسمية والتحكيم القانوني للعقود وممارسات العمل أمرا أكثر جاذبية للمستثمرين على الرغم من الحوافز التي قد تقترحها الحكومة من قبيل تخفيض مستويات النظام الضريبي المتعلقة بالشركات كما حدث في المغرب في عام 2008.
ومن المعروف أن هناك بعض الفاعلين الاقتصاديين يعلمون في دوائر النخبة الحاكمة، حيث يمكن الحصول على تراخيص الأراضي وإبرام الاتفاقات والحصول على ائتمان سهل وبأسعار فائدة منخفضة. وخارج هذه الدائرة، لا يزال الأمر معتمدا على الاتصالات الشخصية والمدخرات العائلية لإنشاء الأعمال التجارية الجديدة، التي تكون عرضة في أغلب الأحيان لفرض ضرائب بشكل غير رسمي من قبل المسئولين الحكوميين الفاسدين.
مغزى ذلك أن الخطط التي أبلت بلاءً حسناً في الماضي ليست كافية بالضرورة للإبقاء على التماسك الاجتماعي مستقبلاً، لاسيما في ضوء التحديات التي تواجه المنطقة الآن؛ فثلثي سكان الجزائر والمغرب حالياً تحت سن ال 25 عاماً؛ وعلى الرغم من ذلك ففي هذه الدول لا يزال التعليم والتدريب للعمل في السوق (في المغرب) وفرص العمل الحر المدعوم رسمياً (الجزائر) في أضعف حالاتها.
وبالنظر إلى الدول الأربع مجتمعة، فمن المتوقع أن يتم توفير 16 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020 فقط للحفاظ على مستويات التوظيف الحالية، ففي المغرب والجزائر هناك 250 ألفاً جدد يدخلون إلى سوق العمل سنوياً. وهذا أمر مهم فيما يخص أمن واستقرار المنطقة في المستقبل، لاسيما في ظل ارتفاع نسبة التوقعات الشعبية بأن الدولة ستوفر الوظائف والرعاية الصحية والإسكان والدعم. وفي ظل حقيقة أن الكساد الاقتصادي العالمي من المحتمل أن يحد من قدرة الحكومات على الوفاء بمطالب الشعوب في السنوات القادمة، فضلا عن تزايد الشكوك الشعبية بشأن رغبة النخبة الحاكمة في ترشيد أنماط استهلاكها الخاصة للوصول إلى الاقتصادات المتكاملة القادرة على تلبية احتياجات الجميع.
الخلاصة
يتركز الاهتمام الخارجي بشمال إفريقيا على أكثر المؤشرات المرتبطة بالعنف وعدم الأمان في المنطقة، سواء كانت متعلقة بالإرهاب، أو تهريب الأسلحة والمخدرات أَو الاشتباكات بين الشرطة والمهاجرين "المحتملين" الذين يريدون الوصول إلى أوروبا. وهذا النهج غالبا ما يخفق في تمييز عوامل عدم الاستقرار الأقل وضوحا، فيما الأكثر تأثيراً في كل دولة هو أعراض التهديدات الحقيقية للأمن جراء الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية التي تتزايد بفعل البطالة والفساد المستوطن، والانتشار الواسع للسياسات الانتخابية التي تعني بتحقيق قبول دولي أكثر مما تعنى بتحقيق مصالح المواطنين.
لقد حسنًت الإصلاحات الاقتصادية من معدلات النمو الكلي ومستويات الدخل الاسمي، لكن إهمال الإصلاح المؤسساتي (خاصة في المجالات القانونية والسياسية) قد شجع على بروز أشكال مختلفة من النشاط الموازي. ويمكن إرجاع كل من الزيادة في النشاط الإسلامي في كافة أنحاء المنطقة، والارتفاع في معدلات الهجرة غير الشرعية إلى ضعف الروابط بين الدولة والمجتمع.
وقد مكن النجاح الاقتصادي على المستوى الكلي من إتاحة الفرصة أمام الحكومات الإقليمية لإعادة التفكير في إستراتيجيات التطوير الخاصة بهم، فضلا عن إعادة التواصل مع مواطنيهم، لكن المطلوب من القيادات الجديدة لدول هذه المنطقة تدقيق النظر في التغييرات الأساسية التي تشهدها بلدانهم؛ فما تفتقر إليه المنطقة بأسرها يتمثل في ثلاثة عناصر أساسية:
• قوة عاملة ماهرة ومطلعة، مستعدة للتكيف مع تحديات العولمة؛
• (إعادة) توزيع التمويل العام والخاص للوفاء باحتياجات التنمية، لاسيما التعليم والرعاية الاجتماعية والصحة؛
• بيئة سياسية واقتصادية تشجع وتدعم الإبداع والتفكير.
وتتوقف كل المزايا التنافسية التي يجب أن تتمتع بها هذه المنطقة القريبة من أوروبا، بإحراز التقدم في هذه المجالات الثلاث. وليس هذا تقليلا من أهمية مواصلة الاستمرار في إنشاء البنية التحتية في المنطقة، إلا أن الأمر يتوقف على الطبيعة غير المتوازنة للتطورات التي تشهدها المنطقة حاليا، والتي يتوقف عليها استقرار المنطقة مستقبلاً.
ومثلاً، بينما تتقدم تونس في مجالات التعليم ومهارات القوة العاملة، فهي تفتقر إلى الحريات السياسية التي تضمن استمرار التنوع في اقتصادها. أما الجزائر، فقد وضعت أهدافا استثمارية طموحة يمكن فقط أَن تتحقق إذا ما قل اعتمادها بشكل جذري على سياسة الإحلال محل الواردات والسماح بوجود قطاع خاص مستقل لتطوير الاقتصاد الوطني. أما المملكة المغربية الأكثر انفتاحا سياسيا وماليا، فلا زال أمامها مدة طويلة حتى تتمكن من دمج القطاعات الاقتصادية الحديثة باقتصادات الكفاف السائدة في بعض أقاليمها. وتظل ليبيا الأكثر أبوية، فرغم غناها، فإن اقتصادها يخنق الإبداع بسبب الاعتماد أكثر من اللازم على عائدات الهيدروكربون بهدف إدامة شخصنة النظام الحاكم الذي لا يعرف وجود مؤسسات تقريبا.
إن من مصلحة شركاء دول شمال إفريقيا التعرف على المجالات التي يمكنهم توجيه مساعداتهم إليها بحيث تكون ذات فاعلية قصوى. ولا تتمثل هذه المجالات في مبيعات الأسلحة، حيث وصلت في عام 2006/2007 إلى 15 مليار دولار بالنسبة لمشتريات الجزائر من المعدات الروسية.
ولا ترتبط مجالات الدعم هذه كذلك بأي من التهديدات الأمنية الحالية أَو المحتملة، كما لا تتمثل في فرض التحرير السياسي والاقتصادي بسرعة وبدون ضمانات لتطبيق إجراءات الوقاية المالية والاجتماعية والقانونية الملائمة. بل على الأحرى، تتطلب مجالات الدعم المفترض تقديمه لشمال إفريقيا من شركائه أن يقوم هؤلاء الشركاء بإعادة التفكير في العلاقات المتمركزة حول الدولة التي فرضتها أطر السياسة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. ولعل المؤشرات المتصاعدة التي تشهدها المنطقة للتعبير عن الاستبعاد الاجتماعي والسياسي تعد المرشد إلى أشكال الدعم التي يجب اللجوء إليها لضمان الاستقرار في شمال إفريقيا على المدى الطويل.
------------------------------------------------------------------------
رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد "تشاتام هاوس".
*دراسة نشرت على موقع معهد "شاتام هاوس" البريطاني، تحت عنوان (شمال إفريقيا.. المخاطر الخفية التي تهدد الاستقرار الإقليمي)، برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إبريل 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.