جيش الكاثوليك عائد .. هذا من ضمن التعابير التي يتبادلها السياسيون التقدميون والدردشة في مواقع الانترنت في اسبانيا بعد العودة القوية للكنيسة الاسبانية التي أعلنت دعمها السياسي للحزب الشعبي في الانتخابات التشريعية يوم 9 اذار/مارس المقبل، بينما أعربت بعض الجمعيات الاسلامية عن دعمها للأحزاب التقدمية دون أن تسميها، وتبقي النكتة وسط الجالية المغربية في هذا البلد الأوروبي أن حزب العدالة والتنمية قادم للحكم في اسبانيا في إشارة الي الطابع الديني الذي اكتسبه الحزب الشعبي من خلال تحالفه مع الكنيسة علي غرار حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الاسلامي في المغرب. الكنيسة في اسبانيا هي مؤسسة محافظة بامتياز والأكثر محافظة في مجموع دول الاتحاد الأوروبي بل والعالم بسبب مسيرتها التاريخية القائمة علي محاكم التفتيش التي استمرت منذ 1492 تاريخ سقوط غرناطة الي غاية منتصف القرن التاسع عشر علاوة علي دورها في طرد المسلمين من أوروبا ونشر المسيحية في مجموع أمريكا اللاتينية. ومنذ تولي خوسي لويس رودريغيث سبتيرو رئاسة الحكومة والعلاقة بين الحكومة والكنيسة ليست علي ما يرام وتوترت أكثر بسبب بعض قرارات الحكومة كالترخيص القانوني لزواج الشواذ، ووضع حد للتعليم الديني المسيحي في المدارس وتعويضه بمادة المواطنة وفتح مفاوضات مع منظمة إيتا الارهابية وتقديم تنازلات سياسية تهم الحكم الذاتي لصالح القوميين الكاتالان والباسك. وكانت الكنيسة في كل مناسبة ترفع صوتها لتعرب عن معارضتها الشديدة للحكومة الاشتراكية، ونظمت جمعيات مقربة من الكنيسة تظاهرات ضخمة تصدرها رجال دين بارزون وتعتبر من أكبر التظاهرات في تاريخ اسبانيا وحملت شعار الدفاع عن العائلة في مواجهة زواج الشواذ و الدفاع عن تعليم الدين المسيحي في مواجهة مادة المواطنة و معارضة المفاوضات مع إيتا . وصدرت عن الحزب الاشتراكي الحاكم تصريحات عنيفة ضد الكنيسة، فالرجل الثاني في الحزب خوسي بلانكو صرح الكنيسة تحولت الي الجناح المسلح للحزب الشعبي . وكان وزير الخارجية ميغيل آنخيل موراتينوس شديد اللهجة عندما أكد للصحافة يدهشني موقف الأساقفة الاسبان، فالكنيسة الاسبانية أصولية ومتطرفة ومن المحافظين الجدد . ورغم الاحتجاج القوي، أعلن رجال الدين مزيدا من التصلب، فأسقف مدينة طوليدو أنتونيو كانيساريس رد علي الانتقادات الحكومية الكنيسة لن تصمت أبدا، فهي تستمد قوتها من المسيح، ولهذا لا أحد يمكنه القضاء علي كلمة المسيح . ويبقي السؤال العريض، لماذا العودة القوية للكنيسة الي الساحة السياسية؟ من خلال مختلف التقارير والتفسيرات فهناك عدد من الأسباب، في المقام الأول، عدم اتفاق الكنيسة مع سياسة سبتيرو في عدد من الملفات خاصة زواج الشواذ وتقنين التعليم الديني في المدارس العمومية في الوقت الذي تعتبر الكنيسة أن الجالية الاسلامية في اسبانيا أكثر تماسكا نتيجة تشبثها بمفهوم العائلة وبمبادئ الاسلام علاوة علي ما تصفه بتساهل الحكومة مع مبادئ المسلمين، وفي المقام الثاني، الاتفاق غير المكتوب بين الكنيسة واليمين المحافظ بدعم الأولي للثاني في القضايا السياسية الكبري. المسلمون يصوتون للاشتراكيين ويبدو أن الانتخابات الاسبانية تحولت الي شبه معركة دينية في اسبانيا، فاللجنة الاسلامية الاسبانية التي يتكون أغلب أفرادها من الاسبان المعتنقين للديانة الاسلامية، أصدرت بيانا مؤخرا تدعو جميع المسلمين الاسبان وغير الاسبان الذين من حقهم التصويت علي أن يمنحوا أصواتهم الي الأحزاب التقدمية في الانتخابات التشريعية. وصرح مصدر من اللجنة الاسلامية الي أسبوعية الأيام لم ندعُ الي أي حزب بالتحديد، لكن الجميع يدرك أننا نتحدث عن الحزب الاشتراكي أو اليسار الموحد . واتصلت القدس العربي برئيس فيدرالية الجمعيات الاسلامية في اسبانيا، الحاج محمد علي حول التصويت لهذا الحزب أو ذاك، فقال نعتقد أن الناخبين المسلمين لهم من الذكاء لمعرفة الحزب الذي سيدافع علي مصالحهم، ولهذا فليصوتوا للحزب الذين يعتبرونه يدافع عن التعايش ولا يعمل علي التمييز الديني . وأثار موقف اللجنة الاسلامية حفيظة اليمين المحافظ، وكتب محلل سياسي في يومية إمبرسيال الالكترونية أن رئيس الحكومة خوسي لويس رودريغيث سبتيرو وزعيم الحزب الاشتراكي عليه أن يرفض هذا الدعم لأنه صادر عن جمعية اسلامية، بينما نشر موقع سيغلو 21 أن سبتيرو عليه أن يوضح للرأي العام هل يقبل بالأصوات الاسلامية التي تنادي بقطع الأيدي والتطرف. التداعيات علي الجالية المغربية ويبقي بعض أفراد الجالية المغربية الأكثر انشغالا بهذا التطور في اسبانيا لأنهم يشكلون 80% من مسلمي هذا البلد الأوروبي. ويري حميد.ع وهو باحث جامعي من مدريد ومهتم بالهجرة مقابل دعمها للحزب الشعبي، ستحصل الكنيسة علي الكثير من الامتيازات، أولها تراجع الطابع العلماني للدولة الاسبانية، وثانيا تقليص المساعدات للجمعيات الاسلامية . وعليه، فالجالية المغربية ستكون الأكثر تأثيرا، وبطبيعة الحال سلبا، من عودة اليمين إلي الحكم لأن قرارات في المجال الديني ستمسها مباشرة بل حتي قرارات أخري مثل التلويح بمنح الحجاب في المدارس والمؤسسات العمومية. ويري منصور سكوديرو، رئيس اللجنة الاسلامية الاسبانية وهو اسباني اعتنق الاسلام أن دعم الكنيسة للحزب الشعبي يعني التضييق مستقبلا علي الحريات الدينية في اسبانيا. ويقول مهاجر بنوع من التنكيت السياسي في الانتخابات المغربية 7 ايلول (سبتمبر) الماضي كانت الطبقة الاسبانية تتخوف من وصول حزب العدالة والتنمية الي الحكم في المغرب، وكانت هناك مئات من المقالات التحليلية والتصريحات السياسية، والآن يبدو أن الحزب الشعبي الذي يتبني مواقف دينية بدعم من الكنيسة يجب أن يقلقنا كمغاربة، ألا يمكن أن نقول أن حزب العدالة والتنمية الاسباني قادم للحكم في مدريد، فليعرب المغاربة عن قلقهم . والمثير أنه منذ تبني الحزب الشعبي لخطابه المتطرف تجاه الهجرة فقد تقدم في استطلاعات الرأي، فآخر استطلاع للرأي أنجزه معهد الدراسات الاجتماعية وجري تقديم نتائجه أمس الجمعة منح هذا الحزب اليميني قرابة 39% من الأصوات مقابل 40% للحزب الاشتراكي بعدما كان الفرق بينهما خمس نقطة لصالح الاشتراكيين.