تأليف: محمد أركون ترجمة وتقديم: هاشم صالح دار الطليعة، بيروت، 2009 يتكون الكتاب بالإضافة إلى المقدمة من خمس دراسات، وأدرجت كل دراسة في فصل مستقل، في الفصل الأول «التاريخ النقدي العميق للفكر بصفته أشكلة لمفهوم الحقيقة» يقول أركون إن الحقيقة تخص الجميع، وهنا يدعو أركون ويعمل أيضا على فهم العلاقة الجدلية بين كلام الله وبين الخطاب الديني، وهذه الدراسة هي التي تعين على التمييز بين الديني والإنساني في فهم الإسلام والدين بعامة، وعلى التمييز بين كلام الله وبين تطبيقه وفهمه من قبل المؤمنين. وهنا بطبيعة الحال ينشأ السؤال القلق عن الحقيقة المتعلقة بإنتاج المعنى، فإذا كان المقدس هو الحقيقة فإن فهمه نسبي مختلف متعدد تتداخل فيه اللغة والسيمياء والفلسفة والثقافة والتاريخ، وفي هذه الحالة فإن الحقيقة هي افتراض احتمالي غير يقيني إلا على سبيل الاعتقاد الذاتي، ويبقى صحيحا القول إن هذه الحقائق تقوم بوظيفة سيكولوجية مطمئنة لكل أولئك الذين لا يستطيعون التوصل إلى أدوات البحث العلمي والتحليل الدقيق، إنها تشكل بالنسبة لهم ملاذا يلجؤون إليه. وفي فصل «مفهوم العقل الإسلامي» يجري أركون ما يصفه بنظرة نقدية تتفحص محلات التبلور لما سيصبح لاحقا الاعتقاد الدوغمائي، أي الأرثوذكسية بصفتها تعبيرا عن الأغلبيات السوسيولوجية أو العددية الموحدة المتراصة بغية ترسيخ أنظمتها في الاعتقاد واللااعتقاد، لأنها تمثل بالنسبة لها قاعدة أمنية وقوة تعبوية ضد أقليات منذرة بالخطر أو أغلبيات أخرى منافسة. ويقول أركون إن التاريخ الإسلامي المبكر قد حوره المدونون الأوائل في اتجاه من التقديس والترميز والأسطرة، وقد خرب ذلك التاريخ الإسلامي وأفسده إلى الأبد، وحصلت عمليات أسلمة لمخيال إسلامي مشترك، وحصل أيضا جهد حثيث لدمج الذاكرات الاجتماعية الحية في مجتمع الفتوحات الذي كان في حالة توسع آنذاك، وأدخل المعتنقون الجدد للإسلام العائشون في المجتمعات المفتوحة مصالح أيديولوجية ورمزية متنوعة، وهمشوا عناصر التراث القبلي العربي، وقدمت الحكايات والروايات على أساس أنها نموذجية مثالية قابلة لأن تكون قدوة لحياة المؤمنين باستمرار، هذا بالإضافة إلى الأحكام والأمثال السائرة التي تغذي الرصانة الأبدية للأمم البشرية، كل ذلك يتغلب على المعرفة التاريخية الموضوعية، والسبب في ذلك برأي أركون أن الهم الأول للفقهاء المشكلين للأرثوذكسية ثم الحارسين لها كان يكمن آنذاك في ترسيخ قواعد السلطة الشرعية تحت إمرة المشروعية الروحية والأخلاقية العليا المشتقة من الوحي. وفي فصل «مسألة الحقوق الإنسانية في الفضاء التاريخي المتوسطي» يؤكد المؤلف على أن الحقوق المعرفية والقضايا المعالجة من قبل الفكر النقدي والتحليلي تتجاوز إلى حد كبير مصير المعارف القسرية المفروضة دوغمائيا داخل الحقل الديني المراقب والمضبوط من قبل الشيوخ والسلطات الدينية، ويقول إن المراقبة والسيطرة القمعية تشمل أيضا العلوم العقلية، وليس فقط العلوم الدينية النقلية. وفي الفصل الرابع من الكتاب «الإسلام: بلورة لمفهوم ما، ما معنى كلمة إسلام عبر التاريخ منذ لحظة القرآن حتى اليوم» يتتبع المؤلف كلمة الإسلام والتي يقول أركون عنها بأنها أصبحت مدعاة للإشكال وسوء الفهم من كثرة ما أسقط عليها من المعاني المتناقضة والمختلطة، والكلمة يراها المؤلف ليست واضحة على عكس ما نتوهم للوهلة الأولى، فهناك مخيال إسلامي عن الإسلام، وهناك أيضا مخيال غربي عن الإسلام، وهما متناقضان تماما، هذا بالإضافة إلى الاختلاف الواسع بين المسلمين أنفسهم في رؤيتهم وفهمهم للإسلام. وهنا يحدد أركون أنواعا من الإسلام أو التراث الإسلامي: 1- الإسلام المنبثق الصاعد في بداياته الأولى، أي لحظة النبوة وظهور القرآن الشفهي. 2- الإسلام العالم، أو إسلام الفقهاء والعلماء والمتكلمين والفلاسفة والمتصوفة في العصر الكلاسيكي رغم الاختلافات الكبيرة فيما بينهم. 3- الإسلام الشعبي، وبالأحرى الإسلامات الشعبية (بالجمع). 4- الإسلام الشعبوي الأصولي المتطرف الصاعد منذ سبعينيات القرن الماضي. ويختم المؤلف كتابه بالفصل الخامس «الأديان التوحيدية على أفق عام 2008، البحث عن معنى ما للمستقبل» ويلاحظ أركون أن الأديان تعود إلى ساحة تاريخنا المعاصر بطريقة صاخبة وعدوانية، وهو انبعاث التدين وليس الدين في المطلق، فما نشهده في الحقيقة هو عودة الشعبوية الدينية. العرب القطرية 2009-10-10