لندن : دعت باحثة وناشطة أهلية معروفة في مجال مكافحة العنصرية والتمييز في بريطانيا الى التوقف عما اعتبرتها ممارسةً للارهاب على المسلمين في بريطانيا والدول الاوروبية عموماً، كما طالبت بالكف عن الترويج للاسلام والمسلمين كمرادفات للارهاب، معربة عن اعتقادها بأن السمة الغالبة على التناول الاعلامي سيما المرئي لمسائل الاسلام والمسلمين في الغرب تأخذ صيغة الاتهامات المبطنة أو المعلنة بالارهاب.وتحدثت ليز فكيتي وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة العلاقات العرقية في بريطانيا باسهاب عن أوجه التمييز ضد المسلمين في أوروبا وضربت أمثلة عدة على هذا من الواقع المعاصر، وذلك في الندوة التي نظمها مؤخراً اتحاد الصحافيين البريطانيين في لندن، احياءً لذكرى الصحافية الراحلة كلوديا جونز بعنوان: ' من يرهب من؟: الاعلام والحرب على الارهاب'. وتعد كلوديا جونز رمزاً للكفاح ضد العنصرية والتمييز بين البشر، وينسب اليها الكثير من الانجازات التي حققتها خلال سنوات حياتها التي امتدت من العام1924 الى العام 1964 حيث قضت بعد صراعٍ طويل مع المرض ودفنت الى جانب كارل ماركس. وكانت جونز تعيش في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع عائلتها التي هاجرت الى هناك من افريقيا ولكنها نفيت الى بريطانيا في العام 1955 بعد أن تعرضت للسجن في أمريكا على خلفية أفكارها الشيوعية وانخراطها في العمل الاهلي المقاوم للرأسمالية. وأصبحت في بريطانيا رمزاً من رموز حركة المساواة التي كانت قد أخذت في الظهور آنذاك على يد مجموعة من الرياديين السود. كما بادرت الى تأسيس مجلة هي الاولى من نوعها لرعاية شؤون المهاجرين الافارقة في بريطانيا، وينسب اليها أيضاً فضل المبادرة الى تأسيس مهرجان نوتنغ هيل غايت الذي يعد الثاني عالمياً بعد مهرجان البرازيل الذي يعرض للثقافة الكاريبية ويحضره الملايين كل عام في لندن. وينظم اتحاد الصحافيين منذ ثماني سنوات حفلاً لاحياء ذكرى جونز برعاية صحيفة 'الغارديان'، ويختار محاضرين ومختصين بارعين لالقاء المحاضرات بما يتصل بسيرة نضال جونز. واختار الاتحاد هذا العام فكيتي لتسلط الضوء على صورة المسلمين في الاعلام تحت مظلة الحرب على الارهاب. وكان واضحاً من النقاشات التي أعقبت المحاضرة أن حالة من عدم الرضا تسود في أوساط الحاضرين ومعظمهم من الصحافيين والاعلاميين جراء الصورة التي تعكسها وسائل الاعلام للمسلمين عموماً وهو ما أكدت عليه فكيتي نفسها مراراً وتكراراً، بل انها شبهت الخطر الذي يواجهه المسلمون تحت قوانين مكافحة الارهاب والتناول الاعلامي المتحيز ضدهم بالعهد السابق من التمييز الذي كان يواجهه الافارقة بسبب العرق الذي ينتمون اليه والذي تفاعل في صراعٍ وحركة مقاومة بلغت ذروتها خلال السبعينيات من القرن الماضي. وقالت فكيتي ان قوانين مكافحة الارهاب التي عمدت الكثير من الدول الى تبنيها في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) تلقي بظلالها بوضوح على وسائل الاعلام التي لا تأبه لأمر مقاومتها أو تفنيدها لما تتضمنه من تحيز وتمييز، محملةً وسائل الاعلام المرئية الجزء الاكبر من اللوم في هذا المجال، ولافتة الى أن مظاهر ذلك تتجلى بوضوح من خلال التركيز غير المبرر لهذه الوسائل على تغطية كل صغيرة وكبيرة تتعلق بنموذج الداعية الاسلامي المتطرف أو معاملة الاسلام كما لو كان في حد ذاته مصدراً للتهديد. وأوضحت أن وسائل الاعلام تمارس على المسلمين تهم الارهاب خاصة أولئك الذين يتورطون في 'تصرفات غير مقبولة' حسب التعبير القانوني المستخدم في رزمة قوانين مكافحة الارهاب. كما أن ولاءاتهم الخارجية محل اختبار دائم حتى أنهم باتوا يعيشون تحت ضغط التخلي عن ثقافاتهم وانتماءاتهم الاصلية للتدليل على ولائهم لبلدانهم الاوروبية الجديدة، معتبرة أن بريطانيا التي أفلحت خلال السنوات الاخيرة في خلق ثقافة التفهم والتقبل للثقافات الاخرى لا تعد استثناء من هذه الحالة التي ترتد الى مرحلة ما قبل التاريخ حيث القادمون الجدد مطلوب منهم أن ينكروا ثقافاتهم التي قد تتضمن البرقع والحجاب واللحية في مقابل الاستسلام للثقافة الغربية، كل ذلك باسم الولاء والوفاء لهذه البلدان. واعتبرت أن وسائل الاعلام تتصرف كما لو كانت الحارس لمجموعة الافكار المسبقة الخاطئة عن الاسلام والمسلمين وأنها تعلي من شأن من يتنكرون لأصولهم في الوقت الذي تهاجم آخرين يحاولون الدفاع عن هذه الاصول أو الجهر بالانتماء اليها. وضربت مثلاً على ذلك بالكوميدية النرويجية من أصول باكستانية التي التقطت لها وسائل الاعلام بوستراً يصورها وهي تلف جسدها العاري بعلم النرويج وتدفع عنها بعيداً الزي الباكستاني التقليدي، الامر الذي أعقبه تصنيفها كواحدة من أكثر الشخصيات تأثيراً في النرويج، أو الهولندية الصومالية هيرستا علي التي روجت للصورة الغربية المغلوطة عن الاسلام، الامر الذي جعلها محل ترحيب في وسائل الاعلام رغم كل ما تتضمنه أفكارها من احتقار لبني جلدتها. وأشارت فكيتي أيضاً الى حادثة مقتل مروة الشربيني المصرية المسلمة التي وقعت قبل شهور قليلة في ألمانيا واقترفها ألماني من أصل روسي بدافع الكراهية والاسلاموفوبيا، محملة وسائل الاعلام المسؤولية عن هذه الحادثة وغيرها التي تأتي كنتيجة منطقية للأفكار المغلوطة والمسيئة عن الاسلام والمسلمين، مستدلة على ذلك بالطريقة التي تعاملت فيها وسائل الاعلام الالمانية مع هذه الحادثة الفظيعة حيث لم تعطها حقها من الاهتمام كما لو أنها كانت فقط مجرد خلاف بين الجيران على حد وصف فكيتي. وشددت فكيتي على أن الوضع الراهن في وسائل الاعلام وموقفها السلبي من الاسلام والمسلمين في ظل ما برز على الساحة مؤخراً من قوانين متشددة لمكافحة ما يسمى بالارهاب يذكر بالمرحلة المكارثية وما رافقها من انتهاكات لحقوق الانسان، مهيبة بالعاملات والعاملين في وسائل الاعلام أن يحاولوا العمل جاهدين من أجل درء الخطر الذي يترتب على نهج التهميش وتشويه الحقائق أو تلفيقها. وقالت ان هناك حاجة لاعادة 'حملة مكافحة العنصرية في وسائل الاعلام' التي كانت فعالة في سبعينيات القرن الماضي في بريطانيا، ولكن هذه المرة لمكافحة العنصرية والخوف من الاسلام وحماية الاجيال الجديدة من مخاطرهما. كما قالت ان هناك الكثيرين من أمثال جونز التي عايشت واقعاً قاسياً في حياتها بعد توجيه تهم 'التخريب' اليها بموجب قوانين الحقبة المكارثية خاصةً في صفوف المسلمين الذين يطالهم الظلم لأوهى الاسباب بموجب قوانين مكافحة الارهاب من أمثال الطالب الجامعي المسلم 'رضوان' الذي يقبع في السجن وتجري محاكمته لا لسبب الا لقيامه بتحميل وطباعة كتيب عن القاعدة خلال فترة دراسته العليا لموضوع الاسلام السياسي في جامعة توتنهام. ويقاسمه المحنة عامل جزائري في الجامعة من أصول جزائرية اسمه 'هشام' قام بمساعدته في طباعة الكتيب، بعد أن تمت الوشاية بهما من قبل عامل آخر في الجامعة كان محرضاً بالتعليمات المفروضة على الجامعات بموجب قوانين مكافحة الارهاب عن ضرورة الابلاغ عن كل من تحوم الشكوك حوله في شأن 'تصرفات غير مقبولة'. 'القدس العربي هيام حسان