منها الأولوية.. 8 عادات تميز المرأة القوية عقلياً ونفسياً    هذا آخر ما قالته "الاستغراموز" فرح بالقاضي قبل وفاتها..    اليوم وغدا: إضراب عمال المخابز المدعمة بهذه الجهة    مقتل 10 مهاجرين بعد غرق قارب في البحر المتوسط    شهداء ومصابون إثر قصف الاحتلال الصهيوني لمخيم "النصيرات" وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة 11 مهاجرا وفقدان نحو 60 آخرين بعد غرق قاربين قبالة السواحل الإيطالية..    الاتحاد الفرنسي: مبابي يعاني من كسر في أنفه وسيرتدي قناعا    الجامعة التونسية لكرة القدم تحدد يومي 17 اوت موعدا لانطلاق الموسم الرياضي 2024-2025    تونس : أنس جابر تغيب عن دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024    ملعب الشاذلي زويتن و أولمبي سوسة يحتضنان باراج الرابطة الأولى    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اليوم..الحرارة تصل إلى 45 درجة    وزير الشّؤون الدّينية يتفقّد أحوال الحجيج بمخيّمات المشاعر المقدّسة    علقوا مقلوبين بالهواء: لحظات تحبس الأنفاس بمدينة ملاهٍ أردنية    اليابان: تصاعد الدخان من محطة فوكوشيما النووية    طقس الثلاثاء: درجات الحرارة تتراوح بين 34 و45 درجة مع ظهور الشهيلي    حقيقة وفاة الداعية المصري الشهير عمر عبد الكافي    جندوبة: اندلاع حريق في ضيعة فلاحية    المتلوي ...تلاميذ مركز التربية المختصة للقاصرين ذهنيا يحتفل باختتام السنة الدراسية    صمود المقاومة يعمّق أزمة الاحتلال...حل مجلس الحرب الصهيوني    قرقنة .. وفاة حاج من منطقة العطايا بالبقاع المقدّسة    خصائص المدرسة الناجحة ...أثر تربية المرأة في تحقيق التنمية الشاملة    إحباط 59 محاولة اجتياز للحدود البحرية وانتشال جثتين    فظيع/ هلاك طفل داخل خزان مائي بهذه المنطقة..    عدنان الشواشي : المنوّعات صنعت في وقت قياسيّ وغفلة ذوقيّة فيالق من أشباه "النّجوم" و"النّجيمات"    بمناسبة انتهاء عطلة العيد: وزارة الداخلية تصدر هذا البلاغ المروري    مدخرات تونس من العملة الصعبة تقدر ب107 ايام توريد منتصف جوان 2024    المرصد الوطني للفلاحة: نسبة امتلاء السدود لم تتجاوز 31،5 بالمائة    الفيلم التونسي "المابين" يفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان جنيف الدولي للأفلام الشرقية    بعد افتتاح سفارات اوكرانية في افريقيا: الرئيس الايفواري يحضر قمة السلام في سويسرا    وفاة الأنستغراموز فرح القاضي    المغزاوي يحط الرحال في الوطني السعودي    مرام بن عزيزة تكشف أسباب وفاة فرح بالقاضي    يورو 2024.. رومانيا تكتسح اكرانيا بثلاثية    أرينا سبالينكا تَغِيبُ في أولمبياد باريس    نصائح وتوصيات وزارة الصحة لمجابهة موجة الحرارة    إستخدام الأواني المصنوعة من مادة البلاستيك يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة    الهيئة الوطنية للمحامين تنعى المحامي الدواس الذي وافته المنية في البقاع المقدسة    بداية من الغد: تحذير من ارتفاع درجات الحرارة    سليانة.. تقدم موسم الحصاد بنسبة 45 بالمائة    القيروان : زوج يقتل زوجته بطريقة وحشية بعد ملاحقتها في الطريق العام    تنس – انس جابر تحافظ على مركزها العاشر عالميا وتواجه الصينية وانغ في مستهل مشوارها ببطولة برلين    حجاج بيت الله الحرام يستقبلون أول أيام التشريق    تراجع الإنتاج الوطني للنفط الخام في أفريل بنسبة 13 بالمائة    الإنتاج الوطني للنفط الخام يتراجع في شهر افريل بنسبة 13 بالمائة (المرصد الوطني للطاقة والمناجم)    في ظل انتشار التسممات الغذائية في فصل الصيف، مختصة في التغذية تدعو الى اعتماد سلوك غذائي سليم    بن عروس/ 18 اتصالا حول وضعيات صحية للأضاحي في أوّل أيّام عيد الأضحى..    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون آخر مناسك الحج    47 درجة مئوية في الظل.. الأرصاد السعودية تسجل أعلى درجة حرارة بالمشاعر المقدسة    صفاقس : "البازين بالقلاية".. عادة غذائية مقدسة غير أنها مهددة بالإندثار والعلم ينصح بتفاديها لما تسببه من أضرار صحية.    العلاقات الاندونيسية التونسية جسر تواصل من اجل ثقافة هادفة، محور ندوة بتونس العاصمة    إخصائية في التغذية: لا ضرر من استهلاك ماء الحنفية..    وزارة الصحة السعودية تصدر بيانا تحذيريا لضيوف الرحمان    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة حظر المآذن والخوف من استراتيجية الإسلاميين التوسعية *

تشكل مبادرة حظر المآذن بالنسبة لأصحابها دعوة إلى الحوار، والموضوع الأساسي الذي يطرحونه من خلالها هو انتشار الإسلام آو فكرة ميله التوسع. بهذا المصطلح هم يرون من جهة أن هناك مشروعا للهيمنة السياسية موجود بالطبيعة داخل الإيديولوجية الإسلامية (فهي تتسم بالولادة المولعة بالكثرة وقائمة على الدعوة والفتوحات)، و من جهة أخرى أن هناك استراتيجيات لفاعلين محددين( الإسلاميون و"مشروعهم"). ليس هناك شك أن هناك خطابا إسلاميا سائدا متشبث بالدين وبالدعوة إليه، وأن هناك جماعات تناضل لأجل ذلك: فالإسلام هو دين الخلاص للإنسانية باعتباره آخر الرسالات. و الأزمنة الأولى للإسلام التي نصبت ليتم اعتبارها العصر الذهبي والنموذج بالنسبة لهذا الخطاب، هي مرحلة توسع مكونة من غزوات عسكرية ومن حركات دعوية.
لكن خلف ذلك كله يبدو الواقع أكثر تعقيدا؛ هناك فعلا إسلاميون في الغرب ولديهم" مشاريع" للنفوذ وحتى للتوسع مثلما يدافع عن ذلك "سيلفين بيوسون": (La Conquête de l'Occident. Le projet secret des islamistes, Paris, Seuil, 2005), ؛ لكن مشروع الإسلاميين لن ينجح عندما يوجدون في وضع الأقلية؛ وفي غياب هدفهم التقليدي في بناء الدولة الإسلامية فهم يتحولون إلى أعيان أو يتوجهون إلى الوعظ الديني الذي أصبح اليوم مجالا حكرا يشغله أصوليون ورعون يقعون خارج السياسة مثل التيار السلفي أو حركات كحركة التبليغ والدعوة. وحاليا هؤلاء يتشددون فعلا، لكنهم يفعلون ذلك وفق مسار انغلاق على الذات، مما يجعلهم بعيدين عن أي اتجاه توسعي مثلما هو ملاحظ طبعا في الديناميكيات الاجتماعية التي تسجل تراجعا ديمغرافيا ونموا واضحا لتدين يتجه أكثر فأكثر نحو الفردانية.
لا للدولة ولا "للجيتو": معضلات الإستراتيجية لدى إسلاميي الغرب
بحسب ما يسميه اوليفييه روا Olivier Roy "انتقال الإسلام إلى الغرب" بما يتضمنه من انتقال الإسلام إلى وضع الأقلية، فان المنظمات الإسلامية تعرف وضعيات تتسم باللا مساواة. فالانتقال يسهل مسار التجنيد الإيديولوجي على حساب مشروع ملموس للتأثير السياسي.
الإسلاميون الأعيان: من إسلاموية الأقلية إلى ما بعد الإسلام السياسي
هناك تياران رئيسيان معروفان في الإسلام السياسي حاولا بشدة تسييس الهوية الإسلامية في الغرب عبر مسار معارض: الإخوان المسلمون وحركة الرأي الوطني( ميلي قوروش) التركية؛ بفضل ما يحملونه من مخيال عالمي( بوصف الإسلام دينا عالميا) وتوسعي( هدف أستاذية العالم كما ورد لدى الشيخ "حسن البنا" مؤسس حركة الإخوان). وعلى الرغم من ذلك فالغرب لم يشكل لديهم، في الواقع، هدفا استراتيجيا واضحا، فهم لم يحضروا إلى الغرب لهدف التوسع ولكن بعد أن تعرضوا للقمع السياسي في بلدانهم الأصلية؛ لقد جاؤوا بحثا عن قاعدة خلفية، وهذا هو حال "سعيد رمضان" والد "طارق رمضان". لقد كانت إقامتهم الطويلة في الغرب هي من دفعتهم إلى التفكير بشان علاقتهم به.
ومع ذلك وجد الإخوان أنفسهم في معضلة؛ فخصوصيتهم تنطلق من سعيهم نحو "الدولة الإسلامية"، أو على الأقل المشاركة السياسية، بينما في الغرب وبسبب من طابع الأقلية للمسلمين فليس هناك إمكانية لبناء دولة إسلامية أو مشروع سياسي متكامل. ولذلك لم يتبق أمامهم سوى ما نسميه:"الإسلام السياسي للأقلية"؛ وهو يتسم إما الوعظ الديني ( وحالة هاني رمضان في سويسرا هي مثال جيد)، أو التحول إلى أعيان؛ أي الدخول في إستراتيجية بحث عن دور الوسيط بين السلطة و السكان المسلمين وتمثيلهم وتأطيرهم مما يؤدي إلى تكوين علاقات زبائنية بينهم وبين دول الغرب. وبذلك هم يتركون قضاياهم الكبرى، ويتراجعون عن التعبئة وراء الأسئلة المحرجة في الغرب مثل الحجاب في فرنسا أو قضية فلسطين، بل قد يصبحون محل نقد بسبب تحولهم إلى برجوازيين أو تنازلاتهم التي تدفع الشباب المسلم إلى التفرق من حولهم؛ واجه طارق رمضان، الحفيد الأشهر لمؤسس حركة الإخوان المسلمين"حسن البنا"، حالة من الرفض من بعض مؤيديه السابقين منذ أن عينه "توني بلير"مستشارا للحكومة البريطانية في 2005.
إن مسارات القطيعة مع الأطروحة- الإسلامية- التي تتضمن ذلك الربط الصارم بين الدين والسياسة تتضاعف أكثر فأكثر لتفضي إلى ظاهرة " ما بعد الإسلام السياسي" وهي الظاهرة التي تتميز بثلاث مداخل مهمة: العودة إلى السياسي الصرف؛ و البحث عن الديني النقي؛ وأخيرا التطبيع الثقافي.
المدخل الأول هو إرادة "العودة إلى المجال السياسي الصرف"، إذا ما اقتبسنا مقولة "يمين مكري" احد رواد حركات الشباب المسلم في التسعينيات في فرنسا. هذه العودة تعكس الرغبة في الانخراط في عمل سياسي يخلو من أي بعد ديني، ويمكن لهذا البحث أن يتم عبر الاندماج في الأحزاب الأوروبية اليسارية واليمينية على حد سواء، آو عن طريق جماعات الضغط في بروكسل. وأحيانا يمكن ابتداع تعريفات هوياتية غير دينية تتجاوز اللحظة الإسلامية إلى ما قبل ظهور الإسلام مثل "حركة أهالي الجمهورية " le mouvement des Indigènes de la République الموجودة في فرنسا و التي تدين الطابع الاستعماري الجديد لعملية التمييز بين المجموعات المختلفة. ومصطلح الأهالي Indigènesيلي من حيث المصطلحات لفظ "Pote" في الثمانينيات، ولفظ "أخ" في التسعينيات.
المدخل الثاني هو المعاكس للمدخل الأول، أي البحث عن "الديني النقي" والذي تؤطره السلفية الوهابية القادمة من المملكة العربية السعودية، وهو تيار ديني متشبث بالتعاليم الدينية وذو طابع مذهبي يدعو إلى القطيعة مع المجتمعات الغربية. العديد من الإسلاميين اليوم يرون في الانخراط السياسي عامل إفساد للديني أكثر منه وسيلة تحقيق لشريعة الله على الأرض. وبتحررها من الانبهار الإسلامي بالسياسة، وعدم التزامها بالمشاركة في المجتمع، وبدون مطالبات محددة، فان السلفية تفضل الانسحاب من المجتمع الغربي دون الدعوة إلى هيكلة المجموعات المؤسلمة في أوروبا.
المدخل الثالث والأخير هو التطبيع الثقافي، ويستهدف البحث عن هوية إسلامية لا تحمل وصما معينا؛ هوية ذات طبيعة فردانية بحيث يعتمد الخلاص على الفرد والنجاح الشخصي والفعالية بشكل يدشن عصر الناجح الورع الذي يخلف الإسلامي المناضل. التطبيع الثقافي يزدهر ضمن الثقافة الإسلامية الجديدة التي يتم إفراغها من أهميتها السابقة التي تميزت بها، فهي ليست ثقافة مضادة ولكنها عملية اشتقاق لثقافات فتية، وبالتالي فهي إذن إشارة على بدء الاندماج(فمن الحجاب الإسلامي إلى"الستريت وير" streetwear الإسلامي مرورا بالأغنية الورعة التي تتطور على شاكلة ال"rock-louange" للمسيحيين الأمريكيين بالإضافة إلى"الفريد تشيكن"fried chicken الحلال). التدين هنا هو اقل رغبة في البروز والإظهار، ومنغمس في ثقافة جماهيرية معولمة.
المداخل الثلاثة لما بعد الإسلام السياسي لا تقوم إذن على فكرة التوسع؛ ففي السياسي الصرف لا يوجد اثر للديني وبالتالي نحن خارج نطاق الأسلمة. في الديني النقي نحن في مجال إعادة الاسلمة لكن خارج أي مشروع للهيمنة السياسية. في التطبيع الثقافي نحن داخل الديني لكن أيضا داخل التمازجات الثقافية الغربية وليس المواجهة أو الرغبة في التوسع.
تصاعد التشدد الديني: من القيتو إلى الهجرة
الصعوبة التي يسجلها الإخوان في السياق الغربي لا تعني اختفاءهم، بل هي تضعهم بالمقابل في تنافس مع الحركات الأصولية الأخرى. وفي الطيف الأصولي الذي يملا الفضاء اليوم، فان السلفية الوهابية هي السائدة؛ ليست التوجهات الجهادية وإنما التزمت والتشدد العقائدي.
تنجح السلفية بقوة في مجال التحول الديني وهي تجذب إليها المتحولين للإسلام الذين خاب ظنهم في الإسلام السياسي كما في الحركات الأصولية الأكثر قدما في الفضاء الأوروبي مثل جماعة التبليغ. وبعكس حركة الإخوان، فهي تتمدد في الضواحي حيث تعطي مصداقية لفكرة الإقصاء والتهميش بما تدعو إليه من قطيعة مع المجتمع الغربي، فتجعل بالتالي من الوضعية التي يعاني منها المسلمون في أوروبا، خيارا دينيا.
ومع ذلك، فالسلفية لا تشكل الرافعة الجديدة لفتح الغرب لعدة أسباب: أولا، لأنها تدعو إلى الانغلاق على النفس حتى داخل التجمعات الإسلامية في الغرب . فهي تشجع الانسحاب من المجتمع وتخشى على إفساد القيم التي تدعو إليها. وهي ترتكز على جذب واستعادة مجموعات الشباب الذين يعتبرون أنفسهم "الفرقة الناجية" أكثر من استهدافها تأطير العائلات أو الجاليات المسلمة ككل؛ بحيث لا تهتم السلفية بالجاليات المسلمة الحقيقية بل تعتبر هجومية اتجاه العائلات وتنتقد الأئمة التقليديين. إن هذه السلفية تبدو كإسلام الشباب الذين يعكسون الرغبة في القطيعة مع المجتمعات الغربية كما مع الأقليات المسلمة الموجودة فيها، لذلك غالبا ما يتم التجنيد حيث تضعف الروابط الاجتماعية كما هو الحال لدى الأتراك وأولئك القادمين من جزر القمر.
ثانيا، ولان السلفية تقع ضمن "الديني الصرف" فهي لا تهتم لا بالثقافة(وبالتالي بالمجتمع) ولا بالسياسة، فهي بعيدة عن أن تكون التعبير الجديد عن مشروع للهيمنة السياسية لأنها الثمرة المرة لصعوبة عملية تسييس الإسلام؛ إنها تعبر عن إيديولوجية تبرير و"شرعنة" لفكرة الانسحاب من وتجنب المجتمعات الغربية. فنهاية المسار إذن ليست لا فتح الغرب ولا بناء "قيتوهات" مؤسلمة، وإنما "الهجرة"؛ أي العودة إلى دار الإسلام( حتى إذا كان حلم العودة هذا الذي يحتاج إلى تمويل مالي نادر الحدوث).
ومن خلال تأسيس فكرة الرحيل هذه، فان مصطلح الهجرة يضع الجيل الجديد في نفس حالة الانتظار ودون تعبئة خلف انخراطات محتملة كما كان الحال لدى أوليائهم. فهؤلاء كانوا يعيشون ويحلمون بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، أما الجيل الجديد فهو مسكون أيضا بالرغبة في الرحيل لكن من البلد الذي ولدوا فيه. السلفيون إذن لا يطرحون مسائل الحجاب ولا ينتظمون للدفاع عن أئمتهم المطرودين وهم غائبون في التظاهرات المؤيدة لفلسطين.
خارج الجالية المسلمة وبدون مشروع: العدمية الجهادية الجديدة
الجهادية المناضلة (كما في حالة القاعدة وحركة "كابلان") تتقاسم مع السلفية غير المقاتلة رغبتها في الانغلاق على الذات، فهي تصف بالتكفير كل خصومها الذين تحاربهم سواء كانوا يهودا أو مسيحيين أو مسلمين غير ملتزمين طبقا لتعريفها الخاص للالتزام الديني وبذلك يشملون ضمنها الإخوان المسلمين. ولا يتعلق الأمر في الغرب بإنشاء "مجموعات مقاومة" كما هو الحال لدى حزب الله أو حركة حماس، أو خلق ثقافات مضادة للقيتو، بل هي تخلق خلايا ورعة ومناضلة تعيش في قطيعة مع المجتمع الأوروبي الكلي كما مع الجالية المسلمة التي تعتبرها في حالة جاهلية وجهل بحكم الله.
التشدد يعمق القطيعة مع المجتمع ومع الحي مثلما يوضحه "اوليفييه روا" في كتابه عولمة الإسلام (Paris, Seuil, 2002).. بهذه الحالة الواسعة من اللعنة لقطيعة، فان الجهاديين الجدد لم يعد لهم مجتمعات يحررونها ولا يمكنهم التواجد سياسيا. إنهم لا يستهدفون غاية محددة (مثل تراب الدولة أوتغييرعلاقات القوة آو الإطاحة بالنظام)، ولكنهم يستهدفون المواجهة والصدام الإعلامي وتدمير الرموز المرتبطة بالامبريالية السياسية (التي تمثلها القوة الأمريكية).
أصبح العنف يعتبر تضحية، ولم يعد مفهوم المجاهد يمثل تلك الشخصية المرتبطة بالنضالية العسكرية الجديدة(الذي يحارب في حرب مقدسة) بل مفهوم "الشهيد". وبخلاف الجهاديين القدامى المرتبطين بالفضاءات الوطنية (حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين و"لشكر الطيبة" في كشمير) ، فان المحاربين الجدد في الغرب لا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم "عادلين" بل ك"طاهرين" يعيشون في عالم دنس بالجاهلية، وهذا هو مصدر عدم اهتمام السلفية الجهادية باستراتيجيات تأطير الجاليات المسلمة في الغرب وبالتالي رفضهم المطلق من قبل القوى الإسلامية الأخرى برمتها.
وبذلك، فان التشدد يتجنب شبكة المساجد، بل بالعكس، هناك عدم ثقة بين المتشددين الجهاديين وبين فضاء المسجد؛ أولا لان المساجد سهلة التحكم من قبل الأجهزة الأمنية، وهي أيضا فضاءات للتفاوض مع الغرب الذي يعتبرونه ملعونا، وبهذه الصورة فان أئمته يعدون على وفاق مع الغرب. شبكة "فريد بن يطو"، كما يذكر"جان بيار فيليو" في كتابه"حدود الجهاد"(Paris, Fayard,2006) وهي إحدى أهم الشبكات الجهادية الموجهة للعراق والتي تم تفكيكها في فرنسا، قد تشددت بعد طرد زعيمها من مسجد ستالينغراد في الدائرة رقم 19 في باريس. نفس العملية يمكن ملاحظتها بالنسبة للمسئولين عن اعتداءات مدريد في 11 ممارس 2004 والتي تشددت خارج مسجد مدريد الكبير بعد المواجهة بين زعيمها و إمام المسجد. إن هذا يؤكد أنه، سواء لأسباب أمنية أو إيديولوجية، فان التجنيد في صفوف الجهاديين يمر عبر طرق أخرى متنوعة تمتد من مقاهي الانترنت إلى نوادي الرياضة إلى قاعات تعليم فنون القتال وصولا إلى الانترنت والسجون. في حالة ال"لندنستان" أي أماكن النفور الإسلامي الراديكالي، نلحظ استثناء، ولكن هنا وكما يلاحظ "اوليفييه روا" في حالة "زكريا موسوي"، فان التشدد يحدث قبل أن يتم الالتحاق بالمسجد لاحقا، خاصة إذا كان هذا الأخير ذا صبغة متشددة أصلا؛ في هذه الحالة فان التشدد هو الذي يقود إلى المسجد وليس العكس.
الفضاءات المختلفة للإسلام الحركي والنضالي لم تعد تجسد فكرة الفتح: فمن جهة، لان الإسلام السياسي يتحيد وبدأ يفقد حيويته الصراعية، ويتم تجاوزه من قبل أصولية جديدة هي السلفية. ومن جهة ثانية لان السلفية التي تتجاهل استراتيجيات تأطير الجاليات المسلمة في الغرب وتنتقد إسلامية المجتمع المسلم الواقعية، لا تؤدي إلا إما إلى الهجرة أو إلى العدمية السياسية الناتجة عن خيار الخلاص عبر الشهادة.
الديناميكيات الاجتماعية: عندما يسود التغريب
ويتبقى لدينا الديناميكيات الاجتماعية التي يمكن أن تحمل روح التوسع أو الفتح وتتضمن: الديمغرافيا المسلمة، تجديد الممارسة الدينية( إعادة الاسلمة بالنسبة للمسلمين والتحول الديني إلى الإسلام لغير المسلمين) وواقع "القيتو" كفضاء لتوزع لثقافة فرعية دينية يؤطرها تيار الإسلام السياسي.
أوهام حجة الديمغرافيا المسلمة
احد الحجج المركزية في أطروحة التوسع هي فكرة الديمغرافيا المسلمة الزاحفة. هذه الحجة تشير إلى ارتفاع كبير في معدلات الخصوبة، يتم اعتبارها واقعا يصم روح"ولادة" مولعة بالكثرة العددية متضمنة بالماهية في الطبيعة التوسعية للإسلام.
هناك فعلا روح تشجع على الإنجاب متضمنة في النصوص الدينية، وأحيانا يطرق هذا الموضوع في المنتديات الإسلامية حين يرد سؤال عن شرعية تحديد النسل، آو يطرح في النقاشات التي تتعلق بموضوع تنظيم النسل، مع ذلك لا بد من الإشارة إلى نقطتين هامتين:
أولا: الديمغرافيا المسلمة في تراجع كبير في كل أنحاء العالم الإسلامي (باستثناء باكستان وبعض الدول في إفريقيا السوداء). يشير "ايمانويل تود" ويوسف كارباج" في كتابهما الاخير "تلاقي الحضارات"(Paris: Le Seuil, 2007) أن معدل الخصوبة لدى النساء المسلمات يكون قد انتقل من 6,8 طفل للمرأة الواحدة سنة 1975 إلى 3,7 في سنة 2005، وفي خلال فترة الثلاثين سنة الأخيرة هذه فقط، انتقلت النسبة في المغرب من7,3 إلى 2,4 للمرأة الواحدة، وفي الجزائر من 8,4 إلى 2,6، وفي السعودية من 8,5 إلى 3,6. أما في تونس كما في إيران الإسلامية، فتقع النسبة تحت خط الزيادة السكانية بسقوطها من 7,3 إلى 2. ولا تقاوم المجتمعات القبلية هذا الأمر بشكل أفضل، ففي ليبيا انتقل معدل الخصوبة من 7,6 إلى 2,8 ، وفي الأردن من 8 إلى 3,5، وفي عمان من 8,6 إلى 3,6: لقد تأخر التحديث الديمغرافي في العالم العربي والإسلامي لكنه تم في زمن قياسي وتسارعه الحالي ثابت.
ثانيا: هذا الانخفاض يتزامن مع حركة صعود المد الإسلامي. فلا الصحوة الإسلامية إذن ولا الحكم الإسلامي( كما في إيران) استطاعا التأثير في اصطفاف المسلمين خلف المعايير الديمغرافية الحديثة: أولا، حدث انعكاس في منحنيات الولادة في العالم الإسلامي تدريجيا وفي فترة بدأت في دول شبه الجزيرة العربية على الرغم من كونها المكان الذي تعهد السلفية الوهابية بالنشأة والتطور. وأكثر من ذلك فان معدلات الولادة بدأت في التراجع في دول عرفت أوج حالات ازدهار الديني والسياسي: ففي إيران حدث ذلك الانقلاب الديمغرافي، ليس في عهد الشاه إبان الملكية التحديثية التغريبية، بل بحدود 1985 أي في أوج النشاط الإسلامي و تصدير الثورة بحيث انهارت نسبة المواليد من 6,8 سنة 1985 إلى 2,1 حاليا. أما بالنسبة لروح المجتمع المقاوم الذي يسود في لبنان الشيعي أو في فلسطين حيث تدفع النساء بأبنائهن إلى الجهاد والشهادة ضد الجيش الإسرائيلي، فان هذا لم ينتج عنه "ديمغرافيا حرب" أذا ما استعرنا مصطلح "فيليب فارغس" في كتابه "أجيال عربية" Paris, Fayard, 2000))، خاصة أن بنية النموذج العسكري الذي طوره حزب الله في لبنان لا يقوم على عدد الرجال بقدر ما يرتكز على المواجهة اللاتناظرية والنخبوية. أما الانتفاضة الثانية في فلسطين، فعلى عكس انتفاضة 1987 التي أدت إلى تنشيط نسبة المواليد، لم تؤد الانتفاضة الحالية إلى تحفيز النساء على زيادة الإنجاب.
هكذا، وعلى عكس ما حدث في التعاليم المسيحية حيث كان الارتداد عن المسيحية( إلى جانب انتشار التعليم) احد أهم عاملين ساهما في مخاض عملية "التحديث الديمغرافي"، فان مسار الارتداد عن الأسلمة لم يكن ضروريا في العالم الإسلامي. أحد العوامل يرتكز على أن التدين الذي يظهر مع المد الإسلامي يرتبط بالقيم الفردية في حين يرتبط نمو المواليد بمبدأ جماعي تمثله الرغبة في زيادة عدد الأمة. هذا لا يعني أن الوجود الإسلامي في سويسرا وأوروبا سيستقر بل سيستمر في الزيادة؛ عن طريق الهجرة ولكن أيضا بسبب خصوبة متزايدة مرتبطة بارتفاع سن الشباب لدى هؤلاء. ما يجانب الصواب هو ربط هذا النمو بالإسلام نفسه.
العودة إلى دار الإسلام والتحول الديني: تتويج للفرد
تراجع نسبة السكان المسلمين تقع ضمن حركة عامة من "التطبيع السوسيولوجي" للسكان المسلمين، أي اصطفافهم حول اغلب معايير الحداثة الغربية. خارج نطاق التحديث الديمغرافي، فان هذا التطبيع السوسيولوجي يلاحظ أيضا في نسب التعليم والتمدن، وتراجع نسب الزيجات العائلية المرتبة تقليديا، وضعف نسب زواج الأقارب، وارتفاع سن الزواج، وارتفاع معدلات الطلاق( بما فيهم النساء السلفيات)، إضافة إلى الزواج المختلط بين مسلمات ورجال غير مسلمين والخروج الكثيف للنساء إلى العمل.
العودة إلى الديني في الإسلام، وكما في التقاليد الدينية الأخرى، يحدث أولا من خلال الفرد وليس عبر مشروع جماعي، حتى لو كانت هذه العودة تتم عبر البحث عن تضامنات جماعية. وتتموضع الأشكال الاجتماعية السائدة لهذه العودة للديني ضمن الجماعات الطوعية التي تتهيكل حول خيارات شخصية للأفراد( على عكس الانتماء لمجموعة الذي يعتبر بديهيا) وبالاعتماد على الذات، بل إن مسارات إعادة الأسلمة تقع أكثر فأكثر خارج نطاق الأطر الدينية التقليدية سواء كانت مؤسسات أو طرق أو حركات. هكذا فالأسلمة لم تعد تمر عبر الإسلاميين كما كان يحدث غالبا ، بل بصفة فردية، تسودها حالة من الترقيع، وغير منظمة؛ الصلاة مثلا تتعلم عبر الكتب وارتياد المساجد، ولكن لم يحدث أن حركة إسلامية أخذت على عاتقها هذه التطلعات الدينية. هناك سيادة للفتوى الفردية، وشيوع لثقافة التحريم ومقاولون خاصون للأخلاق، وحين يكون هناك تأطير فإن ذلك يحدث بفضل الحركة الاجتماعية وليس عبر المؤسسات الدينية الرسمية. بالنتيجة، يرتفع عدد الأئمة ببطيء شديد في فرنسا حيث ارتفع من 800 سنة 1995 إلى حوالي ال 1000 بعد عشر سنوات كاملة.
ولكن، وعلى النقيض من ذلك فان هذه الفردنة هي أيضا نتاج تأثير جماعي؛ فوجود بيئات مسلمة( من ضواحيBradford في المملكة المتحدة إلى Minguettes وضواحي ليون في فرنسا مرورا ب Kreuzberg في ألمانيا)، يخلق عادات ومعايير اجتماعية( مثل احترام الصيام خلال رمضان)، بينما يؤدي تعميم المؤسسات الدينية(المكتبات الدينية، مواقع الانترنت، وأماكن العبادة) إلى تحويل عملية المد الإسلامي إلى عمل ذاتي ممكن ليس فقط بالنسبة للشباب بل ، وهذا هو الجديد، للمهاجرين الأوائل أيضا.
بشكل أكثر تحديدا، يمكننا أن نستخرج توجهين كبيرين لهذه العودة إلى الإسلام: من جهة، تدين يتميز بالرغبة في التطبيع الثقافي والهوياتي يجد تمظهره في"الستريت وير"الإسلامي والحجاب "المودرن"وأنغام البوب الحلال و"مكة كولا" و"مسلم آب". ومن جهة ثانية، أصولية تعيش على قطيعة مع النظام الغربي. ثم لا هذا ولا ذلك يتبع توجه الفتح؛ الأصولية كما رأينا تنتهي بفكرة الهجرة بينما ينتهي التطبيع الثقافي أو الحضاري بالتخلي عن فكرة البديل والتي تقدم نفسها بوصفها إضافة روحانية لثقافة غربية مقبولة كونيا.
أما بالنسبة لحالات التحول الديني فهي موجودة لكن دون أن تمثل حالة عامة ظاهرة. تقيم مصادر في وزارة الداخلية في فرنسا عدد الذين تحولوا إلى الإسلام باثني عشر(12) تحولا يوميا فيما يوجد 50000 متحولا إلى الإسلام في فرنسا. من جهة ثانية فان التحول الديني في الاتجاه الأخر يزداد بحيث يقدر في فرنسا ب8000 متحول مسلم إلى المسيحية في السنة، خاصة تجاه البروتستانتية في مقابل 4000 حالة تحول إلى الإسلام سنويا.وليس هناك تقديرات موثوق منها بشان التحول الديني في سويسرا.
يجب أن نتذكر من جهة أخرى أن الأطر التنظيمية وان كانت تثمن التحول الديني، فهي لا تسمح بتمدد تأثيرهم داخلها؛ فنادرا ما يتبوأ المتحول دينيا مكانة داخل تيار الإسلام السياسي. فقط السلفية العلمية آو الجهادية تمنحهم مكانة(23 بالمائة من المتحولين في فرنسا جاؤوا من السلفية حسب تقرير للاستخبارات العامة ورد في صحيفة لومند بتاريخ 12 يوليو 2005) وهي فعلا تشكل الحركة الوحيدة التي لا ترتبط بمكان محدد ولا تخضع لثقافة، وهي المسئولة عن التمفصل الذي وقع بين النشاط الإسلامي في الغرب وبين القضايا الشرق أوسطية؛ الشيء الذي يقتلع الانتماء الديني عن الانتماء ألاثني ويسهل اندماج ذوي الأصول الغربية من غير العرب داخل السلفية.
في قلب" القيتو": إقصاء وغياب للأطرالجماعية
ماذا عن "القيتو" إذن؟ جيوب المسلمين هي حقيقة واقعية في أوروبا، لكنها لا تشكل نقطة انطلاق لعملية توسع إسلامي ولا حصان طروادة يخترق الغرب. أما الرؤية التي تقول بان السكان المسلمين موجودون تحت وصاية إسلاميين يقودونهم على أساس من مشروع قائم على القطيعة الجماعية مع المجتمع المحيط، فهذا يبدو مبالغا فيه حتى مع الاعتراف بوجود درجة من الرقابة الاجتماعية.
"القيتو"لا يتهيكل حول إستراتيجية سياسية للجماعية بل هو نتاج للعمليات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة. هو نتيجة أيضا لموقف السلطة ليس فقط في الدول التي تسود فيها أيديولوجية التأطير المجموعاتي ( مثل هولندا وبريطانيا مثلا) ولكن أيضا في الدول حيث تسود اللائكية بشكل قوي كما في فرنسا: فمداعبة الزعماء الدينيين في إطار الاستراتيجيات الانتخابية، وتوزيع السكنات الشعبية على أساس اثني وعرقي أحيانا، ومحاولة استخدام وسطاء من القيادات الاجتماعية والدينية لإدارة الضواحي؛ هذه الاستراتيجيات تشكل كلها ممارسات منتجة لجيوب عمرانية موحدة دينيا وعرقيا.
أما بالنسبة للعلاقة بين الإسلام والإسلاميين مع مسالة الجيوب المسلمة، فهناك عدة نقاط يمكن إيضاحها:
أولا: الإسلام السياسي المرتكز على الطبقة الاجتماعية الوسطى وعلى نموذج نخبوي ليس له تأثير قوي على الضواحي؛ عدم فعالية الفتوى التي تضمنت الدعوة إلى التزام الهدوء والتي وجهها اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، ذو القرابة الإيديولوجية مع حركة الإخوان المسلمين، خلال أعمال الشغب التي حصلت في فرنسا سنة 2005 تظهر ذلك بوضوح. الحركات الإسلامية( السياسية والوعظية) موجودة هنا فعلا، ومع ذلك تضل بدون مواقع للهيمنة؛ إنهم يشكلون عناصر من ضمن أخرى من النسيج الاجتماعي في الضواحي في الغرب وهم في النهاية بدون تأثير كبير. بالنسبة للسلفيين فهم يملكون خطابا يدعو للانغلاق على الذات إذ يثمنون التضامن بين الأتقياء، ويطورون استراتيجيات لتجنب المجتمع المحيط، وهم حاضرون جدا في الضواحي لكنهم لا يسيطرون: أولا لأنهم لا يملكون تأثيرا عدديا كافيا ، ثانيا لان السلفية ليس لها تراث تنظيمي يسمح لها بممارسة هذا الدور، وأخيرا لان السلفي لا يستهدف كما قلنا إنشاء فضاءات مدينية مؤسلمة، سواء أكانت ثائرة آم مسالمة، بل الهجرة والعودة إلى دار الإسلام.
بشكل خاص، نلاحظ أن القيم السائدة في الأحياء ذات الغالبية المسلمة هي قيم فردية استهلاكية وقيم السوق، أعلن "ايمانويل تود"في"مصير المهاجرين" (Paris, Seuil, 1994)، عن تفكك البنى التضامنية المغاربية وهذا هو ما يحدث بشكل عارم: هناك انخفاض نسبة زواج الأقارب لدى الرجال والنساء(نسبة الزواج المختلط من غير المسلمين لدى النساء الجزائريات انتقل من 6,2 إلى 27,5 بالمائة بين سنوات 1975 و 1990، أما بالنسبة للمغربيات فقد انتقل من 4 إلى 13 بالمائة)، وصعوبة كبيرة في الانتظام الجمعوي، ضعف سلطة العائلات. هناك ضعف أخر يسجل على مستوى مدارس المسلمين بحيث إن المشاريع القليلة السارية اليوم ليست أكثر من مجرد رد فعل للقانون الذي صدر حول الرموز الدينية في المدارس الفرنسية سنة 2004 ولا تعبر عن اتجاه مهيكل يعم فرنسا، ومن المفارقات الملحوظة، هو أن المسلمين في هذا الإطار هم الأقل بالنسبة للمسيحيين كما لليهود من حيث تعبيرهم عن تأطير فعلي لأتباعهم. ففي حين أن هناك 30000 طفل يهودي متمدرس في فرنسا في 256 مؤسسة دينية، وأن كل الثانويات المسيحية رفضت 20000 طلب دخول جديد إليها بسبب نقص الأماكن سنة 2005، فليس هناك سوى ما يقرب من مائة(100) تلميذ فقط مسجلين في المدرستين المسلمتين العاملتين حاليا. أما التصويت "الإسلامي" فهو لا يجدي نفعا لأنه وببساطة لاحظنا كيف أن القوائم التابعة للمجموعات العرقية – و النادرة أصلا- وحتى في حالة حصولها على دعم المساجد، فهي تمنى بالفشل. ما يسود في "القيتو" هو التفكيك والإقصاء، حتي عندما تظهر تعبئة الديني كرد على هذا التفكيك وبالرغم من وجود السيطرة الاجتماعية المؤسسة على القيم الإسلامية.
المسجد في كل هذا؟
موضوع التوسع الإسلامي يعاني من خلل يقوم على الخلط بين أربع مستويات: الديمغرافيا، والتدين، والقيتو والمشروع السياسي: يفترض أن المشروع السياسي يستهدف "القيتو" وينبثق من تدين غير قادر على الفصل بين السياسي والديني، مؤسسا "لأيديولوجية إسلامية" تشجع على نسبة مواليد خيالية. لكن وكما رأينا، الديناميكيات على مختلف المستويات تنفصل عن بعضها البعض بوضوح: الديمغرافيا الإسلامية في حالة انخفاض عام وهي تخيب أمال عدد من الإسلاميين مثل "احمدي نجاد" الذي يرى فيه اصطفافا لصالح الثقافة الغربية( لكنه يخلط بين التحديث والتغريب)، "القيتو" موجود فعلا وهو مفروض أكثر من كونه اختياريا وداخله يسود التفكيك. التدين فعلا في حالة يقظة وانبثاق لكنه بالمقابل يمر عبر الفرد وتأطيره الآن ينفلت من يد الإسلام السياسي.
أما بالنسبة للمسجد فهو حينا على خلاف مع القيتو وحينا ضد التشدد حتى إذا كان يساهم في توليد المحافظة.
المسجد يعارض منطق "القيتو" لأنه أساسا، يشكل فضاء للتفاوض من اجل الحصول على تصريح بإدارة المعارضة المحتملة..الخ، هذا المشروع يفترض أو ينتهي إلى إجراء عملية اتصال مع المحيط السياسي والاجتماعي: مثل عمدة البلدية، الجيران والمصالح الإدارية للبلديات. لذلك تلوح أهمية محاولة استثمار الرصيد الانتخابي الذي يمثله المسجد: لا سيما للحصول على أصوات لرئيس البلدية كما لسحبها منه في حالة إبدائه العداء، وسيتم ذلك من خلال التفاوض مع مختلف المرشحين لأجل الحصول على منافع للأتباع. وشيئا فشيئا يتحول مسيرو المساجد إلى أعيان للمدينة التي يقيمون فيها. يذكر"برنار غودار"، المستشار لدى مكتب المركزي للديانات في فرنسا، كيف أن وزير الداخلية لا يصدق بان المساجد يمكنها القيام بوظيفة تنظيمية و كيف يعتبرها بعيدة جدا عن الأسئلة الحقيقة كالتشدد وحالات اليأس. بالإضافة إلى ذلك، فان المسجد حاليا هو فعلا عامل مهم لاحتواء للعنف، فالتشدد لا يمر عبر المساجد، بل عبر القطيعة مع المسجد كما رأينا ذلك مع عبر مسارات التشدد في شبكة "بن يطو" والمسئولون عن اعتداءات مدريد.
المسجد يولد الرقابة الاجتماعية كما يؤدي إلى نشوء ظاهرة الأعيان. وتظل المساجد في مجموعها مسيرة من طرف المهاجرين القدامى الذين كانوا حتى نهاية التسعينيات يفضلون الحذر، ثم بعد ذلك أصبحوا قلقين من فقدان الاتصال مع محيطهم لاحقا. ولأن المساجد تعني المفاوضات والاتصال بالمحيط والتحول إلى أعيان، فان السلفية لا تهتم كثيرا بإدارتها أو السيطرة عليها، وفي أحسن الأحوال استخدامها لنشر خطابها الخاص.
المبادرة حول المآذن تطرح أسئلة جيدة حول مستقبل الإسلام في أوروبا، وأشكال التعبئة التي تتم باسم الإسلام، وعلاقته بالغرب. رغم ذلك فالتركيز على المبادرة يحول الموضوع إلى مسالة عبادية وإيديولوجية. بذلك فهي تتجنب الأبعاد الاجتماعية والسياسية، ولكن المشكلات الحقيقية إنما تظهر في هذه الأبعاد وهي ستستمر بالظهور.. بوجود المئذنة أو في غيابها.
باحثين في الاجتماع الديني
08-11-2009
الاسلاميون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.