يقول إبن حزم الأندلسي رحمه الله:(لاآفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها ، وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعملون ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون)(1). في الحقيقة أن آفة الدخلاء هذه لاتقتصر على ميدان العلم فقط، بل تتعدّاه إلى غيره من الميادين:
1) فآفة العلم الدخلاء فيه ، الذين يجعلون ميدانه مرتعا للمراء المذموم ، وإثارة الخلافات والخصومات ، ولعل من أبرز صفات هذا الصنف في مجال العلم، جفاف الشعور وضيق التفكير وقسوة القلب والتعلق بالمراسيم والمظاهر والصلف بمعرفة الحق والميل إلى سوء الظن والجرأة على أهل العلم وأكل لحومهم تجريحا وإنتقاصا وذمّا وبغضا والوقيعة في أعراضهم والنيل من مكانتهم وإقتحام أماكن الصدارة ، ومزاحمة العلماء الكبار بزاد علمي ضئيل أو منعدم إن لم يكن مغشوش ، وجسارة عجيبة على الفتوى ، مع سوء الأدب وقلة الورع إلى غير ذلك .
2) وآفة الدعوة الدخلاء فيها ، الذين يحولون ميدانها الشريف إلى مضمار للتهارش والتنافس غير الشريف ، والغيرة غير المحمودة ، والتعصب الأعمى ،فتنتقل موازين الحياة العابثة الغافلة غير المبالية بتعاليم السماء ، بمؤامراتها وأساليبها الرخيصة وتقاليدها العفنة إلى ميدان الدعوة، فيتلوث وتنقطع عنه موارد التوفيق الإلهي والمدد الرباني، وقد نبّه الإمام البنا رحمه الله إلى خطورة الدخلاء على ميدان الدعوة ، وحدد صفاتهم بدقة فقال:(إن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع مجروح الماضي ، فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق)(2).
3) وآفة السياسة الدخلاء فيها ، الذين يبنون عملهم على الإنتهازية والإستبداد والإقصاء والأحادية والمزايدة بالشعارات ،وتصفية الحسابات والإصطياد في المياه العكرة ، والقفز على مصالح الآخرين . تجد أشد مايقلقهم ويهز مضجعهم ، العمل السياسي الأصيل المبني على الشورى والتعايش والمشاركة والحوار ، فيكونون أحرص الناس على تجسيد اللائكية السياسية ، فلا إعتبار عندهم لأخلقة السياسة وتديينها ، بل هم مكيافلو التفكير والممارسة ، الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، يوالون ويعادون ، يوافقون ويعارضون، يقتربون ويبتعدون، يقبلون ويرفضون، وفق مصالحهم الذاتية والشخصية ، لامراعاة عندهم أو لديهم لمصلحة عامة ، شعارهم:(أنا وبعدي الطوفان) (علي وعلى أعدائي). وقد ذكر مالك بن نبي رحمه الله أن ذلك هو الخراب بعينه فقال:(إذا كان العلم دون ضمير ماهو إلا خراب الروح ، فالسياسة من دون أخلاق ماهي إلا خراب الأمة).
وقس على ذلك بقية الميادين ، كالفكر والأدب والفن والثقافة والإقتصاد وغيرها ، تجد أن سبب بلاء كل منها ومصيبته وخرابه صنف الدخلاء هذا .
1) الأخلاق والسير في مداواة النفوس لإبن حزم ص 23. 2) العوائق للراشد نقلا عن مجلة الدعوة العدد 50.