توننداكس ينهي أولى جلساته الأسبوعية على تراجع طفيف    الصناعات التقليدية: رافد للتنمية وعامل جذب سياحي    القصرين : الدورة الثالثة لمهرجان "التفاحة الذهبية" بفوسانة تجمع بين الفلاحة والثقافة والترفيه والتنمية    المنستير: اختتام الدورة الرابعة لمهرجان الطفل المبدع بمارينا المنستير    عاجل -إسبانيا : إجلاء أكثر من ألف شخص واتهامات بإشعال متعمّد    المرأة التونسية الأولى إفريقيا وعربيا في مجال البحث العلمي ب 55.1 %    النادي الإفريقي: بسام الصرارفي يلتحق بالمجموعة    ماذا حدث لاعب ليفربول المصري محمد صلاح ؟    عاجل/ محذّرا من حرب لا نهاية لها: ماكرون يدعو لتشكيل تحالف دولي لاستقرار غزّة    الطبوبي: الاتحاد مازال حامي حقوق الشغّالين ومستعد للحوار بلا تنازلات!    سامي الطاهري: ما نستبعدوش حتى خيار الإضراب    الألعاب العالمية "شينغدو 2025": المنتخب الوطني لكرة اليد الشاطئية ينهزم أمام نظيره الكرواتي    تحذير هام من "مياه الشاحنات".. #خبر_عاجل    اليوم: انطلاق دورة إعادة التوجيه الجامعي..    عاجل/ حادث مرور قاتل ببنزرت وهذه التفاصيل..    عاجل: وزارة الدفاع تكشف رزنامة التجنيد الجديدة.. هذه مراكز التسجيل!    نقابة الصحفيين تدين اغتيال الطاقم الإعلامي لقناة الجزيرة في غزة    عاجل/ وزارة الصحة تحسم الجدل وتوضح بخصوص ما تم تداوله حول فيروس " Chikungunya "    موجة الحر تزيد في الأمراض المعدية.. شنيا هي الأمراض وفما نصائح لازم تعرفها!    إطلاق مشروع "تعزيز نفاذ الشباب من الفئات الهشة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والصحة النفسية"    عاجل/ بشرى سارة للعاطلين عن العمل: حوالي 100 ألف موطن شغل سيوفرها هذا القطاع..    عاجل/ استشهاد طفل باستهداف الاحتلال منتظري المساعدات وسط قطاع غزة..    الدكاترة المعطلون عن العمل: مستعدون للتصعيد في صورة عدم الاستجابة لمطالبنا    ريال مدريد يكشف عن طبيعة إصابة نجم الفريق    رد بالك '' تكنجل'' هذه الاطعمة في ''الفريجيدار ''    5 غلطات في شرب ''التاي'' تخليك تضر صحتك بلا ما تحس!    تونس تشارك في بطولة إفريقيا لرفع الأثقال للأواسط والأصاغر في غانا بتسعة رباعين    عاجل: زلزال قوي بقوة 6.2 درجات يضرب هذه البلاد العربية    وزارة الثقافة تنعى الفنان المبدع الفاضل الجزيري    المخرج التونسي الفاضل الجزيري في ذمة الله    تونس تودّع فاضل الجزيري، عملاق الساحة الثقافية، عن عمر ناهز 77 عامًا    المرصد الوطني لسلامة المرور: النظر في تنقيح الامر عدد 146 لسنة 2000 المتعلق بالسياقة تحت تأثير الكحول بعد العطلة البرلمانية    ماهر السرولي يخلف نفسه على رأس الجامعة التونسية للرياضات الالكترونية    برشلونة يفوز على كومو بخماسية ويحرز كأس خوان غامبر    تجربة سريرية تثبت فعالية دواء جديد في مكافحة سرطان الرئة    نجوى كرم تحطم الأرقام في قرطاج وتكتب فصلاً ذهبياً جديداً مع الجمهور التونسي    عاجل: وفاة صاحب''الحضرة'' الفاضل الجزيري بعد صراع مع المرض    عاجل/ دولة جديدة تقرر الاعتراف بدولة فلسطين خلال هذا الموعد..    اليوم الحرارة مستحبة والطقس رائع جدا أثناء الليل..    خزندار: الإطاحة بمنحرف خطير محل 6 مناشير تفتيش    فوربس الشرق الأوسط تكشف عن قائمة أبرز 100 شخصية في قطاع السفر والسياحة لعام 2025    الرابطة المحترفة الاولى (الجولة الافتتاحية-الدفعة الثانية والاخيرة): النتائج و الترتيب    نابل: انطلاق فعاليات الدورة 63 من مهرجان العنب بقرمبالية    قتله جيش الإحتلال.. الصحفي أنس الشريف يترك وصية مؤثرة عن حياته وعائلته وغزة    مرصد سلامة المرور: 458 قتيلا بسبب حوادث الطرقات خلال النصف الأول من 2025    دراسة ليبية تحذر من بكتيريا خطيرة في المنتجات البحرية    استراحة صيفية    تاريخ الخيانات السياسية (42) .. ظهور القرامطة    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    سابقة خطيرة في قطر على مستوى الأمن الداخلي للدولة    للطلبة الراغبين في تعديل اختياراتهم الجامعية: دورة إعادة التوجيه تبدأ غدًا    انتهاء موسم الحصاد بهذه الولاية بتجميع أكثر من 267 ألف قنطار من الحبوب..    كلب ''روكي'' يفارق الحياة بعد اعتداء همجي في زاوية سوسة، والنيابة تبدأ تحقيق    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تنظم بعثة أعمال متعددة القطاعات إلى السعودية    اليوم: غلق وقتي للطريق نحو باجة بسبب تقدم أشغال توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة    الأحد.. طقس صاف مع بعض الأمطار المحلية    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في استنطاق المئذنة وماهيتها التعبيرية (1-2): طارق الكحلاوي
نشر في الفجر نيوز يوم 06 - 12 - 2009

هناك بلا شك الكثير من المعطيات والعوامل المعقدة التي يمكن أن تفسر التصويت السويسري ضد المئذنة، بعضها يتعلق بما هو سياسي سواء الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، وبالتأكيد الظرف العام الذي يتقابل فيه المتطرفان الأقليان، الأوروبي اليميني المتطرف ذو التنويعات الإسلاموفوبية والعنصرية، والإسلامي القريب من رؤى القاعدة الذي يستعدي مفهوم المواطنة أساساً. كما أن تنوع الخريطة السياسية والثقافية السويسرية يبدو ذا علاقة بتباين التصويت، وهنا تأتي دلالة تصويت أغلب الشطر السويسري الفرنسي الأكثر انفتاحا ضد العريضة، وتصويت الكانتونات الجبلية الجرمانية والإيطالية الأقل انفتاحا مع العريضة.
غير أن القليل من الجدال تركز حول المخيلة الثقافية التي أفرزت التصويت السويسري، مخيلة لا يمكن قراءتها في العشريات الأخيرة زمن قدوم مهاجرين مسلمين. بدون التقليل من العامل السياسي أودّ أن أقترح هنا أننا بصدد مخيلةٍ انتقائية استنطقت المئذنة واتهمتها بماهية تعبيرية جوهرانية جامدة ولاتاريخية، لتنتهي إلى تجريمِها، ومن خلالها (تجريم) المواطنينَ السويسريين من الديانة المسلمة. إذ من يعتقد أن هذا الشغف بما يمكن أن تمثله المئذنة من «خطر» على «حرية الدين» والقيم الحداثية في سويسرا هو أمر طارئ يتعلق بوضعية خاصة بالسنين الأخيرة إنما يتجاهل معطيات قديمة، ولكن الأهم يعبر عن ازدراء لثقل المنظومات الثقافية الأكثر تعميرا وتأثيرا.
نحتاج للتركيز على النص الرئيسي الذي شكل أساس الحملة التي نادت بمنع المآذن، إذ هناك نجد بيسر مفاتيح فهم الخطاب والجدال السويسريين ضد المئذنة (يمكن الاطلاع عليه في موقع www.minarets.ch). إذ أصدرت «المبادرة الفيدرالية الشعبية ضد بناء المآذن» نصاً دعائياً من صفحتين نجد فيه المحاججة التي تتم وفقها المطالبةُ بمنع المآذن. الحجة الأساسية تتمثل فيما يلي: «المئذنة هي تعبير عن الرغبة في حيازة سلطة سياسية- دينية».. ما الدلائل على ذلك؟ يتم عرض أمرين بالأساس: أولهما، التنصيص على أن المئذنة «ليست من الدين في شيء»، ثم ثانيا التركيز بشكل خاص على تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب أردوغان سنة 1997 مستعملا تعبيرات مستعارة من شاعر عثماني: «ديمقراطيتنا ليست إلا القطار الذي نستقله لنصل إلى هدفنا. المساجد هي ثكناتنا، والمآذن هي حرابنا، والقباب خوذاتنا، والمتعبدون جنودنا».
الآن، من الأيسر البدء بالمعطى الثاني. وإذا كان يجب أن نتعامل مع تصريحات أردوغان بجدية في هذا الجدال، ألا يجدر حينها الاستفتاء ليس على المآذن فحسب بل أيضاً على القباب، بل المساجد ذاتها والمتعبدين أيضاً بما أنهم جميعا أينما كانوا خاضعون بشكل ما لإرادة رئيس الوزراء التركي. من الواضح طبعا أن تصريحات مجزوءة وخارج السياق لشخص مثل أردوغان تحديدا، عرف تحولاتٍ فكرية عديدة انتهت به في موضعه الراهن والذي لا يمكن التشكيك في صدقية تمسكه بالنظام الديمقراطي التركي، هي دلالةٌ على عدم إمكانية رهن «فهم المسلمين» عامة للمئذنة من خلال كلام محدود زمانا ومكانا لشخص مسلم بالتحديد مهما علا شأنه.
في المقابل، المعطى الثاني (أي «المئذنة ليست من الدين في شيء») أكثر جدية، ولو أنه لا يحيلنا ضرورةً على استنتاج «التعبير السلطوي» أو «الرغبة في الهيمنة» للمئذنة. يجب هنا التنصيص على أن الجدال السويسري ليس بالأساس حول فعل «الآذان» أو الدعوة للصلاة، إذ إن المآذن الأربع المبنية في سويسرا الآن لا تستعمل في ذلك الغرض، ولو أن النص الدعائي لحملة «المبادرة الفيدرالية» يشكك في أن ادعاء المسلمين الذين يطلبون ترخيص بناء المآذن هو خطوة لتفعيل هذه المآذن في اتجاه توظيفها لأداء الأذان. إذ من الناحية الفيلولوجية وكما برهن بعض المستشرقين منذ قرن فإن وجود ثلاثة أسماء عربية لوصف المئذنة (أي المئذنة والصومعة والمنارة) تعبير عن الطبيعة الإشكالية لوظيفة المئذنة، إذ إن هذه التسميات لم تكن تعني الشيء ذاته في النصوص المبكرة ولم تتقارب مفهومياً إلا بشكل متأخر.
وعموماً، من الصعب أن تجد مختصا جديا واحدا في العمارة الإسلامية قادرا على تقديم سرد تاريخي يقيني في علاقةٍ بالمئذنة وأصولها خاصة ماهيتها التعبيرية (إذا كان هناك ماهية تعبيرية أصلاً)، مثلما هو حال السرد اليقيني المتضمن في النص الدعائي ل «المبادرة الشعبية الفيدرالية» السويسرية التي يبدو أنها مختصة في العمارة الإسلامية وماهياتها، (إذ) أكثر من باحثين سويسريين (على سبيل الذكر لا الحصر) قضوا عمرهم في هذا الاختصاص، ممتنعين عن الإدلاء بأحكام تعميمية دون التمحيص اللازم، وأذكر هنا بالتحديد الراحل عالم النقائش ماكس فان برشام والذي كتب مقالا واحدا عن المآذن طيلة حياته حرص فيه على التحذير من أي انزلاق في سرديات تاريخية يقينية (ربما في نقد ضمني لصديقه وزميله البريطاني كرزويل الذي قدم جينيولوجيا شديدة الصرامة لتاريخ المآذن في بداية مسيرته الأكاديمية، وكان يميل إلى تجاهلها لاحقا).
لكن إذا كنا متيقنين من أمرٍ فيما يخص المعطيات الأثرية والتاريخية، فهي أن فعل الأذان الذي انطلق مع بناء مسجد المدينة سبق بناء المآذن بما يؤكد عدم وجود تحديد ديني يرهن فعل الأذان بوجود مئذنة. إذ إن أول المعطيات الأثرية على وجود مآذن داخل المساجد تزامنت مع «الفتوحات الإسلامية» في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي خاصة نحو الشام ومصر. وهناك فإن المؤشرات تحيلنا على استيعابٍ إسلاميٍ لعنصر معماري ما قبل إسلامي يتمثل بالأساس في صوامع دق الأجراس للكنائس (bell towers) بالأساس، وليس اختراعا معماريا إسلاميا (هناك الكثير من التكهنات حول «أصول المئذنة» بالإضافة إلى الأصل البيزنطي، غير أن أغلبها لا يزال يفتقد لمرتكزات أثرية صلبة). أفضل الأمثلة بلا شك هو أكبر وأقدم المساجد الإسلامية الموجودة، والتي بنيت تحت رعاية الخلافة الأموية في عاصمة الخلافة في دمشق، أي الجامع الأموي في دمشق بداية القرن الثامن ميلادي، والذي بني في إطار وعلى أنقاض الكنيسة البيزنطية الأساسية في دمشق واستعمل صوامعها. وبمعنى آخر إذا كانت هناك أي علاقة في هذه المرحلة المبكرة بين عقلية «الفتح» وصورة المئذنة، فهي أن استيعاب المئذنة ضمن الشكل الإمبراطوري الإسلامي للمسجد كان أحد المؤشرات العملية على سيرورة «الفتح» وليس في ذاته تعبيرا على الرغبة في «الفتح»، إذ هو تعبير عن التأثر بثقافة المغلوب المعمارية بما هي ثقافة مشهدية أرقى تستحق الاستيعاب والإدماج.
بشكل متدرج، خاصة مع القرن التاسع ميلادي، ستصبح المآذن تعبيرا عن عظمة وقوة تأثير المساجد الجامعة، خاصة المبنية تحت رعاية مراكز الخلافة. وهكذا يعتقد أن مئذنة المسجد الجامع في قرطبة التي أضيفت في القرن العاشر ميلادي وبالتحديد مع قرار أمويي الأندلس إعلان الخلافة، تشير إلى تقليد مئذنة الجامع الأموي في دمشق بما يعكس الطموح الأموي الأندلسي لاتخاذ لبوس معماري في مستوى إمبراطوري. كذلك يجب النظر بنفس الطريقة لتأثير المآذن الملولبة للجامعين الأساسيين في مدينة الخلافة العباسية في القرن التاسع، أي سامراء، وكانا الجامعين الأكثر اتساعا في الفترة ما قبل الحديثة، على مئذنة جامع ابن طولون في القاهرة في نفس القرن. مرة أخرى تأثير المركز على الأطراف. المئذنتان القرطبية والقاهرية في هاتين الحالتين هما تقليد للنموذج الإمبراطوري، غير أن «تنافس المآذن» هذا لم يكن أمرا حتميا، إذ مالت الخلافة الفاطمية- الشيعية إلى تجنب بناء المآذن رغم بنائها جوامع كبيرة تحاكي طراز القلاع العسكرية في المهدية والقاهرة، ويرجع ذلك على الأرجح لنصوص شيعية تحدد مستوى الأذان في مستوى محدد. وحتى الأمثلة القليلة التي احتوت على مآذن مثل جامع الحاكم كان تموقعها في الركنين الأماميين للواجهة الخارجية، خاصة أمام البوابة ذات الطابع العسكري، وسطهما يحيل على مشهد الأبراج الركنية في القلاع العسكرية. وهكذا حتى في هذه المرحلة الإمبراطورية حيث يتم استعمال كل العناصر المعمارية في الجوامع الأميرية لتأكيد عظمة السلطة نجد أمثلة تتخلى عن المئذنة أو تستعملها في سياقات مترددة.
العرب القطرية
2009-12-06


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.