بهذه الولاية سعر ''علوش العيد'' يصل الى مليون و800    عاجل/ بلاغ هام من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ بداية الأمطار مع تساقط كثيف للبرد في هذه الولايات    عاجل/ هذا ما تقرّر ضد فنان شعبي معروف في قضية تتعلق بشبكة خطيرة لترويج المخدرات    تقلّبات جوية: أمطار رعدية وبَرَد بهذه المناطق    قضية قتل المحامية منجية المناعي وحرقها: إدراج ابنها بالتفتيش    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    الرابطة المحترفة الاولى : برنامج الجولة 29    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    الحماية المدنية تحذر من خطر اندلاع الحرائق وتدعو الى تجنب هذه الممارسات    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    عاجل/ رفض الإفراج عن هذا النائب السابق بالبرلمان..    عاجل - سيدي حسين: الإطاحة بمطلوبين خطيرين وحجز مخدرات    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق واصابة مرافقه    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    احتلال وتهجير.. خطة الاحتلال الجديدة لتوسيع حرب غزة    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرن من الهِجرة إلى فرنسا... ما الذي تغيّر؟: رشيد خشانة
نشر في الفجر نيوز يوم 11 - 12 - 2009

تستَعدّ أوساط المُهاجرين المغاربيين في باريس لإقامة احتفالات خاصة مطلَع الشهر المقبل، بمناسبة ذكرى مرور قرن على انطلاق هجرة العمّال من شمال إفريقيا إلى فرنسا.
ويُشرف على هذه الاحتفالات، التي ستُقام في قصر الباب الذهبي Le Palais de la Porte Dorée، الناشِطان المغربي إدريس اليازمي والتونسي كمال الجندوبي.
ويحتضن القصر، الذي أنشأه ألبير لابراد في 1931 بمناسبة المعرض الاستعماري الدولي، حاليا المركز الوطني لذاكرة المُهاجرين الذي يمتَد على مساحة 16 ألف متر مربع.
ويُعتبر الجندوبي، الذي كان يرأس جمعية التونسيين مواطني الضفّتيْن ويرأس حاليا الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، أحد الوجوه البارزة للجالية التونسية في فرنسا، فيما يرأس اليازمي "مجلس الجالية المغربية في الخارج" منذ إنشائها، بموجب ظهير (مرسوم) ملكي في 2007، وهو يُردِّد دائما أنه يسعى من خلال ذلك المجلس، إلى إقامة جِسر بين مغاربة الداخل ومواطنيهم المغتربين في أنحاء العالم. واللافت، أن اليازمي هو مُخرج مشارك في فيلم يحمل العنوان العجيب "فرنسا ... أرض الإسلام".
وترعى الاحتفالات جمعية "جينيريك" الفرنسية، التي تُعنى بإعداد أشرطة وثائقية وبرامج إذاعية وأنشطة ثقافية عن الحضور الأجنبي في النسيج الاجتماعي الفرنسي، بالإضافة لسعيها الدؤوب، للتفتيش عن وثائق مكتوبة أو مُصوَّرة تحكي قصّة الهجرة والمهاجرين في فرنسا منذ بواكير القرن الماضي.
وتملك الجمعية، التي تأسّست في 1989، رصيدا وثائقيا خَصبا مؤلّفا من نحو 4000 معلّقة وصحيفة و1200 كِتابا، من شأنها أن تعيد إلى الأذهان مقاطِع متكاملة من ذاكرة المغتربين الذين استقرّوا في فرنسا ويمكن القول أن الاحتفالات بذكرى مِئوية الهجرة المغاربية واستطرادا الإفريقية، إلى أوروبا، امتدّت على كامل السّنة الجارية وكان من أبرز محطّاتها الندوة الدولية التي استضافها المغرب في مارس الماضي وجمعت للمرّة الأولى الهيئات الوطنية المسؤولة عن المُغتربين في البلدان المصدِّرة للمهاجرين.
وقال اليازمي ل swissinfo.ch، "إن مشاركة البلدان المعنِية في الندوة الدولية، عكست رغبتها في تعزيز الوشائج الثقافية مع مهاجريها وتبادل التجارب في هذا المجال للاستفادة منها"، ورأى أن هذا الاهتمام المتزايد بقضايا الهجرة يُعزَى إلى التحوّلات العميقة التي تمرّ بها هذه الظاهرة وعَوْلمة التنقّلات البشرية وتطوّر الوضع القانوني للمهاجرين في بلدان الإقامة، بالإضافة إلى التغييرات التي طرأت على طابع الهِجرة في البُلدان المُصدرة نفسها، التي تحوّلت تدريجيا في السنوات الأخيرة من بلدان مُصدّرة إلى بلدان عبور، وخاصة البلدان المغاربية.
وقال اليازمي ردّا على سؤال، "إن الجاليات المهاجرة، وإن شكَّلت في بعض البلدان مصدرا لتوتّرات اجتماعية وجدل سياسي وإعلامي في شأن التضامن بين مكوِّنات المجتمع، فإنها ساهمت في بلدان أخرى في تكريس التقارُب بين الثقافات وحتى بين الحكومات"، واعتبر أن إنشاء البلدان المُصدِّرة للهجرة لهياكل تُعنَى بالجاليات المُغتربة، أداة مهمّة لتعزيز الروابِط مع أبنائها في الخارج.
غير أن اليازمي كشف نتائج دراسة عِلمية أشرف على إعدادها "مجلس الجالية المغربية في الخارج" في وقت سابق من العام الجاري، بمناسبة مئوية الهجرة، وشملت عيِّنة من 2819 مهاجرا، يُراوح سِنِّهم بين 18 و65 عاما ويُقيمون في كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وألمانيا.
وأظهرت الدراسة أن أوضاع المهاجرين المغاربة تتّسم بالهشاشة في كل من إسبانيا وإيطاليا وبالتوتُّر في هولندا، حيث تُسيْطر الأحزاب اليمينية المتشدِّدة ضدّ المهاجرين، وباستقرار نِسبي في كل من ألمانيا وفرنسا.
إدريس اليازمي، رئيس "مجلس الجالية المغربية في الخارج"
إدريس اليازمي، رئيس "مجلس الجالية المغربية في الخارج"
انفتاح أم انطواء؟
واستخلص اليازمي من تلك الدراسة استنتاجات أساسية تخُصّ بنية الهِجرة، انطلاقا من العيِّنة المغربية، ومنها أن المهاجرين المغاربة، على رغم تشبُّثهم بجذورهم، فإنهم يُبدون انفِتاحا كبيرا على البيئة الخارجية، أي على ثقافة بلدان الإقامة، لكنه أكّد أن المغاربة المُستجوَبين صرّحوا بأنهم يشعرون بالتّمييز بشكل عام في أوروبا وأن ذلك الشعور يؤثر في نفوسهم، وربّما تُفسِّر هذه الظاهرة شدّة الروابط التي ظلّت تشدّ المهاجر المغربي إلى وطنه.
فبحسب الدراسة، صرّح 7 مغاربة من أصل عشرة أنهم يعودون مرّة في السنة على الأقل إلى بلدهم، كما صرح 6 من أصل عشرة أنهم يُرسِلون بشكل منتظم حوالات مالية إلى أهلهم، مما يدلّ على قوة الروابط الأسرية.،كما أعلن نصف المهاجرين المُستجوَبين أنهم يعتزِمون العودة للإقامة في بلدهم بعد المعاش.
لكن الدراسة أشارت أيضا إلى وُجود ظواهِر معاكسة، إذ أجاب 68% من المُستجوَبين بلُغة بلد الإقامة وصرّح 78% بأنهم حصلوا على جنسية بلد الإقامة أو في سبيلهم إلى الحصول عليها، وكشف 64% أنهم يَستخدِمون لغة بلد الإقامة داخل بيوتهم، فيما قال 55% إنهم مهتمّون بالشأن السياسي في بلد الإقامة.
واعتبر اليازمي أن هذه المؤشِّرات تدُلّ على أن المهاجرين بصدد الإنغراس أكثر فأكثر في بلدان الإقامة، وأن وضعهم الاجتماعي يتحسّن بصعودهم المُتواصل في سلّم الوظائف المهنية.
وعلى رغم أن جميع البلدان في أوروبا الغربية تقريبا شعرت بالحاجة للقوى العاملة المُهاجرة واستقدَمَتها من المُستعمرات منذ أواخر القرن التاسع عشر، رأت ميشال تريبالا Michele Triballa، الباحثة الديموغرافية في "المعهد القومي للدراسات السكاني"، أن موقع فرنسا الجغرافي والتجاري أهّلَها لكي تكون أول بلد يستقطِب المهاجرين في بواكير القرن الماضي وتمتزج فيه الجنسيات والثقافات، لكنها اعترفت بأن حجْم المهاجرين في فرنسا حاليا، يقل عن متوسّط حجمهم في البلدان الأوروبية الأخرى بمرّتيْن ونصف المرة.
وقال العالم الجغرافي روبير إسكاليي Robert Escallier ل swissinfo.ch: "لا يوجد في فرنسا نِظام دقيق ومُرضي لاحتساب منسُوب تدفّق المهاجرين، وفتح هذا النقص مساحة من الشكّ أمام بعض السياسيين ووسائل الإعلام، التي لا تعير كبير اهتمام للأخلاق لكي يستثمروا (تزايد) أعداد الأجانب من أصول مغاربية، وقودا لدعايتهم ولبث الخوْف، مُحاولين ترسيخ الفِكرة القائلة بأن فرنسا أصبحت "خاضِعة لتعليمات المساجِد".
وأوضح أن نسبة الأجانب المُنحدرين من أصول إفريقية، الذين كانوا يُقيمون في فرنسا قُبيل اندلاع حرب التحرير الجزائرية (1954)، لم تتجاوز 1% من إجمالي الأجانب المُقيمين في البلد، غير أن حجْمهم زاد بسُرعة لافتة للنّظر في سنة 1964، إذ وصلت النِّسبة إلى حوالي 25% لتقتَرب من 43% من الأجانب في 1982. وأكّد أن تنامي حجْم السكان الأجانب في فرنسا بات راجِعا بالأساس إلى الزيادة السريعة في أعداد المهاجرين الآتين من القارّة الإفريقية.
وانطلاقا من تلك الفترة، صار هناك مهاجِر واحد من كل اثنين يعيشان في فرنسا ينحدِر من العالم الثالث، وفي الغالب من مُستعمرة فرنسية سابقة. ومن ضِمن المجموعة الإفريقية، كان المغاربيون (عدا اللِّيبيين وقليل من الموريتانيين)، يُشكِّلون غالبية مُريحة، فهُم كانوا يُمثِّلون 95% من العدد الإجمالي في 1968 وظلّوا يمثِّلون 90% في عام 1982.
كمال الجندوبي، رئيس الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان
كمال الجندوبي، رئيس الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان
نصف الزيادة
وكشف إسكاليي، الذي يُدرِّس الجغرافيا البشرية في جامعة "نيس"، بعض الخصوصيات ضِمن المجموعة المغاربية، إذ أوضَح أن الإحصاءات عن فترة نهاية الستينات أفادت أن ثلاثة من كل أربعة مهاجرين مغاربيين، ينحدرون من منطقة القبائل أو المناطق الجزائرية الأخرى المصدِّرة للمهاجرين، لكن المغاربة أصبحوا بعد ذلك، المجموعة الأكثر حيَوية بين الوافِدين على فرنسا.
وقال "إن الزيادة السريعة للجالية المغربية، أصبحت تُؤمن لوحدِها نصف الزيادة الجُملية المسجّلة للجاليات الأجنبية في فرنسا بين 1975 و1982"، وعزا ذلك إلى صِغر سِنّ المهاجرين المغاربة، ما يعني ضعف نسبة الوفِيات بينهم وخصوبتهم المُرتفعة، ولكن أيضا إلى نجاح سياسات لمِّ الشّمل وضعف نسبة التّجنيس بينهم، وأضاف أن زيادة توافد التونسيين الذين كانوا يحملون المُواصفات نفسها، لم تكُن ضئيلة (36% بين 1975 و1982)، على رغم أن عددهم الإجمالي بقِي متواضعا.
ولخّص إسكاليي استنتاجاته ل swissinfo.ch في شأن خصائِص الهِجرة المغاربية، بالتأكيد على سِمتيْن رئيسيتيْن، أولهما، أنها تتّسم بضعف نِسبة العودة النهائية إلى الوطن الأصلي، على رغم مشاكل الاندماج ومصاعب التشغيل التي يُواجهها هؤلاء المهاجرون. والثانية، هي نجاح تجربة جمْع شمْل الأُسَر، وهو ما جعَل عناصِر تنشيط الهجرة تكون أقوى من عوامِل التخفيف منها.
أما عالم الاجتماع عبد الملك الصياد، وهو باحث في مركز البحث العِلمي الفرنسي، فسألته swissinfo.ch عن خصائِص الهجرة الجزائرية، التي تُعتَبر العمود الفِقري للهجرة المغاربية والإفريقية عموما إلى فرنسا، فهي الأقدم بحُكم الاحتلال المبكّر للبلد (1830) وحجمه السكاني، الذي يفوق جيرانه، عدا المغرب. وربط الصياد أهمية الهجرة الجزائرية نحو فرنسا بالأشكال التي ارتداها الاحتلال في هذا البلد وطبيعة النظام الاستعماري المُطبّق في كل منطقة من مناطقه.
وقال "إن مشروع الهجرة ما كان مُمكنا تصوّره وتجسيده، ما لم تكُن التوازُنات السابِقة قد اختلت بفعل الإحتلال"، مشيرا إلى أن الأرض التي كانت حجر الزاوية في النظام التقليدي، هي أول ما استُهدف من خلال عمليات الانتزاع، وأشار إلى أن عمليات إعادة تقسيم الأراضي لتخصيص جُزء منها للمُستوطنين بين 1847 و1863، جعلت أفراد القبائِل يُحشرون في قِسم ضئيل من أراضيهم السابقة، لكن الاقتصاد التقليدي الجزائري، كان يقوم على أن الأرض الزراعية، سواء أكانت مِلكا خاصا أم أرض العرْش (القبيلة) غير قابلة للقِسمة ولا للتفويت فيها.
وأجبر الوضع الجديد الفلاّحين على بيْع قوّة عملهم في سوق الشّغل، خصوصا بعد دخول نمَط الإنتاج الرأسمالي بواسطة القوّة إلى مناطِق لم تعرفه من قبْل، ممّا أدّى إلى انهيار الزراعة التقليدية وإفقار المزارعين.
مشروع "يوم بلا مُهاجرين" أو "24 ساعة بدونِنا"، شعار حملة تعبِئة بدأت في أوساط المهاجرين وأبنائهم وتستمِر حتى مطلع مارس المُقبل
مشروع "يوم بلا مُهاجرين" أو "24 ساعة بدونِنا"، شعار حملة تعبِئة بدأت في أوساط المهاجرين وأبنائهم وتستمِر حتى مطلع مارس المُقبل
الحرب وإعادة الإعمار
وأشار الصياد إلى أن السكان الجزائريين دُفِعوا إلى مناطق جبلية وأراضي قليلة الخصوبة، قبل أن تحلّ الحرب العالمية الأولى وتُجبِر كثيرا منهم على الانخراط في الجيش الفرنسي أو تُسخِّرهم للعمل في الصِّناعات الحربية وحفر الخنادق. وقدّر المؤرخ الفرنسي شارل روبير أجرون أعداد الجزائريين الذين تمّ تجنيدهم لخِدمة العَلَم الفرنسي في تلك الحِقبة، ب 240 ألف جزائري، أي أكثر من ثُلث السكان الذّكور الذين يُراوح سنّهم بين العشرين والأربعين.
ويستنتج الصياد من هذه الأرقام، أن مسار الهجرة بدأ في الواقِع بواسطة الإكراه، ليس فقط لتجنيد الجزائريين من أجل المشاركة في الحرب، بل أيضا بعد نهايتها، للمساهمة في إعادة بناء الاقتصاد الفرنسي وتعويض النّقص المسجّل في العمالة الفرنسية. ويتوقّف عند هذه الحِقبة الانتقالية، ليشرح أن حركة الهِجرة الجزائرية، التي انطلقت في بواكيرها بدافع التّعويض الوقْتي لنقْص الأيْدي العاملة الفرنسية، سُرعان ما أصبحت مدفوعة بالتّعويض الدائم للعمّال الفرنسيين الذين تخلّوا بشكل نهائي عن العمل في بعض القطاعات، وهي ظاهرة ما زالت مُستمرّة إلى اليوم، على حد قوله.
بهذا المعنى، أصبح المهاجرون واقِعا لا يمكن الاستغناء عنه في المُجتمع الفرنسي والأوروبي عموما، وهو ما شكّل ورقة مهمّة بأيْدي المهاجرين للدِّفاع عن حقوقهم. ومن أطرف وسائل الدِّفاع التي ابتَكروها أخيرا بعد اللّجوء للمظاهرات والإضرابات ووسائل الاحتجاج التقليدية، مشروع "يوم بلا مُهاجرين" أو "24 ساعة بدونِنا"، وهو شعار حملة تعبِئة بدأت في أوساط المهاجرين وأبنائهم وتستمِر حتى مطلع مارس المُقبل، لتُتوَّج بإضراب عن العمَل والاستهلاك لمدّة يوم واحد، ينفِّذه المهاجرون في عموم المناطِق الفرنسية. والهدَف من هذه الحملة، هو إظهار ما ستبدو عليه فرنسا من عجْز بلا مُهاجرين، وإثبات وزْن هؤلاء على صعيد النشاط الاقتصادي والحياة الاجتماعية.
ونبتَت فِكرة تنظيم هذه الحملة في ذِهن نادية المباركي، الصحفية من أصْل مغربي، بعد الضجّة التي أثِيرت حوْل زلّة لِسان صدرت في أواخر الصيف الماضي عن وزير الداخلية الفرنسي بريس هورتفو، الذي خاطب أحد الشبّان من أعضاء حزب «الاتِّحاد من أجْل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) قائلاً «عندما يكون هناك واحد منهم فقط فلا بأس، لكن عندما يكونون كثيرين، تبدَأ المشاكل»، وكان الدّافع وراء هذه الزلّة التي برّرها هورتفو لاحقاً بالمزاح والتودّد، ملامِح الشاب التي توحِي بأنه من أصل شمال إفريقيا.
وأشارت المباركي إلى أن هفوة هورتفو هذه شكّلت ما يُشبه الشّرارة التي دفعتها إلى التحرّك وإرضاء رغبتهِا الدفينة في العمل على وقْف الازدِراء المُتبع في فرنسا حِيال المهاجرين والفرنسيين من أبنائهم، وهكذا استوحَت مبادرتها من يوم الاحتجاج والمقاطعة، الذي نظمه أبناء الجاليات الأمريكية الجنوبية في الولايات المتحدة في أول مايو 2006، لإظهار دور المهاجرين الهامّ في حُسن سيْر العجلة الاقتصادية الأمريكية.
وشدّد الناطق باسم الحملة نادر دندون على أن مواقِف التّمييز ضدّ المهاجرين، لا تقتصر على هورتفو، بل تشمَل الكثير من المسؤولين. وفتح المبادرون موقِعا للحمْلة على الإنترنت مفتوحا أمام الجميع، أي المهاجرين والمُتعاطفين الآخرين معهم والمُدركين لكون الهِجرة مصدر إثراء وتنوّع. وهُم يأملون أن تُساهم الحملة، وخاصة يوم المقاطعة، في إظهار مدى استِياء المهاجرين من تحميلهم المسؤولية عن مُختلف الآفات الاقتصادية والاجتماعية التي تُواجهها فرنسا وسائِر البلدان الغربية، التي تعتمِد على عمالة مُهاجِرة. فهل نشاهد في ذكرى مرور قرن على انطِلاق الهجرة، تبلوُر شخصِية سياسية وثقافية مُميّزة للمهاجرين بجانب المنظومات القومِية في بلدان أوروبا الغربية؟
تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.