"لا أريكم إلا ما أرى":السيد حسين الجلاصي ضحية أخرى نموذجا عبدالله الزواري بسم الله الرحمان الرحيم 28جرجيس في: فيفري 2008 "لا أريكم إلا ما أرى" أو السلطة التقديرية لوزارة الداخلية في شأن جوازات السفر أو السيد حسين الجلاصي ضحية أخرى نموذجا لعل الدارس للدستور التونسي و القوانين التونسية يسمح لنفسه بتصنيفها ضمن الدساتير و القوانين التحررية و المتساوقة مع حقوق الإنسان و الحافظة لكرامة المواطن1، لكن بمجرد ما ينزل إلى الواقع حتى يدرك الفارق الشاسع بين الشعار و الممارسة و النظرية و الواقع و بين القول و الفعل... فلا نسبة و لا مناسبة بين هذا و ذاك.. فإن كانت النصوص والأقوال و الشعارات توحي لك بأنك في أعرق البلدان ديمقراطية و مساواة بين مواطنيها و تكريسا لحقوق الإنسان في أي من أجيالها و تقديسا لقيم المواطنة فإن الواقع لا يترك لك إمكانية التملص من إصدار أحكام غير قابلة للتعقيب في ظل النظام الجاثم على الرقاب منذ نصف قرن... أحكاما لعل من أخفها: هذا نموذج للحكم المطلق كما شهدته القرون الوسطى حيث نشأ النظام الإقطاعي و حيث فقد الإنسان كرامته فهو قن مسخر لخدمة السيد النبيل- و إن لم يكن له من النبل شيء-، نموذج لإهدار الطاقات و المال العام و الثروة الوطنية، نموذج للتسلط و الاستبداد و القهر و الفساد.. و الأمثلة أكثر من أن تحصى... لكن نكتفي اليوم بمسألة حرية المواطن في التنقل2، و حقه في الحصول على جواز سفر و تجديده..كم هم الممنوعون من هذا الحق؟؟ كم هم المحرومون من جوازات سفرهم؟؟مئات؟ آلاف؟ عشرات الآلاف من التونسيين محرومون من حقهم في التنقل، في مغادرة البلد، محرومون من حقهم في القيام بواجباتهم الدينية... محرومون من الارتزاق و السعي في الأرض بعدما قرر النظام الحاكم تجويع معارضيه بطرق مختلفة و وسائل متعددة لكنها تصب جميعا في غاية واحدة: التجويع، الإهمال،التهميش، القتل البطيء... أصدرت منظمة " حرية و إنصاف" الحقوقية التونسية يوم 18 فيفري الماضي بيانا بعنوان " تهميش لمواطن أم تهميش للقانون" مبرزة المظلمة التي لا يزال يرزح تحتها السيد حسين الجلاصي و هو سجين سياسي سابق عرف السجون التونسية في القضايا التي شهدتها البلاد التونسية في أضخم عملية تصفية حساب قضائية لخصم سياسي بادر إليها النظام الحاكم لحركة النهضة غداة الانتخابات التشريعية لسنة 1989... و لا يزال الذين سجنوا في هذه القضايا محرومون من مختلف حقوقهم المدنية رغم كون بعضهم قد سجن و هو حدث و غادر السجون منذ ما يزيد عن خمسة عشر سنة3..لا شك أن منظمة "حرية و إنصاف" قد أحسنت طرح السؤال.. و الإجابة يدركها كل ذي عينين:إنه التهميش الكامل للقانون و الدستور.. ألم يهمشوا كل شيء جميل في هذا البلد؟؟ ألم يهمشوا العمل؟ ألم التعليم؟؟ ألم يهمشوا الدين؟ ألم يهمشوا الهوية؟؟ ألم يهمشوا مختلف المؤسسات؟؟ و إن عدنا إلى السيد حسين الجلاصي نقول: تقدم السيد حسين إلى الجهة المختصة قانونا للحصول على جواز سفر.. و بعد مضي الآجال القانونية دون الاستجابة لطلبه، اتجه إلى المحكمة الإدارية عساها تنصفه... و فعلا أصدرت حكمها لصالحه، معتبرة ردود الإدارة لا تبرر حرمان هذا المواطن من حقه في جواز سفره.. و لمزيد من الدقة و الشفافية ننشر الحكم الصادر عن الدائرة الابتدائية الثانية عن المحكمة الإدارية4.. و بعد صدور الحكم يوم 3 ماي 2006 انتظر السيد حسين الجلاصي إلى يوم 13 سبتمبر 2006 للحصول على نسخة تنفيذية من الحكم، و قبل ذلك أسرع السيد وزير لداخلية إلى استئناف الحكم الصادر ضده.. و من جديد نظرت الدائرة الاستئنافية الأولى بالمحكمة الإدارية في ملف القضية و الدواعي التي دعت وزير الداخلية للاستئناف و قررت في جلستها يوم 11 ديسمبر 2007 قبول طعن الوزير شكلا و رفضه في الأصل بما يعني وجاهة الحكم الصادر عن الدائرة الابتدائية الثانية بالمحكمة الإدارية... و انتظر السيد حسين الجلاصي بعد ذلك عسى السيد الوزير يعيد النظر فيعطي المثال في الاحتكام إلى القضاء و يطبق ما صدر عنه بعدما لم يقتنع القضاة بوجاهة ردود الوزارة..لكن خاب الظن ككل مرة... فبادر السيد حسين الجلاصي إلى إرسال برقية إلى السيد وزير الداخلية يوم 16جانفي 2008 عملا مذكرا إياه بما أصدرته المحكمة الإدارية و لم يعد هناك مجال للطعن فيه قانونا5... لكن هل تنفع الذكرى؟؟ إن لسان حال الإدارة يصرخ : " إن الإدارة وحدها حصرا هي التي تحدد من يمثل خطرا على الأمن و النظام العامين، و هي وحدها الحريصة على سمعة الوطن، و هي وحدها المخلصة للوطن، هي وحدها التي تدرك مصلحة الوطن و خير الوطن، هي وحدها التي تحب الوطن.. فلا القضاة يعرفون شيئا مما ذكرنا و لا الجمعيات الحقوقية و لا من هب و دب على البسيطة"..هي التي ترى ما لا يرى الآخرون، و قديما قال الزعيم فيما نقله عنه ربنا عز وجل:" لا أركم إلا ما أرى"... نعم هكذا يفعلون في ظل دولة القانون و المؤسسات، و في ظل استقلالية القضاء، و في ظل احترام حقوق الإنسان... كتبت هذا و فاتني أن أسأل عن السادة القضاة الذين نظروا في هذه القضية.. ألا يزالون يعملون على ضفاف شارع 9 أفريل أم "أرادوا" الالتحاق بإحدى محاكم قبلي أو مدنين فلم تمانع سلطة الإشراف في تلبية طلباتهم بل أسرعت إليها.. أليس خير البر عاجله؟؟ عبدالله الزواري [email protected] 1 - انظر الدستور التونسي في فصوله:19،66،39،68،69.. و كذلك مجلة الصحافة في فصولها: 1،10.. 2 - المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، و كذلك الفصل 13 من قانون 40 لسنة 1975 3 - السيد محمد غريس وقع إيقافه و هو حدث (لم يبلغ 17 سنة) و أودع السجن المدني بالعاصمة، و يوم مثوله أمام قاضي الأحداث أصدر عليه حكما بثمانية أشهر و هي المدة التي قضاها بالسجن، و هو ممنوع إلى يوم الناس هذا من جواز سفره رغم صدور حكم قضائي لصالحه.. 4 - نسخة تنفيذية من الحكم الذي أصدرته الدائرة الابتدائية الثانية بالمحكمة الإدارية القاضي بتمكين السيد الجلاصي من جواز سفره.. 5 - برقية موجهة إلى السيد وزير الداخلية يوم 16 جانفي 2008