لا بد من تدبر عربي لمساعدة الصومال والسودان واليمن ما يجري بين الفلسطينيين سابق لأوانه والأولوية للكفاح المشترك لا يختلف اثنان في أن الأوضاع في المنطقة العربية لم يسبق لها أن وصلت إلى مثل هذا الحد من التأزم.. والاحتقان.. والتردي.. مثلما هي عليه الآن. ويتجلى ذلك بالخصوص في تفاقم بؤر التوتر والنزاعات والاقتتال الداخلي على غرار ما يحدث الآن في الصومال، اليمن، العراق، السودان وفلسطين التي التهمها الاستيطان الإسرائيلي وخنقها الاحتلال والحصار، فلم يبق فيها شيئا يتم التفاوض بشأنه لإقامة الدولة الفلسطينية. ومما يزيد في قتامة الصورة أن التضامن العربي والعمل العربي المشترك والأمن القومي العربي أصبحت كلها مجرد شعارات بدون معنى.. وبدون جدوى. كل هذه التحديات والهموم حملناها إلى معالي الأستاذ الشاذلي القليبي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، وطرحناها عليه من خلال الأسئلة التالية: 1) ما هو رأيكم بالدور الذي يمكن أن تلعبه جامعة الدول العربية حيال الوضع العربي المتردي؟ 2) كيف تنظرون الى المقترحات الأمريكيةالجديدة بشأن استئناف عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين خاصة في ضوء تأكيد هيلاري كلينتون بضرورة استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة؟ 3) ما رأيكم في حصار غزة والموقف العربي منه؟ 4) ما هو رأي معاليكم في ما يجري في اليمن واحتمالات التدخل الأمريكي وانعكاس ذلك على وضع المنطقة برمتها؟ 5) ما هو رأيكم في موضوع الملف النووي الإيراني؟ وهل هناك ما يبرر المخاوف العربية من هذا الملف؟ واختار الأستاذ القليبي أن يجيب عنها، ضمن نظرة شاملة إلى الأوضاع العربية، تعرض خلالها لمختلف المواضيع الواردة في الأسئلة. يقول الأمين العام السابق للجامعة العربية إن الأمة العربية مجموعة غير متجانسة الأجزاء... وأن الأوضاع العربية معقدة، من أصلها ومن جذورها، لسببين: أولهما خطأ لدينا في التقدير، جعلنا نتوخى منطقا سياسيا يجانب الحقيقة. ذلك أن فيما نسميه ب«الأمة»، انها هو، في عصرنا هذا، عاطفة جياشة، وليس بواقع. الواقع هو أن شعوبنا متعددة المصالح، بحكم مرور الزمان على وجودها في اطار دول متعددة، مختلفة المصالح، متنوعة المشارب. فمن الخطإ عدم النظر إلى هذا الواقع، الذي يجعل مجتمعاتنا في شتات من أمرها، فنحسبها وحدة متكاملة، وهي في الحقيقة مجموعة غير متجانسة الأجزاء. أما السبب الثاني، فناتج عن هذا الخطإ الأولي، في التقدير: فلما غاب عنا أن الواقع هو الاختلاف والتنوع، فقد نشأ سخط في أوساط مختلفة من مجتمعاتنا، لما يشهده العمل العربي المشترك من بطء وأحيانا من قلة الجدوى، فيعتبره الغاضبون ضربا من التقصير من طرف دولنا أو من قبل الجامعة في القيام بالواجب. أما المنطق السليم الذي لا بد لنا من توخيه، فهو أن ننظر إلى العمل المشترك على أنه يهدف إلى تقريب الشقة بين ما هو مجرد عاطفة - الأمة - وبين واقع دولنا ومجتمعاتنا، وما عليه هذا الواقع من اختلاف، ومن تناقضات أحيانا، وأحيانا أخرى، ما في الضمائر من سوء فهم لأهداف العمل المشترك. مصالح وتوجهات مختلفة لإحياء في المنطق السياسي، فالواجب يفرض أن نقر بتعدد المصالح حاليا، وباختلاف التوجهات في معالجة القضايا الداخلية والخارجية. والطريق إلى ذلك تقتضي توعية الرأي العام، في مجتمعاتنا، بأن ما نتمناه، إنما هو غاية بعيدة المنال، حاليا، وانه على دولنا - وكذلك على مجتمعاتنا - أن تعمل سويا، لطي المسافات التي تباعد بيننا، وذلك بواسطة مسيرة متأنية، تأخذ بعين الاعتبار سائر وجهات النظر، ومختلف المصالح القائمة، وما نشأ عنها من تغييب الشعور بالمصير المشترك - وربما أحيانا أيضا، من شكوك، لدى بعضنا، تتعلق بإمكان بناء مصير مشترك. فالإقناع، في هذا المجال، له أهمية حيوية، لأن الشعوب - كما قيل - لا تقاد إلى الجنة بالسلاسل. التخطيط الجماعي هنا تظهر ضرورة يفرضها ما يتسم به الواقع العربي من تعقد وإشكال: أن نتوخى، في تنظيم مسيرتنا نحو الأمل المنشود، طريقة التخطيط الجماعي، بما يرتضيه الجميع، ضمانا لجدوى العلم المشترك. هذه أمور مبدئية، لا بد من استحضارها في الأذهان، عند معالجة أي قضية من القضايا المشتركة بين دولنا الأعضاء في الجامعة. ويمكن الاعتقاد بأن الصعوبات التي أشرنا إليها، ازداد تأثيرها في تعطيل العمل العربي المشترك، لأن دولنا لم تجعلها محل حوار صريح بينها، لاستخلاص ما ينبغي لرفع الجدوى من الجهود المشتركة المبذولة في مختلف المجالات، وهي ليست بقليلة التكاليف، أوقاتا، وأموالا وهموما. ثم لا بد من توضيح بعض المفاهيم: فما يسمى ب«الجامعة» إنما هو حصيلة الجهود العربية، التي هي بمشيئة أعضاء المنظمة العربية، أما الأمانة العامة، فهي أداة تنفيذ للإرادة المشتركة، ومسؤولياتنا في أحكام التنفيذ وإحسان الاجتهاد في استنباط الوسائل الناجعة. فلما نتحدث عن دور جامعة الدول العربية، فان المراد من ذلك، قطعا، تفاعل إرادات دولنا، وما يفضي اليه من مواقف وحلول ومشاريع مشتركة. ومن شروط قيام عمل عربي مشترك قوي وناجع، أن يكون قادرا على تغطية كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. تعديل الميثاق ويكون ذلك، لا بما تسمح به كل دولة من دولنا، بل بما يضمن المصالح المشتركة بينها جميعا، في الداخل وفي الخارج، ضمن قواعد ومعايير متفق عليها، ولذلك فمن أوكد الضرورات إعادة النظر في الميثاق القديم الذي يعود الى سنة 1945 ونظرة قلة من دولنا إذاك إلى الحاجات العربية. لذلك فإن مفهوم «الاستقلال» فيما بين دولنا لا مفر من توسيعه بما يجعل دولنا قادرة، فيما بينها، على ما أنجزته دول أوروبا الغربية، رغم اختلافها في شتى الميادين، وخاصة في اللغة والثقافة وفي المصالح الآنية. وليس من المنطقي أن تبقى دولنا من أعضاء الجامعة - الصومال مثلا والسودان وحتى اليمن - تكابد أنواع الصعاب الداخلية والخارجية، ولا يكون ذلك موضع تدبر جماعي من طرف الجامعة كوحدة مترابطة المصالح متضامنة الجهود. نظرة جيوسياسية ومن الأمور الحيوية، في تقوية العمل العربي المشترك، أن تنظر دولنا جميعا، في تنقية إدارة علاقاتها مع الجوار الإسلامي، خاصة وأن دولتين من هذا الجوار لهما منزلة هامة، إقليميا، وثقافيا، واقتصاديا: تركيا وإيران. ولئن اعترضت هذا الاهتمام صعاب من طرف إيران - الاستيلاء على جزر عربية، وتزعم نزعات دينية - فاعتقادنا أن الحوار الدبلوماسي والمقاربات الأخوية كفيلة بتذليل الكثير من هذه الصعاب، وتبديد عديد الشكوك التي تخامر دولنا أو تخامر الطرف الإيراني. الأهم هو الاستناد إلى نظرة جيوسياسية تقدم المصلحة المشتركة على ما يعطلها من رؤى ظرفية زائلة. إسرائيل لا تريد السلام فيما يخص القضية الفلسطينية، فالموقف العربي واضح غاية الوضوح ونجده - ويجده الرأي العام الدولي - في مشروع السلام الذي اتفقت عليه دول الجامعة في قمم متتالية - منذ قمة فاس (سنة 1982) التي صادقت على المقترح السعودي، وتبنته قاعدة لإحلال السلام مع إسرائيل، ثم أدخلت عليه قمة بيروت بعض التوضيحات. وكل ما يخل بأركان هذا المشروع، يعتبر نسفا للإرادة العربية. وهو ما تحاوله إسرائيل اليوم، بمختلف المراوغات، ربحا للوقت الذي يستغل لتوسيع رقعة الاستيطان، وجعل المطالبة بإنشاء دولة فلسطينية، غير ذات جدوى على الأرض. خيبة الآمال في أوباما ومن المؤسف أن الآمال التي وضعت في رجل شجاع في مثل باراك أوباما تتعرض اليوم للإحباط، بسبب تآمر بين المصالح الداخلية والخارجية، من أجل إضعاف الرئيس الأمريكي، وتخييب الآمال التي وضعت فيه من قبل جهات عريضة من الشعب الأمريكي، ومن قبل جموع من الشعوب، الغربية منها وغيرها. والقمة العربية القادمة - في شهر مارس - لا بد أنها سوف تعنى بإيجاد المخرج من هذا المأزق الذي وضع فيه السلام. والرئيس معمر القذافي رجل الصعاب التاريخية، ونفوذه الأدبي لكفيل بإنجاح القمة في توخي الحلول الموصلة. وحدة الكلمة الفلسطينية ومن شروط هذا النجاح أن يتمكن الإخوة الفلسطينيون، قبل شهر مارس، من إيجاد كلمة سواء بينهم، تعيد إلى المنظمة هيبتها، والى الكفاح الفلسطيني نجاعته، والى القضية المقدسة هالتها لدى الرأي العام الدولي، وفي أعين أصدقاء الشعب الفلسطيني، وهم كثيرون، في مختلف قارات العالم. وهنا لا بد من تذكير الإخوة الفلسطينيين بحقيقة أساسية ألا وهي وجوب تنظيم الأولويات لديهم، فالأولى من هذه الأولويات هو الكفاح المشترك في سبيل إنشاء دولة قادرة على ضم أوصال الشعب الفلسطيني. وكل ما سوى ذلك من اهتمام ومشاريع، فله وقته، بعد الاستقلال، وبعد بناء أسس دولة عتيدة، قادرة على العيش، وقادرة على الذود عن حياتها. إعداد: محمد علي القليبي