في أعقاب الكشف عن اعتقال أجهزة الأمن التركية 31 شخصا قالت إنه يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة، شكك عدد من المحللين الأتراك في وجود تنظيم تابع للقاعدة في بلادهم، معتبرين ما يجري رسميا "مجرد اتهامات، لا تثبت في أغلب الأحيان"، وهي تأتي فقط على خلفية دور أنقرة في الحرب على ما يسمى ب"الإرهاب". جاء ذلك بعدما شنت شرطة مكافحة الشغب التركية عمليات دهم الإثنين (18/1/2010) نالت أكثر من 25 منزلا بأحياء مختلفة من مدينة أضنة جنوب تركيا، والعاصمة أنقرة، جرى خلالها اعتقال هؤلاء الأشخاص، وضبطت بحوزتهم كمية من الأسلحة والذخيرة. وقالت وكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية: إن أسلحة وذخائر وأجهزة كمبيوتر تتضمن وثائق مشبوهة ضبطت في منازل الموقوفين وفي أماكن مختلفة أرشدوا عنها. تشكيك في صحة النسب للقاعدة الانتماء إلى تنظيم القاعدة اعتبره مدير مركز الأناضول لدراسات الإسلام والحضارة، محمد زاهد جول: "مجرد اتهامات لا غير، وهي لا تثبت في أغلب الأحيان"، بدليل أنه يجري الإفراج عنهم مباشرة بعد التحقيق معهم؛ لعدم ثبوت أي أدلة ضدهم، مشيرا إلى أن هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، نافيا وجود تنظيم للقاعدة في تركيا، كما استبعد أن تكون هناك أي صلة للقاعدة بهؤلاء الشباب. وأفاد جول في تصريحات خاصة ل"الإسلاميون.نت" بأن أغلب الذين يجري اعتقالهم من الأكراد؛ لكثرة من يتبنى الفكر الجهادي من بين الشباب الكردي، على حد قوله، مرجعا السبب إلى عدم وجود جماعات أو أحزاب إسلامية معتدلة معترف بها في المناطق الكردية في تركيا، كما كان يسعى من أجل ذلك الحزب الحاكم؛ لذلك يحتار الشباب في الاختيار بين التطرف الإلحادي "الذي يمثله حزب العمال الكردستاني"، وهو حزب ماركسي، و"الأفكار الجهادية التي يستقونها من مواقع الإنترنت". ورأى جول أنه لا مجال للاعتدال بين الأكراد في تركيا، خاصة أن مشايخ الطرق والمتصوفة يدعمون اليسار الملحد؛ وهو مسار استغراب لدى الشباب الإسلامي؛ ما يجعلهم يقبلون على الأفكار الجهادية، مشيرًا إلى وجود أكثر من 30 شابا كرديا كانوا قد فجروا أنفسهم ضمن العمليات الاستشهادية التي تنفذها حركات المقاومة في العراق. وهي نفس الرؤية التي اتفق حولها محمد قرباش أوغلو (أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة أنقرة) قائلا: "لابد من براهين وأدلة قاطعة قبل وصف هؤلاء بأنهم ينتمون إلى القاعدة أو حتى مشتبه في انتمائهم إليها" خاصة وهم أفراد عاديون وغير معروفين، مستبعدا وجود أي تنظيم تابع للقاعدة كتنظيم عالمي في تركيا. ورأى قرباش أوغلو أن مثل هذه الأحداث يجري الإعلان عنها في الغالب من أجل التغطية على حدث ما، ملمحا بالتعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل في ظل وجود شارع إسلامي ورأي عام رافض لكل أشكال هذا التعاون. وقال قرباش إن كل المنظمات التي تستخدم العنف في تركيا تعمل لصالح مراكز قوى سرية أو جهات دولية في الخارج، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة (حزب الله) التي توصف بأنها إسلامية بينما لا يعرف لها أي علاقة بالعمل الإسلامي، وإنما هي في الحقيقة تنظيم يعمل لحساب حزب العمال الكردستاني في إيران وتركيا، وكغطاء على بعض ممارساته غير الشرعية التي من بينها عمليات تهريب المخدرات، أما أن تكون حركة إسلامية صرفة فهو أمر مشكوك فيه، مشيرا إلى أن هناك أمورا كثيرة غير واضحة تجاه مثل هذه القضايا. بدايات قاعدية في تركيا لكن الباحث الأردني في شئون الحركات الإسلامية، حسن أبو هنية، لم يتفق مع ما طرحه المحللون الأتراك، مؤكدا على وجود بدايات لتشكيل تنظيم للقاعدة في تركيا، وفي تصريح خاص ل"الإسلاميون.نت" رأى أبو هنية أن هناك تيارا ينتمي للسلفية الجهادية بدأ ينتشر، خاصة أن معظم أدبيات القاعدة ترجمت إلى اللغة التركية، ومنها كتب أبو محمد المقدسي، مشيرا إلى أن تركيا كانت تمثل نقطة عبور للعديد من الجهاديين ضمن شبكة أوروبا، ثم تطورت إلى مشاركة من قبل أتراك، وقد نفذ التنظيم الذي كان يقوده محمود كبلان هناك عددا من العمليات؛ ما يؤكد -برأيه- على بدايات لتشكل تنظيم للقاعدة هناك. حسن أبو هنية (وهو يعمل الآن بالتعاون مع باحثين أتراك على إخراج كتاب حول القاعدة في تركيا) دعم أقواله بذكر عدد من محطات القاعدة في تركيا، يمكن من خلالها التأكيد على بدايات تشكل التنظيم، منها أن بعض حلقات التنسيق بين أوروبا والقاعدة في بلاد الرافدين (تنظيم العراق) جرت على الأراضي التركية، كما أن بعض الأشرطة في العراق كانت قد صدرت باللغة التركية، وتكلم فيها بعض الأتراك داعيا إلى الجهاد ضد المحتلين الأجانب لهذا البلد الإسلامي. وكانت مسئولية الاعتداءات التي ارتكبت في إستانبول في تشرين الثاني/نوفمبر 2003 قد نسبت إلى خلية تركية قيل إنها تابعة للقاعدة، وقد استهدفت هذه الاعتداءات كنيسين، والقنصلية البريطانية، وفرعا لبنك "إتش.إس.بي.سي" البريطاني، موقعة 63 قتيلا بينهم القنصل البريطاني. وفي سبتمبر من العام الماضي وجّه الرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري تهديدات لتركيا، مع توليها قيادة قوات حلف شمال الأطلسي في كابول. وقال الظواهري في شريط مسجل: "فليعلم كل تركي مسلم حر غيور على الإسلام والمسلمين أن قوات بلاده ستتولى قيادة الحملة الصليبية في أفغانستان التي تحرق القرى وتهدم البيوت وتقتل النساء والأطفال وتحتل ديار الإسلام". وأضاف "أن القوات التركية ستقوم في أفغانستان بقيادة نفس العمليات التي يقوم بها اليهود في فلسطين، فكيف يقبل الشعب التركي المسلم الحر الغيور هذه الجريمة ضد الإسلام والمسلمين؟". واستطرد حسن أبو هنية متحدثا عن اتصالات جرت بين عناصر تركية والحركات الجهادية في آسيا الوسطى، كما أن خلية "التوحيد" في أوروبا وجودها الأساسي كان في تركيا، وهناك تنظيم "اتحاد الجهاد الإسلامي" الذي تبنى بعض التفجيرات رافعا شعار القاعدة في بلاد الرافدين، كما كان عبد الهادي العراقي -وهو أحد رجالات القاعدة الأساسيين- قد قبض عليه في تركيا وجرى تسليمه للولايات المتحدة. ويعلل أبو هنية هذا التنامي الحاصل برأيه في الأفكار الجهادية إلى العاطفة الدينية القوية في الشارع التركي التي تسفر عن نفسها في بعض المناسبات كما حدث خلال الاحتجاجات على العدوان الإسرائيلي على غزة، وحول ما يحدث في العراق وأفغانستان، خاصة في ظل ما يشهده المجتمع التركي من تحول عن الهوية العلمانية إلى الهوية الإسلامية؛ وهو مجتمع عانى من أزمة التناقض في هويته على مدى عقود في ظل الحكم العلماني. نشر في الإسلاميون.نت المصدر بريد الفجرنيوز