فلدى هذه الفئة كما هو سائد في معظم دول العالم مسؤولية أخلاقية، ريادية و قيادية ودور فعال في التطرق إلى سبل رقي البلاد وازدهارها فهي الطليعة والمثل للمجتمع. فلنا ان نتساءل : أين أفراد هذه النخبة على الساحة الاتصالية التونسية؟ وما هو وقعهم في المشهد السمعي البصري؟ ماهي أهمية إنتاجاتهم الإعلامية للتواصل مع الشعب، تلك المجموعة الناشدة لتسلق هرم ماسلو للاحتياجات كالبدائية منها على غرار الأكل والشرب والنوم ثم الأمن على الجسم والعمل و الصحة والنظافة ثم الاحتياجات الاجتماعية كالحب والصداقة والانتماء ثم احترام الذات واحترام الغير والثقة وأخيرا التوق إلى الكمال الذاتي من حيث الأخلاقيات والإبداع والقدرة على حل المشاكل التي تعترضه، إلخ. فإذا قيمنا وجود النخبة بمفهومها الشامل في مختلف وسائل الإعلام نجده ضئيلا على المستوى الكمي، ضيقا على المستوى الكيفي. ترى لماذا هذا الحضور المحتشم نسبيا عندما نعرف أنه لا يمر يوم قط في تونس لا تناقش فيه أطروحة ماجستير أو دكتوراه، وعندما نرى زخم حلقات التفكير والنوادي الأدبية والعلمية والاقتصادية المتعددة في البلاد؟ أسباب ومسؤوليات مشتركة في نظرنا هناك كثير من الأسباب لهذه القطيعة عبر وسائل الإعلام بين النخبة والشعب. في هذا المضمار تعتبر عناصر النخبة ضمنيا ومنهجيا أن لا حدود مبدئيا لتصوراتهم وعمق تحاليلهم وهذا الموقف لا يتماشى دائما مع مجتمع متعود على الخطوط الحمراء الذاتية، الاجتماعية، التي يرثها عن منظومة تربوية لا تشجعه على الإبداع والتعبير. هنا يكمن قصور الدور البيداغوجي للنخبة التي يجدر أن تتوخى سياسة التدرج والمرحلية ذات الطابع التونسي البحت لإيصال المفاهيم العقلانية والمدروسة والمتوازنة إلى المواطن العادي، فيعزف هذا الأخير على الانزواء والانكماش الثقافي والمعارفي. ففي ظل عدم تقارب بين النخب والشرائح الشعبية يعسر على الحكومات أو صانعي القرار استغلال الطاقات الخامة التي تكمن في هذا المواطن والتي يجب ترشيدها وإنارتها منطقيا لغاية الرقي الاجتماعي و لغد أفضل لبلدنا وهنا يكمن الدور الحساس والهام لوسائل الإعلام لإنجاح مسار العلاقة بين النخبة والشعب بتوفير الفضاءات البناءة للحوار والنقاش في جميع الميادين. فلنأخذ على سبيل المثل مواضيع يجدر طرحها ونقاشها وتبسيطها للرأي العام من طرف الخبراء ذوي التجارب من نخبنا التونسية من الداخل أو الخارج ونذكر منها من باب المثل لا للحصر: أي منظومة ومضمون بيداغوجي للتعليم التونسي بعيدا على لغة الأرقام أو الإنجازات الحسية مثل توفير المدارس أو المعاهد ؟ أو موضوع كيفية تمويل التقاعد على ضوء التكوينية الخصوصية لديموغرافية تونس أو موضوع الاقتصاد الأخضر أو الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وغيرها من محاور الساعة او الاستشرافية للمجتمع التونسي. إن التطرق إلى هذه المواضيع يستوجب دراية معمقة للاتجاهات الوزارية في كل الميادين لكي يقع استشراف السبل المثلى وتقييم السياسات المتخذة فإن الاتجاهات الحكومية تمثل المادة الأولية التي تستعملها النخبة للنقاشات والحوارات لتكون الإضافة والإنارة في روح تساؤلية وبناءة وتقع الجدوى المنشودة لمشاركة النخب بتواصل مع الفئات الشعبية عبر وسائل الإعلام. سبب أخر وليس أخير لعزوف أو هجران النخب لوسائل الإعلام هو الإفراط والمبالغة في التعبير عن الرضاء على النفس المعلن في غالبية وسائل الإعلام في تونس ومن مفرزات هذا الوضع هو كبح التصورات الجديدة أو المتجددة واستقلال نسبي للنخب في المشاركة في الحوار العام الذي يخص البلد في جل النطاقات والذي تطغو عليه روح الإيجابية المفرطة. إذ أن في رأي النخب يوجد دائما مجال للتحسين وهامش للتطوير في جميع الميادين الإنسانية فلا تجد هذه النخب الأريحية الكافية لبسط آرائها وتقديم الإضافة المرجوة إذ أن تونس تحتاج لكل طاقاتها نخبا أو شعبا لرفع التحديات. عيون الكلام واليوم إذ نعيش زمن الأنترنات والمدونات الاكترونية ومنظومة "الواب 2.0" التي تنشد العمل التشاركي والنجاعة الجماعية فيما يخص المعلومة وبث المعلومات فإن غياب النخبة في وسائل الإعلام التقليدية الكبيرة النشر وخطر ضياع صوتها في غوغاء ما نشهده على شبكة الأنترنات التي يتوارد فيها الغث والسمين، يكاد يحرم البلاد من العطاء الذي تكمن فيه دلالة المواطنة و روح المسؤولية. في هذا الصدد يصبح تلاقي وسائل الإعلام وأصوات النخبة أمرا أكيدا لترسيخ الإنجازات وبناء صرح المناعة التونسية. فإذ تكاد أن تكون خارطة الطريق واضحة.. هامش أكثر من الحرّية وفضاءات للحوار من جانب وسائل الإعلام وحس أوفر على هذا البلد السّعيد والتزام أقوى من جانب نخبنا النّيرة. خبير في الاقتصاد والإحصاء ووسائل الاعلام الصباح التونسية