عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل - اليوم آخر أجل لدفع معلوم الجولان لهذه السيارات    ربط أكثر من 3500 مؤسسة تربوية بشبكة الألياف البصرية ذات التدفق العالي بالأنترنات    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    عاجل/ في نشرة متابعة: تقلبات جوية وامطار رعدية بعد الظهر بهذه الولايات..    انطلاق امتحانات البكالوريا التجريبية..    عاجل/ منخفض جوي شبيه بمنخفض جانفي وفيفري..هكذا سيكون الطقس خلال الأيام القادمة..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    حكم قضائي في حق اجنبي متهم في قضية ذات شبهة ارهابية    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    فرص واعدة للمؤسسات التونسية في FITA2025: تونس تستقبل القمة الإفريقية يومي 6 و7 ماي 2025    عامر بحبة: أسبوع من التقلبات الجوية والأمطار الغزيرة في تونس    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    بوفيشة: احتراق شاحنة يخلف وفاة السائق وإصابة مرافقه    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    من الثلاثاء إلى الخميس: انقطاع مياه الشرب في هذه المناطق بالضاحية الجنوبية للعاصمة    حصيلة المشاركة التونسية في البطولة العربية لألعاب القوى بالجزائر: 19 ميدالية....    ترتيب لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع..    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    باكستان تصعد حظرها التجاري ضد الهند    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    وزارة العدل توضّح    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 25 و29 درجة    دخل فرعا بنكيا لتحويلها.. حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رغم التضييقات.. تفاؤُل حذر بقرب نهاية انتِكاسة الإعلام المغاربي
نشر في الفجر نيوز يوم 24 - 03 - 2010

لاح أخيرا في سماء الصحافة المغاربية طائر السَّنوْنَو بعد غِياب استمرّ سنوات، نتيجة تصاعُد الاحتقان بين الإعلاميين والسلطات. وعلى عكس الغربان التي نعقت طويلا بين آثار الصحف المُقفلة وحلّقت فوق السجون التي احتُجز داخلها إعلاميون كُثر، حمل طيران السَّنونو من المغرب الأقصى بارقة أمل، ربّما تشي باقتراب الفرج، إيذانا بربيع إعلامي جديد.
وتزامن تحليقه مع عقْد المُناظرة (الندوة) الوطنية عن الإعلام والمجتمع، التي شارك فيها جميع الفرقاء في المشهد الإعلامي المغربي، بحثا عن خارطة طريق تضع حدّا للتّدافع الذي سيْطر على الساحة الإعلامية طيلة الفترة الماضية.
وأشَرت مبادرة الدّعوة للندوة وإفساح المجال أمام الجميع للمشاركة في أعمالها بحرية على انعطاف في التعامل مع المنتقِدين والمغرِّدين خارج السّرب عموما، وهذا ليس الطابع المُميّز لعلاقة السلطات في البلدان المغاربية الأخرى مع إعلامييها، حيث نالوا نصيبا وافِرا من المُلاحقات والمحاكمات، وتعرّضوا لأنواع من العراقيل تقهقَرت بهامِش حرية التعبير إلى مربّع ضيِّق، مثلما نبّهت إلى ذلك جميع التقارير الدولية الصّادرة في هذا الشأن منذ مطلع السنة.
غير أن بعض المعلِّقين رأوا في المُبادرة المغربية مُناورة تكتيكية سبَقت اجتماع القمّة مع بلدان الإتحاد الأوروبي في غرناطة يوم 8 مارس الجاري، انطلاقا من المذكّرة التي كان وجّهها الإتحاد إلى الحكومة المغربية للتّعبير عن قلقِه من تدهْور حرية الإعلام.
وحثّت المفوضية الأوروبية مؤخّرا الرباط في وثيقة داخلية على إدخال إصلاحات جوهرية في مجالَي القضاء وحرية الصحافة، "لتقريب المسافة مع الإتحاد"، وأقرّت الوثيقة بأن المغرب "حقّق بعض التقدّم في مجالات محدودة"، غير أنها شدّدت على أن الإتحاد "يُولي أهمِية حاسِمة لإرساء نظام قضائي مستقِل وشفّاف، وكذلك لتعزيز حرية التعبير وحِماية مصادر الأخبار".
وبشكل أوضح، أشارت الوثيقة على الرباط بأن تسن قانونا جديدا للصحافة "يكون منسجِما مع المعايير الدولية في هذا المجال وتُغيِّب منه تماما العقوبات الجسَدية (العقوبات السالِبة للحرية) في حقّ الصحفيين". ولم يكن خافِيا من خلال الانتقادات العلَنية أن العلاقات أصابَها انكِماش واضح في الفترة الأخيرة مع تصاعُد المُلاحقات القضائية والأمنية في حق الصحفيين، ومحاولة إسكات الصُّحف التي ترفع نبْرة النقد للحُكم، وخاصة للمؤسسة الملَكية.
ويُصرّ الأوروبيون على وقْف ما يعتبرونه اعتداءات على حرية التعبير، خاصة بعد الضّغط على بعض الناشرين أو الصحفيين، لإرغامهم على كشْف مصادر معلوماتهم. ويقول الأوروبيون، إن الضمانة لمنْع العودة إلى اضطهاد صحفيين من أمثال أبو بكر الجامعي وعلي أنوزلا وتوفيق بوعشرين وعلي المرابط، هو سنّ قانون جديد للصحافة يُلغي بالكامل تسليط العقوبات الجسدية على الصحفيين، بالإضافة إلى العمل على تحديث المؤسسة القضائية وضمان أسباب استقلالها، لكن مستشار "اللجنة الدولية لحماية الصحفيين" (مقرها في نيويورك)، كمال العبيدي، الكاتب الصحفي اعتبَر الندوة المخصّصة للإعلام في المغرب، مؤشرا على تغيير الاتجاه والتخفيف من حدّة الصِّدام مع الصحفيين والناشرين، وقال في تصريح خاص ل swissinfo.ch "إن اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، لاحظت تراجعا مُتواصلا للحريات الإعلامية في المغرب منذ 2007، بل منذ 2005، مع بروز ظواهر جديدة، مثل منْع صحفيين من الكتابة، كما هو حال علي المرابط اللاّجئ حاليا في إسبانيا، وتوظيف غرامات باهظة على المؤسسات الإعلامية لتعجيزها أسوة ب (الجريدة الأسبوعية)، التي اضطُر رئيس تحريرها علي عمار وناشرها أبو بكر الجامعي إلى الاستقرار مؤقتا في إسبانيا بعد الحجْز على حساباتهما المصرفية، وهو ما يجعلهما مُهدّديْن بالاعتقال، إذا ما عادا إلى البلد بسبب عجزهما عن سداد الغرامات".
وفي ضربة قوية لحرية الصحافة قرّرت السلطات القضائية يوم 3 فبراير الماضي إقفال الصحيفة الأسبوعية المستقلة "الجريدة" (Journal Hebdomadaire Le) وختْم مقرها بالشّمع الأحمر، لعجزها عن تسديد ديُونها. وأعلن مديرها أبو بكر الجامعي في مؤتمر صحفي عقده في الدار البيضاء على إثر تنفيذ تلك الإجراءات، أنه قرّر "الهجرة الطوعية والتوقّف عن ممارسة مهنة الصحافة"، بعد ما تعرّضت له صحيفته.
وكالعادة، استخدمت السلطات ورقتَي الضرائب والضّمان الاجتماعي للانقضاض على الصحيفة المعروفة بجُرأتها، إذ بلغت الدّيون المُتراكمة على شركة "ميديا تروست" الناشرة للصحيفة (18 ألف نسخة أسبوعيا) تُجاه صندوق الضمان الاجتماعي وإدارة الجِباية وبعض البنوك 450 ألف يورو.
واعتبر الجامعي أن "اغتِيال الجريدة الأسبوعية ينبغي أن يكون منطلقا لحوارٍ وطني حول حرية الإعلام"، أما صندوق الضمان الاجتماعي فقال في بيان صحفي، إن الديون تراكَمت على الصحيفة "إلى درجة استوْجبت القِيام بالإجراءات التي يقتضيها القانون لاستخلاصها، ممّا يجعل القضية تجارية بحتة". والجدير بالذِّكر أن "الجريدة" التي بدأت الصدور في عام 1997 اتّسمت بجُرأتها وإقدامها على تجاوُز كثير من الخطوط الحمراء، وخاصة في الشؤون السياسية الداخلية للمغرب. ورأى العبيدي أن هناك من بين مُستشارِي الملك محمد السادس، مُعجبين بالأسلوب التونسي في إدارة الملف الإعلامي، مؤكِّدا أن بعض الجهات لديها حسابات تسعى لتصفيتها مع الصحفيين.
وضرب مثلا بالتشفِّي من الصحفي علي عمار، الذي أصدر كتابا في فرنسا تضمّن تقويما نقديا لحصاد العقد الأول من عهد الملك محمد السادس، وهو كتاب محظور في المغرب، غير أن السلطات أرادت أن يُسدّد فاتورة تأليف الكتاب بشلّ الصحيفة، التي يرأس تحريرها، بحسب رأي العبيدي. وانتقد أيضا بروز ظاهرة أخرى تمثّلت في انزياح نقابة الصحفيين عن نهْجها السابق، مما جعلها تغدو "أقرب للحكومة منها للصحفيين"، وأشار إلى أن المسؤولين المغاربة أُسْوة بوزير الاتصال خالد الناصري، ما زالوا يعتبرون بلدهم الأفضل في المِنطقة على صعيد الحريات الإعلامية.
خطوط حمراء
وكانت منظمات حقوقية دولية منها "هيومن رايتس ووتش" ذكرت أن حرية التعبير بالمغرب تراجعت خلال السنة الماضية، حيث قالت المنظمة إن "هامش الحرية بات ضيِّقا في ظلِّ استمرار مُسلسل اعتقال الصحفيين بتُهم نشر أخبار كاذبة وسريان العمل بمنطق الخطوط الحمراء، التي تحدّ من حرية التعبير".
وقال إريك غولدشتاين، أحد المسؤولين عن المنظمة في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الرباط في وقت سابق من العام الجاري، "إن هناك تراجُعا في حرية التعبير بالمغرب، مقارنة مع بداية الألفية الحالية".
وتزامن صدور تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الذي أكّد أن حرية التعبير في المغرب تراجعت مع توقّف المدوِّنين عن الكتابة لمدّة أسبوع، تعبيرا عن رفْضهم لِما قالوا إنه "تراجع لحرية التعبير واعتقال وسِجن المدوِّنين والصحفيين". وكان لافتا أن بعض المدوِّنين اختاروا توشيح مواقع مدوّناتهم بالسواد، تعبيرا عن التّنديد بما اعتبروه "تراجعا لهامش الحرية من خلال الزجّ بعدد من المدوِّنين والصحفيين في السجون".
وقال سعيد بن جبلي، رئيس جمعية المدوِّنين المغاربة في تصريحات صحفية، إن الامتناع عن الكتابة كان "رسالة إلى السلطات لحثِّها على ضرورة التوقّف عن الممارسات القديمة والكفّ عن أساليب ترهيب المدوّنين والصحفيين". واتّهم بن جبلي الحكومة ب "توظيف القضاء ليكون سيْفا مسلَّطا على رِقاب الصحفيين في سعْي لتكمِيم الأفواه والحدّ من انتقاد السلطات". مع ذلك، علّق قطاع واسع من الإعلاميين المغاربة آمالا كبيرة على نتائج الندوة الأخيرة، متوقّعين أن تستجيب السلطات لكثير من المطالب والإصلاحات التي تقدّموا بها، وستوضع هذه المُراهنة على مِحكّ الاختبار في الفترة المقبلة.
في البلدان المجاورة
أما في البلدان المجاورة، فلا تلوح بشائِر مماثلة، بل على العكس خابت الآمال التي علّقها الصحفيون على دَور القطاع الخاص في حلحلة الأوضاع وكسْر احتِكار المشهد الإعلامي. ففي ليبيا استعاد القطاع العام، واستطرادا الحرس القديم، السيْطرة على مجموعة "الغد" الإعلامية، التي أسسها سيف الإسلام معمر القذافي سنة 2007، فتمّ إلحاق قناة "الليبية" الخاصة، التي كانت تبُث من لندن بهيئة إذاعة "الجماهيرية" الرّتيبة، واحتجبت صحيفتا "أويا" في طرابلس و"قورينا" في بنغازي، لتتحوّلا إلى صحيفتين إلكترونيتيْن تتْبعان لمؤسسة الصحافة العامة، بعدما اعتاد القرّاء من خلالهما على نمَط جديد من الصحافة لم يألفوه في "الزّحف الأخضر" و"الشمس" و"الفجر الجديد" و"الجماهيرية"، ذات النزعة الستالينية. ولم تقدِّم وسائل الإعلام الرسمية أية أسباب لتعليل ذلك التراجع، لكن محطات إخبارية عربية قالت إن قناة "الليبية" الفضائية كانت على وشك أن تبث تقريراً حول استخدام نظام التعذيب ضد معارضيه واضطهاده لَهم. وذكر صحفيون أن السلطات المصرية تذمَّرت أيضاً من ملاحظات نقدية للمعلِّق حمدي قنديل، بُثت على الهواء في تلك القناة.
وأشار التقرير السنوي ل "اللجنة الدولية لحماية الصحفيين" أن مكتب المدَّعى العام اعتاد على استدعاء الصحفيين للاستجواب عدّة مرات، وكثيراً ما أجبرهم ذلك على السَّفر لمسافات طويلة، دون إعطائهم إشعاراً زمنياً كافياً. وكان صحفيو مؤسسة الغد من بين أولئك الذين استدعاهم المدَّعي العام الحكومي للاستجواب، حسب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان المؤلفة من مجموعة من الأكاديميين والكتَّاب المنفِيين.
وفي السياق نفسه، ذكرت "مبادرة الشبكة المفتوحة" (OpenNet Initiative)، وهي شراكة أكاديمية تُعنى بدراسة الرقابة على شبكة الإنترنت، أنه "تبيَّن أن عدداً من المواقع المستقلة أو المؤيِّدة للمعارضة على الإنترنت، تتعرّض بصورة متقطّعة للقرْصنة والتَّشويه، ويتِم استبدال محتوياتِها بمواد مؤيّدة للزعيم الليبي". وقالت المبادرة، إن عدد المدوِّنات قليل وإنها تميل إلى التركيز على الثقافة والأدب، بدلاً من السياسة.
لكن على رغْم استمرار إحكام السلطات الأمنية قبْضتها على وسائل الإعلام، ذكرت تقارير صحفية في فبراير من العام الماضي أن أكثر من 60 أكاديمياً وصحفياً اشتركوا في التوقيع على التِماس يستنكِر "المُضايقة القضائية". ولقي صحفي مشارِك في إنتاج البرنامج الاجتماعي "صباح الخير بنغازي"، الذي تبثه إذاعة بنغازي المحلية، صدا من مدير المحطة عن الوصول إلى مكتبه والاستمرار بممارسة عمله، بسبب بث تحقيق اعتُبر قذفا. ودافع الصحفي عن برنامجه النّقدي في تصريحات لقناة "الجزيرة" مؤكِّدا أن الإدارة كانت تستهدِف عرقلته عن الاستمرار في بث انتقادات أحرجَت جِهات متنفذة. وفرضت الإدارة إجراءات عقابية على الصحفي، ولعبت تلك الهزّة دورا سلبيا في إحباط الإعلاميين وكسْر حماستهم للتجديد والتطوير. وكان صحفيو الغد من بين أولئك الذين تمّ استدعاؤهم للاستجواب من قِبل الإدِّعاء العام الحكومي، حسب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة من الأكاديميين والكتّاب المنفِيِّين.
رقابة في الداخل ونفوذ في الخارج
أكثر من ذلك، لاحظت "اللجنة الدولية لحماية الصحفيين" أن السفارة الليبية في الرباط أقنعت النيابة العامة المغربية بتوجيه تُهمة تشويه السُّمعة ضدّ ثلاث صحف في المغرب هي "المسائية" و"الجريدة الأولى" و"الأحداث المغربية"، وكانت الصحف الثلاث نشرت تعاليق انتقدت صعود القذافي إلى السلطة وأطروحته السياسية "الكتاب الأخضر" والاعتقالات التي حدثت في ليبيا. وحكمت محكمة الدار البيضاء في يونيو على كلِّ صحيفة من الصحف الثلاث بدفع غرامة قيمتها 100,000 درهم (12,500 دولار أمريكي) وتعويضات عن الأضرار بقيمة مليون درهم (125,000 دولار أمريكي) بسبب "الإساءة لكرامة" الزعيم الليبي. وأظهر بحْث أجرته لجنة حماية الصحفيين أن المحاكم المغربية يُؤخذ عليها عدم استقلاليتها واستجابتها للتأثيرات السياسية، وهي ظاهِرة مشتركة في البلدان المغاربية الخمسة.
وعزا مراقبون قوّة نفوذ القذافي في البلدان المجاورة إلى أهمية الاستثمارات الليبية وحجْم المبادلات التجارية الثنائية، ما يجعل الحكومات تخشى من ردود الفعل إذا لم تستجب إلى الضغوط الليبية بالتأثير على قرار المحكمة. وأثار الحُكم على الصحف الثلاث غضَباً في أوساط الصحفيين وجماعات حقوق الإنسان، لأنهم رأوا فيه "محاولة لتكميم أفواه الصحف الجريئة". وللنظام الليبي سوابِق في الدّفع بقضايا تشويه السُّمعة في دول له فيها آذان صاغِية، إذ رفع دعاوى قضائية ضدّ صحفيين مصريين عامَيْ 2004 و2007 وضد صحيفة يومية جزائرية عام 2006 وضد رئيس تحرير صحيفة مغربي عام 2004.
انتخابات وتوقيفان
ولم تسلَم الجزائر من موْجَة الحملات على الصحافة، إذ لوحظ نزولٌ تدريجي لسقْف الحريات الإعلامية وتضييق مُتسارع لمربّع النقد خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد التجديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات أبريل من العام الماضي، إلا أن أوضاع جارتها تونس كانت أسوأ بمِنظار المنظمات الدولية المعنِية بالدفاع عن الصحفيين أسوة بمنظمة "البند 19" و"الإتحاد الدولي للصحفيين" و"مراسلون بلا حدود". وطالب الاتحاد الدولي للصحفيين الحكومة التونسية بضمان حرية الصحفيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف وفاهم بوكدوس، وإنهاء ما سمَّاه "مناخ التّرهيب"، الذي تشهده الصحافة في البلد منذ الانتخابات الرئاسية التي أجريت في نوفمبر الماضي والتي حصل بمُوجبها الرئيس بن علي على ولاية خامسة تستمِر إلى عام 2014.
وقال أيدن وايت، أمين عام الإتحاد الذي يوجد مقره في بروكسل "على السلطات أن تتوقّف عن ملاحقة الصحفيين الناقدين ووضع حدٍّ لحالة الترهيب". وعبر الإتحاد عن رفضه النتائج المترتّبة على مؤتمر استثنائي للنقابة الوطنية للصحفيين، حمل عناصر مقرّبة من الحكم إلى قيادة النقابة في أغسطس الماضي، مُزيحا فريق المستقلِّين بقيادة رئيس النقابة ناجي البغوري الذي استُبدل بأحد الصحفيين الرسميين. وحثّ الإتحاد على "عقد مؤتمر شامل جديد للنقابة من أجل وضعِ حدٍّ للانقسامات التي أعاقت المجتمع الصحفي"، منذ مؤتمر الصيف الماضي.
وحُكِم على توفيق بن بريك بالسِّجن لمدة ستة أشهر بتُهمة الاعتداء، وجاء توقيفه في أعقاب نشر مقالات لاذِعة في صُحف ومواقِع فرنسية قُبيل الانتخابات الأخيرة. أما زميله زهير مخلوف، فحُكم عليه بالسِّجن لمدّة أربع أشهر لنشره تقريرا على الإنترنت عن المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة الصناعية بمدينة نابل. وتعرّض العديد من الصحفيين الآخرين للاعتداء والرقابة والمُضايقات، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية، فيما انتقدت صحف المعارضة الثلاثة تعرّضها للخنق بتشديد الحِصار التوزيعي عليها وحجْب الإعلانات عنها، ما حملها على الاحتجاب أسبوعا احتِجاجا على تلك المضايقات.
وعزا ناجي البغوري الهجمة التي استهدفت الإعلام والصحفيين في الفترة الأخيرة في المغرب العربي، إلى أن الإعلام هو المِرآة التي تعكِس أي حراك أو تطوّر في المجتمع. وقال في تصريح خاص ل swissinfo.ch: "شهِدت الفترة الأخيرة محاولات للتطوير الديمقراطي في بلداننا المغاربية، وكل انتكاسة لتلك المحاولات تنعكس أوّل ما تنعكس في الإعلام، من أجْل قتلها في المهْد، لأنه هو الصورة المكثّفة لتلك الأنفاس الجديدة، وبالتالي، فأي ردّة سُرعان ما تنعكِس تشوّها في الوجه الذي هو الإعلام". واستدل على صحة هذه الرُّؤية بالتجربة المغربية التي قال إنها أبصرت دفعة انفتاحية في السنوات الثمان الأخيرة، لكنها انتكسَت بعد ذلك، وكان الإعلام هو الشاشة التي انعكَس على صفحتها، الاتجاهان على صفحة ديمقراطية.
وسارت موريتانيا على خطٍّ غيْر بعيد عن المساريْن التونسي والمغربي، إذ سعى الحُكم الجديد برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى ضبط الساحة الإعلامية وترويض المُشاكسين بالجزرة تارةً والعصا طوراً آخر. ولوحظ تقريب بعض الصحفيين من دوائر الحُكم وضمِّهم إلى "الأكثرية الرئاسية"، مع ما يستتبع ذلك التبنِّي من مناصب وامتيازات.
وفي المقابل، تمّ التضييق على آخرين وإيداع بعضهم السِّجن. وحكم القضاء الموريتاني في الرابع من فبراير الماضي على حنفي ولد دحاح، مدير الموقع الإلكتروني "التقدّمي" بالسِّجن سنتين وستة أشهر بعد اتهامه ب "التحريض على التمرّد والقذف والمساس بالأخلاق الحميدة"، وهي من فِئة التُّهم الفضفاضة التي يُمكن توليدها، كي تُغطِّي حتى كِتابات المُوالين للحُكم عند الاقتضاء.
لكن ولد الدحاح غادر السِّجن في 24 ديسمبر الماضي بمُوجب عفْو أصدره الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمناسبة المولد النبوي الشريف، وشمل العفو مائة من سُجناء الحقّ العام، فيما عزا هو قرار الإفراج إلى "الضغوط التي مارسها الصحفيون". كما أفاد الإعلامي خليل ولد أجدود swissinfo.ch أن محكمة أخرى قضَت بتغريم الصحفي عبد القدّوس ولد عبيدنا مبلَغا باهِظا لصالح رجل الأعمال المتنفذ ولد عماتو، وهو ابن عم الرئيس ولد عبد العزيز، وانهارت بهذه الإجراءات الخُطوات الانفتاحية التي سُجلت في السنوات الأخيرة، فتحرّك الوضع الموريتاني، الذي كان يُعتبر الأكثر حرية وحيوية في المغرب العربي، نحو المنطقة الرمادية التي استقرّت فيها تونس والمغرب، على رغم تأسيس نقابة للصحفيين الموريتانيين، أظهرت كثيرا من الحضور والحركة في خطواتها الأولى.
لمن ستكون الكلمة الأخيرة؟
وهكذا يبدو النَّفَس الجديد المسجّل في المغرب (والذي ما زال لم يدعم بخطوات عملية) استثناء في المشهد المغاربي، غير أن النقيب ناجي البغوري قلّل من الآمال المعقودة على ذلك النَّفَس الجديد، رابطا إيَّاه بالقمة المغربية – الأوروبية، التي استضافتها غرناطة يومي 6 و7 مارس 2010. وقال ل swissinfo.ch إن المناظرة الوطنية عن الإعلام أتَت تفاعُلا مع سياسة الجزرة التي أقرّها الإتحاد الأوروبي مع البلدان التي يمنحها "المنزلة المتقدِّمة"، بتقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية بقدْر ما تتّخذ من إصلاحات في المجال السياسي والإعلامي والقضائي.
وأضاف "حاول (المسؤولون) المغاربة تلجيم الصحافة بين الفينة والأخرى، إلا أنهم أدركوا أنه، لا السياق الدولي ولا مصالح بلادهم تُجيز تلك الانتهاكات، فبدؤوا يتراجَعون، وهذا قانون لا ينطبِق على المغرب فقط، وإنما أدركت دُول عدّة أن هذا الأسلوب المتخلّف لم يعُد نافعا، لذلك، فنحن في نقابات الصحفيين، إذ نطالب بإزالة القيود عن الإعلام، نتمنى أن تُدرك كلّ البلدان أنه لم يعُد من مصلحتها أن تسبح عكْس التيار العالمي.
بين المغاربة الباحثين عن خارطة طريق تضع حدّا للتدافع بين الحُكم ومنتقديه، بعد ما سيطر الصِّراع على الساحة الإعلامية طيلة الفترة الماضية، والليبيين الذين فقدوا فسحة الأمل بعدما تذوّقوا حلاوة انفتاح إعلامي خفر وغير معهود، يبدو الجزائريون والتونسيون والموريتانيون في قلب تجاذُب لم يُحسَم بعدُ بين إعلاميين متشبّثين بتلابيب حقوقهم وأجهزة تسعى لفرض الأرض المحروقة، لإسكات الأصوات المُغرّدة خارج "الإجماع". فلِمن ستكون الكلمة الأخيرة يا تُرى؟
24 مارس 2010
تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.