دياسبورا فلسطينية جديدة مقبلة وشيكة دكتور أحمد محمد المزعنن تقوم بعض الجهات في الوقت الراهن ومن موقع القوة والاقتدار الصهيوني والوهن القومي العربي للترويج لخطة شيطانية، ويقومون بتسريب بعض الأخبار عن خطط يهودية أمريكية وبتمويل عربي تهدف إلى نقل اللاجئين الفلسطينيين إلى مواطن جديدة في كل من أستراليا وكندا تحديدًا ،وترحيل اللاجئين الفلسطينيين من لبنان إلى أرض الضفة الغربية تحت إدارة سلطة محمود عباس وسلام فياض وجواسيس أوسلو،وبعضهم سيعودون إلى فلسطينالمحتلة ،ويجري بناء هذه الخطة في إطار مشروع حلٍ جذري شامل للمشكلة الفلسطينية لترحيل هؤلاء اللاجئين الذين يتواجدون قريبًا جدًا من حدود الكيان اليهودي المحتل،مما جعلهم لا ينسون بلادهم وموطنهم،وهم يزدادون راديكالية وتطرفًا يومًا بعد يوم مما يجعلهم يشكلون خطرًا محتملاً دائمًا ،وعقبة في وجه الدولة اليهودية بأبعادها وحدود الإستراتيجية الوظيفية في إطار التوسع الإمبريالي الصهيو أمريكي الصليبي،وقد يتسببون في إعاقة المرحلة التوسعية الجديدة القادمة التي يقوم اليهود فيها بالقفز على ما وراء حدود الدول التي قامت بالتطبيع معهم،وتجري في هذا الإطار علاقات واسعة تشكل شبكات علاقات معلومات تعقد في إطارها صفقات سمسرة واسعة ،وهذا قد يفسر السقف شديد الانخفاض لمنجزات القمة العربية ،وللمشارع الوهمية العمروموسوية ،ولهذا اخترنا شخصية السمسار لنلقي عليها بعض الضوء. السمسار السمسار هو الوسيط بين البائع والمشتري لتسهيل الصفقة،وسمسار الأرض:العالم بها،وهي من الكلام الفارسي المُعَرَّب،والسمسرة:حرفة السمسار،وهي أيضًا جُعْلُهُ أي ما يتقاضاه مقابل عمله،والفعل:سَمْسَرَ،يُسمسر:أي توسط يتوسط بين البائع والمشتري بِجُعْلٍ أي أجر معلوم.(المعجم الوسيط،448)ويقابلها في اللغة الإنجليزية أكثر من كلمة منها Broker, jobber, middleman, agent, go-between ،واخترنا الكلمة الأولى لتقابل الكلمة العربية؛لأن فيها ما يوحي بصورة السمسار الذي سنعرض له في هذا المقال وهي القدرة على المكاسرة والجدال. وكنوع من التصرف في تصريف الكلمة الإنجليزية يمكن استنتاج أن Brokerأو السمسار تعني الشخص المُكاسر،من كاسَر يُكاسِر فهو مُكاسر،أوBroker، والمكاسرة في الحركات السياسية والدعوات ذات الأيديولوجيات هي عملية تكسير أي عقيدة مضادة للنظرية بتفتيتها لمحاولة هزيمتها عن طريق إثارة الشكوك فيما يعتقد الداعية المكاسر أو رؤساؤه أنها نقاط ضعف ينبغي اكتشافها للعمل على انصراف الأعوان والأنصار،والدعاة المكاسرون يختارون عادة من ذوي الكفاءات البلاغية والقدرات المتفوقة على الجدال ومقارعة حجج المعارضين،وكانوا قديمًا يُختارون من أصحاب الأشداق الكبيرة التي بها فراغ كبير يسم ح للسان أن يتحرك ويتقعر في الكلام. وفي حالة السمسرة في مجال البيع والشراء فإن المكاسرة تعني استخدام قوة الحجة لإقناع الطرفين على عقد الصفقة التي سينال السمسار مقابل إبرامها جُعْلاً أي أجرة تحسب حاليًا بالنسبة المئوية من قيمة الصفقة. سمسار الدَّواب "قُولْ بِعْتْ،قول بعتْ بعتْ بكذا؟قُول أَبَارِكْ،قُولْ أبيعْ،قُولْ بعتْ،قول أبارك." هذا جزء من السيناريو الذي يستخدمه كل سمسار للوصول إلى عقد الصفقة التي سيحصل منها على رزقه،حملتني هذه العبارات وأمثالها إلى ذكريات قديمة عندما كنا من سكان قطاع غزة ،وحينها كان يوجد قريبًا من خط القطار شرق المدينة مكان يسمى سوق الحلال أو سوق الجمعة،حيث يلتقي بعد صلاة الجمعة كل من لديه دابة لبيعها،أو من لديه نقود لشراء دابة،وكان للسوق في خمسينيات القرن الماضي تقاليد على الجميع الالتزام بها،فالبلدية تتقاضى ضريبة،وطبقة الوسطاء أو السماسرة يتنقلون بين زوايا السوق يلتمسون أية إشارة للبدء في عملة الوساطة،وعندما تبدأ العملية لا تسمع إلا العبارات:قول بعت،قول أبارك... وكلما اشتدت ممانعة مالك الحمار أو البقرة زادت حرارة إصرار السمسار في الضغط على البائع،أو يأخذ المشتري في (كلمة رأس) أو مخلوية كما كانوا يسمونها،ويتم خلالها الاتفاق على خطوة(تكتيكية)جديدة،ثم تبدأ المحاورة والمداورة والمفاوضات بأسلوب آخر، ويمسك السمسار بكف المسكين صاحب الدابة يهزها بعنف : ول بعت ! قول أبيع ! قول أبارك !ولا ينصرف عنه حتى ينال منه،فيضطر إلى التسليم والبيع؛لأنه لا يتصور أنه سوف يرجع بدابته إلى البيت لحاجته إلى النقود. ثم ينتقل إلى ضحية أخرى ،فما أن يلمح السمسار شخصًا ممسكًا برسن الدابة مقبلاً على سوق الحلال أو سوق الماشية،حتى يقتنصه ويقف بينه وبين المشتري المحتمل الذي يكون قد اتصل به وطلب منه مبتغاه،ويحول بينه وبين بقية السماسرة،وكأنه أصبح ملكًا خاصًا له،وما أن يلمح قدوم أول راغب في الشراء حتى تكتمل أركان الصفقة أي لعبة السمسرة،فيبدأ بصاحب الدابة ردد عليه العبارات السابقة المعهودة وهو ممسكًا بيده يهزها بقوة،ويزداد عنفًا في هز يده كلما أبدى هذا المسكين نوعًا من الرفض أو المقاومة فيزداد السمسار إلحاحًا وتصميمًا على إتمام الصفقة بسرعة ليفرغ منها وينتقل إلى غيرها،وتستمر عملية المفاوضات واللف والدوران والمراوغة(قول أبيع،قول أبارك، قول بعت،قول مبروك.)وكلما أمعن صاحب الدابة في رفضه،ازداد السمسار إصرارًا على الضغط عليه،وربما ردد بعض العبارات التي تحمل معنى الإهانة ليكون لدى المسكين رغبة في الخروج من السوق ولو بخسارة بقرته أو حماره أو عنزه. ويظل ممسكًا بيد الضحية صاحب البقرة أو العنز أو الحمار يهزها بقوة،يشُدُّها آنًا وآنًا يلويها،ثم يطلقها ويعود يمسك بها من جديد،يختار من العبارات الجاهزة لمثل هذه المواقف،ولا ينصرف حتى ييأس من موافقة صاحب البهيمة،وربما كان يعرف أن ثمنها ضعف ما يحاول فرضه على المسكين؛لأنه يدرك بالخبرة والتجربة أن صاحب الدابة إذا لم يكن تاجر حلال(أي تاجر مواشي)،فإنه لا يأتي لبيعها في سوق الجمعة أو(سوق الحلال) كما كان يُعرف في الأوساط الشعبية،إلا إذا كان مضطرًا إلى بيعها لسداد دين،أو لتأمين مصاريف عائلته،أو لتدبير نفقات زواج أحد أبنائه،أو غير ذلك من ضرورات الحياة. يعتبر السمسار من رجال الخبرة في الوقت الحاضر،وهي مهنة على درجة عالية من التخصص ومواكبة التقدم والتطور السريع في المعلومات وطريقة الاستفادة منها،فسمسار الأراضي يعملون من خلال المكاتب الهندسية وشركات الأراضي والجهات الحكومية المسؤولة عن التعمير والإسكان،وسماسرة الماشية لديهم كمٌ هائل من الخبرات عن أنواع الماشية وأسواقها ومناطق جلبها،ووسائل نقلها،وسماسرة المساكن يكونون شبكة علاقات عبر الهاتف،وحاليًا عبر الإنترنت،وأرقى السماسرة هم سماسرة العقار،فهم يأكلونها نظيفة مقشرة مضمونة الربح وربما أضعافًا مضاعفة،والعقار لا يرخص أبدًا،وتعتبر هذه المهنة في ظل حركة العمران الواسعة في المنطقة العربية من أكثر المهن دخلاً،والدخل السهل تحديدًا،فالأرض عادة تدخل في سلسلة من الأدوار حتى تصل المشتري الأخير من أبناء الطبقات التي تبحث عن بيت يسترها،وفي خضم تزايد الطلب على العقار يقال أن الأرض تباع لأكثر من زبون مما ينتج عنه الخلافات والحوادث والقضايا الكثيرة،وفي النهاية فإن العقار يكون من نصيب من يحشد أكبر عدد من الأنصار من الفتوات. السمسار لا يعرف من الإنسان إلا جيبه،البائع والمشتري عنده متساويان في القيمة بميزان ما سيعود عليه من العلاقة التي ألقت بهما في طريقه،وتنصبُّ خبرته على اقتناص وتَصَيُّد المعلومات حول المشاريع الحاضرة والمستقبلة في المجال الذي يعيش فيه،وهو دائم البحث عن تلك المعلومات من خلال الشبكات المحيطة بأصحاب القرار،ومن أهم صفاته قدرته على توظيف أية معلومة عن المجال الذي يعمل في نطاقه،فكل كلمة لها ثمن ،وبضاعته الكلمات التي تكون الجمل المناسبة لعقد الصفقات،السمسار رجل عملي لا مجال عنده للعواطف والمشاعر والأحاسيس والقرابات وكل المعايير،معياره الفائدة التي سيجنيها،يجيد الصمت وإذا تكلم عادة لا يطيل الكلام فيما يُسْاَل عنه،ينظر غليك ودماغه مشغول بقطع الراضي ومسارات الصفقات ومداخل وطرق الوصول إلى الشيكات والحسابات البنكية،والكثير منهم بدأ بدايات متواضعة وأصبح ممن يطلق عليهم (الهوامير) ، والهامور نوع من أسماك البحر الأحمر والخليج العربي ،لحمه من أطيب أنواع اللحوم بسبب طراوته لتوفر نسبة من الدهون فيه ،وبعضه يكون كبير الحجم، فلا يقلل كبر حجمه من طيب مذاق لحمه،ولعله من الأسماك آكلة الأسماك والكائنات البحية الأخرى؛مما جعله اسمه يطلق على أثرياء العقار وأصحاب الأموال الطائلة الذين بدأ الكثير منهم مشوار الثراء بمهنة السمسار،والكثير منهم وصل به طموحه إلى ما وراء الحدود في ظل العولمة وسهولة انتقال رؤوس الأموال،وتدفق الثروات،وسهولة بناء الشركات،وتوفر الأنظمة الدولية التي تضمن الاستثمار في كل ركن من أركان المعمورة . منذ عدة سنوات ساقتني الظروف مرة للدخول إلى مكتب سمسار مشهور في حي من الأحياء لكي أسأله عن سكن،وكنتُ أظنُّ أن المبلغ الذي رصدته كحدٍّ أعلى للإيجار يجعلني شخصصية مناسبة لدخول مكتب ذلك السمسار،ولما سألته عن إمكانية وجود سكن لديه،سألني على الفور:ما القيمة التي أنت مستعد لدفعها للإيجار؟أجبته في حدود المبلغ المتوفر لديَّ،فأجابني على الفور وكلماته تنضح توبيخًا وإهانة:ومن قال لك إن لدينا سكن في حدود مبلغك هذا؟ فأدرت ظهري له دون أن أنتظر بقية كلامه، وانسحبتُ من المكتب دون أن أرد عليه بكلمة واحدة. سماسرة وسماسرة إلى هذه الدرجة والأمر يبدو طبيعيًا في مهنة السمسار وشخصيته،وهي شخصية من بين الشخصيات التاريخية العريقة في الحياة الإنسانية التي قامت من بدايتها على تبادل المنافع عبر وسطاء،ولكن هناك سمسرة وسماسرة من نوع خاص ،وهذا النوع الخاص من السماسرة يظهرون حيث تنخفض معايير الأخلاقية،ويقوم السماسر فيها بعملية تعميم سلوكي تنتقل خلاله آثار السمسرة المشروعة إلى أشكال من السمسرة غير المشروعة،يحدث ذلك في المهن المنحطة أخلاقيًا كتجارة النساء والأطفال وتجارة المخدرات والممنوعات ،وكل ما من شأنه أن يخل بالأمن ،ويضر بالصالح العام.ومن هذا القبيل في السمسرة غير المشروعة نوع يرقى إلى الخيانة الوطنية،تمتد فيها أخلاق السماسرة إل بيع الأوطان ،والاتجار بالمعنويات والمثل العليا. إن من أحط درجات الانحدار الخلقي هي تلك الدرجة التي يشكل شخص ما من نفسه وسيطًا أو سمسارًا يبيع فيها وطنه أو وطن غيره،الوطن ليس فقط قطعة الأرض التي لها حدود وعلم وجيش أو شبه جيش ،ولكنه شىء يجعل للإنسان قيمة يحملها معه أينما ذهب،ولا يزيده مرور السنين إلا رسوخًا وقوة وثباتًا . وأحط درجات الانحطاط القيميّ هي تلك الدرجة التي يصر فيها السماسرة من الجواسيس وخونة الأوطان،وتجار القيم والمثل العليا على أنهم يقومون بعمل مشروع،وأن الآخرين من يخالفونهم خياليون وغير واقعيين بل غير راشدين وحتى مجانين،إن سماسرة الأوطان من أخطر السماسرة ،وتزداد خطورتهم عندما يربطون مصيرهم بطرف يسوقون إليه قضايا أوطانهم،إن سماسرة سلطة أوسلو هم في هذه المرحلة من مراحل الانحطاط ،حيث إنهم لم يتركوا لأنفسهم فرصة للفكاك من قيود الصهاينة وهم يتصورون أنهم أحرار يمارسون سلوكًا واقعيًا طبيعيًا،وأخطر ما في مشروهم التدميري في المرحلة الراهنة هو أنهم كونوا طبقة من المنتفعين منخفضي الولاء للوطن من ناقصي الأهلية الوطنية والمهنية في إطار ما يسمونه دولة،وربما يكونون منخرطين في مشاريع تصفية حقوق العودة وحقوق اللاجئين التي تتصاعد وتيرتها في إطار خطة مشروع جورج ميتشيل. أيها الفلسطينيوناللاأوسلويون اللادايتونيون اللامتصهينون اللاسمساريون اللاعلمانيون اللايساريون اللاسلطويون: اذا أعددتم للاغتراب القسري أو المغري العربي الدولي الجديد؟عليكم جميعًا أن ترتفعوا إلى مستوى الخطر الذي تشكله خطة ميتشيل وعباس وفياض ،المسألة ليست خيالا أو فروضًا ظنية ،الخطر ماثل قادم مثل موجة تسانومي سوف ينسي كبار السن منكم الذكريات المزعجة لماساة الهجرة الأولى عام 1948م و 1967م،وسوف لن يترك لصغاركم فرصة لتذكر اسم فلسطين العزيزة الغالية. (... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .)(يوسف 21)