عاجل/ اصدار خمس بطاقات ايداع بالسجن في حق هؤلاء بتهمة غسيل وتبييض الأموال..    توقيع اتفاقية قرض بقيمة 6,5 مليون أورو لإطلاق مشروع "تونس المهنية"    وزير السياحة يؤكد ادماج جميع خريجي الوكالة الوطنية للتكوين في مهن السياحة    أردوغان: نتنياهو يوسّع حلقة النار وإيران "ستنتصر" في الحرب    هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟    عاجل/ الاحتلال يعلن اغتيال هذه الشخصية..    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    صدمة في قطاع الهندسة: 95% من مهندسي الإعلامية يغادرون تونس بحثًا عن فرص أفضل!    يهمّ هؤلاء التونسيين: امتياز جديد يخفّض أعباء التمويل على المستثمرين    عاجل/ أول تعليق من المنصف المرزوقي على الحكم السجني الصادر ضده..    إيران تقدم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية    5 أسباب وراء تأجيل ترامب قرار المشاركة في الحرب ضد إيران    اكتمال النصاب القانوني وانطلاق أشغال الجلسة العامة الإنتخابية    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    وفاة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب في المغرب    كاتس يعلن تصفية قائد إيراني وموجة صواريخ إيرانية جديدة    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    معركة شرسة بمحيط ترامب بين المؤيدين والمعارضين لضرب إيران    الوجهة السياحية جربة جرجيس الأولى وطنيا وتوقعات بتسجيل أكثر من مليون زائر    كأس العالم للأندية: يوسف البلايلي أبرز المتغيبين عن مواجهة تشلسي    طقس اليوم السبت: أجواء صيفية مستقرة على كامل البلاد    ردّ فعل رسمي وعاجل من وزارة الخارجية بعد العثور على جثة عبد المجيد الحجري بستوكهولم    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    وزير السياحة: طلب كبير على طبرقة عين دراهم...التفاصيل    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل في الذكرى الثانية والستين : د. مصطفى يوسف اللداوي
نشر في الفجر نيوز يوم 21 - 04 - 2010

كاتبٌ وباحث فلسطيني
img align="left" src="http://www.alfajrnews.net/images/iupload/moustafa_yousef_allidawi.jpg" style="width: 91px; height: 125px;" alt="يحيي الإسرائيليون، بل اليهود كلهم، والحركة الصهيونية العالمية ومؤيدوها، الذكرى الثانية والستين وفق تقويمهم العبري لتأسيس كيانهم على أرض فلسطين، ويحتفلون معاً بعودتهم من جديد إلى أرض الميعاد، وهم يعتقدون أنها الأرض التي وعدهم إياها الرب، ومنحهم إياها دون غيرهم، وباركهم فيها، ورضي عنهم إذ أعادهم إلى "أورشاليم" من جديدٍ بعد آلافٍ من سنوات التيه والتشرد والضياع، وهيأ لهم طريق العودة لاستعادة الهيكل، والسكنى في أرض الآباء، معتقدين أنها أرضهم ووطنهم، وأنه لا حق لسكانها الأصليين فيها، إذ لا شئ يربطهم بها، ولا تاريخ لهم فيها، وإنما هم وافدين عليها، طارئين على تاريخها، غاصبين لتراثها ومقدساتها، وطالبوا العالم أن يصدق خرافاتهم، وأن يؤمن بأساطيرهم، وأن يسلم لهم بإدعاءاتهم، وأن يعترف بحقهم التاريخي والديني في أرض فلسطين، وأن يقبل بوجود كيانهم، وأن يعترف بالقدس عاصمةً لدولتهم، وباليهودية ديانة لسكانها، وبالإسرائيلية هوية لأهلها، والصهيونية إنتماءاً لصناعها ومؤيديها، وطالبت العالم أن ينكر وجود العرب في فلسطين، وألا يعترف بحقهم الأصيل المتوارث فيها، وألا يساندهم في نضالهم لاستعادة حقوقهم. وإذ يحتفل الإسرائيليون بالذكرى الثانية والستين لتأسيس دولتهم، فإنهم يدركون أن كيانهم غير شرعي، وأنه محكومٌ عليه بالإنهيار، وأن دولتهم إلى زوال، طال الزمن أم قصر، وأن مستقبلهم في أرض فلسطين غير مأمون، وأنهم سيرحلون عنها كما رحل آباؤهم، وسيضطرون إلى التخلي عن أرض فلسطين لأهلها، وسيذعنون إلى الحق، وسيخضعون إلى عوامل التغيير، وقوانين الإبدال، فالفلسطينيون يعلنون كل يوم، أنهم لن يتخلوا عن أرضهم، ولن يتنازلوا عن حقهم، ولن يفرطوا في ثوابتهم وقيمهم، وسيواصلون مقاومتهم حتى يستعيدوا أرضهم، ويعودوا إلى بلادهم، ولن يدخروا وسيلةً في مقاومة المحتل، وأنهم لن يستسلموا لخيارات القوة، ولن يخضعوا لصيحات التهديد، ولن يقبلوا بواقعٍ يفرضه عليه عدوهم، ولن يساوموا على حقهم، ولن يتنازلوا عن عودتهم وأجيالهم إلى بلادهم، ويقينهم بالنصر على عدوهم يزداد عاماً بعد آخر، وحلمهم بالنصر والتحرير يتعاظم ويقترب، ويشعر الإسرائيليون وأنصارهم بأمارات هذا كله، ولذا يخافون ويقلقون، وفي ظل الخوف والقلق يحتفلون. تدرك إسرائيل في ذكرى تأسيسها أن العالم من حولها قد تغير، وأن الظروف التي ساعدت على خلقها قد تبدلت، وأنها لن تتمكن في السير في عالمنا العربي، وتقطيع أوصاله، وتمزيق أطرافه، كما كانت تحلم وتخطط، كسكينٍ يمضي في الزبد الطري، أو كنزهةٍ في يومٍ مشمس، أو أن جنودها سيقومون برحلة صيدٍ وقنصٍ في الشوارع العربية، وأنها لن تجد مقاومةً تذكر، بل سيقابلها السكان بالورود وحبات الأرز، التي تنثر على دباباتهم، وتتساقط على خوذ جنودهم، الذين يتسابقون في التقاط الصور التذكارية لهم، وهم على ظهر دباباتهم، فالوقت الذي كانت تهيمين فيه إسرائيل على الشوارع العربية، بما تمتلك من قوةٍ وسلاح، قد أصبح شيئاً من الماضي، كما أن خيالها وأحلامها الذي كان يتحول دوماً إلى حقائق قد تبدد، وحلت مكانه حقائق جديدة، ومفرداتٌ أخرى، فالمقاومة العربية قد أفلتت من عقالها، وانطلقت من كمونها، وانتفضت بعد سكونها، وقد شبت على الطوق، فلم تعد تخيفها قوة، ولم يعد يمنعها نظام، ولا تحول بينها حكومات ودول، فقدراتها في تعاظم، وقوتها في تزايد، وعدد المنتمين لها، والمؤمنين بها يتضاعف يوماً بعد آخر، وقد تغير شكل المقاومة ووسائل قتالها، فلم تعد البندقية ولا القنبلة هي وسيلة القتال، كما لم تعد أهمية كبيرة للعبوة أو الاشتباك، فقد أصبحت المقاومة تمتلك مخزوناً كبيراً من الصواريخ، التي ستجعل منها يوماً أمطاراً تصيب كل إسرائيل، ولا تدع فيها بقعةً دون أن تنال منها، فلم يعد شمالها أو جنوبها في خطرٍ فقط، وإنما أصبحت المقاومة قادرة على تنال من القلب والوسط معاً، فضلاً عن دقةٍ في الإصابة للشمال والجنوب والوسط معاً، وقدرة أكبر على التدمير وتحقيق الأهداف المقصودة. تدرك إسرائيل أنها اليوم في مواجهة مع جيلٍ عربيٍ آخر، جيل لا يعرف المفردات التي حاولت أن تفرضها على شعوبنا، وأنها أمام جيلٍ لا يستسلم لخرفات العدو ومخططاته، ولا يؤمن بقدسية تلموده، ولا بقدرية بروتوكلاته، ولا يبالي بولاءات الغرب له، ولا مساندة الظلم لباطله، ولا يكترث بحالة الضعف التي تنتاب حكومات بلاده، ولا يرتهن إلى حالة العجز والجبن التي تقيد حكامه، فغابت عن الأجيال الطالعة، وقواميس المقاومة الفلسطينية والعربية، مفردات الهزيمة والضعف، وفقدان التوازن الاسترايجي، وعدم وجود تكافؤ في القوى، كما غابت مفردات الرحيل والهجرة واللجوء والنزوح، وحلت مكانها جميعاً مفردات القوة واليقين والإرادة والحزم، واستوطنت معاني أخرى ترفض النزوح والهجرة، وتتمسك بالأرض والوطن، ولو تحت سقف خيمة، أو في العراء، تحت الشمس أو عرضةً للمطر، وتدرك إسرائيل أن الأجيال العربية والفلسطينية الطالعة، هي أجيالٌ مقاومة، تتطلع إلى النصر والتحرير، وتؤمن بأن جهادها مقدس، وأن معركتها مع إسرائيل معركة عادلة، وتؤمن بأنها تخوض المعركة نيابةً عن الأمة وأجيالها، وأنها لن تتخلى عن القيام بواجبها، ولن تتنكب للأمانة الملقاة على عاتقها، وتؤمن المقاومة أنها تضحي في سبيل معاني سامية، وقيم نبيلة، وأن شهداءها في جنات الخلد، وأنهم لن يخسروا حياتهم إن هم قتلوا في معاركهم مع الدولة العبرية، دفاعاً عن وطنهم، وسعياً لنيل حقوقهم، بل سينتقلون إلى عالمٍ آخر، يزينه الأنبياء والصديقون وغيرهم من الشهداء، وهذه قوةٌ جديدة، لا تدرك إسرائيل كنهها، ولكنها تعرف خطرها، وتدرك أنها قوةٌ إيمانية شابةٌ متقدة، أصبحت تسري في عقول وقلوب الأمة العربية، وأنه لا قبل لها بمواجهة هذه الروح المتسامية، وهي ليست قوى دينية فحسب، بل هي مزيجٌ من الأحاسيس والمعتقدات الدينية والوطنية والقومية، وهي شئ مختلف عما عرفه أعداؤنا من قبل، إنه مزيجٌ يخلق القوة، ويصنع النصر. في الذكرى الستين لتأسيس الدولة العبرية انتاب الإسرائيليون خوفٌ شديدٌ على مستقبلهم، وتساءلوا عن جدوى مناعتهم الداخلية، وهل أنه مازال بمقدورهم الحفاظ على وجودهم الآمن والقوي في المنطقة، ذلك أنهم أصبحوا يدركون عوامل وآثار التغيير في المنطقة، وحجم المقاومة المتصاعدة، وحجم خسائرهم المتزايدة، ومدى التغير الحادث في الاستراتيجيات الغربية تجاهها، فجنح عددٌ كبير من كبار مفكريهم وقادتهم، إلى ضرورة استغلال الفرصة، والتوصل إلى اتفاقيات سلامٍ مع حكومات الدول العربية، ذلك أنها الطريقة الوحيدة لضمان استمرار وجود دولتهم، وأخذ مفكروهم في الترويج لأهمية القبول بمبادرة السلام العربية، وانتهاز فرصة الاجماع العربي للتوقيع عليها، لضمان اعترافٍ عربيٍ عام بالدولة العبرية، وتطبيعٍ شامل في العلاقات معها، بما يضمن قيام الحكومات العربية بمنع بل ومحاربة كل من يهدد أمن الدولة العبرية، بما يعني عدم قيام المقاومة الفلسطينية والعربية بأي أعمالٍ عسكرية أو أمنية، تعرض أمن إسرائيل للخطر، واليوم يجدد قادتها في ظل ذكرى تأسيس كيانهم الثانية والستين، أن قوتهم ليست هي الدرع الواقي، وأنه لا بد لها من البحث عن وسيلةٍ أخرى لحمايتها، والحفاظ على بقاءها. نيفٌ عن ستين عاماً قد مضت على قيام الدولة العبرية، التي أصبح لها وجود على الخارطة السياسية العالمية، كما أصبح لها علم وحكومةٌ وجيش، كما أصبح لها تمثيل وسفارات واعترافٌ دولي بها، ولكن غدها لن يكون بحالٍ كأمسها، وأيامها القادمات لن تكون كأيامها التي خلت، واستمتعت فيها وحدها بالقوة، فتغطرست وتمادت في الظلم والاعتداء، وأمعنت في جرائمها ضد الفلسطينيين والعرب، فقتلت وشردت ودمرت وصادرت وعاثت في الأرض فساداً، وما تقوم به اليوم من ممارساتٍ جديدة بالطرد والتهجير والمصادرة والاستيطان توسيعاً وبناءاً، فإنه سيعجل في مرحلة النهاية بالنسبة لها، وسيقودها إلى الشق الآخر من المنحنى، ولكنه سيكون منحنى الهبوط والانحسار، بعد سني الصعود والاستعلاء، وأنها ستكون في هذه المرحلة في مواجهةٍ مباشرة مع قوى المقاومة، التي وعدت أكثر من مرة بتغيير شكل الصراع، وحسم نتيجة المعركة، ورسم خارطةٍ جديدة للمنطقة، لن يكون فيها بالضرورة لإسرائيل مكانٌ، لا تحت الشمس ولا فوق الأرض. دمشق في 21/4/2010" /يحيي الإسرائيليون، بل اليهود كلهم، والحركة الصهيونية العالمية ومؤيدوها، الذكرى الثانية والستين وفق تقويمهم العبري لتأسيس كيانهم على أرض فلسطين، ويحتفلون معاً بعودتهم من جديد إلى أرض الميعاد، وهم يعتقدون أنها الأرض التي وعدهم إياها الرب، ومنحهم إياها دون غيرهم، وباركهم فيها، ورضي عنهم إذ أعادهم إلى "أورشاليم" من جديدٍ بعد آلافٍ من سنوات التيه والتشرد والضياع، وهيأ لهم طريق العودة لاستعادة الهيكل، والسكنى في أرض الآباء، معتقدين أنها أرضهم ووطنهم، وأنه لا حق لسكانها الأصليين فيها، إذ لا شئ يربطهم بها، ولا تاريخ لهم فيها، وإنما هم وافدين عليها، طارئين على تاريخها، غاصبين لتراثها ومقدساتها، وطالبوا العالم أن يصدق خرافاتهم، وأن يؤمن بأساطيرهم، وأن يسلم لهم بإدعاءاتهم، وأن يعترف بحقهم التاريخي والديني في أرض فلسطين، وأن يقبل بوجود كيانهم، وأن يعترف بالقدس عاصمةً لدولتهم، وباليهودية ديانة لسكانها، وبالإسرائيلية هوية لأهلها، والصهيونية إنتماءاً لصناعها ومؤيديها، وطالبت العالم أن ينكر وجود العرب في فلسطين، وألا يعترف بحقهم الأصيل المتوارث فيها، وألا يساندهم في نضالهم لاستعادة حقوقهم.
وإذ يحتفل الإسرائيليون بالذكرى الثانية والستين لتأسيس دولتهم، فإنهم يدركون أن كيانهم غير شرعي، وأنه محكومٌ عليه بالإنهيار، وأن دولتهم إلى زوال، طال الزمن أم قصر، وأن مستقبلهم في أرض فلسطين غير مأمون، وأنهم سيرحلون عنها كما رحل آباؤهم، وسيضطرون إلى التخلي عن أرض فلسطين لأهلها، وسيذعنون إلى الحق، وسيخضعون إلى عوامل التغيير، وقوانين الإبدال، فالفلسطينيون يعلنون كل يوم، أنهم لن يتخلوا عن أرضهم، ولن يتنازلوا عن حقهم، ولن يفرطوا في ثوابتهم وقيمهم، وسيواصلون مقاومتهم حتى يستعيدوا أرضهم، ويعودوا إلى بلادهم، ولن يدخروا وسيلةً في مقاومة المحتل، وأنهم لن يستسلموا لخيارات القوة، ولن يخضعوا لصيحات التهديد، ولن يقبلوا بواقعٍ يفرضه عليه عدوهم، ولن يساوموا على حقهم، ولن يتنازلوا عن عودتهم وأجيالهم إلى بلادهم، ويقينهم بالنصر على عدوهم يزداد عاماً بعد آخر، وحلمهم بالنصر والتحرير يتعاظم ويقترب، ويشعر الإسرائيليون وأنصارهم بأمارات هذا كله، ولذا يخافون ويقلقون، وفي ظل الخوف والقلق يحتفلون.
تدرك إسرائيل في ذكرى تأسيسها أن العالم من حولها قد تغير، وأن الظروف التي ساعدت على خلقها قد تبدلت، وأنها لن تتمكن في السير في عالمنا العربي، وتقطيع أوصاله، وتمزيق أطرافه، كما كانت تحلم وتخطط، كسكينٍ يمضي في الزبد الطري، أو كنزهةٍ في يومٍ مشمس، أو أن جنودها سيقومون برحلة صيدٍ وقنصٍ في الشوارع العربية، وأنها لن تجد مقاومةً تذكر، بل سيقابلها السكان بالورود وحبات الأرز، التي تنثر على دباباتهم، وتتساقط على خوذ جنودهم، الذين يتسابقون في التقاط الصور التذكارية لهم، وهم على ظهر دباباتهم، فالوقت الذي كانت تهيمين فيه إسرائيل على الشوارع العربية، بما تمتلك من قوةٍ وسلاح، قد أصبح شيئاً من الماضي، كما أن خيالها وأحلامها الذي كان يتحول دوماً إلى حقائق قد تبدد، وحلت مكانه حقائق جديدة، ومفرداتٌ أخرى، فالمقاومة العربية قد أفلتت من عقالها، وانطلقت من كمونها، وانتفضت بعد سكونها، وقد شبت على الطوق، فلم تعد تخيفها قوة، ولم يعد يمنعها نظام، ولا تحول بينها حكومات ودول، فقدراتها في تعاظم، وقوتها في تزايد، وعدد المنتمين لها، والمؤمنين بها يتضاعف يوماً بعد آخر، وقد تغير شكل المقاومة ووسائل قتالها، فلم تعد البندقية ولا القنبلة هي وسيلة القتال، كما لم تعد أهمية كبيرة للعبوة أو الاشتباك، فقد أصبحت المقاومة تمتلك مخزوناً كبيراً من الصواريخ، التي ستجعل منها يوماً أمطاراً تصيب كل إسرائيل، ولا تدع فيها بقعةً دون أن تنال منها، فلم يعد شمالها أو جنوبها في خطرٍ فقط، وإنما أصبحت المقاومة قادرة على تنال من القلب والوسط معاً، فضلاً عن دقةٍ في الإصابة للشمال والجنوب والوسط معاً، وقدرة أكبر على التدمير وتحقيق الأهداف المقصودة.
تدرك إسرائيل أنها اليوم في مواجهة مع جيلٍ عربيٍ آخر، جيل لا يعرف المفردات التي حاولت أن تفرضها على شعوبنا، وأنها أمام جيلٍ لا يستسلم لخرفات العدو ومخططاته، ولا يؤمن بقدسية تلموده، ولا بقدرية بروتوكلاته، ولا يبالي بولاءات الغرب له، ولا مساندة الظلم لباطله، ولا يكترث بحالة الضعف التي تنتاب حكومات بلاده، ولا يرتهن إلى حالة العجز والجبن التي تقيد حكامه، فغابت عن الأجيال الطالعة، وقواميس المقاومة الفلسطينية والعربية، مفردات الهزيمة والضعف، وفقدان التوازن الاسترايجي، وعدم وجود تكافؤ في القوى، كما غابت مفردات الرحيل والهجرة واللجوء والنزوح، وحلت مكانها جميعاً مفردات القوة واليقين والإرادة والحزم، واستوطنت معاني أخرى ترفض النزوح والهجرة، وتتمسك بالأرض والوطن، ولو تحت سقف خيمة، أو في العراء، تحت الشمس أو عرضةً للمطر، وتدرك إسرائيل أن الأجيال العربية والفلسطينية الطالعة، هي أجيالٌ مقاومة، تتطلع إلى النصر والتحرير، وتؤمن بأن جهادها مقدس، وأن معركتها مع إسرائيل معركة عادلة، وتؤمن بأنها تخوض المعركة نيابةً عن الأمة وأجيالها، وأنها لن تتخلى عن القيام بواجبها، ولن تتنكب للأمانة الملقاة على عاتقها، وتؤمن المقاومة أنها تضحي في سبيل معاني سامية، وقيم نبيلة، وأن شهداءها في جنات الخلد، وأنهم لن يخسروا حياتهم إن هم قتلوا في معاركهم مع الدولة العبرية، دفاعاً عن وطنهم، وسعياً لنيل حقوقهم، بل سينتقلون إلى عالمٍ آخر، يزينه الأنبياء والصديقون وغيرهم من الشهداء، وهذه قوةٌ جديدة، لا تدرك إسرائيل كنهها، ولكنها تعرف خطرها، وتدرك أنها قوةٌ إيمانية شابةٌ متقدة، أصبحت تسري في عقول وقلوب الأمة العربية، وأنه لا قبل لها بمواجهة هذه الروح المتسامية، وهي ليست قوى دينية فحسب، بل هي مزيجٌ من الأحاسيس والمعتقدات الدينية والوطنية والقومية، وهي شئ مختلف عما عرفه أعداؤنا من قبل، إنه مزيجٌ يخلق القوة، ويصنع النصر.
في الذكرى الستين لتأسيس الدولة العبرية انتاب الإسرائيليون خوفٌ شديدٌ على مستقبلهم، وتساءلوا عن جدوى مناعتهم الداخلية، وهل أنه مازال بمقدورهم الحفاظ على وجودهم الآمن والقوي في المنطقة، ذلك أنهم أصبحوا يدركون عوامل وآثار التغيير في المنطقة، وحجم المقاومة المتصاعدة، وحجم خسائرهم المتزايدة، ومدى التغير الحادث في الاستراتيجيات الغربية تجاهها، فجنح عددٌ كبير من كبار مفكريهم وقادتهم، إلى ضرورة استغلال الفرصة، والتوصل إلى اتفاقيات سلامٍ مع حكومات الدول العربية، ذلك أنها الطريقة الوحيدة لضمان استمرار وجود دولتهم، وأخذ مفكروهم في الترويج لأهمية القبول بمبادرة السلام العربية، وانتهاز فرصة الاجماع العربي للتوقيع عليها، لضمان اعترافٍ عربيٍ عام بالدولة العبرية، وتطبيعٍ شامل في العلاقات معها، بما يضمن قيام الحكومات العربية بمنع بل ومحاربة كل من يهدد أمن الدولة العبرية، بما يعني عدم قيام المقاومة الفلسطينية والعربية بأي أعمالٍ عسكرية أو أمنية، تعرض أمن إسرائيل للخطر، واليوم يجدد قادتها في ظل ذكرى تأسيس كيانهم الثانية والستين، أن قوتهم ليست هي الدرع الواقي، وأنه لا بد لها من البحث عن وسيلةٍ أخرى لحمايتها، والحفاظ على بقاءها.
نيفٌ عن ستين عاماً قد مضت على قيام الدولة العبرية، التي أصبح لها وجود على الخارطة السياسية العالمية، كما أصبح لها علم وحكومةٌ وجيش، كما أصبح لها تمثيل وسفارات واعترافٌ دولي بها، ولكن غدها لن يكون بحالٍ كأمسها، وأيامها القادمات لن تكون كأيامها التي خلت، واستمتعت فيها وحدها بالقوة، فتغطرست وتمادت في الظلم والاعتداء، وأمعنت في جرائمها ضد الفلسطينيين والعرب، فقتلت وشردت ودمرت وصادرت وعاثت في الأرض فساداً، وما تقوم به اليوم من ممارساتٍ جديدة بالطرد والتهجير والمصادرة والاستيطان توسيعاً وبناءاً، فإنه سيعجل في مرحلة النهاية بالنسبة لها، وسيقودها إلى الشق الآخر من المنحنى، ولكنه سيكون منحنى الهبوط والانحسار، بعد سني الصعود والاستعلاء، وأنها ستكون في هذه المرحلة في مواجهةٍ مباشرة مع قوى المقاومة، التي وعدت أكثر من مرة بتغيير شكل الصراع، وحسم نتيجة المعركة، ورسم خارطةٍ جديدة للمنطقة، لن يكون فيها بالضرورة لإسرائيل مكانٌ، لا تحت الشمس ولا فوق الأرض.
دمشق في 21/4/2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.