تاركًا وراءه أزمةً كبيرةً تتمثّل في معتقل جوانتانامو, رحَل جورج بوش وخلفه أوباما ليعلن إنهاء سياسة الاعتقال وانتهاج سياسة استخدام طائرات بدون طيار لقَتْل ما يُسمِّيهم الأشرار بدلًا من احتجازهم. في عام 2001 صاغ "تشارلز كراوتهامر" لأول مرة عبارة "مبدأ بوش", والذي ارتبط في وقت لاحق بشكل كبير بالتجاوزات القانونية التي عُرِفت ب "الضربة الاستباقية". هذا المبدأ حاولت الإدارة السابقة من خلاله ترسيخ مخاوف الأمن القومي، وانتهاج سياسة الاعتقال الخارجة عن القانون، في أي وقت وأي مكان في العالم بأَسْرِه للحفاظ على المصالح الأمريكية. صفعةٌ ل "نوبل" ومع قدوم عهد جديد برزت على الساحة الرغبة الطموحة لإغلاق معتقل جوانتانامو, ولهذا السبب الضِّمْنِي سلّمت لجنة نوبل للسلام أوباما جائزتها على اعتبار ما سيكون لاحقًا. للأسف, لم يكن ما شهدناه سوى فَجْرٍ كاذب, فقد تحدَّثت مع محامي معتقلو جوانتانامو, وأنا على اتصال بهم, وقد أعربوا عن قلقهم واستيائهم لما تَسْتعدّ إدارة أوباما للقيام به، مما لم يتوقعه أحد, وهو إرسال المعتقلين إلى اللجان العسكرية, وهذا القرار من شأنه أن يُفقِد أوباما جميع الدعم الذي حازَه داخل مجتمع حقوق الإنسان. والأَسْوأ من ذلك, أنّه ومع بداية عهد أوباما ظهرت توجُّهات جديدة أكثر خطورةً من تلك التي كانت تنتهجها إدارة بوش, وقريبًا صارت عمليات القتل المخالفة للقانون والاغتيالات التي تقوم بها الإدارة الجديدة نقطة خلاف رئيسية يتعيَّن على إدارة أوباما تبريرها. وعلى الرغم من أنّ بوش كان معروفًا بدَعْمِه لمثل هذه السياسات, فإنّ الاستخدام الواسع لطائراتٍ بدون طيار في عهد أوباما زاد من حصيلة القتلى إلى مستوى لم نشاهده من قبل. شرعنة القتل وفي محاولة لتبرير وإضفاء الشرعية على هذه العمليات, زعم "هارولد كوه" (المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية) في 25 مارس 2010، خلال خطابه في الاجتماع السنوي أمام الجمعية الأمريكية للقانون الدولي، أنّ ما تقوم به الإدارة الجديدة من تلك العمليات، ومنها استخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف أشخاص واغتيالهم، تَتَطابق مع جميع القوانين السائِدة بما فيها قوانين الحرب, وقد تذرَّع "كوه" بأنّ القاعدة لم تتخلَّ عن عزمها في مهاجمة الولاياتالمتحدة، وبالتالِي- والكلام على لسان "كوه"- فإنّ الولاياتالمتحدة لديها الحق في استخدام القوة في هذا النزاع المسلَّح المستمر, بما فيها المميتة؛ للدفاع عن نفسها، ويتضمن هذا أيضًا عمليات الاغتيالات المستهدفة. هذه المُبَرّرات التي طرحها "كوه" تُعِيد إلى الأذهان ما استخدمه "جون يو" (المسئول السابق بوزارة العدل في عهد بوش) من براهين لإضفاء الشرعية على الممارسات غير القانونية مثل تسليم المطلوبين والاعتقال التعسُّفي والتعذيب. ويعزو السبب الرئيسي للقلق من تصريحات "كوه" هو الإشارة بأنّ نطاق الحماية التي تعطي الحقّ للولايات المتحدة القيام بمثل هذه العمليات في أي مكان في العالم مازال مستمرًا إبّان عهد أوباما. أما عن قوانين الحرب التي يتحدث عنها كوه, فإنّها لا تسمح مطلقًا باستهداف أفراد مدنيين خارج مناطق النزاع, برغم أننا نجد تنفيذ عمليات اغتيال خارج النطاق القانوني للصراع مثل اليمن والقرن الإفريقي وباكستان. حيث (واحد من كل ثلاثة من المدنيين) هي تقديرات الخسائر في الأرواح التي أعلنتها المؤسسات التي تمثل المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة, وهذا ما يتعارض مع الإحصائيات الرسمية الباكستانية والتي أعلنت مقتل ما يزيد عن 58 مدنيًا كل شهر خلال عام 2009. تلاشي الأمل وبغضّ النظر عن هذه الإحصائيات والأرقام فإنّ مسوِّغ استخدام هذه العمليات ما هي إلا "تبريرات واهية" وضعيفة للغاية حيث إن الإصابات في صفوف المدنيين أكثر مما ينبغي لتبرير الاستمرار فيها, ومن الناحية القانونية والأخلاقية نجد أنّ المنطق الذي قدَّمته وزارة الخارجية لتبرير تلك العمليات هو منطق مفلس وعقيم ولا يعزّز سوى الصورة النمطية التي تؤكّد اهتمام الولاياتالمتحدة بمصالحها الخاصة فحسب. لقد طرأ على مبدأ أوباما تطورات جديدة كانت ترفضها إدارة بوش, لذا فقد تلاشَى الأمل الذي ظهر مع انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة بعد اكتشاف أن سياساته تُشير إلى إعادة صياغة تشكيل الثوابت الأساسية التي حرص عليها بوش في عقيدته ومبدئه والذي يقوم على أنّ المصالح الوطنية للولايات المتحدة فوق أي اعتبار للشرعية أو المبادئ القانونية. عاصم قرشي الإسلام اليوم/ خاص الاربعاء 07 جمادى الأولى 1431 الموافق 21 إبريل 2010